لكوارث الطبيعة وغضبها نصيب في السينما العالمية ومنذ بداياتها؛ حيث صورت
العديد من الأفلام التسجيلية والروائية التي تناولت هذه الحالة سواء بشكل
أساس أو كتحصيل حاصل لما تترتب عليه من نتائج، ولعل فيلمنا هذا الأسبوع
(شوارع الدم) ينتمي للشطر الثاني من الموضوع، ففكرة الفيلم تستند إلى أحداث
حقيقية وقعت منذ فترة قريبة.
فيتذكر الكثير منا إعصار كاترينا الذي ضرب ولاية نيو أورليانز الأميركية
سنة (2005) وتسبب في مقتل المئات وتشريد الآلاف ودمار هائل خلَّفه لتلك
الولاية الجنوبية، حتى إن الحكومة الأميركية (المنشغلة في وقتها بالحرب على
العراق) في حينها أعدت تلك الولاية المنكوبة منطقة كوارث، وكأي حدث يقع
بهذا الحجم ينبري الكتاب للاستفادة من الأحداث التي صاحبت تلك الكارثة،
ومنها فيلمنا هذا الأسبوع (شوارع الدم) الذي يسلِّط الضوء على حالة الفوضى
وانتشار الجريمة بعد حدوث الكارثة؛ حيث الانفلات الأمني وصراع أقطاب
الجريمة وتجار الممنوعات، وذلك من خلال شخصية رجل أمن يدعى (أندي) الذي
يؤدي دوره النجم الأميركي (فال كيلمر) كان قد تعرض مع رفيقه بعد أيام قليلة
من الإعصار لمواجهة مع رجال العصابات، خلال مهمة يقومان بها بتكليف من مكتب
مكافحة الجريمة في مدينة نيو أورليانز، وينتج عن المواجهة الدامية مقتل
رفيقه، ما يصيبه بحالة نفسية تلازمه طيلة فترة عمله، وتنعكس على سلوكياته
وممارساته تجاه أفراد العصابات وتقوده إلى البحث المستمر عن سر قوة تلك
العصابات ومن يقف خلفها، ويكتشف بمرور الوقت أن اللعبة تتم على مستوى أعلى
مما كان يتوقعه، حينما يضعه الشك في عناصر رئيسة في مكتب التحقيقات
الفيدرالي، لكنه لم يعرف تحديدا الشخص المعني بهذه العلاقة، ويستمر في
مطاردة ومتابعة الرموز الكبيرة لتجارة الممنوعات وهي متعددة منها مجموعات (ديلاكروا،
وشامورا، والروس والآسيويين، والملوك اللاتينيين، والثري أن جي) جميعها
مسميات لرؤوس عصابات المافيا وتجار الممنوعات في نيو أورليانز، وبعد القضاء
على أغلبها تستعصي عليه مجموعة (شامورا) التي يكتشف أندي أنه مدعوم من
قِبَل مسؤول مكتب التحقيقات الفيدرالي (براون)، فيتحول الصراع بين أندي
ومكتب مكافحة الجريمة الذي يعمل به مدعوما من رئيسه النقيب (جون فراندلي)
وتعمل معه أيضاً المحققة (فاليرا) التي تؤديها الممثلة (شارون ستون) وهي
تربطها علاقة بالشرطي (أندي) يتحول الصراع مع جماعة الأف بي آي متمثلة
بمسؤولها (براون) الذي يكلف شامورا بقتل النقيب (جون فراندلي) وفعلا تتم
عملية الاغتيال، ما يدفع أندي إلى اقتحام وكر شامورا وتصفيتهم، ثم تحدث
المواجهة مع (براون) بعد أن يكتشف خيانة رفيقه (ستان) له، ما يصيبه
بانتكاسة ورغم اعتذار ستان ومصارحة أندي وقتله لبراون، لكن أندي يتخلص من
ستان في نهاية القصة.
إن هذا التشابك بالأحداث وخيوطها المعقدة، يدفع إلى الإحساس بحجم الفساد
الذي ينخر الجسد الأميركي بشكل عام؛ ذلك أن الفساد طال حتى من يدَّعي أنه
يلاحق المجرمين ويطاردهم ويقدمهم للعدالة، بدعوى مكافحة الجريمة، ولعل مشهد
الحوار الذي دار بين (ستان والمحققة فاليرا) شكل بيت القصيد في قصة الفيلم
التي استندت إلى أحداث حقيقية مماثلة، فهو يعاني إحباطا شديدا ويذكر لها
أنه يعيش حالة نفسية مزرية وهو في حالة ضياع بعد التباس الأشياء ببعضها،
إنه تائه والحقيقة بالنسبة إليه ضائعة ولا وجود لها، ذلك ما ترتبت عليه
تجربته ومشاهداته لمجمل الأحداث والمواجهات التي كان طرفاً بها، وبالوقت
نفسه هو يعاني مثل العديد من أفراد الشرطة حالة العوز المادي وغير الكافي
أمام مغريات الحياة ولكونه رب أسرة، ما دفعه إلى خيانة رفيقه أندي مقابل
حاجته المادية.
