عندما يفكر فطين عبد الوهاب في ترشيح بطل لفيلمه "الزوجة 13" فإن الأمر
يستدعي جهدا مضاعفا ، إذا عرفنا أن الاحداث تتطلب رجلا يملك مواصفات خاصة،
ومن هو الممثل القادر علي أن يجعل المتفرج يصدق أنه يمكنه الايقاع بثلاث
عشرة امرأة والزواج منهن؟ لابد أن تتوافر فيه شروط بالغة الصعوبة من
كاريزما ورجولة واناقة وحضور وقبول ونجومية وجاذبية وخفة ظل وأخيرا طلة
حلوة، وكلها صفات متوافرة بنسب متفاوتة في كثير من النجوم، ولكنها لم تجتمع
إلا في "الدنجوان".
ولأن الواقع يتشابه مع الحياة، والعكس يحدث أيضا، لا نعرف علي وجه اليقين
أيهما كان واقعا وأيهما كان خيالا، فهل كان يمثل رشدي أباظة واقعه؟ أم كان
يتقمص شخوصا لاناس لا يعرفهم؟ اغلب الظن أن الخلط الذي حدث لم يكن مقصودا
بل ان صفات كثيرة تشابهت مع تلك الشخوص التي كان يجسدها، او انه كان اكثر
سحرا وتأثيرا علي الكادر السينمائي فبقت تلك المشاهد مثار اعجاب وافتتان
الجماهير وخصوصا النساء ساعد علي ذلك أنه كان مرشحا بقوة لكل ما قيل حول
مغامراته سواء كانت حقيقية أو شابها الخيال.
من صالة بلياردو التقطه المخرج كمال بركات، ولم يكن عمره يتجاوز العشرين
عاما ليلحقه باول عمل سينمائي "المليونيرة الصغيرة" 1948، والذي لم يتردد
في قبول العرض، رغم أن والده سعيد البغدادي ضابط الشرطة سليل العائلة
الأباظية كان يأمل ضابطا بالبوليس ، أما والدته الايطالية ليلي جورجنيجينو
والتي ربته تربية صارمة ألحقته بمدارس اجنبية فشلت في ان تجعله يكمل
تعليمه، فبعد حصوله علي شهادة التوجيهية التحق بكلية الطيران، لكنه لم
يحتملها، واتجه إلي كلية التجارة التي لم تحتمله، فكانت السينما له طوق
النجاة الذي وجد فيه ضالته. ورغم نسبه العريق وتربيته الأجنبية ظل ابن
الذوات (الذي يتقن 5 لغات) يحمل طعما شعبيا، تجلي في تصرفاته ومواقفه
وشهامته التي شهد بها كل من اقترب منه أو تعامل معه سواء من عمال
الاستديوهات أو من زملائه الفنانين.
ان الكثيرين يعانون في بداياتهم لتأكيد تواصلهم مع الجماهير ، فالأمر يحتاج
الي تراكم من الأعمال والادوار لمد جسور الثقة مع المتفرج، لكن «الاكسلانس»
اختصر كثيرا من هذه المسافات وفرض نفسه منذ اللحظة الاولي، ربما كانت
الوسامة هي كلمة السر التي فتحت له الباب، لكنه لم يرتكن إليها كثيرا وراح
يصول ويجول ويفتن بموهبته وامكاناته التي جعلت منه معشوقا للجماهير. واصبحت
جاذبيته حلم راود الكثيرات وتمنينه فتي احلامهن.
عندما يتوافر نص كوميدي متوسط المستوي كان يحرص المنتجون والمخرجون علي
اسناده لرشدي أباظة كي يحقق له التوازن، فاسمه علي افيش أي فيلم يجعله محط
انظار وانجذاب الجماهير، بصرف النظر عن قيمته الفنية، فقد كانت جماهيريته
قادرة علي انتشال الأعمال المتوسطة من الفشل ووضعها في مكان مرموق، لأن
كثيرين كانوا يذهبون لكي يروا نجمهم علي الشاشة.
بدأت نقطة انطلاق رشدي أباظة عندما اختاره المخرج عز الدين ذوالفقار لأول
بطولة سينمائية في "الرجل الثاني"وهي مغامرة تحسب له، ولكنه كان يعلم جيدا
امكاناته الفنية العالية التي ظلت حبيسة في الأدوار الثانية، ثم اعقبه بعد
ذلك بفيلم "امرأة في الطريق" أمام زكي رستم وهدي سلطان، ليدخل بعد ذلك
مرحلة البطولة المطلقة، وكانت مرحلة التنوع والدخول في مناطق ادائية مختلفة
وعميقة، ثم أعمال أخري لا تقل أهمية مثل «شيء في صدري، وشروق وغروب، وأريد
حلا» وغيرها من الأفلام.
