بدأت بوادر الفشل في حفل افتتاحٍ مُحزنٍ حضره 20% ممن اعتدنا على
حضورهم في الدورات المُنصرمة، وتابع عرض فيلم الافتتاح ما لا
يزيد على عشرين شخصاً
فقط، وأقلّ من ذلك بكثيرٍ خلال معظم العروض التالية، باستثناء الفيلمين
المصريين
المُشاركيّن (واللذين لم يتجاوز عدد من شاهدهما مجتمعين تسعين
شخصاً)، حتى
أن السفيرة
الجزائرية في هولندا شاهدت فيلم "الحراقة" لمخرجه الجزائري "مرزاق علواش"
مع أربعةٍ
آخرين فقط، فيما شاهد فيلم "أمريكا" لمخرجته الفلسطينية "شيرين دعيبس"
الحائز جائزة
أفضل ممثلة (التي سمتها تقارير كتبة المهرجان الصحفية "نسرين فارو" بدلاً
من "فاعور")
تابعه خمسة أشخاص، نصفهم من أعضاء لجنة التحكيم، تسبب كلّ ذلك برعبٍ
للإدارة، حملها على نقل حفل الختام من القاعة المُعلن عنها في
البرنامج، والكاتالوج
إلى قاعةٍ أصغر. ولم يُسعف استقدام مغن فلسطيني في جذب بعض الجمهور، إذ بدأ
حفل
الختام بـ 150 شخصاً، وانتهى بخمسين.
وعلى غرار الدورات المُنصرمة، لم تكن
قرارات لجنة التحكيم بعيدةً عن النزاهة، لم تشهد الأفلام الوثائقية تنافساً
حقيقياً
حيث لم يُستكمل عرض أحدها- "شكري"- بسبب رداءة النسخة )وهو بالمُناسبة من
إنتاج
رئيس المهرجان ومديره "خالد شوكات"، وإخراج أحد مُستشاري المهرجان- "أسعد
الوسلاتي"- والذي تمّ تمرير مُشاركته خلسةً عن المُتسابقين الأخرين)، وفيما
تمّ
تجاهل سحب فيلماً آخر هو "ميناء الذاكرة" برغبة مخرجه "كمال الجعفري"، مما
قلص عدد
الأفلام المُتنافسة من ستةٍ إلى أربعة.
أما بالنسبة إلى الأفلام الروائية، فإنّ
قرارات لجنة التحكيم كانت بعيدة عن التأثير هذه المرة أيضاً، ولعلّ عدم
مقدرة
الصديق د.مدكور ثابت رئيس اللجنة على إقناع باقي الأعضاء بمنح فيلم "واحد-
صفر"
للمخرجة الموهوبة "كاملة أبو ذكري" جائزة المهرجان دليلاً آخر على نزاهة
لجنة
التحكيم. ولكنّ الخلل الكبير، والفضيحة تمثّلا في "استحداث" لجنة تحكيمٍ
جديدة،
لُفِّقت في آخر لحظةٍ لكي يفوز هذا الفيلم بجائزتها، ولتحظى ممثلته "إلهام
شاهين"
بجائزة أفضل دور نسائي، وهو أمرٌ يُحيلنا إلى سلوك العديد من المهرجانات
الرسمية
العربية، أو إلى الطبعات الرديئة من مهرجانات التلفزيون،
والأزياء، حيث تُفصّل
الجائزة على مقاس أناسٍ محددين.
