مشوار الإجازة الدينية بدأ بمرونة «مصرية لبنانية» وتشدد «سعودي».. وانتهى
بـ«إهدار دم» العقاد!
«مراكش الجميلة» احتضنت الفيلم.. لكن فتوى «بن باز» طاردتنا فكان «الزلزال»
بإيقاف الكاميرات!
سمو الأمير ساندني بـ«صلابة» وقت توليه «الخارجية».. وطالب «المغاربة» بـ«استمرار
الإبداع»
ظللت «واثقاً» من أحلامي إلى أبعد مدى.. وكلما «كبونا» أنهض بالعقاد من
«دوامة» اليأس
لم أتوقف يوماً عن دعم العقاد حتى «لمع» عربياً وعالمياً.. وبعد النجاح
«شهد» بفضل الكويت عليه
الهجوم الديني الإعلامي «غيّم» سماءنا طوا
يستكمل الإعلامي الكبير محمد السنعوسي سرد ذكرياته الخاصة والمهمة خلال
الجزء الثاني من برنامجه «الرسالة.. ما لم يقال» الذي يعرض غداً الجمعة
حصرياً على شاشة «تلفزيون الوطن»، حيث يواصل «أبو طارق» الكشف عن المزيد من
الأسرار حول الفيلم العالمي الرسالة بأسلوبه الشيق الرشيق.
ذكريات «الأول»
في الجزء الأول من البرنامج حدثنا السنعوسي عن بداية تعارفه بالمخرج الكبير
الراحل مصطفى العقاد وكيف سارا سوياً طريق المعاناة والتحدي لتقديم فيلم
«الرسالة» في ظل الصراعات والصعوبات التي واجهاها وكيف أن شمس الفيلم أشرقت
من الكويت بعد الجهود الكبيرة التي بذلها السنعوسي طوال مسيرة الفيلم حتى
لحظة إطلاقه، وبذلك استطاع أن يحول حلمه هو وزميل كفاحه العقاد الى حقيقة
واقعة.
ثم دلف السنعوسي الى ملابسات تأسيس الشركة العربية المنتجة للفيلم في
البحرين والدور البارز الذي لعبه وزير المالية والنفط الكويتي الأسبق
عبدالرحمن العتيقي في إطلاق الشركة رسمياً، بالإضافة الى الدور الكبير الذي
لعبه السنعوسي في إقناع مجلس ادارة الشركة بعد ذلك بجدارة العقاد بإنتاج
واخراج الفيلم.
وشهد الجزء الأول تسليط الضوء على الخطوات الفنية الخاصة بالفيلم منذ بداية
كتابة القصة والسيناريو والحوار له ثم اختيار الفنانين والفنيين المشاركين
في الفيلم.
مشوار فني
ويواصل الجزء الثاني من نهر الذكريات - الذي يضخه أبو طارق على شاشة
«الوطن» ليخص به جمهوره الكبير - الكشف عن المزيد من الأحداث والأسرار التي
اكتنفت خروج الفيلم الى النور، فيبدأ بكلمات شكر وجهها أبو طارق للكويت
والبحرين وليبيا والمغرب اعترافاً بفضلها وأدوارها البارزة في مسيرة الفيلم
من البداية الى النهاية، ثم يأتي الدور - بعد قرار بدء التصوير واستقرار
الأمور المادية والإدارية للفيلم - على الناحية الفنية، التي انطلقت منذ
تلك اللحظة في مشوارها، وكان السنعوسي والعقاد يدعوان الله أن تسير الأمور
على ما يرام، ويكلل مجهوداتهما بـ«الإنجاز» و«النجاح».
رحلة الإجازة
ويبيّن السنعوسي - مبتدئاً سرده في الجزء الثاني - أن المحطة الأولى كانت
قد أخذت الإجازة على تصوير الفيلم من المؤسسات الدينية الإسلامية الكبرى في
العالم العربي مثل الأزهر بمصر، ورابطة العالم الإسلامي بالسعودية والمجلس
الإعلامي الشيعي الأعلى في لبنان.
ثم يكشف السنعوسي بالتدريج عن موقف تلك المؤسسات من الفيلم، فيوضح أن
مسؤولي الأزهر الشريف لم يمانعوا في اجازة الفيلم لكنهم وضعوا محاذير، ثم
اشترطوا أن يعرض الفيلم عليهم في شكله النهائي قبل عرضه على العالم، في حين
كان الموقف متشدداً من ناحية الرابطة الإسلامية السعودية إذ كان هناك اتجاه
لمنع ظهور الفيلم دون إعطاء محاذير وأسباب واضحة عن عدم الموافقة التي عُرف
فيما بعد أنها كانت بسبب ضغوط داخلية من بعض علماء الدين في المملكة وخاصة
مفتي السعودية الراحل عبدالعزيز بن باز الذي تبنى موقفاً متشدداً حازماً
تجاه الفيلم بشكل خاص والسينما بشكل عام، وكل تلك الضغوط الرهيبة من رجال
الدين والإعلاميين جعلت الملك السعودي الراحل فيصل آل سعود حذراً في اتخاذ
قرارات بالموافقة من هذا القبيل.
ويستطرد السنعوسي: طرنا إلى لبنان والتقينا بسماحة الإمام محمد موسى الصدر
الذي رحب بنا كثيراً وأخذ منا نص الفيلم للاطلاع عليه، حيث دوّن بعض
الملاحظات على السيناريو رغبة في وصول تلك المحاولة الرسالية الفريدة الى
مرحلة «الإتقان»، ثم طالب بمشاهدة الفيلم قبل عرضه.