كثيرات من نجمات ذاك الزمان كن اكثر شهرة من الرجال، وكان يتم الاعتماد علي
اسمائهن، فمن النادر ان نجد عملا لا تتصدره واحدة منهن، وكثيرات منهن وقفن
أمام رشدي اباظة، ويحضرنا في هذا الصدد فاتن حمامة في فيلم «لا وقت للحب»
وشادية في «الطريق» وماجدة في «القبلة الأخيرة» وهن نجمات ملء السمع
والبصر، وقادرات علي ابتلاع أي نجم يقف بجوارهن، لكن مع «الدنجوان» فالأمر
مختلف فمن يتأمل المباراة التمثيلية في هذه الاعمال يدرك جيدا حجم موهبته
الفنية التي جعلته يتفوق عليهن جميعن ويطوعهن، وهو أمر لم يحدث مع أي فنان
آخر، والامثلة كثيرة.
عندما يأتي الحديث عن المرأة في حياة رشدي أباظة فإن الامر يستدعي التريث
والتمهل، ويبدو السؤال ملحا، هل كانت المرأة محطة رئيسية في حياته، ام كان
هو محطة في حياتها؟ ان غرامياته وعلاقاته النسائية كثيرة بدرجة لا يمكن
حصرها، ولا يستطيع احد ان ينافسه فيها حتي الملك الذي دخل معه في خصومة،
بسبب المغنية الفرنسية اني بيريه والممثلة السينمائية كاميليا، والتي جعلت
بعض المنتجين يعكفون عن اسناد أي بطولة سينمائية خشية غضب القصر في ذلك
الوقت، وعندما نعرج لزيجاته والتي انتهت جميعها بالطلاق بمدد متفاوتة نكتشف
انه ارتبط بثلاث من فاتنات السينما تحية كاريوكا (عامين) وسامية جمال (17
عاما) وصباح (أسابيع قليلة) أم زواجه من الامريكية باربارا والتي انجبت له
ابنته "قسمت" فكان زواجه الثاني والذي استمر 4 سنوات، وتأتي ابنة عمه نبيلة
أباظة آخر الزوجات والتي راعته في ايامه الاخيرة.
وهناك الكثير من الحكايات والعلاقات لم يكتب لها ان تري النور وماتت مع
اصحابها، عن نساء احبوه ولم يستطعن البوح بحبهن، واخريات احبهم ولم يستطع
هو الاقتراب منهن لاسباب بالطبع خارجة علي ارادته، هذا بخلاف ملايين من
المعجبات في كل ارجاء الدنيا.
قد يبدو غريبا عندما نلحظ ان نجما بحجم ومكانة رشدي أباظة لم يلق اهتماما
نقديا حتي علي المستوي الرسمي اغفل حقه تماما، واغلب الظن ان هذا الاجحاف
الذي مورس عليه نتيجة شعور المعنيين بالامر بانه يحظي برصيد ضخم في قلوب
معجبيه وربما بصورة لم يسبق لها احد من زملائه في ذاك الوقت، واعتقدوا أن
ذلك كافيا. حتي هو لم يسع لذلك، وكان كرامته وكبرياؤه يمنعانه من تملق أحد،
فلم يكن يشغله سوي أفلامه التي بلغت 144 فيلما، وانتج ثلاثة أفلام هي : «سر
الغائب وعاشور قلب الاسد وطريق الشيطان».
إن غيابه أفسح الساحة لنجوم كثيرين ربما كانوا يفوقونه موهبة، ويعلونه أجرا
ويكثرونه أعمالا، لكن يظل رشدي أباظة حالة شامخة تحلقت حولها الجماهير
العاشقة التي ظنت وهما أنه عاش ألف عام، والحقيقة أن مولده كان في 2 اغسطس
1927 ورحيله في 27 يوليو 1980، إنهم نجوم صنعوا أنفسهم ولم تصنعهم الظروف
والفرص
الأهالي المصرية في
27/04/2010
لماذا اختفت الأعمال الأدبية من السينما المصرية؟
تحقيق: فتحي المزين
القاهرة 30، الأرض، بداية ونهاية، بين القصرين، أنا حرة، الطريق المسدود،
الرصاصة لاتزال في جيبي، بين الأطلال.. والقائمة تطول وتطول ولن نستطيع
تسجيل جميع روائع السينما المصرية المأخوذة عن أعمال أدبية.