لا شكّ في أنه من حقّ الخط التجديديّ للإدارة
"العتيدة" التي اغتصبت المهرجان (أربعةٌ من أصل خمسةٍ من الهيئة
الإدارية استقالوا
بسبب غياب الشفافية الإدارية، والمالية، واستُبعد مديره الفنيّ ومديرته
الإدارية مع
عددٍ من أهمّ عامليه) أن يستحدثَ لجنة تحكيمٍ جديدة، ولكن بشرط أن تتمّ
الإشارة إلى
ذلك في الكتالوج، وفي النظام الداخلي للمهرجان، أو على الأقلّ
أن يُعلن عن ذلك خلال
حفل الافتتاح، أو في وسائل الإعلام، ولكن أن تظهر فجأةً قبل الاختتام بيومٍ
واحدٍ،
ووسط تسربٍ عن وجود خلافٍ بين أعضاء لجنة التحكيم حول الفيلم الفائز، فأن
ذلك أمر
لا يبعث على الريبة فقط، بل يؤكد على أنّ اللجنة تشكلت لمُحاباة الفنانة
القديرة
"الهام شاهين" التي كانت النجمة الوحيدة التي لبّت دعوة المهرجان، حدا
هذا التجاوز
الفاضح للأعراف، والتقاليد بالمدير الفني للمهرجان، الذي حلّ محلي هذا
العام،
الزميل "حسونة المنصوري"، لأن يحزم حقائبه، ويغادر إلى "أمستردام" مستقيلاً
من
المهرجان، بعد أن علم بأمر هذه اللجنة بالمصادفة، وبعد تراكماتٍ شهدتها
علاقته مع
مدير المهرجان، ابتدأت برفض الزميل "حسونة" إشراك فيلم "شكري"
في مسابقة المهرجان،
ولم تنتهِ بفضيحة اللجنة المُبتكرة.
يعتبر فيلم "واحد صفر" واحداً من أهم
الأفلام المصرية، والعربية التي أُنجزت خلال العام المُنصرم، وتكفيه فخراً
مُشاركته
في مهرجان فينيسيا (فئة "آفاق") العريق، وشهادة كبار النقاد العرب،
والجوائز التي
حصدتها بطلته الفنانة "الهام شاهين"، إلا أن الفنانة، وفيلمها في غنى عن
تلفيق
لجنةٍ غير شرعية لمنحهما جائزة مشكوكاً بأمرها.
وتجدرُ الإشارة إلى أنّ اثنين من
أعضاء هذه اللجنة "الطارئة" يعملان في المهرجان (محمد حياوي مدير التحرير،
ومصطفى
ياسين مُستشار المهرجان)، ولا عذر لأعضاء اللجنة الثلاثة الذين وقعوا في
مصيدة
إدارة المهرجان.
حاولت إدارة المهرجان ابتكار أفكار جديدة، جاء بعضها فاشلاً،
وبعضها الآخر مكرراً، فقد أعلنت عن برنامج لسينما الحركة من
مصر، ولكنها لم تُحضر
أيّ فيلم لهذا البرنامج، كذلك أعلنت عن برنامج السينما التركية الجديدة
الذي تمخض
عن فيلم يتيم من إنتاج عام 2007، وفي السياق عينه، كانت الوعود بحضور نجوم
سينما
عرب لفعاليات المهرجان، الأمر الذي لم يتحقق، والمعرض السياحي
العقاري الذي لا
وظيفة له سوى "اصطياد" بعض الممولين، والذي لم يقم بدوره، وما دعوة الفنان
الفلسطيني أبو عرب، وإقامة معرض لخمسة فنانين تشكيليين إلاّ محاولة لم
تستطع تعويض
جمهور المهرجان التقليدي الذي قاطع الدورة الحالية بشكلٍ واضح فاق التوقعات.
على
الإدارة الجديدة أن تُجيب على تساؤلات الضيوف، والمُتابعين حول ما الذي حدا
بهذا
الحدث الرائع ليبدو خاوياً ؟
وما الذي غيّب 17 من عامليه الأصلاء؟
وما الذي
حال دون حضور أهمّ وجوهه السينمائية العربية في هولندا؟
ثم لماذا لم يحضر من
لازم سنواته التسع؟
لماذا لم نرّ خليل شوقي، وهادي الراوي، وكريم طريدية،
ومحمود المساد، ومحمد موسى، وخالد الزهراو، وحميد حداد، وسعد جاسم الزبيدي،
وصائب
سلامة؟
ولماذا لم يستطع المهرجان إقناع قاسم حول، وهادي الراوي، وكريم طريدية
بحضور الاحتفال العاشر باعتبارهم أعضاء في لجان تحكيمه لسنوات
خلت؟
ولماذا لم
تحضر الوجوه السينمائية الهولندية والأجنبية؟
وما الذي غيّب الجمهور العراقي
الذي شكل حجر الزاوية في جميع سنواته التسع؟.
