لايزال في هذا البلد من يعيدنا الي زمن محاكم التفتيش،وينصب من نفسه رقيبا
علي ضمائر المبدعين،ويوزع التهم بسخاء علي كل من يقدم نقدا لحال
المجتمع،رغم أن هذا النقد "حتي لو كان لاذعا" هو السبيل الوحيد للإفاقة من
حالة الاستسلام المشين لكل عيوبنا التي صارت مثل الامراض المزمنة،
والمستعصية علي الشفاء!من المخجل أن تلاحق تهمة الاساءة لمصر،صناع فيلم عسل
أسود ،أو "بنتين من مصر"،وهما علي درجه ملحوظة من الجودة الفنية ،رغم أن
الاولي بالهجوم هي تلك الافلام الهزيلة الركيكة التي لاتحترم وقت المواطن
أو عقله!
وفي حين ينتهي فيلم عسل أسود،بعودة المواطن" مصري سيد العربي" أو أحمد حلمي
،الي حضن مصر،رغم مابها من عيوب ومشاكل ،فإن فيلم بنتين من مصر يقدم صورة
أكثر موضوعية رغم قسوتها،حيث يقرر الشاب الذي لايجد فرصة للعمل أو للحياة
الكريمة أن يهاجر ،وفي نيته عدم
العودة ! لكن من قال إن التعبير الوحيد عن حب الوطن هو الإنتحار في حضنه؟؟
صورة ساخرة
يقدم فيلم عسل أسود،باسلوب ساخر صورة من متاعب شاب مصري يقرر العودة الي
بلاده،بعد أن قضي عشرين عاما في امريكا،أسباب عودته غير محددة، فهو ليس له
أقارب في مصر، وكأنه مقطوع من شجره،ويواجه هذا الشاب"أحمد حلمي" مشاكل لم
تخطر في باله،ومحاوله لابتزازه من كل من يلقاه،ولكن علاقته بأفراد إحدي
الاسر المصرية البسيطة، التي لاتزال تحتفظ بالتقاليد القديمة والجميلة،
التي كنا نتحلي بها زمان،وأصبحت حكايات نرويها للأبناء والأحفاد فلا
يصدقونها،أو بالاحري لايهتمون حتي بسماعها، تلك الاسرة المصرية ،هي التي
تدفع الشاب "أحمد حلمي" للعودة الي مصر، ولو أني أجد في هذه النهاية تجاوزا
عن المنطق،فكيف يضحي شخص عاقل بحياة مستقرة في أمريكا، وفرصة عمل
مناسب،ليعود الي مصر،حيث ينتظره المجهول؟ في مجتمع وصلت فيه نسبة البطالة
الي رقم مخيف، وزادت فيه نسبة الجريمة، وتقطعت خيوط العلاقات الانسانية
السليمة،ومع ذلك فمن حق كاتب السيناريو خالد دياب أن يختار النهاية التي
يراها مناسبة لفيلمه الكوميدي، ومن حقنا أيضا إبداء الرأي في تلك النهاية!
حالة الوطن
فيلم بنتين من مصر هو تجربة الإخراج الثالثة لمحمد أمين الذي كتب له
السيناريو والحوار ايضا،والفيلم إذا صح التعبير هو مرثية لحال وطن،والشخصية
التي يمكن أن تلفت الانتباه والتي تعبر بصدق عن وجهة نظر مؤلف الفيلم
ومخرجه،هي شخصية "جمال" التي قدمها باقتدار وعذوبة "أحمد وفيق"،وهي الشخصية
التي تعتبر نقيضا لشخصية "مصري" أحمد حلمي في عسل أسود،جمال اختار الهجرة
الي الداخل والاحتماء بين جدران منزله خوفا من بطش رجال الأمن وتحاشيا
للصدام مع أزمات المجتمع ! وتستطيع أن تقرأ تاريخه السابق دون حتي أن يفصح
عنه الفيلم،وهذا يعود لروعة الاداء ودقة التفاصيل، جمال شاب مقبل علي
الحياة مثل ملايين الشباب غيره، ولاشك أنه كان يشارك في أنشطة
الجامعة، ويحاول أن يستخدم حقه في إبداء الرأي أو التظاهر السلمي الذي
يكفله القانون،ولكنه مثل غيره أيضا ،وقع تحت أنياب سلطة غاشمة، استباحت
كرامته،وأهانت كبرياءه ،وتركت في جسده وفي نفسه آثارا لايمكن محوها،ولذلك