ولكن هذا كان في الماضي «في الحقبة الناصرية».. أما الآن فلن نجد سوي بعض
الأعمال التي تعد علي أصابع اليد مثل «عمارة يعقوبيان» وغيرها.. والسؤال
ماذا حدث؟ لماذا هجرت السينما المصرية الأعمال الأدبية؟ ولماذا هذا «الفقر
في الفكر السينمائي»؟ لماذا خاصمت السينما الأدب.. «الأهالي» ترصد الظاهرة
وتحاول الإجابة عن تلك الأسئلة.
فن تطوير السيناريو
في البداية يقول الفنان محمود ياسين: قدمت للسينما المصرية أكثر من 13
فيلما مأخوذا عن أعمال أدبية للأديب الراحل إحسان عبدالقدوس، علاوة علي
العديد من الأفلام عن باقي الكتاب والأدباء وأعتبر أن فيلم «الشريدة» هو
الأحب إلي قلبي لأنه كان عبارة عن نادرة أو فكرة في صفحة ونصف الصفحة، وخرج
الفيلم بشكل رائع ومازال الكثيرون يذكرونه وأعتقد أن جيل الأدباء الكبار
أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ومحمد عبدالحليم عبدالله وأمين يوسف
غراب وعبدالحميد جودة السحار ويوسف إدريس.. هذا الجيل كان له أثر عظيم علي
الساحة الفنية بأعمالهم الأدبية، وكان مجرد وجود اسم منهم علي أفيش الفيلم
بمثابة نجومية للفيلم، وجاء بعد هذا الجيل جيل من الأدباء منهم جمال
الغيطاني وبهاء طاهر ويوسف زيدان ومجيد طوبيا وصنع الله إبراهيم وغيرهم من
الكتاب علي أعلي مستوي من الكتابة وأحدثت أعمالهم الأدبية ثورة وقدمت تراثا
أدبيا جبارا دخل إلي عالم السينما فحولها إلي تراث مرئي لا ينسي.. السينما
كانت زمان تعتمد علي روايات الأدب القيمة ولكن الأمور تغيرت وأصبحت الدراما
التليفزيونية الأكثر شهرة، وهو ما أثر علي الأدب وانعكس علي استعانة
السينما بالأدب.. وبالطبع كلنا يعرف أن السينما لها المصنف الخاص بها وهو
السيناريو وهذا كلام نجيب محفوظ شخصيا ولأن السينما مصنف له أحكامه الخاصة
به يجب أن يركز كل شخص في مجاله وعلينا أن نبدع أكثر في السيناريو وهذا لا
يمنع أن نقدم أي عمل راق ونحوله إلي فيلم من لحم ودم للمشاهد ولكن من المهم
للغاية أن نعمل علي تطوير «فن كتابة السيناريو».
فنان كل ست ساعات
بينما يري الفنان حمدي أحمد: أن خصخصة «الوطن» بأكمله هي السبب في تدهور
الفن والثقافة عامة.. وأن الفنان الذي يقود أمة بأكملها غير مؤهل لذلك فكل
6 ساعات يخرج علينا فنان جديد.. إن الأخلاق والتعليم والثقافة هي أساس بناء
أي أمة.. لكن خصخصة كل شيء في البلد جعل رأس المال يتوحش ويقضي علي البنية
الثقافية للبلد.. وتدهور الفن وهجرة الأعمال الأدبية نتاج طبيعي لتدهور
الثقافة بأكملها في مصر.. وأعمال نجيب محفوظ والقاهرة 30 لن تتكرر ثانية
لأن البلد دي مش مصر دي بلد «مخصخصة»، ووزارة الثقافة أغلقت المسارح وأجرت
الاستديوهات وتفرغت لافتتاح المعارض.. والفضائيات تلعب علي وتر «الترفيه
والإلهاء» أن هجر السينما للأدب هو هجر الأصالة للفن المصري بشكل عام.