العلامة بدأت في القاهرة عندما خان
الذكاء أعضاء الإدارة الجديدة، وحاولوا إيهام العديد بأن ما حدث هو مجرد
تغيّير
روتينيّ بسيط، وأقاموا حفلاً احتفاءً بذكرى المهرجان العاشرة، إلا أن مصر
أدارت
ظهرها لهذا الاحتفال البائس، فتمخض الجبل، وولدَ فأراً، إذ رغم
توجيه الدعوات
لعشرات المخرجين، والنجوم، والفنانين ممن شهدوا المهرجان،
إلا أن الفضائيات العديدة
التي بلعت الطعم شهدت على ذلك الفشل الذريع، فالصور المنشورة
تفضح الغياب الكبير،
ونتساءل مرةً أخرى، لماذا قاطعَ الاحتفال، أو تجاهله عدد كبير ممن زار
مهرجان
روتردام في سنواته السابقة؟
ولماذا غاب جميع المخرجين الفائزين بجوائزه (مجدي
أحمد علي الفائز بجائزتين، هالة خليل التي فازت مرتين، تامر السعيد الذي
فاز
بجائزتين في سنة واحدة، وغيرهم الكثير كأسامة فوزي، هالة جلال، هالة لطفي،
تامر
عزت، محمود سليمان، هاني خليفة، رامي عبد الجبار، إبراهيم
البطوط، مها شهبة، وشريف
البنداري)؟
لكلّ من هؤلاء قصة مع إدارة المهرجان، فهالة خليل، وكريم فانوس،
وتامر السعيد استلموا جوائزهم المالية بعد سنةٍ من الإلحاح،
ولمحمود سليمان خلاف مع
الادارة تتعلق بحقوقه المالية. ويتشاركُ معظمهم على أرضية الشكوك، والتوّجس
من سلوك
البعض، وأذكر الراحل "رضوان الكاشف" حين قال لي بعد إصراره على استلام
الغلاف
المالي لجائزته الأولى ليلتها بعد مُماطلة المدير: "لن ينجح المهرجان ببقاء
أمثاله"، وأعتقد بأنّ العديد ممن شاركوا في دوراتٍ سابقة
للمهرجان يشاطرونه الرأيّ
مثل مجدي أحمد علي، محمد خان، سعد هنداوي، يسري نصر الله، سمير فريد، خيري
بشارة،
طارق التلمساني،
صلاح مرعي، وعلي أبو شادي، وجميعهم لم يحضروا الحفل.
كذلك تخلف
عن الحفل نجوم السينما العربية الذين حضروا سابقاَ إلى روتردام خلال سنواته
التسع،
كالفنانين يحيى الفخراني، نور الشريف، شريف منير، أحمد حلمي،
فتحي عبد الوهاب، خالد
أبو النجا، باسم سمرة، ليلى علوي، لبلبة، حنان الترك، منى زكي، وغيرهم،
وعلى الرغم
من هذا السقوط المُدويّ، خرج "كَتَبة" الإدارة مزهوّين بالعدد الضئيل من
الحضور.
أموالٌ لا نعرف مقدارها صُرفت على الحفل، لكنّ كاتالوج المهرجان خرج
للمرة الأولى منذ ست سنواتٍ بالأبيض والأسود، فالأولويات كانت
محل جدل بين ادارة
المهرجان طوال السنوات المُنصرمة.
وأخيراً.. صحيحٌ أن جمهور المهرجان لم يكن
يوماً ما جمهوراً غفيراً، وهذا يعود إلى عوامل عديدة ذاتية، وموضوعية،
ولكننا كنا
نفتخر على الدوام بحفلات الافتتاح، والختام، وحفلات أوقات الذروة، ونجاهرُ
بصورها،
لكن الكاميرا اضطرت هذا العام، كما يبدو، لأن تتجه نحو المنصة
فقط في تغطية هذه
الدورة، فانعدمت صور الجمهور من الصفحة الإلكترونية للمهرجان، واستعاضت
إدارة
المهرجان عن ذلك بعرض فيلم في القاعة الفارغة حول إنجازات السنوات الماضية،
فكان
بمثابة الدليل الحسيّ الشاهد على الفرق الكبير بين ما يعيشه،
وما يُشاهده.
