انتهت
الأيام الستة الخاصّة بالدورة السادسة عشرة (27 آذار ـ 3 نيسان 2010)
لـ»مهرجان
تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسّط». أُعلنت
النتائج. أُسدِل الستار
على إحدى أكثر الدورات إثارة للجدل، وطرحاً لمستقبل المهرجان. لجنتا
التحكيم
متمتّعتان بمزاجيات متفرّقة. الهواجس مختلفة. لكن غالبية الأفلام المختارة،
خصوصاً
في فئة الأفلام الروائية الطويلة، مثيرة للقلق. معظمها عاديّ. بعضها سيئ.
قليلة هي
الأعمال الجادّة. أبرزها على الإطلاق الفيلم التركي «10 حتى
11» لبيلين إسمر (جائزة
محمد الركاب/ جائزة لجنة التحكيم الخاصّة، وقيمتها المالية أربعون ألف درهم
مغربي،
ما يُعادل خمسة آلاف دولار أميركي تقريباً). بالنسبة إليّ، هذا أهم من
الفيلم
الإيطالي الفائز بالجائزة الكبرى لمدينة تطوان (سبعون ألف درهم
مغربي، ما يُعادل
أكثر من ثمانية آلاف دولار أميركي بقليل)، «ارفع رأسك» لأليساندرو آنجيليني.
الأهمية كامنةٌ في الاشتغال الفني. في
اللغة السينمائية المعتمَدة. في النصّ
المكتوب وترجمته البصرية. في الموضوع ومعالجته الدرامية. في
البساطة المرتكزة على
عمق إبداعي مثير للمتعة والتساؤل. في بُعده الإنساني العميق والمؤثّر، على
الرغم من
أن «ارفع رأسك» محمَّل بمثل هذا البُعد، وإن بشكل مختلف. المقارنة بينهما
ناتجة من
فوزهما بالجائزتين الأساسيتين، مع أنها مسيئة لهما معاً في
الآن نفسه، لابتعادهما
عن بعضهما البعض، ولاهتماماتهما المختلفة.
شفافية
بعيداً عن هذا كلّه،
يُمكن القول إن «10 حتى 11» غائصٌ في أعماق الذات الفردية، وارتباطها بجوار
مسكون
بالتبدّل القاسي. العجوز المقيم في عالمه الخاصّ، منسجم
وقناعاته الذاتية. بحثه عن
القديم لا يُلغي الحاضر، وإن رفض السقوط في تحوّلات هذا الحاضر. بقاؤه في
منزله
المليء بالأشياء العتيقة نوعٌ من تمرّد على أحوال الدنيا وتبدّلاتها. هذا
كلّه
مُصاغ بلغة شفّافة وبسيطة، تحمل كَمّاً جميلاً من العمق
الإنساني. تؤكّد، أيضاً، أن
الميزانيات الضخمة لا تصنع، بالضرورة، أفلاماً جميلة؛ وأن الأفلام الجميلة
محتاجة،
أساساً، إلى مخيّلة خصبة وثقافة كبيرة. إلى قدرة عقلية وثقافية على جعل
الصورة تقول
وتعبّر. في «ارفع رأسك»، التأثير الانفعالي حاضرٌ. العلاقة
المتينة، ظاهرياً، بين
الأب وابنه، مثيرة للتساؤل عن السطوة والسلطة الأبويتين. الأب واضعٌ أحلامه
المجهَضَة في مسيرة الابن على طريق الاحتراف المهني في الملاكمة. الابن
خاضعٌ. لكن،
هناك لحظة انفجار ناتج من غضب ورفض وتململ. واللحظة ذاهبة بالابن إلى الموت
السريري. النقمة والحسرة والشعور بالذنب أمورٌ ألمّت بالأب
فجعلته منصاعاً إلى
العزلة. وهب الأعضاء أفضى بقلب الابن إلى محتاج، إثر قرار نزع الآلات عنه.
قرّر
الأب البحث عمن اقتنى القلب. إنه شاب متحوّل جنسياً. علاقة سلطوية من نوع
آخر.
انهيارات وارتباكات. هذه محاولة منضوية في التجربة الفريدة التي أنجزها
ناني موريتي
في «غرفة الابن» (2001). لا مجال للمقارنة. لكن التشابه في المناخ العام
أدّى إلى
استعادة تلك التجربة الإنسانية: موت الابن ومصير الأب
(العائلة). أليساندرو
آنجيليني متوغّل في متاهة النفس البشرية، إثر اصطدامها بالموت. لكن
المعالجة عادية،
والسياق الدرامي متين الحبكة من دون بلوغ مرتبة الإبهار. وهذا مناقضٌ
للبساطة
المدوّية في «10 حتى 11»، المفضية إلى سلاسة الحبكة، وعمق
المعالجة، والتأثير
الانفعالي غير المفتعل أو المتصنّع.