قرر ألا يفكر في الزواج مطلقا،لأنه أدرك أنه لن يستطيع أن يقدم لأطفاله
الحماية، ولايريد لزوجته أن تتعذب وتشقي إذا وقع مرة أخري في أيدي رجال
الامن! ولكنه رغم ذلك لايطيق وحدته، وتكون وسيلته الوحيدة للتواصل مع
العالم الخارجي ،عن طريق دردشه الانترنت ،وتجمعه الصدفة بصوت فتاة
مرتعدة،خائفة ومحبطة وهي دكتورة داليا "صبامبارك"،وهي فتاة تجاوزت
الثلاثين،دون أن تجد فرصة للزواج، تؤرقها مشاعرها الجنسية المكبوتة، في
انتظار أن تفجرها في موضعها الصحيح مع عريس لايأتي ،تفتقد للحنان والاهتمام
من رجل يشاركها الحياة، تعيش داليا مع أسرتها الصغيره،شقيقها الاصغر،عمروحسن
يوسف ،يقف
وسط طوابير العاطلين المحبطين،يفكر هو وصديقة أن يسافرا للخارج
بحثا عن فرصة عمل،تمنحه داليا "صبا مبارك"كل مدخراتها ،يدفعها مقابل فرصه
سفر، علي عبارة متآكلة، تغرق بمن عليها،فيموت المئات،وتتفحم جثثهم ،في مشهد
لايمكن أن تنساه،ويعود الشقيق ،مهزوما،منكسرا بعد وفاة صديقه ورفيق
رحلته،تحكي داليا لصديقها"جمال" الذي تعرفت علي صوته دون ان تلقاه،مشاكلها
فيشاركها همها ،ويؤلمه أنه لايستطيع أن يقدم لها حلا،فهي واحدة من ملايين
الفتيات اللائي يعانين الحرمان،أما حنان"زينة" صديقة "داليا" وابنة
عمها،فهي تعيش مثلها في انتظار العريس،ولكن مخاوفها تزداد مع انتهاء كل يوم
من عمرها،فهي تحلم بالأمومه،وتخشي أن تفلت منها سنوات العمر دون أن تحقق
الحلم،وتضطر للجوء لمكاتب طلب الزواج،وتبقي في حالة انتظار.
مشاكل العنوسة
وفي لقاء تليفزيوني مع المخرج محمد أمين قال أنه لم يقصد بفيلمه "بنتين من
مصر"
أن يناقش مشاكل عنوسة الفتيات،ولكنه يناقش عنوسه وطن،عجز عن تلبية احتياجات
أبنائه الاساسية! فلم يعد لديهم أي نوع من الانتماء حتي أن "جمال" أو«أحمد
وفيق» يختار لنفسه اسما حركيا علي الفيس بوك ،وهو اللامنتمي،تعبيرا عن
موقفه من المجتمع! واختلف مع المخرج في أن اختياره لجمال ليكون اسما لأكثر
من شخصية في الفيلم ،إنه الاسم الاكثر انتشارا بين مواليد الستينات، نظرا
لان الاسر المصرية كانت متيمة بجمال عبد الناصر، ولكن شخصية جمال في فيلم
بنتين من مصر لايمكن أن تكون من مواليد الستينات، وإلا لكان عمره الآن
خمسين سنة أو مايزيد عليها،أما الجيل الذي يتحدث عنه فيلم بنيتن من مصر،فهو
الجيل الذي جاء للدنيا في منتصف السبعينات،وأصبح عمره الآن يزيد علي ثلاثين
عاما،وإذا كان جيل عبد الناصر علي موعد مع القدر،فإن جيل السبعينات كان علي
موعد مع الفساد والفقر وضعف التعليم وتخلي الدولة عن جيوش من خريجي
الجامعات الذين لايجدون فرصة للعمل مع قلة الفرص وانتشار المحسوبية، وتقهقر
المجتمع بعد سيطرة الفكر السلفي،واستيراد ثقافة الخليج، والتمسك بمظاهر
الدين دون جوهره،بما أدي الي خراب الذمم ،وضعف النفوس!" بنتين من مصر" من
الافلام الصادمة التي لاتترك المتلقي دون أن تدفعه للتفكير في حاله وحال
الوطن، ومع ذلك فهو عمل فني جميل، ولايمكن إتهامه بالاساءة لمصر،فإن
الاساءة الحقيقية، أن تقدم أعمالا فنيه تساهم في زيادة الغيبوبة والجهل،
