* البطل الصغير الشأن أو الإنسان العادي ضمن من يطلقون عليهم ملح الأرض
نادراً ما يصبح بطلاً في السينما. خاصة لو كان خالياً من الملامح المتفردة
في أي مجال وقريبا من الكثرة.. وهذا هو بالضبط "عبدالرحيم" بطل الفيلم
السينمائي الجديد "عصافير النيل" للمخرج مجدي أحمد علي الذي كتب للفيلم
السيناريو أيضاً. أما كاتب الحوار فهو صاحب القصة الاصلية الأديب إبراهيم
أصلان!
ولقد سبق لعمل أدبي آخر له التحقق من خلال فيلم هو "مالك الحزين" الذي قدمه
المخرج داود عبدالسيد في فيلم بعنوان "الكيت كات" مازلنا نتذكره كثيرا
بأداء بطله محمود عبدالعزيز لشخصية الشيخ حسني الكفيف المنطلق المحب للحياة
وللنساء وبطل فيلمنا هنا "عبدالرحيم" قام بدوره فتحي عبدالوهاب هو أيضا محب
للحياة والنساء ومعتز بفحولته التي غزا بها المدينة بعد حضوره من قريته
ليعمل في هيئة البريد كموزع بواسطة من زوج شقيقته سي البهي "محمود الجندي"
الموظف القديم بالهيئة أما الأخت نرجس "دلال عبدالعزيز" فهي تعتبر
عبدالرحيم مثل ابنائها وخاصة الكبير عبدالله توفر لهم ما يحتاجونه ماديا
بقدر طاقتها لكن أفقها وتعليمها لا يصلان بها إلي اللحاق بما يحدث حولها من
متغيرات ومن ثم تفاجأ باعتقال ابنها وحبسه.. نرجس شخصية لم تبن جيدا علي
الورق ومثلها بسيمة "عبير صبري" أول حب للبطل بعد حضوره لمصر والتي اختفت
فجأة من الحارة والفيلم بحجة زعلها من سوء ظن الجيران بها وحتي ظهرت في
النهاية مريضة عجوز في المستشفي وقبل نرجس وبسيمة بقية الشخصيات النسائية
في "عصافير النيل" الزوجة التي تعالت علي عبدالرحيم "مها صبري" والأرملة
التي تزوجته ثم تركته من اجل معاش زوجها "مني حسين" وكانت اقرب لبائعة
الهوي أما البطل عبدالرحيم نفسه فهو شخصية محيرة في الفيلم من الصعب ان نجد
لها ملامح ذهنية وإنسانية وسلوكية سوي بحثها عن العمل وعن الجنس.. بداية من
تحركها الذي يبدو غريزيا هنا تجاه مشاركة أولاد الأخت في الصيد من النيل
واصطياده العصفورة بدلا من السمكة وهو ما يضعه في حالة تجريس وفضح لها
دلالات عديدة يتجاوزها السيناريو إلي رحلته الحسية فور رؤيته لبسيمة
ورحلاته الأخري عبر عمله كبوسطجي ثم فصله ثم عودته كموظف مكتب في كل هذا
الوقت لم يتجاوز الموقف اكثر من السطح بما في ذلك علاقات الاسرة ذات الأصل
الريفي والتي قطنت حي امبابة مصاهرتها لأسرة أعلي من أجل عبدالرحيم وظهور
الأم الريفية المريضة. كتب السيناريو هنا حروف كثيرة نسي أن يشبكها أو يضع
عليه نقاطا أو يلغي الزائد منها فالأزمة فيه أساسا لدرجة انك تظن أن في
مشاهد عديدة انها مشهد النهاية ثم يستمر العرض وفي الوقت الذي كنت أعتقد
فيه ان الفيلم أعتبر فيه أن الفيلم يعبر عن عالم بطله الأول الريفي القادم
للعمل في المدينة فإنني سرحت مع نماذج كثيرة مثله لها مسار وملامح مختلفة
في زمن لا يسمح للبطل بكل هذا الترف "أي البحث عن الجنس فقط" والزمن هنا
غير محدد لكن الأحداث تستدعي سؤالك عنه لأن سلوك شخصيات الفيلم يختلف عن
أمثالهم الآن.. هل أراد الفيلم تقديم دراما عن البطل الريفي في المجتمع
القاهري؟ أم عن المجتمع القاهري الذي تزيف وفقا لمصطلحات علماء الاجتماع عن
ترييف المدينة؟.. إننا أمام فيلم محير فيه مقومات القوة ولكنه يهدرها.
