يُدهش قارئ الكتيّب
الصحافي المرافق لعرض جديد المعلّم
الأميركي مارتن سكورسيزي، المقتبس عن رواية
ذائعة الصيت لمواطنه دينيس ليهان ذات العنوان الملتبس «جزيرة شاتر» (ترجمه
البعض،
من دون تروّ وحصافة كافيين، بـ«جزيرة مغلقة»)، الذي وُزّع في الدور الستين
(شباط
الفائت) لمهرجان برلين السينمائي، أمام ذكر عناوين مرجعيات سينمائية
كلاسيكية، قارب
بعضها الغمز المسيَّس للحقبة النازية وحرب الفوهرر والبطولات الأميركية
خلال حرب
الأربعينيات، وأخرى استمرأت عوالم المصحّات العقلية، ودسائس الحسّان
والشياطين التي
تتلبّس نوازع الضعاف، وجرائم العنصرية، ومقتلات الغرام وغيرها، عدّها
الكتيّب
نصوصاً تدعم الجو السايكوباثي الداكن، الذي غلّف عوالم المشفى المعزول وسط
لجة
المحيط، وتهديد الإعصار المطري القاتل الشهير، الذي وقع في العام 1954.
أجواء
وإذ ذُكر عنوان كبرى انعطافات السينما التعبيرية الألمانية «حجرة
الدكتور
كاليغاري» (1920) للمخرج روبرت فاين، وأجواؤه الإيستيتيكية
التشكيلية، التي عبّرت
عن مصاب البطل كاليغاري، الساعي إلى خلق
صنو تخيلي يدعى فرانسيس، لم يكن سوى مريض
في عيادته النفسيّة، يستخدمه لصيد ضحيته الممشوقة. فهو إذاً مؤهل للاستعارة
في فيلم
سكورسيزي، حيث نرى عميل التحقيقات الجنائية تيدي دانيالز (ليوناردو دي
كابريو) يدلف
عالماً ملتوياً من الشكوك وظنونها، والدسائس وعثراتها، وتبيان الحقيقة
المنقوصة
ومؤامراتها، وزلاّت البشر المقصيين ووحشياتهم المتبادلة، والقيادة الفاسدة
وشدائد
قمعها وقسوتها. وفيما يكون الشاب الوسيم فرانسيس أداة إغواء في يد الدكتور
العصابي
لقتل الحسناء جين، وتبرير سطوته قبل أن يدفعه الفلاّحون الى حتفه، فإن تيدي/
سكورسيزي يكون كاليغاري حداثيّ، يدمج بين إثم الحرب التي أزاحت الفاشي قبل
تسع
سنوات، وعسكراتية من نوع جديد تحبس البشر، وتغلّ في كينوناتهم، بعد عزلهم
بحجج
الخَبَل، هدفها كتم إراداتهم وعدم إفشاء السر الكبير: تقنين الجنون
ومعدّاته
وأمصاله للاستخدام الحربي، وتحويل المرضى إلى فئران اختبارات، استعداداً
لتداعيات
الحرب الباردة.
يقف العبد الألماني فرانسيس ضد إرادة صانعه بوجوب تصفية الحسناء
الشابة. وبدلاً من ذلك، ينقلها إلى منزله، متبوعاً بجحافل الأرضيين الساعين
إلى
صيده وكشف أسرار مشفى الدكتور الممسوس. بينما يكون أمام تيدي/ سكورسيزي
أبواباً
كثيرة مغلقة، تتطلّب منه لفتحها نيل ثقة المرضى أولاً، وعدم إثارة حفيظة
إدارة
المشفى، كي يصل إلى حقيقة اختفاء راشيل سولاندو (شبح جين الألمانية؟) وهي
داخل
معتقلها. وكلّما اقترب تيدي منها، كَثُر الغوغاء من حوله، وتعقّدت منافذ
الحقيقة،
وضيّقت المطاردات أنفاسه. في نهاية كاليغاري/ فاين، نكتشف أن الطبيب
المخبول «ركّب»
دمية في يد القاتل، خادعاً إياه بأنها الحبيبة. ذلك أن سعيه هذا مرَكّز على
أن
مخبوله يجب أن «يُوهم» بأن ما بين يده كائناً حياً، وهو ما يتشارك به
لاحقاً فلاّحو
المطاردة الجماهيرية من ظنّ يقود كاليغاري في ما بعد إلى أن يصبح أحد نزلاء «عصفوريته»،
بعد إلقاء القبض عليه. مثلهما، يقع بطل سكورسيزي/ ليهان في «مؤامرة
وهم»، يقودها رئيس المشفى الدكتور جون كاولي (بن كينغسلي) وزميله الدكتور
ناهيرنغ (ماكس
فون سيدو)، مفادها أنه شارك من دون وعي مسبق في مقتل زوجته، وهي المشهدية
التي تتكرّر أمامه، أو تشبّ نيرانها بين يديه، قبل أن تُكرّر عوداتها في
أحلامه
لتخبره أن راشيل والمخبول أندرو لايديز لا يزالان متخفيّين في مكان ما فوق
الجزيرة
القصية.