بالإضافة إليهما، عُرض فيلمان مغربيان في
المسابقة الرسمية الخاصّة بالأفلام الطويلة: «عند الفجر» للجيلالي فرحاتي
و»المنسيون» (أو «منسيو التاريخ» بحسب العنوان الفرنسي الموضوع من قبل
المخرج) لحسن
بنجلون (جائزة الجمهور، وقيمتها المالية ثلاثون ألف درهم
مغربي، ما يُعادل 3750
دولارا أميركيا تقريباً). هناك أيضاً فيلمان مغربيان اختيرا لبرنامج «عروض
خاصّة»: «فينك أليام» (أو «مصائر متشابكة») لإدريس
شويكة و»وليدات كازا» لعبد الكريم
الدرقاوي. هذه أفلام مُنتجَة حديثاً. شاركت كلّها (إلى جانب أفلام أخرى،
طويلة
وقصيرة) في الدورة الحادية عشرة لـ «المهرجان الوطني للفيلم»، المنعقدة في
المدينة
المغربية طنجة بين الثالث والعشرين والثلاثين من كانون الثاني الفائت. هذه
أفلام
مُصابة بخلل وارتباك واضحين، لا يتلاءمان أبداً والمواضيع المختارة. أفلام
محتاجة
إلى تكثيف درامي ومعالجة أفضل. لا يُمكن لمسألة المتاجرة
بأجساد النساء، خارج
المملكة المغربية وداخلها (نشرت الصحيفة المغربية اليومية «الصباح»، في
عددها
الصادر بتاريخ 3/ 4 نيسان الجاري، تحقيقاً طويلاً حول الدعارة في مدينتي
تطوان
المغربية وسبتة الإسبانية)، أن تُعالَج بالطريقة المعتمَدة في
«المنسيون»، مع أن
الفيلم المذكور أفضل الأفلام المغربية الأربعة تلك. لا يُمكن للقهر والعزلة
والقلق
أن تُرسَم ملامحها وتُخطّ مصائرها في الذات الفردية وصراعاتها اليومية من
أجل
البقاء، كما رُسمت في «عند الفجر»، بهذه الطريقة الملتبسة بين
الغموض غير الإبداعي
والخفّة. لا يُمكن لاستعادة الذاكرة الغنية بالنضال الطالبي أن تُقدَّم
بأسلوب
سينمائي باهت، كما في «فينك أليام». لا يُمكن للكوميديا التي تُغلّف أشياء
الحياة
اليومية (الفساد في الاقتصاد والأعمال، تجارة المخدرات،
التمثيل، إلخ.) أن تحضر في
المشهد السينمائي، كما حضرت في «وليدات كازا».
مأزق السينما المغربية
غريبٌ
أمر السينما المغربية. المهرجان الوطني بدا مثقلاً بأعمال هابطة، لولا
الجمالية
الفاقعة والواقعية الحادّة اللتين ميّزتا «شقوق» هشام عيّوش
و»الرجل الذي باع
العالم» للأخوين سويل وعماد نوري مثلاً. أو بعض الأفلام القصيرة كـ «ألو
بيتزا»
لمراد الكاودي و»فالكوزينة» لطارق بن
إبراهيم. مشاهدة الأفلام الأربعة الطويلة في
مهرجان تطوان أعادت تسليط الضوء على واقع النتاج السينمائي في
المغرب. قوّة المادة
في مقابل بساطة المعالجة، أو ارتباكها. «شقوق» منتم إلى نسق لم يؤكّد
مكانته
الإبداعية في الصناعة السينمائية العربية بعد. كاميرا متحرّكة في الشارع.
مطاردة
الشخصيات الثلاث في علاقاتها وهواجسها وضياعها وانزلاقها في
متاهة البؤس اليومي
والشقاء الحاد. توغّل في قعر المدينة المغربية طنجة وعالمها السفلي،
بتناقضاته
وإرهاصاته وتمزّقاته وانكسارات ناسه وخيباتهم المدوّية. كاميرا مشوّقة
ومُتعِبة في
آن واحد. «الرجل الذي باع العالم» أقسى وأغرب. غموضه، المنسحب على الحبكة
والألوان
والتفاصيل والرؤى، بديعٌ. أداء تمثيلي رفيع المستوى (سعيد باي
تحديداً)، لا تعثر
عليه في أفلام مغربية أخرى. العشق المصطدم بجدران الخيبة. الصداقة المفتوحة
على
احتمالات شتّى ومتناقضة. السعي إلى الخلاص من سلطة قامعة، في الحياة
والمهنة
والمشاعر. هذا كلّه، أو ما يشبهه على الأقلّ، لا تعثر عليه في
الأفلام الروائية
الطويلة الأربعة، المُشاركة في مهرجان تطوان. بهتان الصورة يُرادفه بهتان
الأداء.
