بعد أن عرفنا المخرج السينمائي التونسي محمد الزرن في عدة أعمال ناجحة على
غرار "كسار الحصى" روائي قصير 1989 و"يا نبيل" روائي قصير 1993 و"السيدة"
روائي طويل 1996 و"نشيد الالفية" وثائقي طويل 2000 و"الامير" روائي طويل
2004، هاهو يطل علينا بفيلمه الجديد "زرزيس" الذي انطلقت عروضه الأولى
بالقاعات التونسية يوم 15 مارس وتحصل على جائزة اللؤلؤة الذهبية لأفضل
اخراج في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي بأبوظبي في أكتوبر 2009 ضمن
المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية.
* ذاكرة الانسان من ذاكرة المكان
ويعتبر هذا الفيلم ثمرة جهد تواصل ثلاث سنوات صورخلالها المخرج أكثرمن 200
ساعة اختصرها في الاخير في ساعتين. وعلى مدى هاتين الساعتين ترحل بنا عدسة
الكاميرا الى موسم الهجرة الى الجنوب في رحلة تتعقب تفاصيل الحياة اليومية
لشخصيات حقيقية تربطها وحدة المكان والمدينة "زرزيس" والعادات والتقاليد
مثل العرس الجرجيسي الذي ينفتح به الفيلم حيث تختلط أهازيج النسوة ورقصهن
بلوحات معبرة تجسد أصالة المكان الممتدة في الذاكرة، في فيلم يمزج في رؤيته
الاخراجية بين الوثائقي والروائي ويمتح من ذاكرة الأرض لمخرج تربطه علاقة
وطيدة بالمكان منذ أفلامه الأولى القصيرة وصولا الى أفلامه الروائية
الطويلة وخاصة "السيدة" و"الأمير".
و"زرزيس" كما ينطق بها الأهالي هي مدينة تونسية بالجنوب الشرقي تعرف باسم
جرجيس ولعل هذه المفارقة وهذا التناقض والتشظي في الأسماء تحيلنا مباشرة
على حالة الازدواجية والتشظي التي تعيشها الشخصيات، وبين جرجيس الواقع و
زرزيس" الحلم هناك مسافات وسماوات تفصل نظرة المخرج وطموح الشخصيات عن
المدينة القابعة بأسفل الهاوية ووراء الشوارع الخلفية.وهو أيضا ازدواج في
النظرة الفنية الاخراجية التي انتفت فيها الفوارق والحدود بين الوثائقي
والروائي.
و"زرزيس" يحضر أيضا بعنوان آخرهو "العيش هنا"
vivre ici""
في احالة صريحة على أهمية المكان في هذا الفيلم الذي يمتح من ذاكرة الأرض
ويصر على التعلق بها -كرمز للهوية- وسط التحدي الذي تطرحه العولمة ومغريات
النظام العالمي الجديد الداعي الى الانسلاخ والتجرد من كل الخصوصيات
الفردية المحلية والانسياق وراء مثال غربي يحتذى بدءا من تغيير عادات الأكل
"نقاش الطاهر وزوجته" "من البسيسة الى الكرواسون ومن الكسكسي الى
الهامبورغر" ومرورا بطريقة اللباس والعيش ووصولا الى نموذج موحد للتفكير في
الاستهلاك ولا شيء غير الاستهلاك.
فيلم "زرزيس" وعلاقته الحميمة بالمكان والأرض ذكرني بصرخة الكاتب الفلسطيني
الكبير اميل حبيبي ورغبته ووصيته الأخيرة في أن يكتب على شاهدة قبره "باق
في حيفا". ولعل محمد الزرن أصر في فيلمه هذا من خلال هذه الوحدة المكانية
التي تجمع أبطاله على أنه باق في زرزيس –هو الذي درس السينما في فرنسا وذاق
لسنوات مرارة الغربة- وباق في أرضه ومحافظ على عاداته وتقاليده وطريقة
تفكيره ومبادئه ومنتصرا للطبقات المهمشة رغم كل المغريات والتحديات التي
تفرض على انسان اليوم الانسلاخ من جذوره والانزلاق والسقوط نحو هاوية
التقليد الأعمى.
