دائماً ما تُصدّر أميركا الرعب إلى العالم، من خلال أفلامها السينمائية،
فهناك سلسلة لا تنتهي من أفلام الرعب التي تدور أفكارها حول حيوانات
مفترسة، أو رجال مستذئبين، أو قوى خفية «آتية من الظلام».. كما تصفها تلك
الأفلام. ورغم أن أفكار أفلام الرعب تكاد تكون واحدة، إلا أن لدى المخيلة
السينمائية الأميركية مئات المُعالجات والتنويعات المختلفة، والتي تبدو كل
واحدة منها مكتملة في ذاتها، وقادرة على إثارة الدهشة.
لكن في الفيلم الأميركي الجديد «ليلة مرعبة»، أو (Stag night)،
الذي قدمته دور العرض السينمائي في مصر مؤخراً، تُصدر أميركا الرعب لنفسها
هذه المرة؛ فالفيلم يتخيل وجود حياة من نوع خاص، ومختلف أسفل مدينة
«نيويورك»، داخل شبكة الأنفاق العنكبوتية لقطارات «المترو»، تلك الحياة تخص
رجالا متوحشين من نوعية «آكلي لحوم البشر»، وهوايتهم الوحيدة هي اصطياد
الناس وتقطيعهم أحياء.. وبلا رحمة، وكأنهم ينتقمون منهم بأكل لحومهم..
وإلقاء ما تبقى منها للكلاب.
قد تبدو الصورة وحشية ولا آدمية، لكن هذه هي طبيعة أفلام الرعب الأميركية،
والتي تبدو الدماء فيها شيئاً عادياً جداً ومألوفاً، بالقياس لآلات التعذيب
البشري، ونزع الأمخاخ، والتمزيق إلى قطع صغيرة، و... إلخ. فقد تعود مشاهدو
تلك النوعية من الأفلام على حدوث ما لا يمكن تصوره من ألوان التعذيب.
ليلة الرعب
يُصوّر الفيلم، الذي كتبه وأخرجه بيتر آيه دولينج، أربعة من الشباب في رحلة
لهو ليلية عادية؛ ونراهم وهم يتشاجرون أمام أحد «البارات».. ثم يتابع
الفيلم رحلة انتقالهم في «مترو الأنفاق» لاستكمال السهرة في مكانٍ آخر،
يتعرف أحدهم داخل «المترو» على فتاتين.. وتُعجب به إحداهما، وأثناء فاصل من
المرح يتوقف «المترو» فجأة، فقد لاحظ السائق ظل شبح يهرب سريعاً.. ويختفي
في الظلام، وهو ما يجعله بحركة لا إرادية يفتح الأبواب عن طريق الخطأ..
فينزل الشباب الستة لاستطلاع السبب. وقبل أن يعودوا إلى «المترو» تُقفل
الأبواب بسرعة، ويسير القطار تاركاً خلفه الشباب.. وسط صرخات ونداءات لا
تُجدي. لقد تركهم السائق من دون أي قصد منه، ليلاقوا مصيرهم المجهول فوق
محطة مهجورة، حيث لا أمل لهم في إيقاف قطار آخر؛ ولم يصبح أمامهم إلا خيار
واحد.. هو التوجه سيراً على الأقدام فوق قضبان «المترو» إلى المحطة
التالية. ومن هنا تبدأ رحلتهم «الخرافية» داخل الأنفاق، حيث يتعرضون لمخاطر
التعذيب والموت واحداً بعد الآخر، على أيدي أكلة اللحوم البشرية.
وكعادة جميع أفلام الرعب تقريباً، التي يموت كل أبطالها.. ولا يتبقى منهم
إلا واحد فقط، كدلالة على وجود الأمل في الحياة.. وليحكي للناس حقيقة ما
حدث، فإن ذلك هو ما يحدث في هذا الفيلم أيضاً.. فبعد ليلة مليئة بالرعب
والعذاب، ليلة أقل ما فيها هو الموت، يخرج أحد الشباب الستة ناجياً.. بينما
يموت الخمسة الآخرون.
