فيلم «تلك الأيام» لمحمود حميدة الذى تم طرحه مؤخراً فى دور العرض كان من
الأفلام التى تأثرت بالخلاف بين كتلتى التوزيع السينمائى «الثلاثى»
و«العربية»، فقد اضطر منتجه محمد العدل لطباعة وتحميض ٤٠ نسخة منه فقط،
والسبب أن الفيلم سيتم طرحه فى دور عرض الشركة «العربية» لأن «الثلاثى» رفض
توزيعه معها واشترط أن يوزعه بمفرده.
«المصرى اليوم» حاورت المنتج محمد العدل حول تأثره بالخلاف بين «الثلاثى»
و«العربية».
■ ما موقفك كمنتج من أزمة الخلاف بين قطبى التوزيع
«الثلاثى» و«العربية»؟
- أنا كمنتج قد أستفيد بشكل ما من هذا الخلاف، لأنى سأذهب إلى كل منهما
لتلقى عروض توزيعية وسأقبل الأكثر فائدة لى، لكن هذه الطريقة فى التفكير
يستخدمها من ينظر تحت قدميه، بينما المنتج الذى لديه بعد نظر سيتمنى زوال
هذا الخلاف من أجل الصالح العام للسينما، لأنهما لو تصالحا سوف نستفيد
كمنتجين بدور عرض كل منهما.
■ ماذا تقصد؟
- أقصد أننى كمنتج لو ذهبت مثلا إلى الشركة «العربية» قبل توزيع فيلمى
وأخذت عرضا منهم بـ٣ قروش- مثلاً- عن كل تذكرة، بينما عرضت «الثلاثى» أربعة
قروش، فسوف أقبل العرض الأخير لأنه أفضل، لكن من يفعل ذلك يبحث عن مكسب
سريع وليس لديه رؤية بعيدة المدى لأنه لو فكر فى حالة تصالحهما سيستخدم دور
عرض كل منهما وبالتالى يطبع عدد نسخ أكبر ويضاعف حجم إيرادات فيلمه.
■ ماذا فعلت قبل توزيع «تلك الأيام»؟
- ذهبت للمنتجة إسعاد يونس واتفقنا على أن توزعه لديها، كما أسعدتنى حين
قالت لى إنها ليس لديها مانع من توزيع الفيلم لدى أى موزع آخر، لكننى طبعا
لم أتمكن من توزيعه لدى «الثلاثى» لأنهم يشترطون عدم مشاركة «العربية» فى
توزيع أى فيلم بسبب الخلاف القائم بينهما.
■ هل ترى أن هناك مستفيدين من هذا الخلاف؟
- بالتأكيد، نجوم السينما هم أول المستفيدين من هذا الخلاف لأنه كرس لفكرة
اختطاف النجوم، فكل قطب من قطبى التوزيع يريد أخذ النجم عنده، وفى المقابل
يرفع النجم أجره بشكل جنونى، والمنتج يدفع الثمن، وأحب أن أقول إن هذا
الخلاف أثمر عن سلوك غريب لدى بعض النجوم الذين وضعوا لأنفسهم أجورا
خيالية، وأصبحنا نجدهم يتحركون بفريق عمل مستقل، فكل نجم يصطحب معه ٥ أشخاص
بين ماكيير وستايلست وسكرتير ومدير أعمال ومساعد أو سائق، من أجل تبرير
زيادة أجره، هذا الخلاف استفاد منه النجوم وخسرت الصناعة الكثير بتراجع كم
الإنتاج.
■ هل معنى كلامك أن خلاف «الثلاثى» و«العربية» هو
سبب انهيار الصناعة؟
- هو واحد من الأسباب الرئيسية لانهيار الصناعة فى مصر، لكن إحقاقا للحق لا
ينبغى اختزال كل مشاكل السينما فى هذا الخلاف، فهناك أسباب أخرى طبعاً
ساهمت فى تراجع الكم والكيف، لكن التصالح بينهما سيكون فى صالح الصناعة
بلاشك، لأن المنتج حين يستفيد من دور عرض كل منهما سيمثل هذا عامل تشجيع له
لإنتاج المزيد وسيتضاعف حجم الإنتاج السينمائى كما أن تصالحهما لن يعطى
فرصة للنجوم لزيادة أجورهم بشكل مبالغ فيه، وهذا سيفيد الصناعة أيضاً.