وتمنح المشاهد جرعات زائفة من الإنبساط المؤقت،ليس بغرض التسلية، ولاحتي
المتعة الفنية، ولكن بغرض أن يحقق اصحاب تلك الافلام "العبيطة" بعض المكاسب
الماديه علي حساب جيل كامل مستسلم تماما لقدره،ومع ذلك فإن المخرج محمد
أمين يمنح المشاهد بارقة أمل،في التأكيد علي أن الجيل القادم ربما يكون
اوفر حظا،من هذا الجيل الذي فرمته المشاكل وشلت إرادته تماما! ويمنح فيلم
بنتين من مصر فرص تألق لكل من شارك فيه من الممثلين،زينة في أهم ظهور لها
علي شاشة السينما،صبامبارك أداء تلقائي بالغ الروعة ،طارق لطفي وجيهان
سلامة وسلوي محمد علي ،رامي وحيد وإياد نصار وعمرو حسن يوسف،نغمات في لحن
مشحون بالشجن،أما أحمد وفيق فأعتقد أنه يحمل مخزونا من الموهبة لم يعلن
عنه،قبل مشاركته في فيلم "بنتين من مصر"!
جريدة القاهرة في
22/06/2010
السينما الغنائية.. ماضٍ مجيد
وحاضر هزيل
بقلم
: -د.رفيق
الصبان
أمام الكوارث الحقيقية التي تقدمها لنا السينما الغنائية المصرية اليوم
وأمام هذا السيل المنهمر من التفاهة والبلاهة وعشق الذات والضحالة
الموسيقية.. ما كان لعاشق هذه السينما العريقة إلا أن يعود إلي ذكرياته إلي
أيام سطوع الشمس الذهبية في سمائها لكي يستعيد شيئا من الثقة ولكي يذكر
هؤلاء الذين يحرثون اليوم في الماء .. إن شاطئ النيل قد عرف الورود الزرقاء
والفراشات الملونة وصيحات عرائس البحر .. وعاش من خلالها أياما مجيدة قبل
أن يصل به الزمان إلي مرحلة الطمي والعفن وجثث البقر المنتفخة والطافية علي
سطح الماء.
مسار جديد
عندما قرر عبدالوهاب أن يقدم فيلمه الغنائي الأول الذي قلب المعايير كلها
في السينما المصرية .. ورسم للدراما السينمائية الموسيقية مسارا جديدا
مليئا بالأماني .. اختار الدراما الاجتماعية أولا في «الوردة البيضاء» ثم
اتجه إلي الأدب العالمي ليقدم بعدها إعدادا شرقيا لقصة «ماجدولين»
لـ«الفونس كار» تحت اسم «دموع الحب» وإعدادا باسما لتراجيديا شكسبير «روميو
وجولييت» تحت اسم «ممنوع الحب» ثم مع اتصال وثيق بالأدب المصري .. يقدم
أخيرا مسرحية توفيق الحكيم «رصاصة في القلب» في قالب غنائي وشعري.. أوصل
كلمات الحكيم المزركشة إلي أعمق منطقة في ضمير المتفرج المصري العادي.
وعندما فكرت أم كلثوم .. أن تدخل ميدان الغناء السينمائي اختارت هي أيضا
مواضيع تراثية عن اقطاب الغناء وسيداته في العصور الإسلامية الذهبية لتقدم
من خلالها أجمل وأعمق أغانيها، وهكذا جاءت «وداد، وسلامة، ودنانير»..
لتعقبها أيضا جرأة غير مسبوقة في تقديم تمصير شديد الذكاء والمعاصرة لأوبرا
«عايدة» قام به العبقري القصبجي ثم عودة للأدب هي أيضا من خلال قصة «فاطمة»
لمصطفي أمين.
لم تفكر أم كلثوم ولم يفكر عبدالوهاب .. في كتابة القصة والإشراف علي
السيناريو كي يعطي لشخصياتهما الآسرة الهالة المطلوبة. لم يبصق عبدالوهاب
علي معجباته ولم يهزأ بهن ويضربهن بالقلم.. بل اختار أجمل الفتيات ليغني
لهن «انس الدنيا» و«بلاش تبوسني في عنيا» وجعل منهن باقة حلوة من الزهور
الملونة تحيط به وتعطي لغنائه لونا ساحرا خاصا به.