آكلو لحوم البشر
والفيلم يكشف عن نوعين من الحياة داخل مدينة «نيويورك»، أحدهما يخص السكان
العاديين للمدينة، بينما النوع الآخر يخص «آكلي لحوم البشر».. وهم سكان
الشبكة الضخمة لمترو الأنفاق، أسفل المدينة الكبيرة، وهذا النوع الأخير من
السكان يتميز بوحشيته الشديدة.. ويظهر داخل الفيلم كما لو كان ينتقم من
سكان المدينة العاديين، الذين يعيشون حياة باذخة تملؤها الكثير من الرفاهية
والثروات الكبيرة. وإلى جانب سكان «أنفاق المترو» من المهمشين القذرين آكلي
لحوم البشر، يوجد نوع آخر من «المهمشين» لمجموعة من البشر العاديين..
يسكنون جانباً من الأنفاق، ويكوّنون فيما بينهم مجتمعاً صغيراً ليس له أي
علاقة بالمجتمع خارج الأنفاق؛ إنهم يرزحون تحت وطأة «عزلة اختيارية» فرضوها
على أنفسهم. والغريب في الأمر أنهم يعرفون ما يفعله «آكلو لحوم البشر»..
لكنهم لا يهتمون بذلك، وعندما يطلب أحد الشباب الستة مساعدتهم.. فإنهم
يرفضون ذلك بقسوة وعنف، ويغلقون الأبواب في وجهه.. وهو ما يجعل الأمر يبدو
كما لو كان هناك اتفاق غير مُعلن بين هؤلاء المهمّشين وبين آكلي لحوم
البشر؛ اتفاق على الانتقام من سكان المدينة الضخمة المرعبة «نيويورك».
رعب «نيويورك»
الفيلم بهذا الشكل يُصدّر حالا من الرعب لمدينة «نيويورك»، على عكس معظم
أفلام الرعب الأخرى التي تُصدر رعبها إلى العالم، فهو يرصد حال التمزق
الحادث فيها، تلك التي نشأت عن هذا التفاوت الرهيب لأشكال المعيشة في جزئي
المدينة: الجزء الظاهر منها فوق الأرض، والآخر المختفي أسفلها.
وفيلم «ليلة مرعبة» في مُجمله قد لا تجد فيه جديداً، لا على مستوى الفكرة
المطروحة.. ولا مستوى «الدلالات» التي يرمى إليها، كما أن تكلفته الإنتاجية
قليلة جداً بالقياس لأفلام رعب أخرى يتم تصويرها في أماكن مفتوحة، فأماكن
التصوير داخل الفيلم تختصر نفسها داخل حيز ضيق، هو «مترو الأنفاق» وبعض
الحجرات القديمة الضيقة. كما اكتفى الفيلم بستة أبطال، وعدد آخر مماثل
لممثلي أكلة لحوم البشر.. فلا حاجة هنا لمجاميع كبيرة، ولا لمشاهد «أكشن»
أو انفجارات. فقط لدينا مشاهد تتم في أماكن مغلقة، وموسيقى جاهزة، وأداء
تمثيلي عادي لا ينم عن وجود مواهب كبيرة. كل ذلك يقرب الفيلم من «التجارية»
الشديدة، تلك التي تعتمد على معرفة صُناع السينما الأميركية بعشق الكثيرين
من متفرجي شعوب العالم الثالث بأفلام الرعب، لذا فهم يُصدرون لنا مثل تلك
الأفلام التي لا تحقق عندهم تجارياً (20%) مما تحققه داخل دور العرض
العربية، بسبب وعي المشاهد الأميركي بأنها «أفلام ضعيفة» في مستواها الفكري
والفني.
