تمهيد:
قبل أشهر
قليلة أقدم الزميل ليث عبد الكريم الربيعي بإمكانيات لابد أنها محدودة على
ما لم يقدم عليه أي منّا منذ
زمن بعيد: إصدار مجلة سينمائية أسمها "السينمائية". كنت
أتمنّىلو أن
الحصول علــى العددين الأول والثاني اللذان صدرا أمراً ممكناً،
لكن الزميل العزيــز لم يتأخر في موافاتي بالصفحات الأربعة من
العدد
الثاني واحتوت على المقابلة التي أجراها معي قبيل الصدور. هذا هو النص
وأتمنّى للعزيز ليث دوام التوفيق٠
مقدّمة الزميل ليث
بمدونتيه (ظلال واشباح) و(القاريء) في الانترنت،
ومقالاته التي تنتشر بين ثنايا كبريات الصحف العربية، لا يكاد الناقد
السينمائي
العربي الكبير (محمد رضا) يغفل عن رفد هواة ومحبي ودارسي
السينما بكل ما ينمي
قدراتهم ويفتح افاقهم لقراءة صورية افضل وذائقة سينمائية تتلقف الجيد
وتبتعد عن
الغث والرديء..٠
انه مدرسة نقدية متكاملة، بل بحر متلاطم الامواج
ودائب الحركة، ومفاجيء في اختياراته وقراراته النقدية لانها تنبع من منهج
واحد اصيل
في مخيلته وتربيته..٠
الحوار
-
السينما والنقد وجهان لعملة واحدة، وكلما ازدهرت
واحدة ازدهرت اختها، وفي العراق نفتقر الى السينما والى
نقادها المتخصصين، برايك ما
هو
الدور الذي يلعبه الناقد في تاسيس وتاصيل السينما، وكيفية احيائها اذا
ما اردنا
اعادة
الحياة للسينما العراقية؟
-
لم ينشأ النقد قبل السينما، كذلك لم يشهده بلد
واحد، على نحو فاعل، من دون وجود سينما في ذلك البلد. لكن شرط وجود النقد
قد تغيّر،
في العصور الأولى كان ضروريا للنقد، لكي ينشأ ويترعرع، وجود
سينما محلية في ذلك
البلد.. اليوم، ومنذ عقود، هناك نقد سينمائي في بلاد ليس لديها صناعة
سينمائية بل
لديها قدر كاف من العروض السينمائية القادمة من خارج الحدود، وهذا هو الوضع
الذي
أعتقد مطبّق في العراق. هناك كتابات سينمائية، بعضها أفضل من
بعض، لكن ليس هناك من
صناعة سينمائية تجعل العلاقة بين الكتابة وبين المشاهدة ممكنة. مع وجود
صناعة سيكون
السبب أقوى لوجود نقد سينمائي يستطيع أن يلعب دوراً قيادياً او مجرد
مصاحباً. مع
عدم وجودها فإن النقد سيبقى محصوراً ومحدوداً. النقد يعيش على
حجم القرّاء والقرّاء
يعيشون بدورهم على النقد لأنه وسيط مثالي لنقل السينما. لكن السؤال تحديداً
هو أي
سينما: محلية او وافدة؟
·
هل ان المحاولات القليلة في
الداخل او في المهجر
لها ان تؤسس سينما عراقية وطنية؟
-إذا كان المقصود بالسؤال السينما كحركة ثقافية
فالجواب نعم، إما إذا كان المقصود صناعة سينمائية فالنقد لا
يستطيع فعل ذلك. كما
ذكرت هو يتبع ما يُعرض في محاولة لاحتلال دور وسيط بين السينما المعروضة
وبين
المشاهد او المتلقّي الذي ربما يريد رأياً على معرفة يستطيع الإستناد اليه
او قبول
حكمه! قيادته للحركة السينمائية، بالتالي، أمر مناط بوجود تلك الحركة أصلا٠
لكن علينا الآن أن نفرّق بين النقد والكتابة
السينمائية الجادّة. الفصل بينهما بات لزاماً، ليس لأن الواحد
إما أن يكون ناقداً
او أن يكون كاتب مقالات وتحقيقات سينمائية، بل لأن هناك من يصلح أكثر في
واحد من
هذين المجالين. النقد السينمائي لا يستطيع أن يكون حافزاً مباشراً كما
الكتابة
السينمائية الجادّة عن شتّى مجالات العمل السينمائي. كنه
وعناصر الكتابة النقدية
كلغة تقنية وفنية وكفهم لمكوّنات الصورة تجعل حديث الناقد بعيداً عن كتابة
المقال
السينمائي. هذا الأخير له خط مباشر مع الوضع لذلك يستطيع أن يلعب دور
المحفّز أسرع.
خط الناقد غير مباشر. علي قارئه، سينمائياً كان او مجرد محب للسينما، أن
ينسج من
النقد الحافز الذي سيدفعه لتبنّي المطالبة بوجود صناعة وكيان سينمائيان
عراقيان (او
في أي بلد آخر)٠
·
ما رأيك بحركة النقد السينمائي
العربي
الحالي؟
-
لا أعتقد أن هناك مكان آخر من العالم فيه تناقض
وتفاوت في مفاهيم النقد السينمائي كما الحال في العالم العربي. هناك خلط في
المفاهيم وخلط آخر في الأدوار. البعض يكتب بجدّية بلا ريب
ويسمّي ما يكتبه نقداً
علماً بأنه لا يتحدّث في اللغة السينمائية والبصرية للفيلم الذي ينقده بل
يقف عند
حدوده الظاهرة. البعض الآخر يمارس كتابة أدبية بسبب تأسيسه السابق في هذا
المجال.