ترى، ما الغاية من تلبيس الفاجعة في ضمير البطل الشاب؟ إنه العزم الذي
يقوده نحو المرأة المختفية، الحاملة السر الكبير. تيدي/
الروائي ليهان جرّاح بوليسي
يُشّرِح المواقف والتحرّكات. يفتح مغاليق
المشفى ـ السجن. يُنير دهاليز معتقلاته
الشبيه، إلى حدّ مدهش، بنظيراتها في مراكز
الاعتقال النازية. يخاطب نزلاءها كي
يقودوه إلى نور المعرفة الشخصية إن كان
مخبولاً في «انخداعاته». مشكلة تيدي ورفيقه
تشاك أولي (مارك روفالو) أنهما لا يكمّلان بعضهما البعض، إذ بدا الأخير
تابعاً
لمؤامرة. لن نصل إلى حقيقة شخصيته حتى المَشَاهد الأخيرة، التي تُعلن أن
خيال تيدي
اهتدى إلى أن جزءاً من تهويمات حكايته تكمن في التباس الضحية مع كينونته.
بمعنى أن
الشخص الذي اختفى لم يكن راشيل بل تيدي دانيالز نفسه، الذي خُدِّر وبُرمِج
دماغه
ووعيه على أنه أندرو لايديز، الذي حرق زوجته بعد إغراقها أبناءهما الثلاثة
في لحظة
خَبَل. قبيل عملية تفصيص مخّه، التي تجري في الفنار الضخم المواجِه للإعصار
الماحق،
يسعى تيدي إلى معرفة رأي الدكتور المشرف حول «مقدار الكرب في أن يموت المرء
كوحش،
أو أن يرحل كرجل صالح». هذا السعي يكشف في نص ليهان أننا في أزمات الضمير
الكبرى،
نختلق واقعاً ذا صُوَر متضاربة، نعاند بها كي تُقنعنا ببراءتنا من ذنوب
مختلفة، مع
أن كثيراً منها لوّث تواريخنا. وهذا ما يفسّر إصرار صاحب رواية «نهر خفيّ»
(أفلمها
كلينت إيستوود في العام 2003) على ربط بطله بالجريمة الكبرى خلال الحرب
العالمية
الثانية. ذلك أن تقديمه كحارس على القانون لا يطمِر اشتراكه في جرائم حرب
سابقة
عصيّة على أي طرف عالمي يسعى إلى محاكمتها ومساءلتها. فالمنتصر الأميركي
فرض قانونه
وحصّن مجرميه، بحجّة تخليص الشر.
النازية
في الصفحة 170 من الرواية الواقعة
في أربعة فصول و24 مقطعاً، ينزف تيدي كلاماً جارحاً يصوّر سكورسيزي أحداثه
بدقّة
مبالغ فيها، هو في الواقع توثيق للجنايات العسكرية حول إعدام خمسمئة نازي
أعزل في
معسكر للإبادة، سُلِّم بعضهم إلى النزلاء اليهود، الذين «مزّقوهم إرباً
إرباً»، كما
يذكر لرفيقه تشاك. يقول: «في نهاية اليوم، أزلنا خمسمئة روح عن وجه الأرض.
قتلناها
جميعاً. لم يكن دفاعاً عن النفس. لم يَدخل ضمن الحرب. كان قتلاً. لم تكن
هناك مساحة
رمادية. كانوا يستحقّون الأسوأ. لكن، كيف يُمكنك العيش مع هذا؟ كيف ستخبر
زوجتك
وابنك عما فعلت؟ إنك أعدمت أناساً عزلاً. قتلت صبية بملابس وأسلحة عسكرية».