التصوير رائع في بعض الأجزاء وأقل من العادي في أجزاء أخري "رمسيس مرزوق"
والإضاءة تضعنا أمام مناخ روائي في الحي الشعبي لكنها تعجز عن جعلنا نتجاوز
مثلا تناقض شخصية "البهي" موظف البريد الذي يبدو مثقفا بأكثر بكثير مما
تتحمل شخصيته بدون تفسير مقنع وكذلك يبدو الديكور مقنعاً في بعض الحالات
لكنه مربك في بيت الأرملة أما الماكياج فهو أشبه بالطبيعي في الجزء الأول
يساهم في مصداقية اداء الأبطال لكنه لا يصبح كذلك حين ينتقلون إلي الشيخوخة
فنري خللا في وجوه نرجس والبهي.. مع ذلك فإن الأداء كان من أفضل عناصر
الفيلم خاصة أداء دلال عبدالعزيز ومحمود الجندي وعبير صبري والوجه الجديد
احمد مجدي في دور عبدالله وألفت إمام. أما فتحي عبدالوهاب المجتهد فلابد
هنا من تذكر دوره في فيلم "فرحان ملازم آدم" والذي كان فيه كمساري أتوبيس
فهو ممثل تؤهله ملامحه لدور الرجل الصغير ربما اكثر من غيره وقد جاءت أفضل
مشاهده في البداية أي عند حضوره وفي مشهد جيد الصورة وعلاقته ببسيمة قبل
اختفائها عقب طلبه الزواج منها وهو ما تركه الفيلم يمثل علامة استفهام
وربما من أجل النهاية للاثنين معا حين تقابلا في مصحة وهما في مرحلة
الشيخوخة والغريب انه برغم أهمية هذه العلاقة الأولي في حياة البطل الا ان
الفيلم جعلها علي الهامش ومن ثم فلم تكن فرحة اللقاء مقنعة في النهاية لأن
البطل لم يبحث عنها مطلقا ولو لم يقابلها في النهاية ويحدث الفرح لم نفهم
شيئاً من الفيلم ولخرجنا من جديد لنسأل أنفسنا ماذا يريد عبدالرحيم من
الحياة؟ وماذا يريد المخرج منه؟.
magdamaurice1@yahoo.com
الجمهورية المصرية في
06/05/2010
السينما تخسر فيها .. والتليفزيون يقتات عليها !
عندما يفلس "المؤلف" .. يقلب في دفاتره القديمة !
محمود ياسين : كثرة القنوات سبب زيادة الطلب علي أفكار زمان
حسام حافظ
بعد أن انتهت هوجة مسلسلات السيرة الذاتية عادت الدراما السينمائية
والتليفزيونية مرة أخري للبحث في دفاترها القديمة وعادت من جديد إلي إعادة
الأعمال القديمة والشهيرة سواء كانت الأدبية أو السينمائية فهل كتاب
الدراما أعلنوا افلاسهم الفكري بالعودة إلي الماضي أم اننا لم نعد قادرين
دراميا علي ابداع الجديد؟!
هناك رأيان الأول يؤكد ان في الاعادة استفادة للتليفزيون والنجوم والجمهور
ايضا والثاني يري ان شروط الإعادة اهم من مجرد العودة للماضي. نعود
للكلاسيكيات بشرط الصدق والموضوعية والقدرة علي مواكبة روح العصر..
والجمهور في النهاية سيصدر الحكم القاسي بنجاح التجربة أو فشلها.
الأصل الأدبي
* يؤكد المخرج الكبير هاشم النحاس ان مصادر الابداع في المسرح والسينما
والتليفزيون واحدة ولكن الوسيط هو الذي يختلف ويقول: أضرب المثل دائما
برواية نجيب محفوظ الشهيرة التي تحمل اسم "خان الخليلي" التي قدمت علي
المسرح ثم في السينما وأخيرا علي شاشة التليفزيون وطبيعي ان يختلف التناول
من فن إلي آخر. فالمسرح يعاني من قيود المكان الواحد الذي تدور فيه الأحداث
ولكنه يتمتع بحرية أكثر في عرض الأفكار. السينما عندها حرية حركة أكبر من
المسرح ولكن الرقابة تحد من حرية الفكر أما المسلسل التليفزيوني فانه يراهن
علي التفاصيل الكثيرة الموجودة داخل النص الأدبي الأصلي حتي يستطيع تغطية
30 حلقة تصل أحيانا إلي 22 ساعة دراما وجمهور التليفزيون يختلف عن جمهور
السينما والأهمية القصوي عند كاتب السيناريو هو قدرته علي الاقناع لانه ليس
صحيحا ان أحداث القصص الدرامية مقنعة في الأساس بل تحتاج إلي أسلوب وصيغة
عرض قابلة للتصديق مثل فيلم "الزوجة الثانية" المأخوذ عن قصة من الأدب
الشعبي لرشدي صالح فقد استطاعت امرأة فلاحة ان تهزم سلطة العمدة بطريقتها
الخاصة حيث لم يفلح كرجل في أن يحصل منها علي شيء وفي المقابل تمنح هذا
الحق لزوجها الشرعي وتكون الصدمة الكبري للعمدة ان الزوجة الجديدة تحمل من
زوجها الأصلي فينكسر كبرياؤه كرجل ويموت في النهاية.
