شرع في كتابة مسلسل عن الملك »فاروق«، ثم فوجيء بمن تكتب مسلسلا عن الملك المخلوع،
تم إنتاجه بالفعل والتهليل له إعلاميا لأسباب غيرخافية،
وقرأت له معالجة متميزة منذ عدة سنوات بمدينة الإنتاج الإعلامي عن الملكة
المصرية »كليوباترا«، وفوجيء أيضا بالاخبار تعلن عن إنتاج مسلسل عن ذات
الملكة تأليف وإخراج سوري، وخلال عمله في إنجاز مسلسل عن (محمدعلي)
عرف أن هناك من كتب فيلما عن ذات الشخصية، فلم ينزعج كثيرا،
فإنتاج مسلسل وفيلم عن ذات الشخصية لن يؤثر كثيرا،
خاصة أن مسلسلا وفيلما أنتج عن أم كلثوم،
نجح الأول فيما لم ينجح الثاني،
إلا أنه في دائرة المفاجآت وجد صناع فيلم (محمدعلي)
يقرورن تحويله لمسلسل، بعد أن وجد الفيلم صعوبات إنتاجية وتسويقية.
لهذا قرر الكاتب الكبير »محمد أبو العلا السلاموني«
أن يتقدم لنقابة المهن السينمائية بطلب لمناقشة
موضوع اعتداء أبناء المهنة علي أفكار زملائهم،
وقدمت جمعية مؤلفي الدراما في اجتماع مشترك مع النقابة مشروعا لميثاق
أخلاقي يحترم فيه كل زميل أفكار زميله، ولايسطو فيه كاتب علي موضوع أعلن عنه كاتب آخر،
وانتقل النقاش الي صفحات الصحف، واهتمت جريدة
(الشروق) الاسبوع قبل الماضي برصد آراء الكتاب المتباينة،
فقبل غالبية الكتاب فكرة المشروع،
بينما رفض بالطبع من تسببوا في إثارة الموضوع،
بسطوهم علي موضوعات زملائهم،
ووصل البعض منهم بما فعل لقاعات المحكمة.
ورغم أن حكاية السطو علي أفكار وموضوعات الغير هي حكاية سخيفة ومتكررة في
الحقول الفنية والادبية بل والعلمية والجامعية والاكاديمية أيضا،
حيث نجد من يسطو علي قصة لزميل له وينشرها كما هي أو بتعديل في عنوانها أو
أسماء شخصياتها في مطبوعة مغايرة للمطبوعة التي نشر صاحبها قصته الاصلية
بها، كما نجد أستاذا جامعيا يسطو علي فصول من أبحاث طلابه،
ويجمعها في كتاب يطبعه علي نفقته الخاصة لبيعه لطلاب جدد يأتون إليه سنويا،
هذا فضلا عن السطو علي موضوعات ومشاهد من الافلام الاجنبية، وإعادة تقديمها
في أفلام محلية، أما السطو في حقل التأليف الموسيقي والتلحين
الغنائي، فحدث ولا حذر، فانهمار سيل الموسيقي الاسبانية والتركية
والهندية علي أغانينا يكاد يكتسح نغماتنا الخاصة.
المبدع الترزي
غير أن المشكلة في الكتابة الدرامية المتعلقة بما عرف مؤخرا بدراما السير الذاتية،
لا تقف عند حد تكرار نفس الوجوه الواقعية والوجوه التي تقدمها بصورة مملة،
وإنما أيضا في الرسائل التي تقدمها هذه الدراما الي المتلقي عن أزمنة
وشخصيات وسياسات تغاير ما هوسائد اليوم،
وتناقض ما هو مرجو للغد،
سواء أدرك كاتبها وصناعها ذلك
أم لم يدركوا،
وتكون النتيجة في النهاية هي تزييف وعي المجتمع الجمعي، وخلخلة علاقة
المواطن ببلده وزمنه،
فعندما يستقر بوجدانه أن زمنه الماضي كان أفضل من
الحاضر، وأن بلده كانت أرقي وأسمي وأنظف قديما،و يفقد إنتماءه لحاضره ووطنه،
ويغيب عن عقله أي تصور لمستقبل قادم، مادام الماضي قد أصبح هوالمساحة المحدودة التي
يعيش داخلها، والحوض الضيق الذي أغرقته المسلسلات التليفزيونية داخله.
أن التماحك بحرية التعبير ينسف حق المجتمع في المعرفة وفي حكاية عقله من
التزييف المستمر لتاريخه، والتعامل مع الابداع باعتباره »عملية تجارية قائمة علي العرض والطلب«
يهبط بهذا الابداع ويحوله الي مجرد (سلعة)
يتحكم فيها المنتج/
التاجر، ويصنعها وفق مقتضيات السوق،
وليس بناء علي مايحتاجه المجتمع من فن ويرتقي بذوقه، وثقافة تسمو بعقله، كما يحول المبدع إلي (ترزي)
يفصل لهذا التاجر مايريده،
وإلا سيبحث عن
(ترزي) آخر يفصل له مايطلبه السوق، حتي ولو كانت بدلة رقص يريد أن تكشف عن أقصي ما تستطيع من جسد
الراقصة، كي تأتي له بالزبون ووكالات الاعلانات
التي تلتقط منه هذا الزبون لتبيع له الاحلام الكاذبة.
