منذ اليوم الاول لميلاد السينما في العالم اتجهت بسرعة نحو الدين وكان فيلم
"جاندرم" لجورج ميس هو أول فيلم يتناول شخصية دينية وبعده أصبحت السينما
تتناول أمورا دينية وتثير جدلا حول بعضها مما سبب في حدوث الكثير من
المشاكل ومصادرة ومنع افلام بسبب اعتراض الكنيسة عليها، والسبب يعود الى ان
البعض لا يهتم بسرد قصة او تصوير حدث قرب مكان ديني بل يثير جدلا ويتهكم
على بعض المسلمات والمقدسات الدينية والامثلة كثيرة جدا ويمكنكم مشاهة
افلام لويس بونويل وبازوليني وبيرجمان وروبيرت بريسون وجودارد وغيرهم كثير
جدا.
السينما العربية ظلت حذرة جدا وبعض الافلام صورت قصصا دينية من السيرة
النبوية او احداثا بعد موافقة الهيئات الدينية العليا على السيناريو وهذا
لا يدخل في اطار هذه الدراسة السريعة والمختصرة، وسنحاول البحث عن نموذج هو
فيلم "التحويلة "والذي يمكن تصنيفه ضمن الافلام الاجتماعية او السياسية
ولكنه اظهر أماكن ودلالة دينية وهدفنا محاولة قراءة كيف كان تناول هذه
الرموز والدلالات والاماكن؟ وهل عكست تاثيرا او هل كان تقديمها لعكس دلالات
اكثر انسانية وروحية وميتافيزيقية ام انها ظلت مجرد ديكور؟
نتوقف مع فيلم "التحويلة" من اخراج آمالى بهنسى وهو فيلمه الوحيد حيث عمل
آمالى مع مخرجين كبار كمساعد مخرج ولم يخرج في حياته سوى هذا الفيلم، ويحكي
قصة مواطن مسيحي بسيط عامل في التحويلة بالسكك الحديد يقوده حظه العاثر
ليصبح ضحية ضابط اقتادة الى المعتقل بدل من شخص هرب منه بعدها يحاول ضابط
اخر تصحيح الوضع ولكن يتم اعتقاله واخيرا تكون النهاية مأساوية بموت
الاثنين معا ولا يهمنا القصة ولن نسرف في سردها ولكن تعالوا بنا نتأمل كيف
تم تقديم هذه الشخصية اي شخصية حلمي؟
نلاحظ ان الفيلم لم يقدم هوية الشخصية الدينية ولم نعرف انها مسيحية الا
بعد ان تم اعتقاله مع قدوم العيد الديني ونره امر ايجابي كون الفيلم قدم
الشخصية بمضمونها الانساني كمواطن بسيط يحب عائلته ويسعى لاسعادهم وهو يقول
الشعر ولكنه قوله للشعر العامي هواية ونراه مرتبط جدا بعائلته ولديه ابنه
مريضة، لعل هذا الاجراء حتى لا تثير قضية حلمي حنق البعض من الوهلة الاولى
وكل ما يهمنا هنا تقديم الرموز الدينية كدلالة على الالم والامل.
نلاحظ ملابس السجناء بالمعتقل بيضاء ودائما نراها نظيفة ويظهر ان هذا
الاجراء لم يكن من اجل عكس دلالة او رمز بل جاء صدفة ولم يكن مقنع فظروف
السجناء سيئة والملبس لم يعكس هذه المعاناة اي لوان المخرج انتبه لهذه
المسالة كونها تظهر للعيان بانها هفوة وخطأ اخراجي واضح، ثانيا نجد ان
جدران المعتقل الخارجية غير مقنعة كون ارتفاعها بسيط وهو غير مقنع باننا
نعيش في معتقل اي مكان مصدر للالم، وانا هنا لا اركز على مسألة عكس واقع من
خلال الديكور ولكن احيانا يمكننا التصوير بمكان عادي او طبيعي وهذا لا يمنع
بعكس دلالات وايحاءات ويمكن ان يتم خلق قداسة للمكان او للاشخاص داخل
المكان او للحالة، ونحن هنا نعتبرها حالة انسانية ولكن اغلب الافلام
العربية التي تصور المعتقل السياسي وسجناء المعتقل تقريبا تقع في نفس
الأخطاء وبعضها يكرر ويقلد الآخر، ويكون في اغلب الاحيان الغرض عكس واقع
سياسي او تصوير صفحة من الماضي السياسي المصري اي فترة الستينات اوالفترة
الناصرية ويكون في الهدف إدانة هذه المرحلة ونهايات اغلب هذه الافلام
متشابهة الافراج عن السجناء ونيل حريتهم كاعلان عن عهد جديد.
