بعد خوضي عدة تجارب عملية من خلال إخراج ثلاثة افلام قصيرة ومشاركتي
ببعضها في مهرجانات عديدة عربية ودولية كنت استمع باهتمام إلى ملاحظات
البعض وادركت أني أسرفت في بعض المشاهد بالموسيقى وان ذلك كان أمرا سلبيا
وان الصمت او المؤثر الصوتي قد يحمل دلالات اكثر من الموسيقى، ومع تقدمي في
بحثي رسالة الدكتوراه اكتشفت الكثير من الاطروحات النظرية والعملية بعضها
لا يحبذ فكرة إدخال الموسيقى الا للضرورة او لابراز دلالة اخرى، لنضرب مثلا
السينمائي الرائد الفرنسي روبيرت بريسون والذي كان يبخل كثيرا في استخدام
الموسيقى ويعتمد بشكل اساسي على قوة الصورة ويرى من العيب استخدام الموسيقى
لتقوية الصورة او شرحها او احداث تأثير الصورة قادرة على ايصاله لوحدها، في
افلام لويس بونويل قد تحمل الموسيقى نوعا من التشتيت او الاضطراب وقد تكون
مخالفة لمضمون وشكل الصورة وقد يكون هدفها منع وصول معنى محدد للصورة وهي
عنصر ليس تكميليا او زخرفة بل لها القوة والقدرة في ايصال معاني جديدة وعكس
دلالات ميتافيزيقية.
في السينما العربية ما زال لدينا مفهوم خاطئ عن دور الموسيقى
باعتبارها جزءا تكميليا او شرحا اكثر من اجل ايضاح الصورة، لسنا هنا بصدد
دراسة شاملة لهذا وسنكتفي باخذ نموذج لفيلم" كلاشينكوف" من اخراج رامي امام،
فكرة الفيلم جيدة لكن السيناريو الهش والضعيف دمر الفكرة وجاءت الموسيقى
باستخدامها والاسراف فيها لتقضي على ما بقي من روعة الفكرة وتفسدها.
في هذا الفيلم مع كل مشهد نسمع مقطوعة موسيقية حزينة او فرحة او سريعة
ولعل هدف المخرج تقوية الصورة ودفعنا للتفاعل مع الحدث او الحالة ولعله ظن
ان هذا الاسلوب سيقوي الفيلم ويجعله شيقا ومرغوبا، لكن اظن ان العكس هو ما
حدث وليته لم يسرف بهذا الاستخدام العشوائي للموسيقى والتي دمرت فيلمه ولم
تضف له اي شيء وليته ركز أكثر على الاداء واعطى للشخصيات حقها من الحضور
خصوصا الممثلة غادة عادل فهي ممثلة رقيقة وجذابة وعفوية، وكنا نرغب في بعض
الاوقات الاقتراب منها اكثر والتركيز على وجهها لنحس بها اكثر، كذا شخصية
(عادل) الذي يقوم باداء الشخصية الممثل محمد رجب لكن المخرج للاسف لم
يستثمر الشخصيات والاماكن بشكل جيد ولعل هذا دفعه في الاخير للاكثار من
استخدام الموسيقى.
قصة الفيلم باختصار تحكي حياة شاب يقع ضحية لعصابة مافيا تستخدمه
للقتل.. يقوم بتنفيذ عدة عمليات بمهارة .. بعدها يكتشف نفسه يقع في حب فتاة
مذيعة تقدم برنامجا مثيرا يطلب منه رئيس العصابة قتلها.. يرفض ويسعى
لحمايتها ويدعي انه ضابط من امن الدولة ويجابه المصاعب ويحاول ان يحكي لها
سره .. هي ايضا لها سر لا يعرفه احد كونها مطلقة وام لطفل صغير وطليقها هو
من يعمل على قتلها ليحوز على التامين.
اي نحن امام سفاح صنعته الظروف ليتحول الى ملك الموت ولكن ما ان يقع
في حب هذه الفتاة ليتحول الى ملاك لكن الفيلم حصر هذا التحول والرفض للقتل
بعدم قتل المذيعة اي لم يكن تحولا شاملا في حياته ولم نشعر بان الحب جعله
يندم ويراجع مسار حياته، لسنا هنا بصدد محاكمة السيناريو، تعالوا بنا نرى
كيف افسدت الموسيقى هذا الفيلم؟
البداية كانت في كباريه او مطعم وتم استثمارها لعرض مشهد اشبه بوصلة
فيديو كليب يمكننا ان نتجاوز المقدمة ونرى انها مقنعة،مع استلام عادل باكيت
يحتوي على امر للقتل بصورة غير مباشرة يغادر المطعم نسمع ضربات موسيقية في
الشارع، عادل بسيارته تصاحبه مقطوعة موسيقية، يصل عادل للعمارة نرى جارته
تنزل بالمصعد يصعد معهم تتواصل الموسيقى لتصاحب الاحداث، دائما للموسيقى
حضور طاغي ليتها صمتت للحظة واحدة، مثلا عندما ياخذ الكلاشينكوف ويعده
لتنفيذ المهمة لكن الموسيقى ظلت تهطل كالمطر وتظل كخلفية للحوار والاحداث.
