مثل المثل الشعبي القائل (إذا ضامك الضيم، تذكر أيام عرسك) تذكر اهل
السينما العراقية فيلمهم الاول (فتنة وحسن)، واحتفلوا على انغام ذكرياته
بالابيض والاسود وذكريات الافلام التي جاءت بعده وغصت انفسهم بالحنين الى
تلك الايام الخوالي التي كان فيها للسينما في العراق اهتمام وحرص وتقاليد
ودور سينما منتشرة في كل الانحاء من المدن والقصبات، وهذه هي المرة الخامسة
التي يتم فيها الاحتفال بهذا التاريخ كعيد للسينما العراقية بعد ان كان
تاريخ عرض فيلم (ابن الشرق) هو مناسبة الاحتفال، فصار تاريخ عرض فيلم (فتنة
وحسن) الذي كان يوم الثاني والعشرين من حزيران / يونيو عيدا للسينما
العراقية لكونه فيلما عراقيا خالصا انتاجا واخراجا وفنانين وفنيين عام
1954، كان من إخراج حيدر العمر، وتأليف عبدالهادي مبارك، ومن بطولة منعم
الدروبي و مديحة رشدي و سلمى عبدالأحد و غازي التكريتي.
لكن قسم السينما في دائرة السينما والمسرح في حنينه الى ايام تلك الافلام
وخيبة هذه الايام التي يعد له فيها مكانا للعرض ولا أشرطة ولا كاميرات، رفع
لاحتفاله الذي اقيم في دار سينما سمير اميس وسط بغداد شعار(السينما لغة
الشعوب) ربما ليكون رسالة واضحة الى المسؤولين في الحكومة العراقية والى كل
المهتمين بالسينما على الرغم من ان الحضور لم يكن مشجعا وغابت عنه رموز هذه
السينما وصناعها وابطالها ونجومها الذين كانت لهم مشاركات في افلامها التي
كان عددها لغاية 2003 (99) فيلما وزاد عليها مخرجان شابان ثلاثة افلام
بجهود شخصية خالصة ليكون العدد الكلي لها (102) فيلم، كما غاب عنها
الفنانون الذين لم يعرفوا شيئا عن السينما، ولا اخفي انني سمعت عددا من
الحاضرين يصفون المهرجان بالبائس لكونه افتقد الى الحضور المهم والمميز،
ولأن المهرجان لا ضرورة له لعدم وجود شيء اسمه سينما، وان قسم السينما
مسكين اذ يحتفل بأحزانه وبؤسه ويقدم السمع والطاعة للمسؤولين في الدائرة
والوزارة ليواصلوا استعراضاتهم الاعلامية.
وعلى هامش الاحتفالية اقيم معرض للأجهزة والكاميرات السينمائية القديمة
التي يعود تاريخها الى ثلاثينات القرن الماضي والتي شهدت انتاج تلك الافلام
القديمة ومنها أقدم عارضة سينمائية يعود تاريخ صنعها لعام 1930، كما أقيم
في معرض للصور الفوتوغرافية تضمن صورا لبعض دور السينما العراقية أيام زمان
وبعض بوسترات الافلام ولقطات منها كما تضمن صوراً لعدد من فناني وفنانات
العراق السابقين ومطربيه ومطرباته.
ابتدأ الحفل بكلمة لوكيل وزارة الثقافة جابر الجابري قال فيها: اسألكم
بالله عليكم انتم كرواد وكمريدين هل قدمت السينما العراقية والحركة
السينمائية العراقية رغم الظروف المبررة، انا ابرر، وانا مقتنع ان الظروف
الصعبة القاسية التي مر بها العراق ومر بها هذا الحقل بالذات وللاسف ان
اموالنا وثرواتنا وقدراتنا الخارقة من الموارد الطبيعية لم تستطع ان توظف
حتى واحد بالعشرة بالمئة لخدمة هذا الحقل، لكن أتساءل ليس من باب المسؤولية
الرسمية ولكن من باب المسؤولية الفنية والشعبية والتخصصية: هل قامت السينما
العراقية ومشروعها وروادها بما يعبر عما مرّ به العراق خلال 35 سنة من
المآسي، هل وثقنا لهذه المأساة، انا اعرف ان هناك حالة من الخوف لنكن
صريحين الذي يريد ان يتعرض الى هذه المسألة، الى كشف حقائق، ويفضح حقائق
بالتأكيد انه سيكون ضحية لأزلام واذناب وايتام النظام السابق وليس هناك