■ البعض يقول إن الفيلم الجيد يحقق النجاح سواء
وزعه موزع واحد أو اثنان، فما رأيك؟
- هنا يجب توضيح أمر مهم، وهو أننا فى السوق السينمائية ندرك تماما أن هناك
زبوناً نسميه «زبون الفيلم» وهناك زبون آخر نسميه «زبون السينما» وما تقوله
فى سؤالك ينطبق على زبون الفيلم الذى يذهب للفيلم الجيد ولا يشاهد الفيلم
الردىء، بينما زبون السينما الذى يذهب لدار عرض محددة أياً كان الفيلم الذى
تعرضه، فهذا هو ما نقصده من وراء التصالح بين «الثلاثى» و«العربية»، لأنه
فى حالة تصالحهما سيكون بوسعى كمنتج أن أفاضل بين كل دور العرض فى مصر
واختيار أفضلها، وهذا سيؤثر إيجابا على إيرادات فيلمى ويشجعنى بلا شك.
المصري اليوم في
11/05/2010
المُخْرج الفرنسي ريمون ديبردون
هادي خليل - تونس
المخرج ريمون ديبردون (Raymond Depardon)
وهو من
مواليد 1942 بفرنسا، أهمّ سينمائي وثائقي فرنسي حاليّا، غزير العطاء،
متماسك المسار
والقناعات، بدأ حياته الفنيّة وهو في سنّ الـثّمانية عشر بوصفه فوتوغرافيّا
حيث
غطّى لصالح وكالة "دلماس"
(Dalmas)
الشّهيرة أحداث حربي الجزائر والفيتنام. كما
اهتمّ بظاهرة "البابارازي"
(Paparazzi)
وهو ذلك النّوع من المصوّرين الفوتوغرافيّين
الذين يلهثون وراء اقتناص صور نادرة وحميمة لكبار نجوم ونجمات العالم في
شتّى
الميادين. انطلاقا من سنة 1966، أنشأ ديبردون وكالته الخاصّة به وهي وكالة
"غاما" (Gamma).
بالتّوازي مع عمله كفوتوغرافي، شرع سنة 1963 في
تصوير الأفلام الوثائقيّة التي بفضلها سيذيع صيته ويصبح رمزا ساطعا من رموز
السّينما الوثائقيّة الجادّة والمتميّزة. في سنة 1974، طلب منه فاليري
جيسكار
ديستان
(Valery Giscard d’Estaing)،
المرشّح لانتخابات الرّئاسة آنذاك، أن ينجز
فيلما وثائقيّا عن حملته الانتخابيّة. عند إتمام هذا الفيلم الطّريف الذي
يتابع فيه
المخرج دقيقة بدقيقة كلّ الأنشطة والحركات التي يقوم بها جيسكار ديستان،
رفض هذا
الأخير رفضا باتّا عرض الفيلم الذي لم يُسْمَح له بالظّهور علنيّا إلاّ سنة
2002.
الشّيء
الذي أغضب الفائز في الانتخابات الرّئاسيّة
سنة 1974 ضدّ منافسه الاشتراكي فرانسوا ميتيران François Mitterrand
هو أنّ الفيلم
لم يكن دعائيّا بالمعنى المبتذل للكلمة بل كان عملا فنيّا برهن فيه مخرجه
عن قدرته
الفائقة في التّدقيق في جزئيّاتٍ (لحظات الاستراحة والاسترخاء والنّوم،
قراءة
الصّحف، تناول الطّعام، الخ...) لمْ تَرُقْ كثيرا لفاليري جيسكار ديستان.
هذا
الفيلم هو الذي بيّن مدى استقلاليّة ريمون ديبردون ومدى عشقه للجزئيّات
والتّفاصيل
في تصوير الحياة السّياسيّة الفرنسيّة، بعيدا عن شعارات "اليمين" وعن
شعارات
"اليسار"
أيضا.