يستطرد: «الجواب
أنك لن تتجرّأ على إخبارهم. إنهم لن يفهموا الأمر. لأن ما قمت به هو نتيجة
للسبب الصحيح. لكن، أيضا ما قمت به خطأ لن تفلح في نسيانه». هذا الاعتراف
يُقرأ في
النص الأدبي كإشارة إلى وعيه التبريري، الذي يُخرب عندما يطأ أرض الجزيرة.
فالبطل،
ابن صيّاد البحر الذي تركه والده واختفى وهو يافع، بات اليوم راعياً للحق،
وباحثاً
عن الحقيقة، يتحوّل إلى طريدة نظام محبوك لا يقوده إلاّ إلى ظلامات حالكة
من الآثام
الجماعية، التي تُذكّر بمعتقلات اليابانيين في سياتل وبورتلاند وتاكوما،
وتعيد في
ذاكرته صُوَر معتقلات اليهود.
في نص سكورسيزي، عودة بهية للنص السايكوباثي، حيث
يحيله المعلّم الكبير ليس فقط إلى ألفريد هيتشكوك، بل إلى جهابذة سينما
أشادوا
تنميطاً ساحراً للبطل الملوّث بالجريمة، وصاغوا نوعاً فيلمياً لا يُخرق في
بربرية
أجوائه وقتامة مناحيه البنائية وإضاءاته وأزيائه. يعي صاحب «سائق التاكسي»
و«الثور
الهائج» أن نص ليهان وملغزات مشهدياته وجرائمه وكبوات نسائه وتورياته
الدينية، لن
تُصوَّر إلاّ كما في أعمال مخرجين على شاكلة أوتو بريمينغر في «لورا»
(1944)، حيث
تنتحل امرأتان اسم البطلة المسفوكة الدم؛ وجاك تورنير في «متسوّل من الماضي» (1947)،
حيث يكون كيد المرأة بطلاً؛ وجاك كلايتون في «البريئون» (1961)، حيث يتجلّى
الأموات ثانية كي يحكوا تفاصيل غيابهم؛ وفريدريك وايزمن في
«حماقات تيتيكيت»
(1967)،
الذي يوثّق أيامَ امرأة مجنونة، مدمَّرة وقاسية داخل مصحّ عقلي.
)برلين(
السفير اللبنانية في
11/04/2010
نصف
ميلغرام نيكوتين..
منع فى دمشق وحصل على الجوائز فى ايطاليا
كتب عماد النويرى
خلال
العقدين الاخيرين فى الالفية الثانية , كان يمكن متابعة العديد من الافلام
السورية
التى تم انتاجها من خلال مؤسسة السينما السورية , واستطاعت ان تجذب
الانتباه
لتفردها وتميزها على مستوى الشكل والمضمون . ونذكر من هذة
الافلام ( كومبارس ) نبيل
المالح ) و( صعود المطر ) و( نسيم الروح ) لعبد اللطيف عبد الحميد و(
اللجاة )
لريمون بطرس . ولاننسى بالطبع الافلام التى
قدمها محمد ملص واسامة محمد وعمر
اميرالاى وسمير ذكرى . وكان من الملاحظ ان اغلب المخرجين
السابقين استطاعوا بنجاح
ان يتغلبوا على الكثير من الظروف والعوائق التى واجهتهم سواء تلك الضغوط
الرقابية
او تلك الانتاجية . وهى ضغوط وعوائق تواجه اغلب السينمائيين فى بلاد العرب
نظرا
لعدم وجود مساحات كافية للتنفس الابداعى الذى يتطلب فى كل
الاحوال كمية مناسبة من
الاكسوجين الديمقراطى النقى . نجحت العديد من الافلام السورية فى المشاركة
فى
المهرجانلات العربية والعالمية بل حصدت الكثير من الجوائز ونذكر هنا (
الكومبارس
)
و( صعود المطر ) . باعتبارهما من الافلام التى كسرت القوالب التقليدية
فى الشكل
السينمائى , وحاولت التغريد خارج منظومة القواعد( الارسطية ) التى كبلت
ومازالت
تكبل الانتاج السينمائى العربى بشكل عام . وازعم ان فيلم (نصف ميلغرام
نيكوتين
)
للمخرج محمد عبد العزيز الذى عرض منذ فترة قليلة فى ملتقى الثلاثاء ,
ينتمى ايضا
الى سينما مختلفة , من حيث الشكل والمضمون . ويذكر ان الفيلم قد شارك فى
مهرجان (
بارى) لسينما حوض البحر المتوسط ,وحصد اربع
جوائز منها جائزتى الاخراج والتصوير
.