اجهزة امنية ولا قوة امنية تحمي المنتج والمبدع اذا تعرض الى هذه المسألة،
انا معكم هذا تبرير، انا اعطيكم تبريرا كاملا، لا امكانات مالية لا رعاية
دولة، لا تبني من قبل المؤسسات الرسمية ونحن في وزارة الثقافة اعجز من ان
نقوم بأي مشروع ثقافي بحجم العراق الجديد، هذا اعتراف، والاعتراف بالخلل او
الخطأ فضيلة، لكن اين الاوصاف الخاصة، يعني التخصصية، وهذه السمات كلها
ليست للدولة، لا سابقا ولا حاليا ولا ستكون لاحقا كما يبدو لي، وهذا افضل،
لكن اين ذمة المواطنة والشعور الوطني العراقي، نحن كلنا ابناء ضحايا وهذا
البلد كله تحول الى ضحية على مدى 35 سنة وبعد دخول القوات الاجنبية الى
العراق، يعني فترة تضحية وفترة ضحايا ثم اعقبتها فترة ضحايا اخرى وتضحية
اخرى من قبل الارهاب ومن قبل الانظمة غير الراضية ومن قبل المنظمات التي
افلست، ولكن اين الجرأة والشجاعة الوطنية والاقدام الوطني الذي يصنع لغة
سينمائية تنطق بجراح هذا الشعب؟، اتمنى ونحن نكرم الرواد ونحتفل اليوم
بإطفاء نار الفتنة، ونحن نحتفل بـ (فتنة وحسن) اتمنى ان تكون هذه الانطلاقة
وهذه الثورة الجديدة قاعدة للانطلاق لعمل سينمائي جاد وفاعل ومؤثر في
الداخل العراقي وفي الخارج لتكون رسالتنا الى شعبنا والى ناسنا من خلال ما
تعطيه هذه الحركة، هذه الافلام، اتمنى ان لايكون بأيدي خصومنا واعدائنا،
اتمنى ان يكون بأيد وطنية امينة تخصصية قادرة على انتاج هذا المشروع من
خلالكم انتم.
وتحدث د. شفيق المهدي المدير العام لدائرة السينما والمسرح قائلا: في الشهر
المقبل سنلتقي ان شاء الله في افتتاح وتقديم فيلم سينمائي روائي طويل بعد
ان يتم تأهيل المسرح الوطني في 30 / 6، الجميع يعلم انه لايمكن ان نبني
مجتمعا ديمقراطيا ومتحررا وفيه نسبة تفاؤل من دون فنون ومن دون ثقافة ومن
دون شعر ومن دون لوحة ومن دون مسرح، نحن نواصل هذا العمل رغم الظرف القاهر
الا اننا ننتصر على كل الظروف، علينا ان نعلم اننا ورثنا مخلفات كثيرة
اطاحت بمؤسسات العراق وان اعادة ترتيب هذه المؤسسات ليس بالامر السهل، كلكم
يعلم انه لم يبق في دائرة السينما والمسرح شيء مما كانت تمتلكه، استلمنا
دائرة ليس فيها كاميرا وليس فيها اموال، بل ان الاموال مسبقا هي ديون على
هذه الدائرة، نحن ورثة مجتمع ودولة انكشارية، التشاؤم يدمر البلد، وعلينا
ان نعمل بتفاؤل.
واضاف: عام 2010 و 2011 ستكون اعوام السينما وسنجد لها مقرا، نحن نعاني حتى
من ازمة المكان وليس من ازمة الاجهزة فقط.
ثم تحدث قاسم محمد سلمان مدير قسم السينما فقال: ان احتفالنا اليوم هو
اصرار وتحد على مواصلة المشوار والنهوض بالسينما العراقية واعادة عجلتها
الى الدوران وبعد سنين عجاف لم يكن امامنا سوى ان نحفر في الصخر كي نحافظ
على مسيرة السينما العراقية التي بدأها واضعون بناة بصبر ومعاناة الى ان
جعلوها حقيقة ناصعة تزدحم بعشرات الافلام الروائية منها والوثائقية القصيرة
ومئات المتخصصين في شتى مجالات الفن السابع.
ومع الفقرات الاحتفالية التي تضمنت رقصات فلكلورية لفرقة الفنون الشعبية
وتكريم عدد من رواد السينما من الراحلين والاحياء، كانت لنا وقفات مع من
يهمهم الامر لمعرفة ارائهم بهذه الاحتفالية.
تقول الفنانة امال ياسين: الدولة لا تصنع سينما والسينما المصرية او
الاميركية لم تصنعها الدولة بل صنعتها شركات انتاج خاص، انا اعرف ان الدولة
لاتصنع سينما واذا الدولة صنعت سينما فإنها ستخدم فكرا واحدا.