قضت ودمرت الموسيقى الاحداث في المشاهد الاولى مشهد المطاردة او مشهد
القتل البشع، كان بمقدور الصورة ان تقوم باداء المهمة وان يكون تأثيرها
اكبر دون الحاجة إلى شريط الموسيقى وكانت هناك مؤثرات صوتية اكثر قدرة
لمصادقة ومصاحبة الصورة وجعلنا نحس بها ككائن حي، لكن المخرج لم يعر
انتباها للمؤثرات الصوتية العادية الموجودة بالحياة مثل حركة الشارع، مشي
الاقدام، صعود المصعد، صوت الخلاطة بشقة عادل، اطلاق الرصاصة وتهشيمها لراس
كائن حي، تتحول الموسيقى وتدفقها او تقهقرها للحظات ثم العودة بالظهور
لعامل مزعج لا معنى ولا دلالة له، كاننا امام مخرج ليس مقتنعا بالصورة التي
صورها والاحداث التي صنعها ليضيف لها هذا الكم الرهيب من الموسيقى.
لسنا امام فيلم غنائي او موسيقي لنجد العذر لهذا الاجراء، والموسيقى
ليست من البيئة التي تعيشها الشخصيات ولا علاقة لها بالمكان ولا الزمان ولا
الحدث ولا الشخصيات، هي من النوع الغربي واحيانا تكون في شكل ضربات،
التشويق الاثارة ليس بهذا الاسلوب كونه هنا اسلوب الضعيف الذي يحس بضعف
صورته او يشك في عدم استيعاب المتفرج لها وهي عنصر تكميلي ويمكننا ان نشبهه
بالمكياج الثقيل والمبالغ فيه لفتاة ربما يكون وجهها اجمل من دونه.
القصة تسير في التصعيد بشكل طبيعي ونكتشف مع تقدم الاحداث العلاقات
والشخصيات وهناك ايهام ذكي ليجعلنا بعدها نقتنع ان تهديد المذيعة (هند )
ناتج من قضية كبيرة وليس لسبب شخصي نكتشفه في نهاية الفيلم، لدى عادل اذن
حاسة وحاسة ذكية باستخدام عينه كان من الممكن استثمار هذا بشكل افضل ويكون
للمؤثر الصوتي دور اكبر وحضور حي وحيوي لكن الموسيقى تأتي لتزاحمه وتقضي
عليه وتسجنه بل تسجن الصورة في قالب محدد ضعيف وهش.
الاستخدام المبالغ للموسيقى قضى على جهود الكاميرا وسعيها الذكي في
بعض الاحيان لاخذ مواضع مختلفة وزوايا جيدة لإبراز الحدث وعرضه، حتى
اللقطات القريبة للوجوه في بعض الاحيان او للاشياء هي تحمل تأثيرا ساحرا لم
نستطع الاستمتاع بهذه اللقطات وكان استخدام الصمت او الصوت العادي
والمؤثرات الطبيعية المحيطة افضل .
نوع الموسيقى المستخدم لم يفرق بين المكان الداخلي والخارجي، لم يفرق
بين حدث واخر ولا بين حالة وحالة وهي تسير في مسار واحد هي ثرثرة زائدة
مزعجة قتلت الكثير من اللحظات الحساسة، لنضرب مثلا بسيطا عند قتل (يوسف
حسين) وسقوط راسه على مقود السيارة ونتوج مؤثرا صوتيا رائعا لو ان المخرج
كتب لهذا المؤثر الحياة صمت الشارع وصوت مزمار السيارة، اي نحن في مشهد
يجمع بين الحياة والموت في اللحظة نفسها فالشارع حي ومكتظ بالناس ولحظة
تسقط شخصية ميتة .