شخصيات غنائية
وكذلك فعلت أم كلثوم عندما جسدت المغنية «دنانير» التي كانت سببا من أسباب
كثيرة عمقت الخلاف بين هارون الرشيد ووزيره البرمكي.
وفي سلامة القس .. أحبت أم كلثوم رجلا متدينا حتي الثمالة وغنت من اشعاره
وشفعت له عند الخليفة الأموي.
حتي هذه الأغاني التي غناها قطبا الغناء الأكبر في خارطة الموسيقي العربية
جاءت علي مستوي غنائهما في طريقة إخراجها وتقديمها.
محمد كريم الذي وصل إلي أقصي درجات الجرأة في تقديمه أغاني عبدالوهاب
بطريقة مبتكرة مميزة لم يستطع أي مخرج آخر أن يقوم بها مع أي مغن آخر.
فهو
تارة يغني وهو يستحم في البانيو «المية تروي العطشان» ومرة يغني وهو يستقل
عربة ريفية يقودها حصان هربا من المرأة الارستقراطية «الهام حسين» التي
أرادت أن تبعده عن حبيبته فهرب منها.. قافزا من الشرفة وعائدا إلي المدينة
علي ظهر هذه العربة التي تسير ببطء وهو يغني لها «اجري .. اجري» أو يغني
حزينا في المقابر .. بعد أن وأد حبه «أيها الراقدون تحت التراب» وعجز عن
الغفران .. أو يغني أمام أسوار حبيبته ليلة زفافها وقصرها يزدان بالأنوار
وهو يسير متخبطا في الظلام منشدا «ضحيت غرامي».
تحت سفح الهرم
غني عبدالوهاب تحت سفح الهرم.. وأمام شاطئ النيل وفي حدائق القناطر.. وفي
غابات باريس غني مختبئا وراء جهاز راديو كبير «يللي نويت تشغلني» وغني في
بار يوناني «أحبه مهما اشوف منه» وغني في أرض خلاء .. لا روح فيها «لست
أدري» وغني في ديكور خرافي لم تر السينما الاستقراطية أجمل وأرقي وأشيك منه
«ياورد
مين يشتريك» لابسا السموكينج الأبيض .. متقدما فتاة في ثياب قصيرة تحمل
سلال الورود، وغني لوحده في صالون خال من الناس وعلي بيانو أسود كبير
أغنيته الرائعة «الصبا والجمال» أمام واحدة من أجمل مخلوقات السينما
المصرية «إلهام حسين».
كان كريم يحاول أن يضع المغني في إطاره السينمائي كمخرج وفي إطاره الثقافي
من خلال أعمال تحترم العقل والذكاء وكرامة الإنسان .. لذلك جاءت هذه
الأفلام السبعة القليلة التي مثلها «عبدالوهاب» تحفا سينمائية حقيقية رفعت
السينما المصرية الغنائية إلي عرشها الذهبي الكبير.. والتي ظلت متربعة
عليها سنين طويلة .. قبل أن تنزلها عند هذه الأفلام التافهة لمغنين لا
يعرفون للغناء معني ولا للأدب السينمائي وجودا.
وإذا كان لكريم حق السبق في إخراج أغاني عبدالوهاب بهذه الطريقة المدهشة
التي لم يجاره فيها أحد .. فقد كان لأحمد بدرخان فضل كبير أيضا في إعطاء
أفلام
أم كلثوم.. طابعا خاصا بها.. يليق بشخصيتها الارستقراطية
ويتلاءم مع طريقة غنائها الفريدة.
منذ أن كان بدرخان المساعد الأول لفريتز كرامب الألماني الذي أخرج لأم
كلثوم أول أفلامها «وداد» شعرت مطربة الأجيال أن بدرخان هو المخرج الذي يجب
أن تتمسك به حتي الثمالة، تماما كما تمسكت بملحنيها الكبار «زكريا أحمد،
والقصبجي، والسنباطي» لذلك عهدت إليه فورا بإخراج فيلمها الثاني «نشيد
الأمل» الذي قدمها بأغان لا تنسي أغنية الهدهدة الخارقة للعادة «نامي يا
ملاكي» وأغنية «المجد» وجعلها تطير فرحا وهي تنشد «افرح يا قلبي» أو تسقط
صريعة الشجن في «أفديك بروحي».