ضعف النصّ السينمائي يُقابله ضعف في
المعالجة وتنفيذ العمليات الفنية (المونتاج.
الموسيقى. إلخ.).
في مسابقة الأفلام المتوسطية القصيرة في تطوان، اختيرت عناوين
شاركت في المسابقة الدولية لـ «مهرجان الفيلم القصير في
كليرمون فيران» في فرنسا،
في دورته الأخيرة المُقامة بين التاسع والعشرين من كانون الثاني والسادس من
شباط 2010: «يوم
بارد» للبرتغالية كلاوديا فاريخاو، «متروبوليس فيري» للإسباني خوان
غوتييه، «وأنا من أجل تفاحتي» لليوناني جورغيس غريغوراكس،
«الحب في زمن الكولا»
للمصري إبراهيم عبلة و»رؤوس دجاج» للفلسطيني بسام الجرباوي. بالإضافة إلى
أفلام
مغربية قصيرة عُرضت في «المهرجان الوطني للفيلم« أيضاً: «بو بيا» لسامية
شرقاوي،
«الروح
التائهة» لجيهان البحّار،»قرب فراشك» لعبد السلام كلاعي و»بدون كلام»
لعثمان
الناصري.
عن الفيلم القصير
مرّة أخرى، أجد نفسي متورّطاً في مقارنة نقدية.
الأفلام العربية القصيرة هذه لم تبلغ مرتبة الإبهار البصري، على الرغم من
أن
أفلاماً مغربية أخرى بدت أنضج وأهمّ وأجمل. تناول الفيلم الإيطالي (يوم
بارد) حكاية
عائلة. أفرادها مقيمون في عوالمهم الخاصّة. منصرفون إلى شؤون
عيشهم. الفيلم مشغول
ببساطة جمالية لا تخلو من عمق إنساني متمثّل بمصائر وأقدار ويوميات. الفيلم
الإسباني (متروبوليس فيري) عالج، بطريقته المبسّطة العادية، مسألة الهجرة
بين
المغرب وإسبانيا. الفيلم اليوناني (وأنا من أجل تفاحتي) مُصاب
بلعنة التبسيط، عن
الحبّ والعلاقة الصدامية وأشياء الحياة العادية. الفيلم المصري (الحبّ في
زمن
الكولا) معطوبٌ. أريدَ له أن يكون قراءة عن الحالة الجنسية لدى فئات
اجتماعية مصرية
عدّة، أو بالأحرى الهيجان الجنسي والنكتة الساخرة المتمثّلة
بالخداع. لعبة جنسية
تُشفي غليل المهتاج المتوتر. لكن المعالجة لا تُقدّم مفيداً. الفيلم
الفلسطيني (رؤوس دجاج) مختلف. في مزرعة صغيرة خاصّة
بأب وولديه، تدور أحداث يومية عادية
للغاية. بعيداً عن الخطاب النضالي، عالج الفيلم حكاية بيع وشراء أغنام،
وشقيقين
متخاصمين، ونزاعات عادية. السياق جميل. المناخ العام متماسك. الشكل
والمضمون
متكاملان. الإسقاط السياسي حاضرٌ بطريقة مواربة. الأفلام
المغربية المشاركة في
مهرجان تطوان عادية: كسر الحدّ الفاصل بين الواقع والوهم حاضرٌ في «بو بيا»
و»الروح
التائهة». الأول عن فتاة وهجرة وإيقاع رتيب. الثاني عن اللوحة والتيهان في
غابة
الانفعالات المتضاربة والآلام النفسية والروحية المبرحة. في
«قرب فراشك»، أم وابنها
والمرض والصبر. و»بدون كلام»، التقط (بالصمت وبإعمال الصورة) نبض العلاقة
الإنسانية
بين مهاجر أسود ومقيم أبيض، جمع الموت بينهما، أمام عينيّ زوجة الأبيض.
السفير اللبنانية في
08/04/2010
كريم الشناوى:
«أصوات من الجنوب» عن قدرة المرأة على لم شمل
السودانيين
حوار
سارة سند
قبل أيام من إجراء الانتخابات السودانية، انتهى مخرج الأفلام التسجيلية
كريم الشناوى من مونتاج فيلمه التسجيلى «أصوات من الجنوب» والذى صوره
بالكامل فى جنوب السودان لرصد الوضع بين سكان الشمال وحركات الانفصال فى
الجنوب، وهو أول فيلم تسجيلى مصرى يرصد الوضع فى السودان، وأنتجته شركة
«وجود» للأفلام الوثائقية.