ولعلنا في هذا الفيلم نشعر بالهدف السياسي او عكس واقع سياسي من الماضي هذا
جعل الفيلم فقيرا رغم انه يمتلك مقومات القوة بوجود شخصية مسيحية يظهر لنا
فيما بعد انها مؤمنة، ولعل اروع ما يوجد بالفيلم مشهد زمنه بحدود دقيقة او
اكثر قليلا حينما نسمع الصلوات بالكنيسة ويظهر حلمي صامتا بالتوازي مع
الصلوات وكأنه مشارك بها وتظهر نافذة السجن واطارها اشبه بالصليب ونحس بان
الشخصية اخترقت الجدران وعاشت بروحها للحظات في مكان ديني اخر او لنقل
روحاني بهيج.
كان الاشتغال على اللون الأسود رائع في بعض اللقطات وخلق المخرج منه إطارات
فنية جيدة وخصوصا تلك اللقطة التي تظهر فيها زوجة محروس وحيدة في منزلها
بعد غياب زوجها لكنها كانت قصيرة جدا وكذلك في الزنزانة كانت الظلال مدهشة
وموحية بالألم والضياع، لكننا للأسف الشديد في السينما العربية لا نولي
الاهتمام بهذه المسائل الجمالية ونركض وراء القصة والحدث الدرامي ونخاف من
الاشتغال على النواحي الجمالية ولا نعطي كثير اهمية للأشياء والديكور وطبعا
هذه ليس حكم عام فهناك مخرجين كبار امثال يوسف شاهين ودواد عبد السيد ويسري
نصر الله وعاطف الطيب وخالد يوسف وغيرهم قدموا اعمالا فنية ذات محتوى جمالي
فائق.
مخرج عالمي مثل انجمار بيرجمان كان يميل الى الرموز والدلالات الدينية
باعتبار الدين نافذة روحية لارتباطه بالاساطير والخرافات والحكايات الشعبية
اي الخيال اوالخيال الطفولي الانساني، وانا اميل الى هذا الطرح فعندما نقف
مع مؤمن من الطبقة الكادحة والفقيرة والمقهورة فان الخرافات والأساطير
الدينية هي المنفذ الوحيد للشعور بالسعادة ولو للحظات كونها تنعش الحلم
بالخلود او حياة افضل بعد الموت، ولوان المخرج انتبه لهذه النقطة واستثمر
تلك اللحظات الروحية والصلوات لميلاد حلم اخر فربما حدث انقلاب كبير في
الفيلم.
نلاحظ ايضا ان اسم الشخصية "حلمي" اسم شعبي وليس له دلالات دينية اي لم
يختر المخرج اسم يوسف او يعقوب او اي اسم اخر ذودلالة دينية لان التركيز
كان حول حالة او حدث من الماضي السياسي، ونجد ايضا ان الشخصية متزوجة
ولديها ام وابن وابنة ولوان الشخصية مثلا متزوجة ولديها ابن فقط فكان من
الممكن تفجير دلالة اكبر بالاشتغال على الثالوث اي الاب والابن والروح
القدس، ولكن اغلب الافلام العربية بشكل عام يتم الابتعاد عن هذه القضايا
خوفا من سطوة المؤسسات الدينية والتي قد ترفض وتعترض على العمل الفني.
اهمل الفيلم شخصية الزوجة والاسرة وكنا بحاجة للوقوف امام الالم الذي سببه
غياب الاب والمعيل الوحيد للاسرة ورغم ان شقة حلمي اشبة ببدرون اي الدخول
اليها عبر درج الى الاسفل، كما اننا لم نعثر على اي علامة دينية بداخل
الشقة والكاميرا لم تتعب نفسها لابراز معالم المكان والتامل فيه، كما ان
الاشتغال على الزنزانة كمكان يمكن القول انه ضعيف الا في تلك اللحظة التي
نسمع فيها الصلوات وتخترق الشخصية المكان الضيق للتحليق بمكان اوسع وكانت
فعلا تلك اللقطات مدهشة للغاية.