كاميرا ديناميكية لا تقبل الجمود هي تنظر للشخصيات من قريب ومن بعيد
حتى اللقطات الحوارية تحاول ان تتحرك لتراها من جهة اخرى هذا امر جيد وعامل
جذاب وكان من المفروض الثقة بها وفيها كونها كانت قادرة على الامساك بنا
وقيادتنا الى الاحداث واكتشاف الشخصيات دون هذا التشويش المزعج والممل
للموسيقى والتي حولت في بعض الاحيان المشهد السينمائي الى مشهد تلفزيوني،
اي انها هنا قتلت اللغة السينمائية وذبحتها وما ان نرتاح لثوان قليلة من
هذا الازعاج ونشعر بحياة الصورة حتى يبحث المخرج عن مبرر جديد لعودة
الموسيقى، مثلا في المشهد الذي يكون عادل بصحبة الطفل شادي بالسيارة
لاصطحابه للمدرسة يقوم شادي باعطاء عادل شريط سي دي لتشغيله، تكون النتيجة
موسيقى صاخبة اثناء قيادته السيارة بشكل حذر ومتعرج، لا اظن ان المخرج حسب
حساب الموسيقى اثناء مناقشة السيناريو او الاعداد للفيلم بل نحس بان
الاختيارات كانت بعد الانتهاء من المونتاج اي انها لم تكن احد العناصر
الاساسية بالفيلم ولعلها جاءت كاجراء اخير للاسف كان اجراء واختيارا غير
موفق وغير مناسب اي انها كانت تاتي في المكان والزمان غير المناسب.
لو حسبنا بشكل بسيط وسريع مدة اللقطات دون موسيقى فانها لا تتعدى عشرة
بالمئة من الفيلم لم احسبها بشكل دقيق، لكن هذا انطباع لاي متفرج وكانها
جاءت للقضاء على العيوب لكنها اصبحت عيب الفيلم الاساسي، هناك لحظات حياتية
صادقة فقدت مصداقيتها بهذا الاسراف، منها مثلا وجود خالد مع هند واختها
وقيامه بالطبخ، هناك لحظات نحس بان الكاميرا تبتعد عن هند ولا تظهر وجهها
بشكل قريب رغم جمال الوجه ولكن المكياج الزائد ايضا افسد علينا متعة تحسس
هذا الوجه.
اللحظات الانسانية ولحظات الخلوة مع الذات من المناسب ان ترافقها
لحظات صمت او مؤثرات حياتية بسيطة، واللحظات الرومانسية قد لا تخدمها
مرافقة اغنية حتى وان كانت عاطفية، علينا الا ننتزع الشعور والاحساس من
المتفرج لندخله الى هذا المحيط، الممثل والاداء والمكان والايحاءت والكلام
قادر على التاثير فينا مع وجود عنصر الصدق ولنقل عنصر الحياة كون السينما
ليست اعادة او تصويرا لاحداث حياتية بقدر ما هي خلق وقراءة هذه اللحظات
والتوغل في روح الذين يعيشون معنا ويرافقوننا على سطح الشريط .
لحظات الرعب والخوف هي الاخرى قد لا تكون بحاجة إلى مساندة الموسيقى،
يمكننا العودة لافلام "هتشكوك" فهناك لحظات مفزعة كان الصمت سيد الموقف
ويخلق نوعا من التاثير لنصبح جزءا من المكان ونتعاطف اكثر مع الشخصية بل
لنحس بانفسنا مكانها في هذه المواقف العصيبة، وكذا في المواقف الرومانسية
فهي اكثر تاثيرا وانسانية دون بهرجة زائفة وعناصر دخيلة لا معنى لها.
هذا الفيلم نموذج حي افسدته الموسيقى وشنقت روحه بشكل مقزز ويظهر ان
الفعل كان بحسن نية ظنا من صناع الفيلم بان هذا سيرتقي بالفيلم، لكن للاسف
كان له تاثير عكسي وسلبي ولو اننا نملك فرصة لمشاهدة هذا الفيلم دون موسيقى
فربما يكون اكثر تاثيرا .