وكنت قد كتبت من قبل عن استغرابي من هذا الالحاح والعراك حول تقديم زمن
الملكية وشخصياته من الملك المخلوع بسبب فساد حكمه،
والذي يعاد عرضه حاليا علي قناة مصرية،
لأمه »نازلي« التي كتب مسلسلين عنها مؤخرا،
وكانت هي عشيقة لرئيس الديوان الملكي
»حسنين باشا«، وسافرت من مصر عقب قتله عام
٦٤٩١، مع ابنتها
»فتحية« وزوجها فيما بعد من موظف السفارة »رياض
غالي«، وقامت الدنيا في مصر لزواج مسلمة من مسيحي، وتحولت »نازلي«
نفسها إلي المسيحية، معتنقة ديانة الروم الكاثوليك،
وماتت عام ٨٧٩١ودفنت بمقبرة (الصليب المقدس)
بالولايات المتحدة الامريكية.
فعن أية امرأة يتنازع اليوم علي تقديم أمجادها كتاب الدراما عندنا، وأية
رسالة هذه التي يودون أن يقدمونها للمجتمع المصري، وهل سيخفون حقيقة هذه
المرأة التي عاشت في قصور البلد ورفاهيتها، دون أن يطرف لها جفن
عن رعايا الملك الحفاة؟،
وهل سيتجاهلون مايقرب من خمس وثلاثين سنة عاشتها هذه المرأة في الخارج
وتحولها لديانة أخري، أم سيقدمون الحقيقة التاريخية في وقت نصف به العلاقة بين عنصري الامة
بالاحتقان، ويحاصر فيه الاخوة المسيحيين مركز شرطة
(سمسطا) ببني سويف منذ أسابيع قليلة،
وقذفه بالحجارة احتجاجا علي تحول شاب مسيحي
للديانة الاسلامية؟
حق المجتمع
ليست حرية التعبير مطلقة في هذا المجتمع المأزوم، ولا
في أي مجتمع آخر، وإذا كان القانون الذي صنعه البشر لبسط الاستقرار في
المجتمع يجرم السطو والسرقة، فلما لايقر نفر من هذا المجتمع،
يعمل بالفن والادب والثقافة،
بضرورة حماية مجتمعهم من أفكار تدمره، وسرقات تعمق الفوضي بين مواطنيه،
وتجار لايهمهم بيع لحوم الحمير والكلاب ومسلسلات التخلف وإثارة الفتنة
والبلبله بين الناس.
عندما تخرج علينا يوميا جريدة محترمة بصورة وخبر تحتها يقول بأن الملك
»أحمد فؤاد« يقابل »زاهي حواس« ويرتدي قبعته الشهيرة، وعناوين تقول »الملك أحمد فؤاد:
.....«، إنما تؤكد للناس بهذه الصياغة الخبرية أن هناك رجل يحمل صفة »ملك
مصر« موجود بيننا، ويتجول في الطرقات، ويقابل السادة المسئولين ويرحبون به،
فتضرب بذلك دون أن تدري، وربما تدري، نظام الحكم القائم اتفقنا أو اختلفنا حول منجزاته.
ومقالات تكتب في جرائد قومية ومستقلة مصرية وعربية عن صحفية أمريكية يهودية
الديانة مصرية المولد كتبت كتابا أقرب للسيرة الذاتية بعنوان (الرجل ذو البدلة الشركسكين البيضاء)،
حكت فيه عن خروجها مع أهلها من مصر في ستينيات القرن الماضي، وعودتها
الحزينة للبلد الذي طردها وأبيها وأمها من حضنه، وسرق ممتلكاتهم وأموالهم
واقتلعهم من أرضهم المحبين لها، وحرمهم من حق العودة إليها، لذلك فكتابها هذا، كما
قالت كاتبة مصرية وابنة ناقد كبير، هو»بمثابة قصة حب لمصر..
قصة حب تحمل في جنباتها تفاصيل حياتية عديدة لأسرة يهودية عاشت في رحاب
القاهرة خلال سنوات ماقبل الثورة«، وقال آخر أن جذور الفتن الطائفية
والعرقية القائمة بين جنبات المجتمع اليوم بدأت »عندما نزع أحد عناصر الامة (اليهود)
من الشخصية المصرية«!!
وها أنا أضع هذه السيرة الذاتية المليئة بالشجن أمام كتاب الدراما
التليفزيونية في مصر، كي يتنازعون عليها، ويقدمون لنا أكثر من مسلسل يؤكدون به علي حق عودة اليهود إلي
(وطنهم) الذي كان قاسيا يوم هربوا هم منه إلي إسرائيل،
فلم يتمسك بهم ويسترحمهم كي يبقوا في أرض الوطن، حتي لايبكوا فيما بعد عن فقدهم لوطنهم،
وحتي لا تثار الفتن الطائفية والعرقية عندنا بسبب خروجهم من وطنهم لوطن
أرض الميعاد، الذي يرفض عودة الفلسطينيين الذين أجبروا علي ترك وطنهم بالرصاص
الدامي.
أخبار
النجوم المصرية في
06/05/2010 |