تم ادراج الفيلم
التايلندي «العم بونمي يتذكر حيواته السابقة» في اليوم قبل الاخير لمهرجان
كان
السينمائي الدولي في دورته الاخيرة (63) وضمن المسابقة الرسمية
لذلك العرس
السينمائي المهم، وفي زحمة الكتابات اليومية، كان الاختصار والاشارة
الواضحة لاهمية
الفيلم وصانعه، واليوم نعود مجدداً لتلك التجربة وصانعها، لما تمثله من
قيمة ومكانة
واهمية خصوصا بعد الفوز الكبير الذي حصده الفيلم بفوزه بجائزة
السعفة الذهبية
لمهرجان كان السينمائي لعام 2010.
والعودة لفيلم «العم بونمي» هي في الحقيقة
عودة الى السينما التايلندية، وايضا المخرج «ابيتشايبونغ ويراسيثاكول. الذي
استطاع
على مدى السنوات العشر الماضية، كم من القيم الحقيقية في التعامل مع الحرفة
السينمائية، وذلك عبر الدخول الى عوالمه الابداعية المشبعة
بالتفرد والخصوصية،
وايضا الخصوبة.
وعلينا اولا ان نعرف الظروف التي تحيط بالسينما «التايلندية»
التي تسترخي على حد نصل يكاد يدمرها، حيث نحاصر السينما التايلندية،
بالسينما
الاميركية التي تحتل النسبة الاكبر من الصالات، بالاضافة الى حضور السينما
الاسيوية، عبر السينما الصينية والكورية واليابانية وايضا
الهندية.
وامام
تلك القوى الضاربة، وهيمنتها على صالات العرض، ومفردات التوزيع، كان على
السينما
التايلندية، ان تفكر بمخارج، لتجاوز تلك المعضلات على صعيد
الانتاج والتوزيع، ويبدو
ان ابيتشايبونغ، الذي درس السينما في الولايات المتحدة، قد تنبه لذلك الامر
مبكراً،
فكان الذهاب الى عوالم تؤكد تفرده، فكان الاشتغال على سينما المؤلف، وهي
سينما لا
تكرر الاخرين، ولاتقتبسهم، ولا تنسخ مفرداتهم، او مشهدياتهم.
هذا المخرج
الفذ، عرف بأن حضوره واستمراريته مقرونان بما يحمل من خيال، ومقدرة على
صياغة
عوالم، وفرجة سينمائية، تدهشنا، فلا مجال (مطلقا) للحضور الا
عبر تلك
العوالم.
ومن حسن حظ «ابيتشايبونغ، ان جميع اعماله ذهبت الى مهرجان كان
السينمائي، وضمن تظاهرات عدة، ولكنها ظلت دائما في اطار
الاختيارات الرسمية، وكان
الثنائي جيل جاكوب وتيري فريمو (رئيس المهرجان والمدير الفني) كانا يعلمان
جيدا،
بان هذا الفنان يمتلك لغة متفردة راحت تترسخ.. وتتأكد، وحينما قدم فيلم،
مغامرة
الجسد الحديدي، ومن بعدها فيلم، تروبيكال ملادي (المرضى
التروبيكال) يومها جاءت
الدهشة، وليس كما قيل يوم فوز الفيلم الجديد «العم بونمي» بالسعفة الذهبية،
حيث
اصرت جميع وكالات الانباء، على ان المخرج غير معروف وبان الفوز مفاجأة!
وهو
كلام غير مسؤول، لا ننا امام مبدع حقيقي، ولولا ذلك، لما تم اختيار اعماله،
وهذه
مرات ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان السينمائي، وهكذا
الامر بالنسبة لفيلمه «العم
بونمي» الذي كان في مقدمة الاعمال التي اختيرت للمسابقة الرسمية هذا العام 2010.
ودعونا نذهب الى الفيلم...
انها حكاية «العم بونمي» الذي يعيش
ايامه الاخيرة، ويعاني الالم والمرض، ويدخل في حالات وربما غفوات واغماءات
تذهب به
الى عوالم وسفر بعيد.