الغناء أمام الرشيد
ولكن بدرخان لم يتألق سينمائيا مع أم كلثوم كما تألق بفيلم «دنانير» فجعلها
تغني أمام الرشيد في جوقة موسيقية مكونة من الجواري أجمل أغانيها «قولي
لطيفك ينثني» وجعلها تغني في قصور البرامكة التي هدها الرشيد «رحلت ساجعات
الطيور» وعلي أمواج دجلة غنت في زورق مزدان بالورود والشموع «ياليلة العيد».
وفي «عايدة» حولها بدرخان إلي أميرة حبشية تموت حبا مع قائدها المصري وتغني
مع جامعات ثمرة القطن في ريف مصر، وتغني مع زميلاتها في عنبر نوم
«الجامعيات» وتغني الدويتو الوحيد لها مع «إبراهيم حمودة» علي عربة حنطور
تخترق بها حقول مصر الخضراء
.
وفي «فاطمة» غنت للنيل مع «أنور وجدي» وغنت لـ «السيدة زينب»، وغنت للورود
والطيور والأزهار وفي كل مرة كان الغناء يصاحب الفن السينمائي الارستقراطي
ويعلو به إلي مقامات شامخة لا تعرف بعدها إلي من ندين بتشوقنا إلي الغناء
أم إلي الطريقة التي يقدم بها الغناء أم إلي هذا الاحترام الذي تقدمه
السينما الغنائية لمتفرجيها وعشاقها.
لا أريد أن أعطف بدوري علي أفلام «الأطرش» و«محمد فوزي».. و«عبدالحليم» من
خلال رؤية «حسين كمال» الشديدة لأني أكتفي بذكر هذين الهرمين الغنائيين
اللذين لم يكونا ليحتاجا إلي أي زخرفة أو زركشة كي يجعلا الناس تتقاطر
ألوفا وملايين لتراهم مجسدين علي الشاشة.. ومع ذلك حافظا هذان الهرمان..
علي مستواهما الغنائي بأن جعلاه متوازيا مع مستواهما السينمائي الذي ظهرا
به.
فقدما بذلك درسا لا ينسي لكل هؤلاء الذين دخلوا بعد ذلك تباعا إلي حقل
السينما.. كيف يجب أن يكون الغناء السينمائي وما الهالة التي علي المغني
الكبير أن يحافظ عليها إذا أراد أن يمنح لنفسه احترام معجبيه وعشاقه.
سخافة وإسفاف
عكس هذا الطريق تماما يتبعه نجوم غنائنا الجدد.. ليؤكدون بكل صفاقة أهميتهم
وحظوتهم لدي جماهيرهم.. التي علينا أن نقبلهم مهما فعلوا ومهما انحرفوا
ومهما ابتذلوا.
لا عناية مطلقا بالنظر السينمائي الذي يؤدونه سيطرة كاملة علي المخرج
المسكين الذي يوقعه حظه العاثر باحترام فيلمهم لا مبالاة.. بما سيقوله
الجمهور عنهم ما داموا قد استقطبوه منذ زمن
وسجنوه في قفصهم المتهالك ولا يتركون له إلا فرصة التصفيق والتهليل لهم
ولما يؤدونه والطريقة التي يختارونها هم أنفسهم لهذه التأدية.
وهكذا سقطت سينمانا الغنائية المدهشة التي كانت فخرنا ومجدنا خلال
الثلاثينات وحتي الستينات التي استطاعت أن تقف وقفة التحدي أمام السينما
الارستقراطية الهوليوودية والسينما الهندية الراقصة والتي باتت اليوم تلملم
شتات أمجادها وتعيش علي اصداء ذكرياتها القديمة.
كما استطاع عبدالوهاب وأم كلثوم أن يخلقا في تاريخ السينما المصرية .. هما
وفئة المطربين الكبار الذين جاءوا بعدهما معالم أسلوب سينمائي غنائي مصري
خاص لا يمكن تقليده وتحول ليكون الآن «ماركة مسجلة» تحسب لهم طويلا، فإن
مغنينا الجدد نجحوا هم أيضا في هدم حجر وراء حجر ولبنة وراء لبنة لهذا
الهرم الفني الكبير الذي شيده أساتذتهم ووقفوا الآن «يرقصون ويغنون» علي
أطلاله.. دون أن يدركوا لحظة واحدة
أنهم يغنون للفراغ وأن الصدي نفسه أصبح عاجزا عن ترداد ما
يقولونه.