الإنتاج ورأس المال هو السبب
ويقول السيناريست «بلال فضل»: السينما لم تهجر الأدب وهناك سيناريوهات
كثيرة ومتنوعة معدة عن روايات أدبية مميزة، ولكن المشكلة الأساسية في
الإنتاج.. ورأس المال أيا كان مكانه فهو يبحث عن «الربح».. والفن رسالة
وقيمة قبل أن يكون مصدرا للربح والحل المناسب هو أن تقوم الدولة بدورها
المفروض وتعمل علي إنتاج تلك الأعمال القيمة مثلما حدث في الستينات حيث
شاهدنا أفلاما سينمائية مأخوذة عن أعمال أدبية رفيعة المستوي.. هذه الأفلام
دخلت التاريخ من أوسع أبوابه واستقرت في وجدان الناس.. وبالتالي «الكرة» في
ملعب الدولة التي لا تريد تقديم فن هادف.. أو بمعني أدق تركت الساحة
السينمائية لرأس المال يتصرف كيفما يشاء.
اتحاد بعض الشركات
الفنان أشرف عبدالباقي يقول: إن السوق عرض وطلب، والمشاهد هو صاحب الكلمة
العليا في الموضوع.. وسينما الشباب الموجودة التي تخاطب فئة الشباب وطلاب
الجامعة.. تعتمد علي الموضوعات الخفيفة أو التي تمس حياة تلك الفئة، ومع
شديد احترامنا للأعمال الأدبية ونجاح بعضها في الوقت الراهن.. لكن السوق
وشباك التذاكر هما ما يشغلان المنتج الذي يدفع ملايين الجنيهات وتلك
التكلفة الكبيرة للأفلام تجعل الإنتاج يفكر ألف مرة قبل أي خطوة.. وأعتقد
أن اتحاد بعض الشركات مع بعضها في تقديم أفلام مأخوذة عن أعمال أدبية هو
الحل حيث تقوم برسالتها التنويرية وتوزع التكلفة علي أكثر من جهة فنية بحيث
يخرج العمل الدرامي بشكل راق.. وقضية الأعمال والأفلام القديمة لن تتكرر
لأن الزمن تغير ولأن الستينات كانت حقبة غنية بالعباقرة من كل لون سواء في
السينما أو الأدب أو الغناء وحتي السياسة.
ليست علامة مسجلة
ويري الناقد طارق الشناوي أنه لا يوجد أي نوع من الهجر بين السينما والأدب
بدليل أن هناك أعمالا سوف تري النور قريبا مثل «تلك الأيام» للكاتب الراحل
فتحي غانم وسيكون السيناريو لابنه أحمد فتحي غانم وأيضا «عصافير النيل»
لإبراهيم أصلان.. والعديد من الأعمال.. ولكن العلاقة بين السينما والأدب
ليست علامة لجودة الفيلم، وقد تذهب السينما للأدب ويخرج العمل ضعيفا وقد
يذهب الأدب للسينما وتكون الرواية عظيمة لكن العمل الفني ضعيف.. فكل فيلم
له ظروفه الخاصة وهناك أفلام لنجيب محفوظ لمخرجين كبار ولم تنجح ولم تعبر
عن الرواية بشكل سليم وبالتالي نجاح الفيلم أو ثرائه يتوقف علي عوامل عدة
ولا يقف عند فكرة الاستعانة برواية أدبية وكما قلنا لكل عمل درامي ظروفه
الخاصة.. أما الناقدة «ماجدة خير الله» فتقول: إن رواد الأدب العربي مثل
إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس قد رحلوا ،
وبالتالي هناك «عدم معرفة» وخوف من الإقدام علي القصص الحديثة ونماذج
«عمارة يعقوبيان» وغيرها عندما تم التعرف عليها تم مد جسور التعاون
المستقبلي مع مؤلفها د. علاء الأسواني وهكذا.. علاوة علي أن شركات الإنتاج
لا تسمح بهذا الترف المتمثل في أن الروايات تتكلف حوالي 80 أو مائة ألف
جنيه علاوة علي 100 ألف جنيه للسيناريو.. إذن لماذا هذه التكلفة الزائدة
فمن باب أولي تشتري سيناريو جيدا بالمائة ألف وتنتهي المسألة خصوصا أن
«السيناريو الجيد» هو الفيصل في نجاح أي عمل درامي لأن «الورق مهم جدا»
ورأينا في حقبة الستينات تألقا غير عادي للأدب في السينما المصرية لأن
المسألة كان الهدف منها أن يري العمل النور ويشاهده الناس لكن الآن المسألة
تتحكم فيها عوامل أخري مثل الربح والخسارة والزمن تغير.
الأهالي المصرية في
27/04/2010 |