تسببت ثورة التقنيات الإلكترونية المعاصرة المتعلقة بصناعة الأفلام
السينمائية بانتشار ظاهرة ملفتة للنظر وتتضمن مفارقة حادة، خاصة في
البلدان التي ليس فقط لم توجد فيها صناعة سينمائية من قبل، بل لم توجد فيها
أفلام سينمائية أصلا: كثيرون يتعلمون فنون صناعة الأفلام ويتدربون على
صنعها من خلال أفلام رقمية قصيرة، يتدبرون أمر إنتاجها بطريقة أو بأخرى
كونها أفلام هواة قليلة التكاليف لا يشكل إنتاجها أي مخاطرة بالنسبة
لصانعيها، ولكنهم، إذ ينجزونها ويعرضونها على الأصدقاء أو في بعض
المهرجانات الثانوية لا يكتفون بها، بل يستعجلون ويطمحون لتحقيق أفلام
روائية طويلة، سرعان ما يكتشفون أن ظروف إنتاجها أكثر تعقيدا وكلفة من ظروف
إنتاج الأفلام القصيرة و لا يكفي الحماس والرغبة وحدهما لتحقيقها، فيطالبون
بإنشاء صناعة سينمائية في بلدانهم تعينهم في طموحهم، ولكن ما من يجيب
ويستجيب أو يقدم الأموال التي تنتج الأفلام، خاصة وان خبرات المخرجين
الهواة لا تشجع إدارات بلدانهم على إنشاء صناعة لسينما لا تهتم الإدارات
بوجودها، وهكذا تنشأ مفارقة ظاهرة وجود هواة يطمحون لأن يصبحوا سينمائيين
فاعلين، مقابل عدم وجود أفلام( روائية طويلة تحديدا).
أين يكمن الخلل؟ مكامن الخلل كثيرة، وما يهمنا منها هنا هو ما يتعلق بدور
المخرج/ المنتج في التسبب في الخلل.
السينما صناعة والفيلم منتج صناعي. هذه حقيقة لا تنفيها حقيقة مقابلة تقول:
إن الفيلم إبداع فني وطرح فكري، ولهذا يقال أن السينما صناعة وفكر وفن.
يبدأ الخلل عندما يتجاهل المخرج هذا التركيب الثلاثي العناصر، فيتعامل مع
فيلمه باعتباره فقط وسيلته للتعبير الذاتي، كما لو انه شاعر يكتب قصيدة يبث
من خلالها عواطفه أو رسام يسعى في لوحته لإبراز براعته في التلوين.
في بلد لا توجد فيه صناعة سينمائية ولا إنتاج للأفلام الروائية الطويلة،
ينجح سينمائي ما في تأمين أموال تساعده على إنجاز فيلمه الروائي الطويل
الأول الموعود. يترافق العمل على إنجاز الفيلم مع الكثير من الدعاية
والترويج الإعلامي وتعلق عليه الآمال . أخيرا يصبح الفيلم منجزا ويقام
احتفال بالعرض الأول يحضره ضيوف رسميون وشخصيات ومريدون. بعد العرض يتلقى
المخرج ومن حضر معه من أفراد طاقمه التهاني، ثم ينصرف كل منهم إلى بيته
تتلبسه نشوة غامرة.
تمر الأيام ويعرض الفيلم في المهرجانات. يحصل الفيلم على جوائز متفاوتة
الأهمية أو شهادات تقدير، قد يمتدحه صحفي أو ناقد سينمائي وقد يذمه آخر.
يتشجع المخرج أو المنتج فيقرر أن يعرض الفيلم في الصالات المحلية، غير أن
الفيلم قد لا يلاقي تجاوبا جماهيريا يعينه على الاستمرار في الإطلالة على
الناس عبر الشاشة فتتوقف العروض، ويوما إثر يوم يخفت الضجيج الذي سبق ثم
صاحب إطلاق الفيلم، وأخيراً، آجلاً أم عاجلاً، تهدأ الأحوال ويصبح الفيلم
مجرد تجربة طموحة، لم تسعفها المهرجانات ومدائح المادحين من الصحفيين في أن
تغير في واقع غياب الإنتاج السينمائي المحلي شيئا.