لم
يكن هذا السقوط المدويّ لغيابي الشخصي، بل مجموعة من الخبرات
المُتراكمة لمجموعةٍ
من الأشخاص، هولنديين، وعرب، يتوّهم أيّاً كان تعويضهم الأوتوماتيكي، ولكنّ
السؤال
المطروح : هل كان بإمكان المهرجان حتى ببقائنا أن يخرج من معضلاته الكبيرة،
والتي
كانت تغلي تحت رماد المشاكل، والتسلط، وضعف الشفافية المالية،
والإدارية، ولا أُخلي
سبيلي من تحمّل المسؤولية في التغاضي حيناً، وعدم الحسم أحياناً، وشفيعي
انني
صارعتُ مع زملائي طويلاً من أجل الحدّ من التجاوزات، ورصدها، وملاحقتها حتى
طفح
الكيل، واختنقت السُبل، وسوف لن يكون للموضوع صلة، فهذا
المهرجان أصبح بالنسبة لي،
ولزملائي الكثيرين ميتاً.
المدى العراقية في
05/07/2010
“وداعاً
سولو! " .. كيف يرتفع الفيلم بنفسه فوق
حبكة القصة؟
ترجمة: عادل العامل
ممثلان. أحدهما
من أفريقيا. والآخر رجلٌ كان حارساً شخصياً لألفيس بريسلي. ومَن بكون سوى
رامين
بحراني سيمكنه أن يجد هذين الرجلين ويقرنهما معاً في قصة ذات
قوة وعمقٍ يوجعان
القلب؟ وبحراني هوالمخرج الأميركي العظيم الجديد. إنه لا يتحرك خطوةً في
الاتجاه
الخطأ أبداً. فهوفي " وداعاً سولو" يبدأ بموقف يمكن أن يتجلّى بطرقٍ مختلفة
كثيرة
ويجعل منه شيئاً أصيلاً وعميقاً. إنه فيلم عن الرغبة في تقديم المساعدة
والرغبة في
عدم الحصول عليها.
ففي مدينة ونستون
ــ سالم، بولاية نورث كارولينا، يدخل رجلٌ أبيض في السبعين من عمره تقريباً
في
تاكسي مهاجر أفريقي. ويعرض عليه صفقة. ففي مقابل 1000 دولار
تُدفع على الفور، يريد
منه أن يأخذه بسيارته خلال 10 أيام إلى قمة جبل في بلوينغ روك بارك، إلى
مكان عاصف
جداً إلى حد أن الثلج يتناثر هناك. وهولا يقول أي شيء عن رحلة العودة. أما
السائق،
فيأخذ المال لكنه غير سعيد بهذه الأجرة. ويطرح بعض الأسئلة
فيقول له أن يهتم بعمله
فقط.
والآن لننظر إلى هذين الممثلين. . إنهما لا يمثّلان نفسيهما، وإنما
يستحضران شخصيتيهما تماماً إلى حد أن الشخصيتين يمكن أن تكونا
هما أيضاً.
يقوم
ريد ويست بدور وليام، الرجل الأبيض. ووجه ويست نفسه خارطة لحياةٍ صعبة. فقد
كان في
البحرية الأميركية وملاكماً. وأصبح صديقاً لألفيس في المدرسة
الثانوية. وصار حارسه
وسائقه الشخصي من عام 1955 ــ عضواً مؤسسا في " مافيا ممفيس ". وانشق مع
ألفيس بعد
كسر قدم ابن العم الذي كان يجلب لألفيس المخدرات.
أما سوليمين ساي سافين، فيقوم
بدور سولو، سائق التاكسي. وهومن ساحل العاج، ولوأن شخصية القصة من السنيغال.
وكان
سافين مرافق طيران لشركة أير أفريك. وهوالعمل الذي يبحث عنه سولو، الذي
يعيش في
ونستون ــ سالم، وهومتزوج من امرأة أميركية مكسيكية، وتعجبه
ابنة المرأة الشابة،
ويتصرف كأبٍ لها. ونجد وجه وليام قد جُعِل ليبدوفي حالة سُكر. أما وجه سولو،
فهومعمول ليبتسم. ونحن لا نتحدث هنا عن ثنائي شاذ أوغريب الأطوار. إننا
نتحدث عن
طبيعة بشرية. فالواحد لا يستطيع أن يتعلم التصرف هكذا.