كما شارك فى الدورة الاخيرة لمهرجان دبى السينمائى . والغريب ان
الفيلم لم يتم قبول
مشاركته فى الدورة الاخيرة لمهرجان دمشق السينمائى
.
فى ( نصف ميلغرام نيكوتين
)
الذى تدور احداثه فى الزمن الحالى سنتعرف على طفل على ابواب الصبى يجد نفسه
فجاة فى
احضان غانية تحاول ان تجمل حياتها بعد ان ادركتها سنوات الغروب . وفجاة
ايضا يموت
الطفل الصبى فى حادثة سيارة وهو بعد لم يعش مرحلة الطفولة .
وهناك ذلك الرجل الذى
يحاول الانتحار تكفيرا عن قتله لابنته حتى يكيد للمراة التى خانته وهجرته .
وسنتعرف
ايضا الى ذلك الشاب المسيحى الذى يجب فتاة محجبة ترفض الى اخر لحظة ان تخلع
الحجاب
وتوافق فى النهاية ان يرسمها الحبيب وجهها لاولمرة وايضا لاخر مرة . اربع
حكايات
تتقاطع فى بناء سردى غير تقليدى ويلعب الرمز فى هذا البناء
الدور الاكبر .
مثل
تاركوفسكى , وفللينى , وانجلوبولس , وعبداللطيف عبد الحميد, ويوسف شاهين ,
وداود
عبد السيد , يرى كاتب السيناريو المخرج محمد عبد العزيز ان السينما اداة
للبحث
والمعرفة فى كل القضايا التى تشغل الانسان , وهى اداة ذهنية
للتامل تساعدنا على
الكشف عن دواخلنا لنستطيع بطريقة اسهل التواصل مع الاخر . لان السينما دون
الفنون
الاخرى -خاصة تلك السينما الخالصة التى تمس الروح - قادرة على ان تفك
الشفرة التى
تقف كحجر عثرة امام التواصل الانسانى بشكل عام . ومن هنا نستطيع ان نقول ان
فيلم
(
نصف ميلغرام نيكوتين ) لايحكى فى واقع الامر , ولايقول , انما يقدم
الصور التى
تقودنا الى الذكريات , فى بناء سردى شاعرى يطمع فى جذب ارواحنا واهتمامنا ,
ربما
تفتحت مسام وعينا وادراكنا فى نهاية المطاف
.
الفيلم ( الفن ) يحتفى بالصورة
بكل اركانها . ويقدم تشكيلية لقطة مكثفة ومعبرة وهنا اشارة الى
القدرة على اللعب
بالضوء والظلال بطريقة مبهرة ومؤثرة كما يمكن التوقف عند الديكور والملابس
باعتبارهما من العناصر المهمة فى ابراز الحالة النفسية للشخصيات . وفى
كثنايا كل
لقطة يمكن متابعة الاهتمام الزائد بالتفاصيل الصغيرة الموحية
الممتمثلة فى اختيار
قطع اساس معينة تؤكد الزمان وتتحد مع المكان والشخوص
.
.ورغم انها التجربةالاولى
للمخرج فى عالم السينما فاننا سنجد الممثل يجسد الشخصية
ويعيشها وهو فى افضل حالاته
الابداعية . خالد تاجا، مي سكاف، عبد الفتاح مزين، وائل وهبة، جيني إسبر،
مجد نعيم،
ياسين بقوش.كل هؤلاء المثلنين لعبوا ادوارهم بحرفية عالية خاصة خالد تاجا
فى دور
الرجل القاتل لابنته ومى اسكاف فى دور الغانية والطفل زين
حمدان فى دور ( البويجى
)
ويبقى ان ( نصف ميلغرام نيكوتين ) هو واحد من الافلام السورية المميزة
التى ظهرت خلال الفترة الاخيرة . وهو يمثل احد نتاجات القطاع الخاص فى
سوريا وهى
بادرة تبشر بوجود نفس جديد وتنوع مطلوب فى الواقع االسينمائى السورى
.
مدونة "سينما اليوم" في
11/04/2010 |