مشكلة الجيل الجديد من المخرجين،أو الطامحين لأن يكونوا مخرجين، أنهم
فرديون أكثر مما يلزم، ومستعجلون أكثر مما يلزم، وبعيدون عن التواضع فيما
يطالبون به المجتمع والدولة، وفي كثير من الأحيان فهم لا يكتفون بمطالبة
الدولة بتمويل مشاريع أفلامهم بل يتخطون المراحل و يقفزون فورا نحو
المطالبة بتأسيس صناعة للسينما، هذا في حين أن التقنيات الرقمية لإنتاج
الأفلام، ما عادت تتطلب وجود صناعة سينمائية، بالمعنى التقليدي لمصطلح
صناعة سينمائية. أما مشكلة غالبية المخرجين الذين يتمكنون من صنع فيلمهم
الروائي الطويل الأول فهي أنهم ينجزون أفلاما تفشل في أن تبرهن على مصداقية
ما يعلنونه من أهمية للسينما وما يروجون له حول الدور الذي يمكن أن تلعبه
السينما في مجال خدمة المجتمع والحضارة وغير ذلك، كما أنهم في الغالب، وهذا
هو الأمر الأخطر، لا ينجزون أفلاما عميقة كفاية و موهوبة كفاية ومثيرة
كفاية ومؤهلة كفاية كمشروع استثماري، بحيث تجعل القادرين على الدعم من
المسؤولين و رجال الأعمال، يقتنعون بهم و يتحمسون لهم ويكافئونهم على
إنجازهم بالاستجابة لمطالبهم.
هل توجد وصفة جاهزة لإنتاج فيلم ناجح يسهم في التأسيس لقاعدة للإنتاج
السينمائي في بلد لا توجد فيه سينما و لا توجد قناعة حقيقية بأهمية وجود
سينما محلية لدى المسؤولين وكبار الممولين؟ هذا هو السؤال الذي يتوجب على
الأعداد المتزايدة من الحالمين بأن يكونوا مخرجين سينمائيين من أصحاب
الأفلام الروائية الطويلة أن يبحثوا عن الإجابة عليه.
في بلد لا توجد فيه صناعة سينمائية ولا إنتاج للأفلام الروائية الطويلة، لا
يستطيع المخرج/ المنتج، الطامح لتكريس حياته لإخراج الأفلام إلا أن يسعى
لأن يكون فيلمه جزءا من حركة إنتاج سينمائي محلي ناشطة، يساهم فيها بفعالية
مع سواه من أنداده وبالتالي عليه أن يفكر بمشروعه باعتباره جزءا من صناعة
قيد الإنشاء. المخرج الذي يضع مثل هذا الهدف نصب عينيه، هو بهذا يكون على
العكس من المخرج الذي يريد أن يصنع فيلما بسبب ترف مزاجي أو إشباعا لغرور
ذاتي، مستفيدا من ظروف خاصة تساعده على انجاز فيلمه.