ولقد عمل بحراني،
المخرج، مع الممثلين لأشهر عديدة. فكان سافين يسوق في ونستون ــ سالم. وقضى
ريد
ويست حياته في حالة تمرّن على دور وليام (ولوأنه في حياته
الواقعية طيّب وودود، كما
يُقال). وكان بحراني ومصوّره مايكل سيموندز يناقشان كل لقطة. ومع أن الفيلم
مستقل
بقلبه وروحه، فإنه كلاسيكي بأسلوبه. وهونقيّ نقاء شيءٍ ما من جون فورد.
وفقط لقطته
النهائية يمكن أن تستدعي الانتباه إليها بالذات ــ لكننا، في الواقع، لا
نفكر
باللقطة، وإنما نفكر بما حدث ولماذا.
ولا يظنَّنّ القاريء أن الفيلم كله يدور في
التاكسي، فهويحدث في ونستون ــ سالم، وهي مدينة تتّسم بالألفة لأن بحراني
ولد ونشأ
هناك. ونحس بإيقاعات حياة سولو.
وكذلك بعلاقته مع زوجته، كويرا (وتمثّلها كارمن
ليفا)، وفخرهما بابنتها، أليكس (ديانا فرانكوغاليندو). وكما هي الحال مع
الكثير من
سوّاق التاكسي، يعرف سولوأين يمكنك أن تجد مخدراتٍ أوشريكاً جنسياً. لكنه
ليس تاجر
مخدرات أوقوّاداً، وإنما هومخلوق للخدمة الفردية، وسعيد بتقديم المساعدة.
وتظهر في
الفيلم سيارات يجري تصليحها في الساحات الأمامية، وقليل من الزبائن عند
مسرح
للأفلام وسطَ البلدة في ليلة عطلة نهاية الأسبوع، وغرفة فندق
وحيدة، وحانة. وفي
الدقائق القليلة التالية ينادي وليام على سيارة أجرة، ويبدأ يلاحظ أن
السائق على
الدوام هوسولو. أي حظٍ طيب هذا؟ فبكل ابتهاجٍ يدسّ سولونفسه في حياة وليام
ــ يُصبح
سائقه، حاميه، مستشاره، وحتى في ليالٍ قليلةٍ رفيقه في الغرفة،
وفي الغالب صديقه.
ولا يتحدث وليام ولا سولوعن موضوعهما الرئيس، عما يبدوأن وليام موشك على
القيام
به. يبقى معلقاً في الهواء بينهما. والفيلم في نهاية الأمر ليس
عما بفعله وليام
وسولو. إنه عن كيف أنهما يتغيران، وكيف أن الفيلم العظيم يرتفع بنفسه فوق
الحبكة.
فقد تماسّت هاتان الحياتان، وتعلّمتا
وتعمّقتا. ونحن لا نهتم في الواقع بهذا كثيراً
في ما يتعلق بالشخصيات. فنحن نُحس بأنها ليست على دليل الحبكة
الأوتوماتيكي. إنها
تتحسس طريقها في الحياة.
إن (وداعاً سولو) هوالفيلم البارز الثالث للمخرج
بحراني، بعد (رجل يدفع عربة) 2005، و(دكان القطع
Chop Shop) 2007.
وتدور أفلامه حول
الدخلاء في أميركا : باكستاني يدير عربة للقهوة والفطائر في
مانهاتن، أولاد من أصل
أميركي لاتيني يزحفون من أجل المعيشة في سوق لقطع السيارات في ظل ملعب شي Shea.
والآن سينغالي يريد مساعد أميركي ينتمي بوجهه المتغير إلى الغرب. وكان
بحراني ،
الذي هاجر والداه من إيران، يشعر بأنه دخيل حين كان يكبر في
مدينة وينستون ــ سالم
: "
كان هناك سود، وبيض، وأخي وأنا ". وهويحب المدينة، وتجده محباً للتعرف
على أمور
الناس. وقد أخبرني بأنه يسأل نفس السؤال التي تطرحه جميع شخصياته: كيف تعيش
في هذا
العالم؟!