جريدة القاهرة في
22/06/2010
«القاتل
في داخلي» .. فيلم يثير
الجدل في هوليوود
بقلم
: -عبدالنور
خليل
الفيلم الأخير للمخرج «مايكل ووتربوتوم» «القاتل في داخلي» أثار جدلا كبيرا
في هوليود إلي حد أن نقاد الفيلم أجمعوا علي أن يطلبوا من الجمهور مقاطعته
ليس بسبب الفيلم وقصته، بل بسبب العنف الصادم في مشاهده، فلا تكاد تمضي
عشرون دقيقة من عرض الفيلم، حتي نواجه بوحشية تصدمنا رجل يضرب امرأة
بقبضتيه - وهو مشهد لا يستطيع أي شخص عادي أن يراه دون أن يغلق عينيه ويشيح
بوجه مملوء بالاحتقار والغضب.
القضية معدة عن قصة «جيم ثومبسون» التي نشرها عام 1952 بنفس العنوان
«القاتل في داخلي» وتدور أحداثها في إحدي مدن تكساس المنزوية وتدعي «سنترال
سيتي» وتحكي قصة نائب عمدة المدينة ويدعي لوفورد «كاسي أفيليك» بوسامته
الشابة ومراهقته البادية مما يكسبه مظهر الشاب السوي الخلق المتزن التصرفات
.. فيه بعض الغباء ربما بحكم نشأته في المدينة، لكن
ذلك لا يدوم.
الحب .. والعنف والقتل
عندما يأمره رئيسه عمدة المدينة «توم بور» بأن يهاجم ماخورا في المدينة
يلتقي جويس ليكلاند «جيسكا ألبا» يكتشف أنها علي درجة كبيرة من الجمال
وعندما تصفعه تطلق الوحش الكامن في أعماقه ويتحول إلي عاشقها ثم قاتلها.
كان «فورد وجويس قد وضعا خطة للنصب علي ابن أكبر ثري في المدينة، لكن الأمر
ينتهي بأن الخديعة تنصب من فورد علي جويس، وهنا يصدمنا مشهد العته الذي
يضربها فيه حتي الموت بيديه العاريتين، بينما يزعجنا «ووتربوتوم» بفيلمه
ويذكرنا أن بطله فورد يرتكب عدة جرائم وهو يحاول أن يخفي أفعاله.
إن فيلم «القاتل في داخلي» للحظ السيء قد بدأ عرضه، عندما اكتشفت جرائم قتل
ثلاث عاهرات في مدينة برادفورد، وتصدرت اخبارها الصفحات الأولي في الصحف..
إن الفيلم والكتاب أيضا، يعطيا انطباعا مقلقا بأن جويس نفسها مسئولة عن
إطلاق الوحش القاتل في أعماق فورد، وخليط
من عنف جويس الذي تبدي في مشاهد الجنس السادية - وحبها البريء لفورد. فجرت
فيه ذكريات الطفولة ورغبات عنيفة أدت إلي قتلها .. الفيلم يحاول اقناعنا
بأن جويس كانت مملوءة بالرغبة في الموت، ولهذا قابلت ضربات فورد بسلبية
تامة، وكأنما كانت مجرد حقيبة للضرب مما يتدرب عليها الملاكمون، كانت جويس
تسعي إلي حتفها، وتحقق هذا لها فعلا ولا تلومن إلا الضحية.
الضرب والعنف للنساء فقط
واضح أن «مايكل ووتربوتوم»، عنده مخزون من الرغبة في مشاهد العنف، لكنه عنف
موجه إلي النساء في الأغلب، علي الرغم من أن بطله فورد يهاجم رجلين أيضا،
وفي رأيي أن العنف المطلق لا يتيح تقديم فيلم جيد لأنه دراميا غير صحيح.