■
ما الذى دفعك لتقديم فيلم «أصوات من الجنوب»؟
- اكتشفت أننى مثل الآخرين أجهل الكثير عن الوضع فى السودان، وساعدنى على
العمل تحمس شركة «وجود» لإنتاجه، فالغريب أن الأفلام التسجيلية المصرية
لاتزال تفكر بمنطق شديد المحلية.
■ كيف تم الإعداد للفيلم؟
- بعد ٣ أشهر من القراءة والإعداد، وجدت أنه من الأفضل تصوير الفيلم
وإخراجه بنفسى لأن الأوضاع ربما لا تسمح بتواجد فريق عمل كبير ، واستغرق
التصوير ١٢ يوما فى «جوبا» بجنوب السودان، وعدة أيام فى بعض مدن الشمال،
والرابط الأساسى للفيلم هو حركة نسائية تسمى «سويب» كان لها دور فى الدعوة
للسلام بين الجنوب والشمال، وقد تأسست الحركة بمبادرة هولندية وجدت أن
المرأة فى السودان تستطيع لم شمل الشمال والجنوب، فجمعت سيدات منهما فى
جلسات أسرية تبادلن الزيارات وأماكن السكن ،
واتضح أن النساء أكثر قدرة اجتماعية على تجاوز الخلافات، ومنها نحلل وضع
السودان من خلال نسائه، ونعرف ماكان عليه السودان قديما، وما توارثه
الأبناء من معتقدات وأفكار سياسية، ودورهن فى بقاء السودان كدولة واحدة أو
الموافقة على الانفصال، فكل ما كنت أرجوه هو توثيق الوضع السودانى من
الداخل دون الاعتماد على ما ينشر فى الصحف المصرية.
■ هل وجدت الوضع فى السودان مختلفا عما تنشره الصحف
المصرية؟
- بالطبع، فعلى مدار ٤٥ دقيقة، هى مدة الفيلم، أستعرض نماذج لسيدات تعترفن
بأنهن حملن السلاح فى الحرب وفى اليد الأخرى أطفال رضع، وتعتبرن ذلك
طبيعيا، بل ضرورة لبقائهن أحياء فى وسط الوضع المتأزم، وعندما تغيرت بعض
الأوضاع السياسية، اقتنعن بفكرة السلام حفاظا على أولادهن، وقمن بجولات
كبيرة ودور بطولى فى الحفاظ على استقرار الوحدة بين الجنوب والشمال إلى
الآن، كما أنهن وصلن إلى مناصب برلمانية الآن ويلعبن دورا فى قرار الوحدة،
والجميع جنوبا وشمالا ينتظرون نتيجة الانتخابات التى ستجرى خلال أيام.
■ ولماذا اخترت المرأة لتكون بطل الفيلم؟
- أبحث دائما فى أفلامى التسجيلية عن العامل الإنسانى لأن التوثيق ليس مجرد
معلومات فقط بل بشر، والتركيبة الاجتماعية للسودان كدولة نامية تعانى من
خلافات تصبح المرأة فيها أفضل خيار لأن المرأة بطبيعتها تميل إلى السلام،
كما أنها المصدر التعليمى الأول فى المجتمع والذى يكتسب منه خلفياته
السياسية والحضارية، وهو الأمر الذى كان مرهقا لأننى لم أجد سهولة فى البدء
فى أن تعتاد المرأة السودانية على وجود شخص غريب يصورها ويكشف الجوانب
الشخصية فى حياتها، وهو ما تطلب منى أن أقضى يومين فى البداية دون تصوير من
أجل أن أكسب ثقة الأهالي.
■ هل تحرص على ظهور الجانب السياسى فى أفلامك؟
- الأوضاع الاجتماعية والإنسانية تتأثر بالسياسة بشكل كبير، ومعرفة الفرد
لا تكون بمعزل عنها، فالمواطن المصرى المولود فى مصر يختلف فى تكوينه
الإنسانى عن المصرى المولود والذى قضى حياته فى السعودية، ويختلف عن
المواطن المصرى المولود والمقيم فى أوروبا، فكل مواطن منهم –رغم مصريتهم
جميعا– يختلف إنسانيا لأنه تأثر بالوضع السياسى والاجتماعى فى المكان
المتواجد فيه.
المصري اليوم في
08/04/2010 |