المغامرة الجديدة لمحمد الزرن جمعت –كالعادة- وجوه تقف لأول مرة أمام
الكاميرا يوحدها حبها وانتماءها لمدينة زرزيس وتفرقها أحلامها وطموحاتها
المتناثرة بأزقة المدينة وشواطئها وحاناتها.شخصيات منفلتة من كل قيد
وهامشية في الغالب تصارع من أجل البقاء والبحث عن الهوية وتحقيق الذات في
عالم تحكمه المادة وصراع الأجيال والمصالح.
شخصيات تكون فسيفساء من الآمال والآلام تضج بالحركة والحوار ويحضر منطوقها
في شكل اعترافات متتالية في سيارة الأجرة التي جعلها المخرج وسيلة للسؤال
والجواب بين سائق السيارة وحرفائه من أهل المدينة وكأننا في غرفة الاعتراف
في أحد الكنائس.
فيلم "زرزيس" تنتفي فيه الفروقات بين الوثائقي والروائي، هو ستار شفاف بين
الخيال والواقع في كتابة ميدانية متحركة وغير مسبقة وقابعة خلف المكاتب
الفارهة، هي كتابة متحفزة قريبة من الناس وبجانبهم بل ان الشخصيات البسيطة
المهمشة هي التي تكتب نفسها بنفسها وتتحرك وفق رغباتها الداخلية ولكن محمد
الزرن يعرف كيف يقتنص اللحظة الابداعية ويعرف كيف يحول "المعاني المطروحة"
على الطريق كما قال الجاحظ الى صور ذات مضامين وغايات وهذا هو دور المبدع
الذي لا ينقل الواقع وانما يصنع وينحت واقعا جديدا ممزوجا بالخيال والهواجس
والافكار والمبادئ بعد ان يمر بغربال الذاكرة فيحس المشاهد أو القارئ أنه
يقرأ قصيدته أو يشاهد مسار حياته مرسوما أو مصورا.
وهو ما يؤكده المخرج نفسه في أحد حواراته حيث يقول "أن السينما التي أقدمها
لم تفهم بعد، والسينما إن كان هناك شيء يثيرها ويقلقها أو يزاحمها فلن يكون
إلا الواقع. والسينما لها مشكلة كبيرة تتمثل في أنها تريد نفسها كأنها
الواقع وإن لم أنقل أي شيء من الواقع في ما أكتبه بل هو كله خيالي لكن
طريقة صياغتي وكتابتي فيها محاكاة كبيرة جدّا تبلغ درجة انعدام التمثيل
والاصطناع والتصنع.
لأن السينما عندي يجب أن تصل إلى الدرجة صفر من التّصنع وهي قمة الفن. حتى
لا يراها المشاهد سينما بل حياة وواقع. لكن أنا لم أصوّر الواقع ولن أفعل
ذلك أبدا. هذا هو الشيء الذي يغذيني ويجعلني أحب السينما كثيرا التي هي
تنبض في داخلي وهي سرّ وجود السينما حسب رأيي في أن يبلغ المشاهد وهو
يشاهدها مرحلة تنتفي فيها الحدود بين السينما والواقع".
* شخصيات معتقة بين الواقع والخيال
وهذا الاقتناص الذكي للحظة الفنية الابداعية هو الذي يجعلنا نتعاطف مع
شخصيات الفيلم ونقع في هواها وندافع عنها- بتأثير من المخرج- فنتبنى
لاشعوريا قضاياها وطموحاتها ونصطبغ بهواجسها ولا ينتهي الفيلم حتى تخرج لنا
من وراء الشاشة لتقطع عنا طريق أحلامنا -أحلام اليقضة ولا ريب- وتجالسنا
ونجالسها وتحاكينا ونحاكيها وتزورنا ونزورها وتحبنا ونحبها وهذا ما وقع لكل
من شاهد الفيلم واكتشف شخصية المرأة "الحناءة أو المزوقة" التي تفتتح أولى
لوحات الفيلم، هي زارعة الابتسامة وعنوان فرح المدينة لا يتم عرس الا
بمشورتها وبحضورها هي الخاطبة والمزوقة و"الحناءة" والمغنية والراقصة، وهي
الولادة، القابلة، الممرضة، الملاك الذي لا يولد طفل في المدينة الا وتقطع
صرته وترقيه، وهي البكاءة ومغسلة الموتى لا يموت جار من قريب أو من بعيد
الا وتجدها أول المواسيين، تتلون بحسب الحدث وتتعاطف مع الكل بتحريض من
المخرج ولكن لا أحد يتعاطف معها، تزرع الابتسامة في قلوب الناس وقلبها
يتقطع حزنا على فراق أولادها الذين هاجروا وتروكوها وحيدة فاستعاضت عنهم
وتبنت كل المدينة. هي ذاكرة المدينة التي تصاحب سكانها من الولادة حتى
الموت ورمز للمرأة البسيطة المناضلة التي تحضر بقوة في حكايات المخيال
الشعبي قديسة من نور ونار وفراشة تحمل رحيق الأيام أينما حلت.