أوان الكويتية في
13/04/2010
« نينيت».. نجمة غير متعرية
بطلة تكتسح الصورة بحوار صامت وبلا مشاكسة وجشع.. مثل البشر
إعداد - محمد جمول
قد يكون الحديث عن أحدث نجمات السينما الفرنسية مختلفا هذه المرة عن
المألوف في سينما اعتادت تقديم الحسناوات اللواتي طالما استطعن شد اهتمام
الجمهور لوقت غير قصير، وخصوصا أنها تُقدم مستلقية على ظهرها عارية، وقد
اختلط شعرها بقش النباتات، وهي تلعب بأصابع قدميها في حين تحدق إلى وجوه
زوارها قبل أن تختار الابتعاد عنهم مثل أي نجمة شهيرة يضايقها فضول
الجمهور.
النجمة الآن هي نينيت في فيلم «نينيت»
Nénette
الذي يقدم أول ساكن لأقدم حديقة حيوان في العالم. إنها أنثى إنسان الغاب
التي كانت على مدى أجيال متعاقبة محببة دائما إلى قلوب أطفال المدارس.
ولكنها الآن ستكون نجمة فيلم جديد للمخرج نيكولا فيلبير الذي يعد من أفضل
مخرجي الأعمال الوثائقية.
في 2002، سبق لفيلبير أن أدهش جمهور السينما في طول العالم وعرضه بفيلمه
«أن تكون وأن تعمل»
Etre et Avoir الذي تميز بالاقتضاب والغنائية في تقديمه لمدرسة ابتدائية مكونة من
صف واحد في إحدى القرى الجبلية في منطقة أوفيرن. أما فيلمه الجديد «نينيت»،
فقد نجح في تحقيق النتائج ذاتها عبر متابعة تعابير وجه هذا الكائن المعمر
وحركاته الكسولة على مدى سبعين دقيقة داخل قفص بواجهة زجاجية ضمن حديقة
النباتات وسط باريس. وهناك لقطات تستمر بالتركيز على وجه هذا الحيوان لمدة
خمس دقائق أو أكثر في بعض الأحيان.
ما يلفت الانتباه أن وجوه زائري نينيت من البشر، تظهر فقط على شكل انعكاسات
غامضة على القفص الزجاجي. وبشكل مواز تظهر تعابير تشبه ما لدى البشر من
الدهشة والاضطراب على وجهها مترافقة بما يوحي بالضجر والفضول والحيرة وسط
تعليقات توحي بالإعجاب من الحاضرين، مثل «إنها بعمر أمي» و«المكان ضيق لكن
أجور السكن غالية في باريس» و«تبدو حزينة»، يردد صوت أنثى معمرة. ويردد صوت
آخر «ربما تكون فقدت زوجها».
ومع نهاية الفيلم، تتحول واجهة القفص الزجاجي إلى حاجز ومرآة في آن واحد.
وعندها يجوز التساؤل إن كانت نينيت واحدا منا فعلا، أم إننا نحن -زوار
حديقة الحيوانات ومشاهدي الفيلم- نماهي أنفسنا بهذا القرد الذي لا يمكن سبر
أغواره؟
يمكن اعتبار فيلبير، الذي حصل على تقدير كبير وجوائز على أعماله السابقة،
مثل نينيت في غموضه. وهو، خلافا لبعض مخرجي الأعمال الوثائقية، يتميز
بالابتعاد عن التدخل في قراءة المشاهد لما يعرض أمامه. وبدلا من ذلك يترك
كل الخيارات مفتوحة. يقول «لا أحب أن أقول للمشاهد كيف يفكر. أفضل أن أكتفي
باكتشاف ما هو أمامي».
خطرت بباله الفكرة حين زار حديقة النباتات ومعرض الحيوانات الزجاجي الذي
بلغ من العمر 200 سنة في 2008. وعندها قرر إنتاج فيلم مدته 15 دقيقة، ليصبح
بعد ذلك أكثر اهتماما بنينيت.
والواقع أن الفيلم يتحدث عنا نحن البشر أكثر مما يتحدث عن إنسان الغابة،
كما يقول المخرج. «نينيت تشكل لغزا. ونحن لا نعرف بما تفكر أو إذا كانت
تفكر أصلا.. إنها وعاء لتخيلاتنا.. وصورتنا على الشاشة. البيت الذي تعيش
فيه يشبه كرسي الاعتراف. حين يتحدث الناس عن نينيت إنما يتحدثون عن
أنفسهم».