الرأي الأردنية في
18/06/2010
دراما شخصية تاريخية ذات اسقاطات على الواقع
القاهرة ـ
دار الإعلام العربية
إنه الممثل الذي لا يستعير أوجه غيره؛ لأن لديه من الأقنعة الدرامية ما
يكفي ليكون صاحب مدرسة تمثيل متكاملة.. هو «سليم باشا البدري» أرستقراطي
الحلميّة، إنه الابن المدلَّل لأسرة ذات جاه عفا عليه الزمن في «يتربى في
عزّو»، إنه «الملك لير» يقف على المسرح باكياً يستدرُّ عطف الجمهور، إنه
المحامي «ابن الأرندلي» و«ربيع الحسيني» الشهير ب«يحيى الفخراني»، الذي
يُطل علينا في رمضان هذا العام مُرتدياً عباءة «شيخ العرب همَّام»، في
واحدة من مغامراته التمثيلية في صعيد مصر.. «الحواس الخمس» في ضيافة يحيى
الفخراني؛ ليسأله عن سر تقديمه شخصية «شيخ العرب همّام» في هذا التوقيت
بالتحديد، فقال:
وافقت على تجسيد شخصية «شيخ العرب همّام»؛ لأنها مستوحاة من قصة حقيقية،
فقد أخذ مؤلف العمل عبدالرحيم كمال الجانب الدرامي في هذه الشخصية، وأعاد
صياغتها مرة أخرى، بمعنى أننا لا نقدم همّام بشكل تاريخي؛ لذلك لا نستطيع
أن نصف المسلسل بأنه عمل تاريخي، فنحن نقترب ونبتعد عن شخصية «همّام» من
خلال الديكورات والملابس والإكسسوارات، كما أننا غير ملتزمين بشكل وصفات
«شيخ العرب همّام»، ورغم أن أحداث المسلسل تدور في محافظة قنا بصعيد مصر،
وبالملابس واللهجة الصعيدية، فإنني لا أعتبره عملاً عن عادات وحياة الصعيد،
فهو بعيد تماماً عن مشاكل الصعيد الشهيرة، والتي نوقشت أكثر من مرة في
أعمال أخرى.
سرية تامة
وعن أحداث المسلسل التي يتكتم عليها صانعو العمل، يقول: المسلسل تدور
أحداثه بين الواقع والخيال، وتصلح أن تحدث في أي مكان في مصر من خلال شخصية
همّام الذي يحكم في الجزيرة، ويعد آخر أمراء قبيلة «هوَّارة» بفرشوط، إحدى
مدن محافظة قنا، لكننا بالفعل نتعامل مع التفاصيل بحرص وسرية تامة حفاظاً
على مضمون المسلسل؛ لأن تسريبه ليس في صالحه؛ لذلك قررنا أن يكون العمل
سرياً حتى يفاجأ المشاهد بأحداثه، فالمسلسل مليء بالمفاجآت والإثارة،
والكشف عنها في الوقت الحالي ربما يؤثر في قيمته ويفقده متعة المتابعة.
بعيدٌ عن العمران
وفي تساؤل عن عدم تصوير أكثر مشاهد المسلسل في صعيد مصر يضيف الفخراني: قبل
بدء التصوير تجوّلت مع المخرج والمؤلف والمنتج في مدن محافظة قنا، ومنها
«فرشوط» التي وجدنا منازلها ومساجدها لا تتناسب أبداً مع الفترة الزمنية
التي كان يعيش فيها همّام، فقد زحف إليها العمران من كل جانب؛ لذا تم إنشاء
ديكورات في استديو الجابري، أما المشاهد الخارجية فوجدنا أن تصويرها في
مدينة «أبو تشت» وسط الزراعات هو الأنسب، خاصة أننا نصور في مكان بعيد
تماماً عن العمران، وقد سعدت باستقبال أهالي قنا لأسرة المسلسل، فهم
يمتازون بالطيبة والكرم، كعادة أهل صعيد مصر.
وعمّا إذا كان رفض المسلسل من قبل فنان آخر مثل نور الشريف سبب للفخراني
إزعاجاً عند عرض العمل قال: ليس لدي معلومات عن رفض نور الشريف للمسلسل،
ولكن رفضه لا يعني أن أرفض أو أن آخذ موقفاً من المسلسل، فنور الشريف ممثل
كبير، وله وجهة نظر تحترم، وتربطني به علاقة قوية، فهو من أفضل الفنانين
حالياً على مستوى الوطن العربي كله، وليس في مصر فقط، لكن لا يعنيني رفض
زميل لي عملاً ما، كل ما يهمني أن الدور يجذبني، وأن العمل متكامل من وجهة
نظري.