إن الفيلم يشكِّل صورة لواقع مرير للحياة الأميركية، واقع يرتكز على السلب
والنهب والمخدرات والفساد والقتل بدم بارد، إنها مقومات الجريمة بشكلها
المعروف والجريمة المنظمة، والفارق الطبقي في المجتمع الرأسمالي، بحيث يسعى
العديد منهم للتخلي عن القيم الأخلاقية والاعتبارية من أجل جني الأموال
الطائلة حتى لو استدعى ذلك الأمر القتل وتصفية المؤتمنين على أمن الناس
وممتلكاتهم ومن قِبَل أشخاص مكلفين بمكافحة الجريمة والفساد، وذلك ما حدث
فعلا بين أندي الذي يمثل رجل الأمن المحلي وبراون (ضابط الأف بي آي) الذي
خان الأمانة في عمله وسعى لإمبراطورية المال، ومع ذلك فإن الطرح لا يخلو من
حس عنصري، فجميع رموز العصابات والمافيا أُشير لها بمسميات انتماءاتها
الأصلية مثل الروس والآسيويين وشامورا الذي يمثل اليابانيين، وغيرها، وكأن
الجريمة لا تأتي إلا من هذه الجنسيات، في الفيلم نرى أيضاً أن شخصية أندي
متأرجحة وليست واضحة؛ فتارة شخصية مثالية أفلاطونية، وتارة أخرى شخصية
دموية شرسة تؤمن بمواجهة العنف بالعنف، وما اصطلح عليه بالقوة الفتاكة، أما
شخصية فاليرا (شارون ستون) فكانت زائدة على الحاجة، ودورها غير مقنع فيما
يتعلق بالزمان والمكان لأحداث الفيلم، ولم تضفِ أية حالة من الجاذبية، ربما
استفاد المخرج من اسمها وشهرتها فقط، أما (فال كيلمر) فكان أداؤه كبيرا
ومؤثرا، وهو الذي تنوع في أدائه لشخصيات مختلفة وربما ساعده ذلك تخصصه
المسرحي الذي أضفى على أدائه قوة الإقناع.
كان بإمكان الفيلم أن يظهر بشكل أكبر ويفنِّد حالة الفوضى التي سادت نيو
أورليانز عقب إعصار كاترينا وانشغال حكومة بوش باحتلال العراق أكثر مما
يعنيه الأمر في كارثة إنسانية حلت بإحدى ولايات أميركا.
* هوليوود تمجِّد الجندي الأميركي المحتل بحجة محاربة الإرهاب
إن المتتبع لأحداث العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر، وتفجير برجي التجارة
العالمي، يجد أن تلك الواقعة التي غيرت الكثير من المعطيات على صعيد
العلاقات بين الدول وتحديدا بين العالم الغربي والعالم الإسلامي؛ حيث ظهرت
معها تسمية الإرهاب التي أصبحت ملازمة لكل حدث يقع، سواء أكان تفجيرا أم
تقتيلا، وربما يتذكر العديد مقولة الرئيس الأميركي (جورج بوش) التي وجهها
للعالم الإسلامي وهي (إما أن تكونوا معنا وإما أن تكونوا ضدنا) وكأن فعل
الحادي عشر من سبتمبر يقع على مسؤولية المسلمين قاطبة، وفعلا أصبح العالم
الإسلامي بالنسبة للغرب هو بوصلة الإرهاب التي حددتها مقولة بوش، ومثلما
جند الإعلام للحديث والتعريف بالإرهاب، جندت هوليوود كتابها واستنفرت
منتجيها ومخرجيها لتقديم الأعمال التي تتحدث عن تأثيرات أحداث الحادي عشر
من سبتمبر وانعكاساتها على الواقع اليومي الأميركي خصوصا والغربي بشكل عام،
وتشير بأصابع الاتهام إلى مصدر الإرهاب تحديدا في العالمين الإسلامي
والعربي؛ لذلك قدمت العديد من الأفلام التي تناولت ذلك الموضوع من خلال
الاحتلال الأميركي لأفغانستان ومحاربة القاعدة والاحتلال الأميركي للعراق،
فعكست تلك الأفلام وجهة النظر الأميركية التي شوهت صورة الإنسان المسلم
والعربي، فحينما نرى فيلما عن معاناة الجنود الأميركيين في أفغانستان أو
العراق ويصوَّرون على أنهم أبطال عالميون يقارعون الإرهاب وليسوا محتلين
وغاصبين ومدمرين لتلك البلدان وشعوبها، فإن خير مثال لذلك أفلام أنتجت بعد
تلك الأحداث منها: (وطن الشجعان، في وادي ايلاه، خزانة الألم، المنطقة
الخضراء، الرجل الحديدي "الجزء الأول" وفيلم جسد الحرب، عن جندي أميركي
يعود مشلولا من العراق)، وأفلام عدَّة أخرى، ومع ذلك هنالك صوت أحدث صدى
كبيرا في السينما التسجيلية.. إنه المخرج الأميركي مايكل مور الذي قدم فيلم
(11 فهرنهايت) والذي أحدث ضجة كبرى في أوساط المؤيدين لسياسة بوش، لكن هذا
الصوت سرعان ما يتلاشى أمام سعة الإنتاج الهوليوودي للأفلام التي تقدم
الصورة الزاهية والإنسانية للجندي الأميركي الشهم والمخلص لآلام الشعوب
المقهورة!