إن «ووتربوتوم» قد وقع نتيجة لفهم عام خاطئ عن القتلة من أمثال فورد،
وافترض أن تصرفاتهم الصادمة سوف تبهرنا، لكن من الصعب اكتشاف ما يبهر في
هذه المواقف، إن فورد لا يملك شيئا من إثارة هانيبال ليكنز بطل «صمت
الحملان».. إنه يفتقر إلي الأخلاق أو الذوبان كلية في الشخصية بل هو مثال
متحرك للشيطان، وبعد مضي عشر دقائق فقط من رؤيته تتمني لو تقتل نفسك من
الملل، لقد فشل ووتربوتوم في محاولته لجعل بطله رمزا دراميا، وعلي قول
أوسكار وايلد، الكاتب الإنجليزي الأشهر «كل رجل يقتل الشيء الذي يحبه» وهذا
ينطبق حقا علي فورد .. إنه يحب جويس لكنه يقتلها .. ويحب صديقته الممشوقة
آني «كيت هدسون» لكنه يقتلها.. نحن أمام دراسة إذن لتدمير الذات .. لكننا
لا نجد القدرة لمعرفة ماذا يقود فورد فعلا.
تجاهل العوامل النفسية المؤثرة
إن فيلم مايكل ووتربوتوم «القاتل في داخلي» يعطينا اشارات إلي طفولة بطله
المليئة بالمتاعب، ويعطيه مبررا للانتقام، لكنه علي عكس الكتاب يبتعد عن أي
تفسيرات للعوامل النفسية في أعمال بطله.. إن ما يجعل رواية ثومبسون مثيرة
منذ صفحاتها الأولي هو أنه منذ المنولوج الداخلي في صفحاتها الأولي تدخلنا
في «عقل» قاتل بدم بارد، ويلجأ ووتربوتوم إلي استخدام صوت فورد لكي يحقق
لنا هذا النوع من الخصوصية، لكن بطله يظل شخصا غريبا ومبتعدا، وينتهي
الفيلم دراميا بصورة سلبية.
إن «القاتل في داخلي» ممل وتقليدي، تجتاحه أحداث متلاحقة من العنف والجنس
والسيناريو الذي كتبه «جون كوران»، في الأغلب من الصعب تتبعه، خاصة في ظل
التمتمة والهمهمة اللتين يطلقهما بطله كاسي أفيليك.. وفي المشاهد الأولي من
الفيلم يقدم لنا معلومة من فورد، مفادها أن البوليس أوقفه كمشتبه بأنه
قاتل، كنهم لم يعاملوه هكذا في أي وقت من الأوقات أو حتي وضعوه تحت
المراقبة.
وفي رأيي أن الأداء لم يجود صورة الفيلم .. إن أفيليك ممثل جيد لكنه فشل في
أن يتجاوز بنا البرود في شخصية فورد أو رسم الجوهر المجنون تحت السطح ..
ومن المؤكد أن شخصية «ألبا» تشعر وتنضج بالجنس ، وكنت أتمني أن أعرف
قصتها.. إنها عاهرة بكل بساطة، لكن بقلب مملوء بالظلمة.
ما يدهشني أن الفيلم تركني نهبة لسؤال ملح.. هل نحن في حاجة إلي رحلة أخري
في عقل قاتل؟!
جريدة القاهرة في
22/06/2010
علا غانم تعترف: أتحمس للمشاهد
الجريئة وأرفض الإغراء المبتذل
بقلم
: -سالي
مبروك
يلاحقها الهجوم والنقد في أعمالها التي تقدمها في السينما منذ بدايتها في
«سهر الليالي» حتي فيلمها الجديد «أحاسيس» الذي يعرض حاليا بدور العرض
فاعتادت علا غانم إثارة الجدل حول أفلامها رغم أن لا أحد ينكر قدرتها
وامكانيتها في الأداء والتمثيل، تتحمس وتبحث دائما عن القضايا الجريئة
والحساسة التي تمس الناس وترفض حصرها في أدوار الإغراء كما يصنفها البعض
لأنها تري أن لديها الموهبة والطاقة اللتين تجعلاها تجسد جميع الأدوار
وتقدم مختلف الشخصيات ببراعة لإيمانها برسالة الفن وما يجب أن يمثله من
واقع نعيشه لتجسيده أمام الشاشة للجمهور.
فبداية تتحدث علا غانم عن فيلم «أحاسيس» الذي يعرض حاليا في دور العرض
وتقول إنه فيلم نابع من الواقع الذي نعيشه ولا يوجد فيه أي تجاوزات أو
مبالغة في الأحداث حيث تناول الفيلم المشاكل
الجنسية التي تعيشها العديد من الزوجات في مصر من خلال رصد ثلاث سيدات
وعلاقتهن بأزواجهن الأولي تضطر لخيانة زوجها مع شخص آخر لفشله في اشباع
غريزتها والثانية ترفض أن تطيع زوجها أثناء العلاقة الجنسية أما الثالثة
فتري حبيبها الأول بعد زواجها.