واضافت: البداية للسينما العراقية كانت بسيطة واعمالا مشتركة ثم اصبحت في
السبعينات والثمانينات سينما مؤدلجة ومن التسعينات الى الان ليست لدينا
سينما، وبهذه المناسبة نهنئ الرواد والشباب وليس اكثر من ذلك، ولكن كسينما
ليست لدينا سينما قياسا بالسينما العربية او العالمية، ولا اعرف لماذا
الاحتفال
وقال نقيب الفنانين صباح المندلاوي: نتمنى ان نشاهد مزيدا من العطاء، وهذه
المناسبة من الممكن ان تكون وقفة جدية من اجل مناقشة قضية السينما
العراقية، ما الامكانات التي يمكن ان توفرها الدولة للنهوض بالسينما خصوصا
ونحن نعرف ان صناعة السينما صناعة معقدة، وتحتاج الى اموال طائلة وهذا ايضا
يحتم على الدولة ان تمد يد الدعم والمساندة الى السينمائيين، واعتقد من
خلال الكلمات والمقترحات لعقد ندوات وفعاليات مشتركة للسينمائيين من الممكن
تقديم استنتاجات وتوصيات من شأنها النهوض بالسينما العراقية.
اما اقدم مصورة عراقية وهي الفنانة سناء علي فقالت: ليس المهم لماذا
الاحتفال بل الاهم ان السينما العراقية لا بد ان تأخذ موقعها وحضورها في
المنطقة العربية والعالمية لوجود عناصر كفوءة فيها في جميع المجالات الفنية
من مخرجين وممثلين ومصورين وكتاب سيناريو، وحضارتنا منذ القدم كانت فيها
امكانات استعراضية لأشياء كثيرة تستحق ان تقدم للانسان العراقي والعربي
والعالمي لاننا نملك الحضارة التي لايملكها الاخرون، وعليه فالاحتفال ليس
سببه متى انشئت السينما العراقية وانما يجب ان نفرض وجود هذه السينما، ونحن
نمتلك الكفاءات والخبرات التي حاولوا العمل على طمسها.
اما الناقد السينمائي علي حمود الحسن فقال: قد تبدو مفارقة ان يصر
العراقيون وخاصة السينمائيين منهم وعشاق السينما ومحبيها وما اكثرهم ان
يحتفلوا في شهر حزيران من كل عام وبالذات يوم 22 منه وهو اليوم الذي تم فيه
عرض فيلم عراقي خالص مئة في المئة وهو (فتنة وحسن) من انتاج شركة دنيا الفن
التي اسستها مجموعة من الشباب المتحمس من ضمنهم بطل الفيلم ياس علي ناصر
والمخرج حيدر العمر الذي اشتغل على فكرة بسيطة جدا تتحدث عن الحب، الجميل
في العراقيين ورغم الظروف العصيبة بعد المتغيرات التي عصفت بالبلد استطاعوا
ان يحتفلوا بالسينما كانما محاولة بالتشبث بهذا الفن الجميل الذي عرفوه
جيدا منذ اوائل القرن الماضي، كانوا يحتفلون في اماكن لا يشاهدون فيها
افلاما اصلا، وانما هي محاولة فقط ليقولوا ان هذا الفن الجميل لن يغيب عن
اعيننا، وربما ما يختلف ونشاهده هذا العام ان الاحتفال حدث في سينما حقيقية
وهي سينما سميراميس.
واضاف: ربما ما يميز احتفال هذه السنة هو تكريم الفنان المبدع المخضرم
الاستاذ قاسم حول الذي عرفناه في فيلمه المغني وهو الان يعمل على فيلم اخر
روائي ولديه مشروع واعد ان يقدم فيلم (الحسين)، وهذا الاحتفال مهم جدا
للاهتمام بمبدعينا لاسيما الذين يعملون خارج العراقي.
واخر الوقفات كانت مع المخرج السينمائي لشاب هاشم العيفاري الذي قال: عيد
السينما من الاعياد المهمة لكل السينمائيين العراقيين وينتظرونه بشغف وهي
فرصة من خلالها يكون التقاء السينمائيين وذكر الانجازات التي حققها الشباب
وايضا تكريم الرواد الذين مثلوا العراق في المهرجانات السينمائية.
واضاف: نحن نعرف ان في العراق لا توجد سينما يشار اليها بالبنان لكن لدينا
افلام ولدينا مساهمات من قبل مخرجين في مهرجانات عربية ودولية وايضا لدينا
استعدادات للمشاركة في صناعة افلام مشتركة، والسينما كما نعرف انها عانت
ظروفا سياسية ادت بها الى هذا المستوى، وهناك نقاط ربما تسهم في ازدهار
السينما ومنها تشريع قوانين واهتمام كبير من المؤسسات ومن يهمهم الامر.
إيلاف في
25/06/2010 |