ولدت نينيت في غابات بورنيو (إندونيسيا) العام 1969، وتعيش في معرض
الحيوانات الزجاجي على الضفة اليسرى من نهر السين منذ 1972. وهي الوحيدة
المولودة في الغابة من بين أربع كائنات من نوع إنسان الغابة بينها ابنها
توبو. ومنذ موت ذكر السلحفاة العملاق كيكي الذي كان عمره 146 سنة، أصبحت
نينيت أكبر نزلاء الحديقة سنا.
كان كيكي معروفا لزوار الحديقة بكثرة صراعاته وهجماته على السلاحف الأخرى
على الرغم من تقدم عمره. أما نينيت فقد اشتهرت بشراستها وقلة اكتراثها
بالقردة الموجودة على الجانب الآخر من الحاجز الزجاجي.
يعتبر معرض الحيوانات الزجاجي في الحدائق النباتية أقدم حديقة حيوان من هذا
النوع في العالم. وقد تم تأسيسه في 1793وسط أحداث الثورة الفرنسية لاستقبال
مجموعة الحيوانات الملكية في قصر فرساي. وفي 1871، خلال الحصار البروسي على
العاصمة الفرنسية، عمد الفرنسيون إلى ذبح الحيوانات في الحديقة ليأكلوا
لحمها.
حتى سنوات قليلة ماضية، كان وضع الحديقة مزريا، حيث كانت حيواناتها تعيش في
أماكن ضيقة ورطبة. وبعد سنوات من مطالبات الرابطة الفرنسية لحقوق الحيوان،
تم نقل الحيوانات الكبيرة إلى أماكن واسعة، وبشكل جعلها تعيش أجواء قريبة
إلى وسطها الطبيعي، بدلا من اعتبارها مجرد مصدر للتسلية. وعلى سبيل المثال،
تم تخصيص أقفاص أوسع لنينيت وبقية كائنات إنسان الغابة الأخرى، مع توفير
بوابة تسمح لها بالخروج إلى مساحة أوسع. وقد ذكر المخرج فيلبير أن القائمين
على العناية بنينيت يشعرون أن هذه الكائنات يجب أن تكون حرة طليقة بعيدا عن
الأقفاص مع المحافظة عليها من خطر الانقراض.
ومعروف أن إنسان الغابة، وهي تسمية يطلقها الإندونيسيون على هذا النوع من
القردة، من أكثر الكائنات المهددة بالانقراض، وأن وجودها بات مقتصرا على
آسيا فقط، وتحديدا في جزيرتي بورنيو وسومطرة. وأكبر الأخطار التي تهددها
تتمثل في إزالة الغابات لأغراض زراعية، وبشكل خاص لإنتاج زيت النخيل اللازم
لإنتاج الكريمات ومستحضرات التجميل والأغذية. ولذلك يقول فيلبير «حين تمتنع
عن شراء قالب من شوكولا نسله، تساهم في إنقاذ إنسان الغابة.
والواقع أن المخرج يتخذ موقفا واضحا من مسألة إقدامنا على تدمير أحد
أقاربنا على هذا الكوكب عبر حوار بين البشري وغير البشري في الثواني
الأخيرة من عمله، عبر إظهار نينيت وهي تتناول طعامها من زجاجات وأوان تتقن
فتحها والتعامل معها بأفضل طريقة يجيدها الإنسان.
وعموما سيكون فيلبير في غاية الامتنان تجاه نينيت، لأنها ليست مشاكسة وجشعة
مثل البشر، وبالتالي لن تقاضيه كما فعل معلم المدرسة وأولياء الأمور في
فيلم «أن تكون وأن تعمل»، حين تقدموا بدعوى أمام القضاء يطالبونه بحصة من
أرباح الفيلم.
عن صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية
أوان الكويتية في
13/04/2010 |