خلق او الاشتغال على دلالة او رمز ديني قد ينتج ايضا من مكان غير ديني او
طبيعي وكان لدى المخرج فرصة كبيرة لاستثمار عدة اماكن مغلقة مثل الزنزانة
والمعتقل بشكل عام لجعلنا نحس بالماساة اي ماساة الانسان في ظل نظام سياسي
مستبد وقاسي، واغلب الكتابات حول هذا الفيلم اشارت اليه باعتباره نموذج
لفيلم يبحث ويصور التلاحم الوطني كون الضابط المسلم ضحى بمستقبله من اجل
السجين المسيحي وكون حلمي في الاخير ضحى بحياته محاولا انقاذ الضابط، ونرى
باللقطة ما قبل الاخيرة الدماء تسيل واظهرتها الكاميرا بشكل مبالغ فيه بحيث
يتحول النهر لدماء كدلالة على التلاحم والتضحية من اجل الوطن.
ظهر اللون الاحمر متاخرا جدا وكان بالامكان اعطائه مساحة قبل ذلك داخل
الشريط، فالشخصية بل عدد من الشخصيات تعرضت للتعذيب لكن لم نرى الاشتغال
على الجسد العاري المضرج بالدماء وكان من الممكن خلق دلالة اسطورية ودينية
وقداسة للشخصية التي تعرضت للتعذيب لكن اللهث وراء الحكاية والحدث جعل
المخرج يفقد هذا الخيط الرائع، ولا بد ان نشير الى ان نجاح الموجي بادائة
الرائع لشخصية حلمي اعطاء الشخصية قوة وصدق وواقعية.
يمكننا ان نلاحظ بشكل عام في السينما المصرية ان الاشتغال على الدلالات
والرموز الدينية المسيحية ضعيف حتى بوجود شخصية مسيحية داخل الفيلم
والامثلة كثيرة فمثلا في فيلم "الارهابي " كانت هناك شخصية مسيحية بل اسرة
كاملة زوج معتدل وزوجة متدينة جدا وفي فيلم " النوم بالعسل " نرى مشهد وعظ
بالكنسية والدعاء والتضرع الى الله برفع الغمة والمصيبة وخطاب القس لا
يختلف كثيرا عن خطاب رجل الدين المسلم وفي فيلم" واحد-صفر" ظهر الصليب
كدلالة للقانون اكثر منه دلالة دينية ولعل
هذا يعود لمخاوف ان يتم اساءة فهم استخدام الرمز الديني المسيحي ومسالة
التحسس الزائدة اصبحت احدى العوائق وخصوصا اذا كان المخرج مسلم يشتغل على
فيلم به شخصية مسيحية او العكس، وانا ارى ان الفنان لا يفرق بين دين واخر
ولا يميل نحو دين للاعتداء على اخر، كون الفن اكثر حرية وعمق وفهم للانسان
من الدين فالفنان بامكانه التحليق في الاجواء الروحية التي تخلقها بعض
الاساطير والخرفات الدينية وهو ايضا بامكانه اثارة الجدل حول قسوة الدين
وقهره للانسان خصوصا الجوانب التشريعية العقابية والحدود والقوانين
والعقوبات كون بعضها لا يتفق مع حرية الفرد والانسان وربما هي نتاج خارجي
وتاثير للهيمنة والسلطة السياسية التي تحاول دوما استثمار الدين لصالحها
للقهر والسيطرة على الفرد والمجتمع والحفاظ على مصالحها السياسية والذاتية.
نعتبر موضوعنا هذا مدخل لدراسة مهمة وضرورية ونتمنى عدم إساءة فهمنا ونتمنى
من المؤسسات الفنية الاكاديمية الاهتمام بهذه النقطة كونها بحاجة لمزيد من
البحث والدراسة، فالسينما الفن الانساني الاكثر روعة ومصداقية وبحاجة الى
مساحة اكبر من الحرية والتفكير والتامل وعلينا الا نُقييد هذا الفن ونضع اي
سيناريو يتناول رمز او قضية دينية تحت رقابة السلطات الدينية، وعلى
المؤسسات الدينية ان تقبل بالرأي الاخر والجدل والنقاش الحر تجاه اي قضية
وبوسعها الرد والمشاركة في الحوار دون الاسراف بصرف فتاوي تكفيرية وعدم
استخدام العنف تجاه الفن والفنان.
aloqabi14000@hotmail.com
إيلاف في
01/07/2010
"عسل أسود" دعوة للتغيير أم سباحة ضد الواقع؟
القاهرة - الراية – خالد خليل
حالة أحمد حلمي هي ترجمة صادقة للحالة الابداعية للفنان الكوميدي الذي يؤدي
أصعب أنواع الكوميديا وهي كوميديا الموقف فالممثل المجتهد القابع داخله
حاول بكل جهده إقناع المشاهد بإمكانياته من خلال محاولات سينمائية متواضعة
حملت أسماء جذابة لافتة للجمهور من أمثال زكي شان وظرف طارئ ومطب صناعي
لكنه عاد وتألق في واحد من أهم الأفلام الكوميدية في العشرة أعوام الاخيرة
وهو كده رضا وبلغ حلمي ذروة إبداعه عندما خاض اختبار تمثيل حقيقيا من خلال
آسف على الازعاج.