عند شروعه في تصوير ظواهر متعدّدة من الحياة اليوميّة، لم
يتغيّر أسلوب ريمون ديبردون الواقعي. ففي أفلام مثل "أحداث يوميّة" (Faits divers)
الذي صوّره سنة 1982، أو "مراكز الطوارئ"
(Urgences)
المنجز سنة 1987، و"باريس"
(Paris)
الذي يعود تاريخ إنجازه إلى سنة 1994، نرى نفس الشّغف بالتقاط الأحداث
المباغتة والمفاجئة التي تدرّ بها مجريات الحياة العاديّة. كما اهتمّ أيضا
ديبردون
بفصيل من الشّخصيّات قريبة جدّا منه تتميّز بإصرارها على تغطية كلّ الأحداث
ومتابعتها متابعة دقيقة خاصّة من خلال جوانبها الخفيّة، ألا وهو فصيل
الصّحفيّين
والفوتوغرافيّين في المجلاّت الشّهيرة مثل
Paris Match
وغيرها. في هذا المجال، كان
فيلمه "صحفيّو الرّيبورتاج"
(Reporters)
الذي صوّره سنة 1981، أمتع فيلم بعد "فيلمه –
الحَدَث" عن حملة جيسكار ديستان الانتخابيّة. في هذين الشّريطين تحديدا،
برزت
أهمّ سمة لأعمال ديبردون الوثائقيّة ألا وهي إيجاد إيقاع متمهل وهادئ في
خضمّ حياة
يوميّة حثيثة وسريعة. فبالنّسبة إلى هذا المخرج، الصّورة هي التي تُوقِفُ
الدّوّامة
الجهنّميّة لتواتر الأحداث في الشّارع أو في مراكز الشّرطة وهي التي
تمكّننا من أن
نتبيّن بوضوح تامّ المنطق الذي يسيّر حياة النّاس وراهنهم اليومي.
مثّلت سنة 1990
نقطة تحوّل مهمّة في مسيرة ريمون ديبردون، إذ صوّر في تلك السّنة، مازجا
الوثائقي بالرّوائي، حياة السّجينة فرانسواز كلوستر (Françoise Claustre)،
وهي
عالمة آثار فرنسيّة وقع القبض عليها في التّشاد حيث بقيت سجينة لمدّة سنتين
ونصف.
تمكّن ديبردون من التّحاور معها خلال مدّة أسرها، مستنجدا بالممثّلة
الفرنسيّة
ساندرين بونير (Sandrine Bonnaire)
التي أدّت دور الأسيرة فرانسواز كلوستر في بعض
المشاهد.
ينخرط هذا الفيلم الذي يحمل عنوان "أسيرة
الصّحراء" في صلب اهتمامات ريمون ديبردون المركّزة على عشقه للقارّة
الإفريقيّة
ولثراء تنوّعها وتعدّدها سواء تعلّق الأمر بفساد الأنظمة السّياسيّة فيها
أو
بالوضعيّة المهينة التي تعيشها النّساء هناك. خصّص ديبردون، قبل أن يصوّر
"أسيرة
الصّحراء"، سلسلة من الأفلام إلى التّشاد انطلقت سنة 1970 بـ"تشاد1:
الكمين"، ثمّ
سنة 1975 "تشاد2" و1976 "تشاد3". ما يميّز هذه الأفلام هو الحميميّة التي
تطبع
علاقة المخرج بشخوصه الأفارقة وكأنّه يعرفهم منذ مدّة طويلة. في سنة 1996،
لم
يتكلّم ديبردون عن بلد إفريقيّ دون آخر، بل تكلّم عن القارّة الإفريقيّة
ككلّ وعن
كلّ المآسي التي تعيشها وخاصّة فيما يتعلّق بالمجاعة وبالجفاف وبختان
البنات. اختار
لفيلمه هذا عنوانا معبّرا: "بلدان
إفريقيا: كيف حالكم مع
الآلام؟".
بقدر ما كان ديبردون توّاقا إلى معرفة دواليب
المؤسّسات والعلاقات التي تسود داخلها سواء أكانت مؤسّسات إعلاميّة أو
سياسيّة أو
بوليسيّة، بقدر ما كان متعطّشا إلى الخروج من دائرة الغرب الضيّقة
والاطّلاع على
حضارات وثقافات أخرى، كما تبيّنه ليس فقط أفلامه عن التّشاد بل أيضا أفلامه
عن
اليمن التي بدأ في تصويرها سنة 1973.
الجزيرة الوثائقية في
11/05/2010 |