رحلات عجيبة، تجعله يتجاوز الزمان والمكان، يرى خلالها
كماً من الشخصيات التي فارقته، والتي عاش معها سنوات ومراحل من عمره.
منذ
اللحظة الاولى، نجد انفسنا في اماكن نائية، معزولة، فقيرة، بعيدة عن الزمان
والمكان، وهناك في الغابات والقرى النائية، حيث العم «بونمي»
يحمل معه المه. ومرضه
وجرحاً مفتوحاً يجر اليه الالم، كما هو جروح الوطن المفتوح، تايلندا
المشرعة على
مصراعيها امام المواجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
رحلة إلى عوالم
يطغى عليها البعد الفلسفي، في كتابة المشهديات السينمائية، ورسم الصور،
والحوارات،
ذهاب الى الروح، الى حيث الاكتشاف، والكشف عن دهاليز الروح
وارهاصاتها.
الفيلم يعتمد على نص روائي بذات الاسم، وجد خلاله المخرج
ابيتشايبونغ، ضالته المنشودة، فهو لا يريد الفعل الدرامي التقليدي، بل يريد
ما بعد
الكلمة، وما بعد الصورة وما بعد الدلالة، حيث عمق المعنى.
رحلة العم بونمي
بين الحياة والموت، هي رحلة الروح ورحلة الذات، ومن قبلها استدعاء التفاصيل
الدقيقة
لما مضى من ايام وسنين وعلاقات وشخوص، وهو يعيش حالة مزدوجة
حيث يترك لروحه اختيار
الشخوص التي يريدها، ليذهب اليها، او تذهب اليه تدعوه اليها، ويدعوها اليه،
وهو
يعلم، بأن الذهاب اليها او اليه، لا يكون إلا عبر طريق النهاية، وصعود
الروح، لهذا
فهو ينتظر تلك اللحظة، حيث السفر الى الحقيقة، لانه يعلم بأن
كل ما يحيط به، لم يعد
ينتمي اليه، ولم يعد يعيشه، فهو يعيش الالم الجسدي، بينما الروح تسامت الى
عوامل
اخرى، مقرونة بشخوص يحبها ويعيشقها ويفهمها.
جملة الشخصيات التي تحيط بالعم «بونمي»
سواء تلك التي يعيشها في الحقيقة، او تلك التي يستدعيها عبر ذاته، تعلم انه
ذاهب الى النهاية، حاملا معه المه وقدره. الى نهاية محتومة،
تريدها الروح رغم الم
الجسد وتعب الجسد وعذاب الجسد، كخلاص من ذلك الواقع والفقر والمرض.
فيلم
يذهب الى عالم الروح، يتحاور معها، يستكشف المها، يحلق معها، يذهب الى
اللحظات
المظلمة، حيث قسوة الحياة والحاجة والمرض والالم، بحث عن خلاص
قدري
محتوم.
وحينما يستدعي، العم بونمي، كل تلك الشخوص، فانما هو يستدعي المها
ايضا، لانه يظل محاطا بذلك التناسخ للروح والالم، وكان قدر
تايلند وقدره، هو ذلك
الجرح المفتوح.. والالم.
هذه الرحلة، لا تأتي عبر سرد درامي مألوف، بل عبر
مشهدية تمزج بين الفلسفة والضوء والظلال والالوان وايضا الثبات في
المشهديات
السينمائية، لمزيد من التمعن في الصورة، والدلالات.
يمتلك، ابيتشايبونغ
ويراسيتاكول، لغة سينمائية نادرة، لا تشبه احداً، تميل الى التركيز،
والتكثيف،
واعتماد الجوانب الفلسفية، مع الكتابة المتأنية للمشهد الذي
يمتد في احيان كثيرة
لثماني او تسع دقائق، قد لا يتحملها المشاهد العادي، الذي تعود على ايقاع
السينما
القادمة من «هوليوود»، او حتى «بوليوود» حيث المشهد والقطع السريع.