المدى العراقية في
05/07/2010
إجماع الأمكنة فـي السينما
أ.د. عقيل مهدي يوسف
يستنطق المخرج
السينمائي، كآمرته، بوصفها (عضواً حياً) أكثر منها (أداة) محكومة بالقوانين
البصرية
كما (العين) البشرية، وخلال عملها تشارك في المظاهر البصرية البيولوجية،
والنفسية،
أكثر من كونها ظاهرة ميكانيكية فيزيائية صرفة.
لكل مخرج له
طريقته في توظيف الكامرة، واستخدامها الإبداعي، يذكر (جاكوب) أن (أورسن
ويلز) في
فيلمه (المواطن كين) قد استخدم (الفضاء) بطريقة جديدة مبتكرة.
الذي يسمى بعمق
المجال، بالتركيز على الظلال والأضواء المؤطرة بجمالية تشكيلية (بلاستيكية)
، وأوحى
بأجواء غامضة، ليعمق من شكل الموقف الدرامي، ويؤكد حضوره المادي المؤثر على
نفسية
المتلقي، واستجابته، لتشكيلات الفيلم الصورية.
ويذكر، إن (بودوفيكن) استطاع لأول
مرة أن يفرق (بالمونتاج) بين الفضاء الحقيقي، والفضاء السينمائي، ويقول (بودوفيكن): (..
عندما جمعت اللقطات ، تم جمع أمكنة تبعد عن بعضها آلاف الأميال، وبدت كما
لو
أنها موجودة في منطقة صغيرة، يمكن للمثلين التنقل بينها ببضع
خطوات).
بمعنى إن
اكتشاف (بودوفيكن) هذا ساهم بخلق أمكنة ، لا عهد لأمكنة الطبيعية بها وهي
تنحرف عن
واقعية تلك الأمكنة بما تفرضه مخيلة المخرج من واقعيات فنية
مغايرة.
المدى العراقية في
05/07/2010
"افتار"
جديد صناعة السينما
الرقمية
المدى الثقافـي
لم يفاجئنا المخرج
جيمس كاميرون بفيلمه الأخير (افتار) بالشكل الذي يجعلنا نظن انه يؤسس
لسينما جديدة
فاجأت كل الأشكال السينمائية التقليدية على مستوى الشكل او المضمون،
فالسينما
الرقمية والإبهار الضوئي واللوني الذي درجت عليه أفلام هوليود
في السنين الأخيرة
صار لازمة فنية ترافق كل الأعمال السينمائية تقريبا حتى تلك التي لا تستند
فيها
الحكاية إلى قصة خرافية خيالية او قصة تاريخية ملحمية، فالمؤثرات الخاصة
التي يضعها خبراء الحاسوب صارت ضرورة فنية ملحة لكل صانع حتى
وان كان الفيلم الذي
يشتغل عليه المخرج هو قصة واقعية بحتة، فالأفلام التاريخية وأفلام السيرة
الذاتية
تتطلب خلق مناخ زماني ومكاني ليس بالضرورة موجود حاليا يجبر صانعي الفيلم
لخلق
محاكاة لهذه الأماكن على شاشة الحاسوب، وهذا ما يوفر مبالغ
طائلة على مستوى الإنتاج
بديلا عن بناء ديكورات ضخمة او مجاميع كبيرة يصعب على (صانع العمل الفني
وفريقه)
السيطرة عليها، علاوة على أن الصور
الحاسوبية تذلل الصعاب على المخرج والفنيين
بالشكل الذي يتم فيها تحسينها أو تغييرها متى ما أرادوا ذلك ،
مما يوفر فرصا كبيرة
لإنتاج صورة فلمية على مستوى عال من الجودة الفنية، أما على مستوى مضمون
الفيلم فقد
عالج موضوعة إنسانية ليست بالجديدة على السينما وهي موضوعة احتلال بلاد
بغية
استغلال مواردها الاقتصادية والبشرية ومصادرة هويتها الثقافية
وتفكيك النظم
الاجتماعية التي تحكمها.