شخصية
أرستقراطية
وعن دورها «سلمي» في الفيلم فتقول علا غانم إنها شخصية ارستقراطية صعبة جدا
وهي زوجة وأم لكنها تعاني من تجاهل الزوج لحقوقها كمرأة وتعاني من حالة
نفسية سيئة وهذا ما أدي إلي عدم قدرتها علي عيش حياة طبيعية مع زوجها مما
جعلها تطلب الطلاق وعندما عادت لحبيبها الأول لتطلب منه الزواج تتفاجأ أنه
يحب امرأة أخري ويريد الزواج منها فتضطر للذهاب لطبيبة نفسية تعالج مشكلتها.
كثير من الجدل
وتعتبر دورها في فيلم أحاسيس الذي أثار جدلاً كبيراً من قبل الجمهور
والنقاد أنه من أصعب الأدوار التي قامت بتقديمها خلال مشوارها الفني خاصة
المشهد
الذي تعرضت فيه للضرب من زوجها وكذلك مشهد النهاية في الفيلم
مما ارهقها نفسيا في التصوير حيث إنها تعايشت مع المشاهد لدرجة جعلتها تبكي
أثناء التصوير.
هجوم غير منطقي
وبخصوص الانتقادات التي واجهتها تؤكد علا أنها لا تبالي أي نقد أو هجوم غير
منطقي غير ذلك تحترم النقد البناء الذي يفيدها مشيرة إلي أنها اعتادت علي
الهجوم والنقد الذي يلاحقها منذ تقديمها فيلم سهر الليالي رغم أن الكثيرين
يشيدون بأدائها لاقتناعها بما تقدمه من قضايا وموضوعات وتقول إن الفن دوره
عرض الحقيقة بما يحمله الواقع من مرارة معتبرة فيلم أحاسيس عملاً يلقي
الضوء علي شئون المرأة التي يعتبرها الأزواج مجرد كيان عابر بالنسبة لها
وأن دورها في المجتمع يقتصر علي ارضاء الزوج بمتطلباته فقط مؤكدة علي ضرورة
تغيير هذه النظرة لاحتياجات المرأة وأخذها بعين الاعتبار لأن التقصير في
حقها يؤدي إلي انحرافها وهذا دور الفن
والرسالة التي حملها الفيلم للجمهور.
مشاهد جنسية
وفي الوقت نفسه تعترف علا غانم أن المشاهد الجنسية التي تم تقديمها في
الفيلم كانت مبالغاً فيها وأكثر من اللازم لكنها تقول: أنا في النهاية
ممثلة والممثل له حدود فهناك مخرج يحب تنفيذ رؤيته الخاصة ووجهة نظره وأنا
لم اتعود علي قول «لا» للمخرج مادام يطلب مني في حدود استطاعتي ويكون في
إطار درامي مبرر.
كما تعرب عن سعادتها بموافقة الرقابة علي عرض الفيلم دون حذف أي مشهد منه
وهذا ما كان مفاجأة بالنسة لها وللمخرج حيث كان من المتوقع أن تحذف منه
الرقابة عدداً كبيرا من مشاهده بسبب الجرأة التي يحملها موضوع الفيلم مما
يؤكد أن الرقابة في مصر أصبحت واعية بأهمية طرح القضايا والموضوعات دون
محازير بما في ذلك القضايا الجنسية في السينما.
سهر
الليالي
وبالنسبة لمعايير اختيار أدوارها التي تقدمها تقول علا غانم أحب اختيار
المواضيع الحقيقية
التي تمس الناس ممثلا سهر الليالي الذي عندما عرض شعر الناس بحالة من الفزع
إلا أنه بعد ذلك اعجبهم فكل شيء يكون في بدايته غريبا علي الناس طالما لم
يعتادون عليه مؤكدة أنه طالما اختار الفنان هذا الطريق الصعب فعليه أن يبدع
فيه بكامل قوته وكل ما لديه من موهبة ولكنها ترفض حصرها في أدوار الأغراء
كما يصنفها البعض لأنها ممثلة تستطيع وتحلم بتقديم جميع الأدوار والشخصيات
المختلفة والجديدة دون تكرار.
جريدة القاهرة في
22/06/2010 |