وبنفس القدر من الابداع الذي خاض به حلمي آسف على الازعاج قدم محاولة أخرى
ناجحة رغم كل التحفظات التي أبداها البعض عليها لكن الاكيد أن ألف مبروك
والذي لم يحقق نجاح آسف على الازعاج إلا أن حلمي من خلاله نجح في الحفاظ
على أداء تمثيلي متميز من خلال لهجة التحدي الذي بدا وكأنه يرغب في إبرازها
كممثل في أعماله الأخيرة ...
والسؤال هل جاء فيلمه الاخير عسل أسود مكملا لهذه السلسلة التي يحرص من
خلالها أحمد حلمي على إظهار قدراته التمثيلية؟
قبل الاجابة على هذا السؤال من المهم الفصل بين أداء حلمي وبين السيناريو
الضعيف الذي ميز عسل أسود وأهدر الفكرة الرائعة التي جاء بها الفيلم فأداؤه
ربما يكون قد عكس الخبرة التي اكتسبها كممثل محترف في الاعوام الاخيرة لكنه
ومع الاسف عاد في بعض المشاهد إلى لعب دور الشاب الساذج الذي بدا أنه تخلص
منه في أعماله الاخيرة هذه المشاهد التي بناها السيناريو على مواقف بدت
وجيهة وانتقدت سلبيات المجتمع المصري بعنف وحدة لكن ومع الاسف لم يستطع
كاتب السيناريو خالد دياب توظيفها في بناء درامي متكامل وبدت وكأنها
اسكتشات متقطعة إذا حذفت بعضها لم يشعر المتلقي بأي تغيير.
كما أن الدعوة التي يحملها الفيلم للتغيير والتخلص من السلبيات المحيطة
بالمصريين بدت واضحة من خلال السيناريو إلا أن ما حدث في نهاية الفيلم من
عودة البطل إلى وطنه مستغلا جواز سفره الأمريكي تبدو غير مبررة وجاءت على
عكس ما قدمه السيناريو من مواقف متصلبة لبطل الفيلم وانتقاده الدائم
للسلبيات التي أصبحت تميز حال الوطن الذي عاد اليه لذلك فالنهاية المنطقية
هي مغادرة مصري العربي لمصر عائدا إلى الولايات المتحدة وما دون ذلك يعتبر
حميمية دافئة ومزيفة ظهرت فجأة عليه بعد أن أقلعت به الطائرة.
وعلى الرغم من أن أحمد حلمي يعتمد في أفلامه على أرقى أنواع الكوميديا وهي
كوميديا الموقف إلا أنه بدا في بعض المشاهد وكأنه "فارسير" يلقي النكات مثل
مشهد معلمة اللغة الانجليزية التي لا تجيد اللغة ومشهد العائلة وهي تحتفل
بالعيد في إحدى الحدائق.
وهناك ملاحظة مهمة لا تبدو واضحة بدرجة كبيرة لكنها موجودة وهي معدلات
الاداء الدرامي البعيد عن الكوميديا التي فرضها السيناريو على بطل الفيلم
وهي مشاهد قليلة لكنها محورية مثل مشهد الحوار الساخن الذي دار بين مصري
العربي والرجل المسن صديق والده الرافض لعودته إلى الوطن فعلى الرغم من
أداء حلمي الناضج دراميا في هذا المشهد إلا أنك تشعر أنه دائما ما يختفي
مع اختفاء الكوميديا ربما لأن جمهوره اعتاد على وجوده في منطقة الكوميديا
ولم يتقبله ممثلا دراميا... لكن ومن الانصاف القول أن أحمد حلمي هو من أنقذ
هذا الفيلم وأنقذ الفكرة الجميلة التي جاء بها السيناريو المهلهل وذلك
بأدائه "المهني" العالي والذي يتطور من فيلم إلى آخر ولو كان هناك ممثل آخر
لعب بطولة هذا الفيلم لكان الفشل مصيره الحتمي.
الراية القطرية في
01/07/2010 |