بينما
المشهدية السينمائية عند هذا التايلندي تميل الى التركيز، والجزالة في
التحليل
ودراسة الشخصيات، وهي لغة تجعلنا في لحظات نعتقد بأننا نذهب
الى عوالم سينما
المؤلف، وسينما الكبار في هذا الفضاء، ونخص الراحل اندريه تاركوفسكي،
وبيلاتار،
وغيرهما، حيث المشهد يحقق حالة من (الاشباع) التام، وهو امر لا يتحقق بتلك
السهولة،
بل عبر كم من المعطيات، التي تستدعي كل مفردات الاحتراف السينمائي، من
كتابة عالية
الجودة للسيناريو والحوار، وايضا حركة الكاميرا، والممثل
وادائه، وحركة الاضاءة
والظلال والقطع وتركيب المشاهد.
في الفيلم ايضا استحضار لكل شيء، طبيعة
العلاقات الاجتماعية والانسانية في المجتمع التايلندي، وايضا التعاليم
البوذية،
بالذات، فيما يخص الحياة، والموت والاستنساخ.
لا نريد ان
نطيل...
باختصار شديد، فيلم «العم بونمي يتذكر حيواته السابقة» هو رحلة الى
عالم الروح في طروحات سينمائية فلسفية البحث والعرض والتحليل،
يقودها مخرج هو
اختصار لمستقبل السينما التايلندية.. انه ابيتشايبونغ ويراسيثاكول.
النهار الكويتية في
02/07/2010
وجهة
نظر
توجيه
عبدالستار ناجي
نحترم الجهود التي يقوم بها عدد من نجومنا
الشباب على وجه الخصوص، بالذات، على صعيد تحركهم الدرامي، وانتشارهم الفني
والاعلامي، وهو امر يشكل في احيان كثيرة خطوطا بيانية متصاعدة تبشر (بشكل
أو بآخر)
بكل خير.
ولكن دعونا نتحدث وبكثير من الشفافية، ونحن هنا نتحدث عن النسبة
الأكبر من الشباب، ومن الجنسين، وان كنا نعرف ان هناك بعض
الاستثناءات، وهي قليلة
ونادرة، ضمن ذلك السياق، نشير الى ان تلك الكوادر ينقصها في احيان كثيرة
«التوجيه»
على مستوى الاختيارات، وكأنها تعيش حالة من
التسابق، للمشاركة والحضور، ولربما
الموافقة على أي... ولربما بأي اجر.
والامر يتجاوز الدراما وضوابطها، الى «الانزلاق»
لعدد من برامج المنوعات، وهي تكثر بالمناسبة، خلال الدورة الرمضانية،
وعندها يكون ذلك الفنان الشاب، والناقص الخبرة، هو «البطل
الأوحد» امام الكاميرا،
ونظرا لغياب الاعداد.. يضطر ذلك الفنان المسكين الى الارتجال من اجل تعبئة
الوقت..
والارتجال غير المدروس يقوده الى اتجاهات
عدة.. اقلها ما شاهدته من فنانة شابة نعول
عليها الكثير، في الدورة الرمضانية، الى «الرقص» ضمن برنامج
منوع.
ان
التوجيه، لا يعني التأنيب.. او المس، بل هي التذكير، بان ما
يقدمه الفنان في هذه
المرحلة من عمره سيظل في ذاكرة الاجيال والفن، ولربما يكون ضده في مرحلة
مستقبلية،
وعلى هذا الاساس، دعونا نتأمل خارطة وجغرافية الكثير من نجوم الفن اليوم،
لنجد انهم
كانوا حريصين اشد الحرص على تقديم ما يليق باسمائهم وتاريخهم..
وهذا ما نلمسه
اليوم، حينما نعود لمسيرة كل منهم.
فلماذا يتحرك نجومنا الشباب، بلا توجيه..
وبلا استشارة.. وحينما تلفت نظر هذا او ذاك.. تأتي ردة الفعل.. وكأننا لا
نريد لهم
الخير.
وكل ما نقوله: رمضان قادم.. وشاهدوا برامج المنوعات.. لتعرفوا اي
سقوط سيذهب اليه نجومنا الشباب حينما يكونون لوحدهم بلا اعداد..
او اخراج.. وعليهم
ان يملأوا ذلك الوقت الطويل.. فيكون كل شيء.. الا الفن.
وعلى المحبة
نلتقي
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
02/07/2010 |