ونفس الشيء يحدث لنا حين نكتشف شخصية شمعون التاجر اليهودي وهو الرحى التي
تدور حولها الاحداث ونتعرف من خلال بقالته وعطريته على كل الشخصيات فهو
تاجر وطبيب يداوي البشر والحيوان ويقدم النصيحة وهو ذاكرة المدينة وحافظ
أسرارها التي يحبها كل الأهالي. غير أننا نفيق من احلامنا في آخر الفيلم
فزعين باشارة من المخرج تخبرنا أن شمعون توفي بعد أشهر قليلة من انتهاء
تصوير الفيلم فنغادر قاعة العرض وبنا حزن عميق عليه وننصرف وصدى ابتسامته
وكلماته تتردد في أذننا.
ونكتشف أيضا شخصية الهادي الرسام الذي طرد من فرنسا وحرم من ابنته التي
بقيت في باريس، هذه المدينة التي يحبها ويعشقها وقد رسمها في عديد
"التبلوهات". هو المثقف المنشق عن القطيع وتتقاطع أفكاره مع بقية الشخصيات،
أحلامه أكبر من مجتمعه، وأفكاره أكبر من مدينته يحمل في جسده اعاقة تعيقه
عن التنقل بسهولة "أعرج" ولكنها لاتمنعه من التهويم والتحليق بأفكاره
بعيدا، وتحمل هذه الاعاقة معها كناية وايحاء من المخرج عن مكانة الفنان
والمثقف في البيئة العربية المحافظة المتنكرة لمبدعيها.
هو الواقع الأعرج وهي وضعية المثقف المهمش والمقموع في مجتمعات أصبحت فيها
الثقافة تهمة والتفكير خارج حدود مضارب القبيلة هو أكبر أنواع الردة وما
أكثر فتاوى التكفير في بيئتنا العربية التي غالبا ما تشمل المثقفين
المجددين المنشقين عن القطيع.
وعلى عكس صدمة البداية يترك لنا المخرج بذرة أمل ويعلمنا في آخر الفيلم
بعودة الهادي الى فرنسا وباجرائه لعملية جراحية على ساقه وهو يتماثل
للشفاء، فهل ستشفى هذه البيئة العربية من أمراضها المزمنة التي تعيق تطورها
وتقدمها ومن فتاويها الكثيرة؟ ربما، وهذا ما نلمسه في هذه النظرة التفاؤلية
من المخرج.
ويحضر المثقف بوجه آخر هو وجه الطاهر المعلم "هو الأخ الأكبر للمخرج" الذي
ينتقد النظام العالمي الجديد وتأثيرات العولمة في المجتمعات العربية
الاسلامية فينفث سمه وسخريته اللاذعة بعبارة معبرة تحضر فيها كل تناقضات
العالم العربي وازدواجية التفكير والتعاطي مع القضايا واصفا لباس بعض
المتدينات اليوم بلهجته الجنوبية المضحكة "من فوق أقرأ والمجد ومن اللوطة
روتانا".
هو ماركسي التفكير وله تفسيره الخاص للواقع يحب مهنته ويؤمن برسالته
العلمية ويجتهد في تلقين تلاميده القيم النبيلة ويغرس فيهم حبهم للطبيعة
ووجوب المحافظة عليها كل ذلك بطريقة الديالكتيك والجدل الماركسي، عقلاني
الى أبعد الحدود ومتشبت بأرضه لذلك فهو يرفض هجرة ابنه الى فرنسا، هو الوجه
التقدمي والليبرالي اليساري لمثقف اليوم على نقيض زوجته الحاملة لثقافة
المرأة الخانعة، الساكنة، المؤمنة، يستغل المخرج تناقضهما في التفكير
والمواقف ليضحك المتفرج منهما ومن حوارهما عن الدين والمجتمع والموت
والاخر.