التفاؤل بالمستقبل
* يري الفنان الكبير محمود ياسين ان مستقبل الدراما التليفزيونية يسير إلي
الأفضل دائما ويقول: بعد ظهور القنوات الفضائية وتعددها زاد الطلب علي
المسلسلات حتي تغطي المساحة الزمنية المخصصة لها علي شاشات التليفزيون سواء
في القنوات المتخصصة أو القنوات العامة حتي القنوات ذات الطابع السياسي مثل
المنار دخلت مجال التنافس لتقديم أعمال درامية تحكي عن تاريخ العرب أو
تاريخ الصراع السياسي بين العرب واليهود علي فلسطين وكل عام يأتي بجديد حتي
عندما ظهرت القنوات الكوميدية ظهرت المسلسلات "الست كوم" وهي نوع من
المسلسلات لم نكن نعرفها في السابق وهكذا من الطبيعي ان نشعر بالتفاؤل
طالما ان هناك طلبا علي الدراما بكافة أنواعها.
ويضيف: لا يمكن للدراما التليفزيونية ان تستغني عن تراثنا الأدبي
والسينمائي الكلاسيكي القديم لذلك لا يخلو موسم رمضان من إعادة تقديم لفيلم
قديم مثل "الباطنية" أو "العار" المهم هو تقديم هذه الأعمال بشكل معاصر لأن
الجمهور يختلف من جيل إلي آخر والمجتمع ايضا يختلف فواقع العشوائيات يختلف
عن مجتمع القاهرة في مطلع القرن العشرين وكذلك الصعيد زمان ليس مثل الصعيد
في الوقت الحاضر وهكذا.
اختلاف العصر
* وتؤيد الكاتبة مني نور الدين الرأي السابق بضرورة التناول العصري للأعمال
الأدبية أو السينمائية الكلاسيكية وتقول: المرأة ايضا اختلفت من الماضي إلي
الحاضر صحيح المشاعر الانسانية واحدة والاحساس بالرجل واحد لكن العصر يؤثر
بشكل كبير في طبيعة تلك العلاقة والافلاس الفكري الذي يعاني منه بعض كتاب
الدراما التليفزيونية مصدره الأساسي عدم الاهتمام بالعصر الذي نعيشه ونحن
نسأل انفسنا لماذا عاش احسان عبدالقدوس حتي اليوم لانه قدم المرأة بعد أن
حصلت علي حريتها وحقها في التعليم والعمل ومشاركة الرجل في الحياة السياسية
والاقتصادية لذلك عاشت أعماله.. وليس صعبا علي الفتاة اليوم ان تفهم احساس
بطلات احسان عبدالقدوس في الستينيات لكن عندما لا يعيش الانسان عصره ويكتب
بأفكار قديمة بالية لا يستطيع جذب المشاهد للعمل لانه فقد الصدق والتواصل
مع الأجيال الجديدة وسوف تظل الكلاسيكيات باقية لانها كانت صادقة ومعبرة عن
جوهر المجتمع المصري الحقيقي وليس المجتمع المزيف الوافد إلينا .
عوامل جديدة
* المخرج ناصر عبدالمنعم يري ان هناك عوامل كثيرة استجدت علي الواقع
الانتاجي للدراما التليفزيونية ويقول: لم يعد التليفزيون المصري هو المنتج
الوحيد للمسلسلات كما كنا في السابق دخلت أطراف كثيرة بالتالي فان الأعمال
الكلاسيكية المصرية اليوم يتم تنقيتها عن طريق المنتج الجديد لان المجتمعات
العربية ليست علي درجة واحدة من التطور الاجتماعي والوعي السياسي وأصبح
المخرج السوري يقدم مسلسلا عن الملك فاروق الحاكم المصري في مرحلة تاريخية
سابقة وأصبح ممثل سوري يقدم شخصية نجيب الريحاني وهو الأب الروحي للكوميديا
المصرية الخالصة وتعدد شخصيات الممثلين يعكس تعدد الجهات الانتاجية التي
بات بعضها لا يرتاح احيانا للمخرج المصري أو لا يجد الممثل المناسب من وجهة
نظره للقيام بدور البطولة كذلك أصبحت الشهرة هي الأساس في العملية
الانتاجية لانها هي التي تجلب الاعلانات فأصبح المسلسل ليحيي الفخراني أو
نور الشريف أو يسرا وليس مهما أن يكون المسلسل عن قصة لنجيب محفوظ أو يوسف
السباعي كل هذه عوامل أثرت في الدراما التليفزيونية وأصبحت لا تعبر
بالضرورة عن خصوصية المجتمع المصري بل عن السمات المشتركة للمجتمعات
العربية كذلك طغت مسلسلات السيرة الذاتية في الفترة الحالية بغرض استغلال
شهرة الفنان المأخوذ عن حياته المسلسل أو النجم الذي سيقوم بدوره المهم في
النهاية هو القدرة علي تسويق المسلسل للتليفزيونات العربية وليس المهم هو
المستوي الدرامي للعمل ككل.
الجمهورية المصرية في
06/05/2010 |