aloqabi14000@hotmail.com
إيلاف في
05/07/2010
ثقافات / سينما
بن عمار: السينما التونسية تفتقر للدعم والسينما المصرية
مولتها البنوك
امال الهلالي من تونس
عرض المخرج التونسي عبداللطيف بن عمار شريطه الجديد"شامة النخيل
الجريح" للإعلاميين في تونس ويأتي هذا العمل بعد غياب دام تسع سنوات برره
بن عمار بغياب مصادر الدعم ورفض رؤوس الأموال والمحطات التلفزيونية الخاصة
في تونس الاستثمار في السينما ويضيف قائلا"مع الأسف باستثناء وزارة الثقافة
التونسية ترفض القنوات التلفزية الخاصة كنسمة تي في وحنبعل تمويل الأفلام
التونسية رغم انه من واجبها فعل ذلك على عكس السينما المصرية التي أثبتت
مكانتها على الساحة العربية والعالمية بسبب وعي رؤوس الأموال والبنوك التي
تعد من أهم الممولين لها"
بن عمار أكد خلال تقديمه الشريط أن العمل لا يكتسي أي بعد تجاري بل
يحمل همومه الشخصية والتزامه كمبدع ومثقف بطرح قضايا جادة تكشف واقع
العالم العربي المأزوم ويضيف" هل علينا أن ننخرط جميعا في موجة الترفيه
والتسطيح أنا لايمكنني أن أدير ظهري لقضايا تهم بلدي بدعوى أن نمط
الإستهلاك الطاغي اليوم سطحي وسريع"
وحول موضوع شريطه الجديد "شامة النخيل الجريح" يقول بن عمار إنه يسلط
الضوء على قضية حساسة للغاية تتعلق بتزييف التاريخ والذاكرة الوطنية من
طرف بعض المؤرخين الرسميين وهو التاريخ الذي لم يترك للمواطن العربي
المراجع التي تخص ماضيه. ويضيف"مع الأسف المنتصرون فقط هم الذين يكتبون
التاريخ" وقد واجهتني عدة صعوبات للحصول على محامل سمعية بصرية من تاريخ
حرب بنزرت الموجودة في أرشيفات المكتبات الفرنسية.
بن عمار صرح أن رسالته في الفيلم موجهة بدرجة أولى للشباب التونسي
والعربي بضرورة الوعي بتاريخ بلاده وتاريخ العالم العربي بشكل عام
ويضيف"لو سألت الناس عن سر تلك الثقوب الموجودة في النخيل المتراصف في
الشارع الكبير في بنزرت لاجابك البعض أنها بسبب عوامل المناخ والطقس
والحقيقة أن تلك الثقوب ناتجة من اختراق الرصاص لجذوعها لتكون الشاهدة
ليومنا هذا على معركة بنزرت".
ملخص الفيلم
تدور أحداث "النخيل الجريح" في مدينة بنزرت شتاء سنة 1991، وحرب
الخليج الأولى تدق طبولها، يعهد "الهاشمي عباس" بمخطوط كتابه عن حرب بنزرت
إلى "شامة" لرقنه ، فتاة يتيمة الأب منذ كانت رضيعة، متخرجة حديثا في
الجامعة التونسية بإجازة في علم الإجتماع لم تضمن لها العثور على وظيفة
قارة.
تحس "شامة" وهي ترقن المخطوط برغبة جامحة في الغوص أكثر فأكثر في
أحداث حرب بنزرت التي فقدت فيها والدها العامل النقابي البسيط بالسكك
الحديدية وأحد آلاف المتطوعين الذين ماتوا في الحرب ممن نسيهم المؤرخون
وغفلت عنهم كتب التاريخ...
وخلال مراحل تقصيها تكتشف "شامة" بنزرت، دليلها في بحثها "خليل" إبن
أحد أصدقاء والدها الذين يقدمون لها رواية مغايرة لوقائع حرب بنزرت مطلع
الستينات...
رحلة يقترب فيها "خليل" شاب تونسي إبن عصره، من "شامة" فتتطور
صداقتهما الهادئة إلى علاقة حب عميقة.
وفي بنزرت "عاصمة الجلاء"، يتجدد لقاء "شامة" بصديقتها الجزائرية
"نبيلة" وزوجها "نورالدين"، الموسيقي الذي وجد في تونس الملاذ الآمن وجدار
الصد الأخير ضد العنف والتطرف في تلك المرحلة من تاريخ الجزائر...
ومع كل ورقة من مخطوط "الهاشمي عباس" عن حرب بنزرت، تكتشف "شامة" كيف
يعمد بعض "المثقفين" إلى تزوير التاريخ لينسبوا إلى أنفسهم مجدا لا نصيب
لهم فيه وشرفا لا يستحقونه، فهل ستتوقف عند إكتشاف الحقيقة وهل ترضى "شامة"
لنفسها برقن تاريخ مزور كتبه "المنتصرون"؟
الفيلم من بطولة ليلى واز وجوهر الباسطي ناجح ناجح من تونس وريم
تاكروشت وحسان قشاش من الجزائر إضافة إلى مشاركة وجوه فنية قديرة كالمخرج
النوري بوزيد والفنان المسرحي لسعد بن عبد الله والشاعر الصغير أولاد
حمد.
"شامة النخيل الجريح" سيفتتح فعاليات الدورة السادسة والأربعين
لمهرجان قرطاج الدولي في الثامن من يوليو الجاري في إطار احتفالات تونس
بالسنة الوطنية للسينما.
إيلاف في
05/07/2010 |