وتابع مستطرداً عن إمكانية اعتبار «شيخ العرب همام» عملاً سياسياً في
المقام الاول: أي عمل درامي يقدم ظروفاً سياسية، سواء كان بشكل مباشر أم
غير مباشر، فشخصية «همّام» بها إسقاطات عدة على الواقع الذي نعيشه في هذا
الزمن مثل أي عمل تاريخي، فإذا خلا المسلسل من الإسقاطات لن يثير المشاهد،
وسيبتعد عنه منذ الحلقات الأولى، ومن الطبيعي أن يكون العمل له علاقة
بالواقع السياسي الذي نعيشه بشكل أو بآخر، أود أن أشير إلى المجهود الذي
نقوم به كأسرة مسلسل بشكل عام، خاصة بتدريبات ركوب الخيل التي ترهقني بشكل
كبير، لكن هذا من شروط الإجادة في الشخصية، ولا سبيل إلى الإجادة إلا بهذا
المجهود.
وحول الخلاف عمن يؤدي أغنيات المسلسل، يقول: لا يوجد خلاف منذ البداية على
علي الحجار كمطرب متميز، ويصلح لأداء هذا النوع من الغناء الصعيدي الذي
يكتبه الأبنودي، ويلحنه الموسيقار عمار الشريعي، وما تم من خلاف حول أسماء
لمطربين آخرين مجرد شائعات انتهت بإعلان اسم الحجار بشكل واضح ونهائي.
وأضاف معقباً على اختياره هذا العمل بالتحديد من بين السيناريوهات العديدة
التي عرضت عليك: اخترت «شيخ العرب همام»؛ لأن الشخصية مبهرة، فهو مثل رئيس
دولة، ويمتلك الأراضي الممتدة من محافظة المنيا إلى محافظة أسوان، وتدور
أحداث هذا المسلسل قبل تولي محمد علي حكم مصر، وهي فترة مهمة في التاريخ
المصري، وكان من المهم أن أبدأ بها قبل تقديم مسلسل «محمد علي» الذي سأبدأ
تصويره بعد انتهاء رمضان المقبل.
استعدادٌ لمحمد علي
وعن الخلافات التي تحاصر مسلسل «محمد علي» واتهام المؤلف أبو العلا
السلاموني له بسرقة سيناريو المسلسل، يقول: منذ 20 عاماً عرض عليَّ
السّلاموني تقديم مسلسله «محمد علي» ورفضت؛ لأنه مكتوب بطريقة لم تعجبني،
وهذا حقي، فلا يستطيع أحد إجباري على تقديم عمل ضعيف، فمثلاً أنا أسعى
لتقديم مسلسل يتناول حياة صلاح جاهين.
وعُرضت علي ثلاثة سيناريوهات تتناول سيرته، لكنها لم تعجبني فرفضتها بما
فيها فيلم كتبه عبدالرحيم كمال عن الشخصية نفسها، رغم أنه مكتوب بشكل جيد،
ولكنني أسعى إلى إيجاد ورق أفضل من كل ما عُرض علي، ولا أعتقد أن أحدًا من
أصحاب هذه الأعمال سيتهمني بسرقة فكرته إذا جسّدت حياة صلاح جاهين مع مؤلف
آخر، فشخصية محمد علي عامة، ومن حق أي شخص تقديمها، فهي غير مقصورة على
السلاموني أو غيره، ولا أحب أن أوجه إساءة إلى أحد؛ لأن السلاموني كاتب
متميز، ولكنه أثار زوبعة ليس لها داعٍ.
وعن إمكانية تقييم شباب السينما حالياً باعتبارهم أفضل من الأجيال التي
سبقتهم، يقول «من قال هذا الكلام؟!»، كل جيل له ظروفه، وأظن أن الجيل
القديم لن يُعوّض، فكيف نعوض نجيب الريحاني، عبدالفتاح القصري، حسين رياض
وغيرهم من عمالقة الفن، لكن لا يمنع ذلك من اجتهاد الموجودين من الشباب في
صنع تاريخ لهم وسط ظروف صعبة.
وأضاف: العمل الجيد يبقى والفنان الجيد يستطيع أن يصنع لنفسه مكانة في قلوب
مشاهديه، ومهما مرّ الزمن يظل في ذاكرتهم، ولا شك أن في هذا الجيل إمكانات
فنية جيدة يقدمون أعمالاً في تصاعد مستمر، وهذا يحسب لهم على أي حال وسط
التردي الواضح في الذوق العام.
البيان الإماراتية في
18/06/2010 |