الجديد في الفيلم هو ان المخرج اختار بيئة جديدة على
المشاهد والبسها الثيمة الملحمية التي تجسدت في هذا الكوكب البعيد عن الأرض
الذي
يسخر الموارد المعدنية النفيسة وكيف تصدى سكان ذلك الكوكب لقوانين المحتل
وتجميع
قدراتهم للدفاع عن أرضهم وثقافتهم ولغتهم وجنسهم ، الطريف في
الفيلم إن الأبطال
الحقيقيين في الفيلم هم من البشر العاديين والذين تورطوا في برنامج خاص
لتحويل
جنسهم الى (الانافي ) وهو اسم شعب ذلك الكوكب البعيد، وهو جنس بشري غريب
المظهر
طويل القامة ازرق اللون له ذيل طويل وبعد ان عرف هؤلاء
المتطوعين بنوايا أصحاب هذا
البرنامج
انتصروا إلى إنسانيتهم وقرروا التمرد على مرؤوسهم ، واختاروا الاصطفاف
مع شعب ذلك الكوكب وهذا ما عجل بهزيمة المستعمر شر هزيمة، وبالعودة إلى
اختيار جيمس
كاميرون وبيئته لتكون بيئة حاسوبية بحتة كان لها أسباب عديدة
من أهمها سبب إنتاجي،
ففيلم كـ(افتار) لو قدر للمخرج ان يكون شخوصه من البشر العاديين وان تكون
البيئة
والمناخ الذي يتحركون فيه طبيعيا مائة بالمائة لكان على جهة الإنتاج تخصيص
اموالاً
طائلة مقابل إنتاج مثل تلك الملحمة. وقد يكون الإبهار
السينمائي فيما قدر للمخرج
إخراجه بالطرق الكلاسيكية المعمول بها في ستوديوهات هوليود قاصرا مما يجعل
شباك
التذاكر لربما عاجزا عن تغطية نفقات أنتاج الفيلم، وهذه المخاوف تؤرق
المنتجين ،
خاصة وان وقت مشروع الفيلم تزامن مع الأزمة المالية العالمية
التي طالت الولايات
المتحدة المتضرر الأول منها.
ومع ارتفاع أجور الممثلين في هوليود وبالرغم من
تنامي الأزمة المالية عن نفس السقف كان لزاما على المنتجين والمخرجين إيجاد
بديل
سينمائي مرض للمشاهد، او الذي لا يقبل اقل من إبهاره بصريا ومن ثم وجدانيا
ليجير
نجاح أي فيلم سينمائي والثاني فيما يخص شركات الإنتاج التي
تحرص ان تضع أموالها في
مشاريع ناجحة وخصوصا من اسم مثل المخرج جيمس كاميرون ، من دون الخضوع
لمتطلبات (النجم) البطل الذي قد يكون أجره يعادل 20%
من قيمة إنتاج أي فيلم سينمائي ، ناهيك
عن استيفائه نسبة من بطاقات التذاكر في صالات العرض . ولقد كان
لهذا التوجه وخلال
السنوات الأربعة الأخيرة صداه الواسع . فلقد شاهد العالم العديد من أفلام
الرسوم
المتحركة للكبار من أفلام كارتونية حازت على إعجاب المشاهدين بل رشح العديد
من هذه
الأفلام الى جوائز مهمة مثل الأوسكار وغيرها بل ان افتتاح مهرجان كان
السينمائي قبل
الأخير كان يعرض فيلم
(up (
وهو فيلم كارتوني حاز على الإعجاب اينما عرض في كل
أنحاء العالم وهو اعتراف عالمي بان الفيلم التكنلوجي صار منافسا قويا
للفيلم
الكلاسيكي الذي درجت عليه السينما العالمية والأميركية خصوصاً
على صناعته على مدى
المائة عام المنصرمة ، والسؤال هو وكوننا نعيش عصر التكنلوجيا الرقمية
المتسارع
، هل صار الفيلم الحاسوبي بالتكنلوجيا الرقمية والإبهار بديلا عن الفيلم
الكلاسيكي ؟.وهل علينا من الآن فصاعدا الاعتياد على رؤية نجوم يصنعهم
الحاسوب من
الضوء الالكتروني وشعاع الليزر بدلا من رؤية النجوم الحقيقيين مثل (توم
كروز) و(مات
ديلون) و(بن إفلك) الذين من لحم ودم ؟. تساؤلات باتت واقعية في
ظل تسارع ثورة
التكنلوجية الرقمية واستحواذها على كل مرافق الحياة وليس السينما
فقط.
المدى العراقية في
05/07/2010 |