* «الرجل الحديدي» يواصل سيطرته على شباك التذاكر
ما زال فيلم الرجل الحديدي (الجزء الثاني) يتصدر إيرادات شباك التذاكر
الأميركي للأسبوع المنصرم؛ حيث يحتل المركز الأول، يليه في المركز الثاني
الفيلم التاريخي (روبين هود) للمخرج ريدلي سكوت، بينما حل في المركز الثالث
Letters
to Juliet،
أما المركز الرابع فكان من نصيب فيلم
Just Wright،
وفي المركز الخامس حل فيلم الخيال العلمي (كيف تروض تنينك)، أما المركز
السادس فكان من نصيب فيلم الرعب (كابوس في شارع ايلم)، أما المركز السابع
فجاء فيه فيلم
Date night،
أما فيلم الخطة البديلة فقد حل في المرتبة الثامنة، وفي المرتبة التاسعة
جاء فيلم
Furry vengeance،
أما المركز العاشر والأخير فقد احتفظ به فيلم الخيال العلمي (صراع
الجبابرة).
* مصطفى العقاد ضحية الإرهاب
حينما تشاهد فيلم «الرسالة» ستعرف بالتأكيد قيمة مصطفى العقاد ورسالته في
الفن السابع، فالعقاد الذي وُلد في مدينة حلب السورية سنة 1935 ودرس
المراحل الأولى حتى قرر إكمال دراسته الجامعية في أميركا وتحديدا دراسة
الإخراج السينمائي ذلك الفن الذي شغف به وأحبه بل وقال لأهله وأقاربه حين
قرر السفر إلى أميركا: إنني سأذهب لأكون مخرجا في هوليوود، رغم سخرية
الآخرين منه حتى عائلته نفسها سخرت واتهموه بالحلم المبالَغ فيه، وفعلا كان
له ما أراد. ويعترف العقاد عندما يستذكر ذلك بأن ما قام به من مغامرة
الهجرة يعتبر ضربا من الجنون؛ فوالده كان فقيرا، ولم يجد ما يقدمه له عند
الرحيل إلا مصحفا ومبلغا بسيطا من المال قد لا يكفي لشهر واحد، لكنه تمكن
من تدبير أموره، ودرس العقاد المسرح في جامعة كاليفورنيا وتخرج فيها عام
1958، ثم في عام 1976 اختير لإخراج فيلم (الرسالة) الذي موَّلته عدة دول
ومؤسسات عربية وإسلامية، وحقق له هذا الفيلم شهرة واسعة والفيلم أصبح من
أفضل الأفلام التي تناولت الرسالة الإسلامية وسيرة النبي محمد (ص). وقد
صُوِّر بنسختين عربية من بطولة عبدالله غيث ومنى واصف وإنجليزية من بطولة
أنطوني كوين وإيرين باباس.
ثم قام بإخراج عدة أفلام في هوليوود ومن أشهرها فيلم الرعب (هالوين) عام
1978 وهو من الأيام التي يحتفل فيها الأميركيون ويتناول الفيلم حياة قديس
أميركي يحيط به الغموض والرعب. رغم قوة وهيمنة اللوبي اليهودي في هوليوود
لكن مصطفى العقاد نجح في عكس صورة مشرفة للإنسان العربي والمسلم في مواجهة
حالة التشويه التي سعى إليها يهود هوليوود، في سنة 1980 قدَّم إحدى روائعه
السينمائية فيلم (عمر المختار) أو (أسد الصحراء) بالإنجليزية، الذي يتناول
نضال الشعب الليبي ضد الاحتلال الإيطالي وقد أسهم العقاد في تجسيد قصة عمر
المختار الشخصية المشهورة في التاريخ العربي بالصورة والصوت، ليحولها من
الورق إلى صورة بطل تاريخي تستلهم منه الأجيال قيم الوطنية والتضحية
والنضال ومقارعة الاستعمار، وحاول المخرج الراحل أن يجد ممولا لإنجاز فيلم
عن محرر القدس صلاح الدين الأيوبي، ولكنه للأسف لم يتلقَّ أي دعم أو وعد
بالتمويل من أجل إنتاج ذلك الفيلم الذي كان أحد أحلامه، لما تمثله تلك
الشخصية من رمز للبطولة والكرامة العربية.
ورغم ما قدمه ذلك المخرج الفنان من إبداع ونقل صورة مشرفة للإسلام في تحفة
السينما (فيلم الرسالة) فإنه للأسف شاء القدر أن يكون أحد ضحايا الإرهاب
حينما تعرض الفندق الذي كان فيه لزيارة ابنته في الأردن للتفجير.
ومن مفارقات القدر أنه أعلن في نفس المكان الذي مات فيه أنه اختار الأردن
لتصوير فيلم صلاح الدين الأيوبي.
العرب القطرية في
24/05/2010 |