كما نكتشف شخصية الدليل السياحي وهو شاب شرقي مفتول العضلات يملك حصانا
اسمه "مبروك" هو رفيق دربه ومورد رزقه، يحلم بالهجرة الى أوروبا مثل كل
الشباب ويجد الطريقة المثلى لتحقيق حلمه في الزواج بأوروبية -بعد أن أعياه
الوقوف أمام السفارات الغربية للحصول على فيزا- حتى وان كانت عجوزا ألمانية
في خريف العمر وكل شيء مشروع فالغاية تبرر الوسيلة في واقع تحكمه المصالح
والمادة. وتحضر لعبة التناقض المضحك والكوميديا الساخرة بين شاب يبحث عن
خلاصه وعجوز تبحث عن شبابها الضائع.
وتحضر الفئات الاجتماعية المهمشة ممثلة في شخصية بائع التحف والأشياء
التذكارية على البحر الذي يصارع من أجل لقمة العيش ويتجول من شاطئ الى اخر
ليبيع بضاعته غير أن أمواج الواقع العاتية تقذفه في آخر النهار الى خمارة
المدينة بدريهماته القليلة ليشرب نخب بؤسه ويثرثر مع زمرة من المهمشين
و"الحرافيش" أمثاله الذين عتقتهم الحياة ويضحك عاليا فالضحك خير مداوي
للجراح وشر البلية ما يضحك أو كما يقول المثل العامي التونسي "كثر الهم
يضحك". ولكننا نفيق في آخر الفيلم على الوجه الاخر لشخصية بائع التحف الذي
أقلع عن الخمر وأصبح من ساكني المسجد لا يفوت صلاة، وكأني به يردد داخل
نفسه الرجوع الى الحق فضيلة.
وعبر شخصية بائع التحف تتوالد أجيال أخرى من الأطفال المشردين الذين يبيعون
أمالهم وطفولتهم الى السياح -وما أكثر توالد أجيال البؤس والفقر وأطفال
الشوارع في مدننا العربية- وقد ذكرتني هذ اللوحات المعبرة برواية "فتيان
الرمال" لجورج أمادو، فمن قال ان زرزيس ليست ريو دي جنيرو أو كولومبيا أو
البيرو أو القاهرة أو الهند أو الصومال أو دارفور، لنكتشف هذا الجانب
الانساني الخفي لفيلم يلوح في البداية بسيطا ومحليا لكنه يطير بنا الى افاق
بعيدة وأجمل الابداع ما انطلق من المحلية وعانق الكونية وهو ما يؤكده كلام
محمد الزرن في قوله "جرجيس اليوم، هذه المدينة تحضن كل هذه الملامح وكل هذه
التناقضات والاختلافات وأيضا كل هذا التلاقي والتواصل.. جرجيس قد تكون
مدينة في نيويورك أو في الهند.. جرجيس صبغتها بمسحة الكونية وهي بالفعل
كذلك".
وفي الفيلم عدة شخصيات ثانوية نسبيا تساهم في تحريك الأحداث كزوج أخت
الطاهر، المواطن السويسري الذي يبحث عن مكان أمن بعيدا عن تشوهات العلاقات
المادية الراسمالية، ترك سويسرا ليستقر في جرجيس مع زوجته العربية بعدما
أسلم واختار البقاء في "دار الإسلام" رغم بساطة الدار وسكانها. وتحمل هذه
الشخصية البعد الساخر، الغامض، المتناقض للحياة في هجرتها العكسية من
الشمال الى الجنوب والى مدينة بسيطة يحلم كل شبابها بموسم الهجرة من الجنوب
الى الشمال.
* السخرية رافد لعملية التبليغ
يحضر النفس الكوميدي الساخر الذي يميز أهل الجنوب بقوة في هذا الفيلم كرافد
قوي لعملية التبليغ وكثيرا ما تحضر المشاهد المضحكة التي تتولد غالبا من
تناقض لغة الحوار وطريقته بين الشخصيات، كحوار الطاهر المعلم المثقف
الماركسي مع زوجته الحاملة لبذور ثقافة العوام البسيطة. وحديث الهادي
الرسام مع التاجر شمعون عن نظريات فرويد وتفسيره للواقع وهو صورة ساخرة
مضحكة ومبكية في أن عن تعطل لغة الحوار بين المثقف ومجتمعه وهذه النظرة
المثالية التي تفصل عالم الفنان عن الواقع.