هو أيضاً يقف عند حدود الفيلم الخارجية وحين يدخل يكتب عن القضايا التي
يحملها
الفيلم وليس عن الفيلم ذاته. ثم هناك النقد السينمائي المتعامل مع اللغة
البصرية
والقواعد التي يتأّلف منها الفيلم. شخصياً هذا ما أقوم به لأن
الفيلم ليس مضموناً
بالدرجة الأولى بل فنّاً ولكي نبرز مضمونه نتعامل معه على أساس أنه فن وهذا
قد يكون
طريقاً أطول للوصول لكنه الطريق الصحيح للوصول والمعني الأكيد لكلمة
«ناقد». لا
وجود لناقد غير متخصص ومعرفة القواعد والحديث فيها والقدرة علي
التوغل من على كرسيه
ليشارك عملية صناعة الفيلم وكيف تم هذا وكيف تم ذاك ولماذا هو التخصص
المفتقد. هذا
لا يمنع من تقدير كتابات الآخرين. المسألة هي أما أن نكون جادّين او لا٠
·
هل هناك ضرورة للكتابة النقدية
بالنسبة للمخرج
السينمائي؟
-
معظم المخرجين لا يقرأون النقد ومن يقرأ النقد
يقرأه حين خروج فيلمه وعدد كبير من المخرجين قد يقرأه سرّاً ويقول أنه لا
يقرأه٠
لكن في الجواب على سؤالك، من المهم ملاحظة أن
المخرج ليس ضرورياً أن يكتب عن السينما. بعض المخرجين يرفض
مبدأ الكتابة من أساسها
(كلينت
ايستوود لا يكتب سيناريوهات أفلامه) لكن حتى الذين يكتبون سيناريوهاتهم لا
يكترثون لكتابة النقد السينمائي إما لإدراكهم أن هذا هو اختصاص مختلف، او
لأنهم لا
يؤمنون به.. كل ما هو مطلوب منهم أن يجيدوا ما يقومون به، فهم
مثل النقّاد بينهم
الصالح والطالح كما تعلم٠
·
ما هو المنهج الذي تستخدمه في
النقد
السينمائي؟
-
بدأت قراءة النقد السينمائي في المجلات والصحف
البريطانية أولاً ووجدت أصول التفريق المذكور أعلاه بين النقد وبين الكتابة
السينمائية الجادّة. هناك نقاد كثيرون يستطيعون فعل الإثنين،
لكن معظم يفضّل
التفريق بين العملين حين الكتابة، حتى ولو كان المقال/ التحقيق نقدياً.
بكلمات
أخرى: نقد الفيلم هو تركيز وإصرار على فهم كيفية حدوث الفيلم وتداول
المعلومات
الأكيدة حوله وفيه. كتابة المقالات او الدراسات النقدية هي
قراءة في شتّى
الظواهر٠
هذا التفريق جعلني أتبنّى منهجاً صارماً يقوم على
معرفة كل حقل على حدة. الى اليوم أشتري مجلات وكتباً متخصصة في المونتاج او
في
التصوير او في كتابة السيناريو او في الميزانسين، ليس لأني
أريد أن أصبح مصوّراً او
سواه، بل لكي أحكم أفضل على الفيلم. لكي أبحث فيه أفضل وأمنح القاريء كلمة
أريدها
فاصلة قدر الإمكان. هذا الى جانب كتب التاريخ السينمائي٠
أقوم أيضاً ببناء رأيي على معلوماتي وليس من دونها.
الرأي بحد ذاته أمر منتشر بين كل الناس
ولكل رأيه كما يجب أن يكون عليه الوضع وذلك
طبيعي. لذلك فإن النقد ليس رأيا ولا يجب أن يُبنى عليه فقط. بل
هو عملية منطق زائد
علم زائد معلومات تكوّن جميعها الرأي النهائي٠
أخيراً هناك المشاهدة. إذا لم أشاهد فيلماً واحداً
في اليوم فإن هذا اليوم لم يحدث. نقطة على السطر٠
·
بالنظر الى خبرتكم الواسعة كيف
ترى مستقبل السينما
في العراق؟
-
لن تقوم هناك سينما عراقية من دون رعاية الدولة.
الآن سيقول لك البعض لقد جرّب العراق نظام
الرعاية وأحدث مؤسسة وحملت من اخطاء
الممارسة الكثير. وهذا صحيح لكن المبدأ هو صحيح أيضاً وهو الثابت اما
التطبيق فيمكن
له أن يتغيّر. المطلوب باختصار دعم الدولة لكافة حقول هذا المستقبل من
إقامة مدرسة
الى إقامة مؤسسة على أن لا يكون دعماً معنوياً فقط وأن لا يكون
مشروطاً كافلاً حرية
التعبير. في الوقت ذاته، عليها تأسيس ناد سينمائي لعرض الأفلام من كل
الإتجاهات
والأساليب والعصور هذا له التأثير الأكبر إذ سيلد من عتمة الصالة المخرج
والناقد
والمشاهد الجديد. لكن نجاح كل ذلك واقف على الإستعانة بالخبرات
الفعلية وليس
بالأسماء التي يعتقد أنها خبيرة٠
·
وكيف ترى مستقبل النقد
السينمائي؟
أعتقد أن هذا المستقبل لا يزال عالق في الوضع
الحاضر، كما سبق القول. إذا استطاع تجاوزه سيتحقق. إن لم يستطع
سيبقى على الوضع
الذي هو عليه لاعباً دوراً منحسراً للأسف٠
·
ما رايك بمحاولتنا اصدار مجلة
متخصصة بالنقد
السينمائي؟
لا شيء أفضل من أن يؤسس الناقد مجلة سينما. إنها
بمثابة الفيلم لدى المخرج. مبروك٠
عن مدونة الناقد
"ظلال وأشباح" في
22/06/2010 |