كما تحضر موسيقى أمين بوحافة رافدا اضافيا في عملية التبليغ حيث تبدو كونية
في نغماتها لا تحدها حدود ولا تسابقها ريح تماشيا مع روح الفيلم وموضوعه
المجسد لثقافة التعايش والتسامح.
ولا ننسى البعد الرمزي الحالم واللوحات الشعرية في كثير من المناظر
واللقطات وكأننا أمام قصيدة متلبسة بالواقع كالمنظر الذي يبرز صفوف المصلين
وهم يتهجدون ويعبدون مولاهم وتقابلهم صفوف المشجعين وهم يشجعون فريقهم
المفضل ويعبدون دنياهم وكرتهم وتتمازج الصيحات بالتكبيرات في لوحة سريالية
تبرز تناقض الواقع وعبثيته.
* قضايا من المحلية الى الكونية
لقد نجح المخرج محمد الزرن في فيلم زرزيس في تحويل المحلي الى كوني وحقق
البعد الانساني في رؤيته للأشياء منطلقا من شخصيات محلية حقيقية معتقة
ومعانقا لهواجس تسكنه كفنان في تحقيق المعادلة الصعبة بين الواقعي والمثالي
وبين المحلي والانساني وبين الروائي والوثائقي، غايته في كل ذلك محاولة
الاجابة -ولا اجابة في عالم الفن- عن الأسئلة التي تقض مضجعه والقضايا
المحيرة التي تشغل واقعه وعصره فتحدتث الصورة الموحية عن الاخر والعولمة
والنظام العالمي الجديد وصراع الاجيال وعلاقة الشمال والجنوب والهجرة غير
الشرعية ووضعية المثقف والدين والحجاب، وقرأنا عبر مسار الفيلم على وجوه
الشخصيات سؤال الجسد وسؤال الفن وسؤال الموت وسؤال الحياة وسؤال الحلم
وسؤال الروح وسؤال الهوية وسؤال الأرض بلغة فنية فيها الكثير من الحرفية
والشاعرية والواقعية هي خلطة عجيبة لا يعرف سرها الا محمد الزرن نفسه
فدعونا نتعرف على بعض خصائصها من خلال كلماته وشهادته التي يقول فيها "نحن
محكوم علينا أن ننتج أفلاما تعبر عن دواخل الناس، أحلامهم وشجونهم، وفي نفس
الوقت يجب أن يكون المخرج شاهدا على مرحلته، وبالتالي فالعامل التوثيقي
موجود بل هو أساسي لحماية مخزوننا الثقافي والتاريخي، ولذلك ترى في أفلامي
عمقا وثائقيا على اختلافهم وهذا ناتج عن إيماني بقيمة القيم الإنسانية، ومن
فلم لآخر أمر بفلم وثائقي طويل وهو بمثابة مصالحة مع ذاتي وتعبير عن القيمة
التجريدية التي تعتمل بداخلي كمخرج أو بداخل الممثل أو المكان أو الزمان.."
ويضيف "في هذا الفلم حاولت أن أرصد بعمق التسامح، المحبة، التطوّر وهذه هي
غاية الفلم، من ذلك أني أدمجت في الفلم شخصيات كلهم من اصل مدينة جرجيس،
شخصيات مختلفة ومتناقضة، ثانوية ورئيسية، كلها تعبّر عن وجود إنسان اليوم
وعن شكل إقامته في العالم، منهم اليهودي والمسلم والمسيحي على تعدّد
أديانهم وجنسياتهم وثقافاتهم، فيه العامل والعاطل، فيه العجوز والشاب،
الأمي والمثقف..".
هذا هو فيلم "زرزيس" بكل بساطته وتناقضاته وعجائبيته وسخريته وجديته
وشاعريته وواقعيته ومحليته وكونيته، فما أجمل الفن حين يستطيع تحقيق
المعادلة الابداعية الصعبة بين ماهو موجود وماهو منشود وبين أرض الواقع
وسماء المثل.
العرب أنلاين في
03/04/2010 |