دعم لا محدود
ويأخذنا السنعوسي بحديثه الشيق لجانب آخر من كواليس هذا الفيلم الذي كان
بمثابة الحلم له ولصديقه مصطفى العقاد، حيث يكشف لنا السنعوسي عن دعمه
اللامحدود للعقاد، الذي كان بعيداً وقتها عن المحيط العربي الفني من فنانين
وشركات انتاج، وخلافه لكونه مقيماً في أمريكا، وخاصة في ظل ظهور أجيال فنية
عربية جديدة في مصر وسورية والخليج.
ويكشف «أبو طارق» عن أنه أرسل فنانين من الكويت الى الخارج لإكسابهم مزيداً
من الخبرات العالمية كما بعث للتدريب والتأهيل الكثير من الشباب والبنات من
تلفزيون الكويت لإكسابهم خبرات جديدة في كل المجالات من ماكياج وأزياء
وإخراج وتمثيل.
وعلى المنوال نفسه، يشهد الجزء الثاني من البرنامج إشادة الراحل مصطفى
العقاد - دليلا عن الحديث السابق للسنعوسي - بالدور الكبير والدعم
اللامتناهي الذي قدمه له السنعوسي، إذ قال: «السنعوسي له فضل كبير عليّ في
مهنتي وفي دخولي الخليج وخاصة الكويت».
صعوبات التصوير
بعدها يحدثنا السنعوسي عن ملابسات اختيار احدى القرى الصغيرة بالقرب من
مدينة مراكش بالمغرب لتكون مكاناً لتصوير أحداث الفيلم، وكيف أصبح الفيلم
بالنسبة للمغرب استثمارا سياحيا ضخما، خاصة أن الفيلم تم تصويره مرتين،
الأولى بالعربية، والأخرى بالإنجليزية، ثم يتطرق السنعوسي الى توفيره كل
الخدمات الإنتاجية الضخمة للفيلم، التي نالت إشادة الجميع، لتدور بعدها
الكاميرا وتسير الأمور في مجراها الطبيعي الى أن حدث «الزلزال» الذي لم يكن
في الحسبان على الإطلاق، إذ وصلتهما رسالة من وزارة الإعلام المغربية
تطالبهما بالتوقف عن تصوير الفيلم بسبب مطالبة بعض رؤساء الدول الإسلامية
والكثير من الجمعيات والهيئات والمؤسسات والشخصيات الدينية بإيقاف تصوير
الفيلم!!.
ويواصل السنعوسي سرده لذكريات توابع هذا الزلزال، موضحاً أنه وقتها تسائل
هو والعقاد: لماذا امتدت الضغوط الدينية العربية، حتى وصلت الى «أمر» بوقف
التصوير؟!.
وأدركا أن سر أمر التوقف هو ضغوط علماء الدين والإعلاميين السعوديين،
بالإضافة الى جلالة الملك فيصل، لإيقاف التصوير.
ولم يقتصر الأمر على ذلك وإنما تعرض الفيلم الى هجمة «إعلامية دينية» شرسة
من علماء الإسلام في الهند وباكستان واندونيسيا ومن الكويت أيضاً، حيث تعرض
السنعوسي بشكل شخصي الى هجوم عنيف من الإعلام الكويتي .. كل هذا الهجوم دون
أن يقرأ أحد سيناريو الفيلم.
الخروج إلى النور
ويأخذنا السنعوسي الى مكان آخر وهو «ليبيا» لاستكمال تصوير أحداث الفيلم
فيها بعد أن ذهب العقاد الى هناك والتقى بقائد الثورة الليبية معمر القذافي
الذي تحمس للعمل ووفر له كل الإمكانات وبدأ بالفعل استكمال تصوير الفيلم،
وبفضل الله سارت الأمور على خير ما يرام، وانتهى التصوير، وعقب ذلك طار
السنعوسي والعقاد بالأفلام التي تم تصويرها وذهبا بها الى لندن لعمل
المكساج والمونتاج، وبعد تنفيذه على الوجه الأكمل ذهبا الى استوديو آخر
لتسجيل الألحان الرائعة التي لحنها الموسيقار موريس جار لهذا الفيلم الذي
يشهد أخيراً مرحلة «الخروج الى النور» ويصبح جاهزاً للعرض.
ويتوقف السنعوسي - خلال السرد - عند رسالة خاصة جدا موجهة له من لندن تحمل
معاني الحب والمودة والعرفان بالجميل تحمل توقيع مصطفى العقاد بتاريخ
1977/5/2.
عواصف هوجاء
ويكمل أبو طارق حديث ذكرياته حيث يتوقف عند عاصفة جديدة من العواصف التي
تهب عليهم من كل حدب وصوب، وبين الفينة والأخرى، وهي تهديد مصطفى العقاد
بالقتل بعد أن أكمل تصوير الفيلم حيث أهدر دمه لأنه عارض رغبة العالم
الإسلامي في منع الفيلم من الحياة وحاول من جديد حتى انتهى منه في مكان
آخر، ومعظم علماء الدين في العالم الإسلامي هم بالطبع أعضاء في الرابطة
الإسلامية السعودية التي هي من الأساس «رافضة» تصوير الفيلم من البداية، ثم
بدأ الإعلام المرئي والمسموع والمقروء شن حملة شديدة الضراوة على الفيلم.
وهنا يشير السنعوسي الى أنه بات بعد كل هذا الهجوم على يقين بأن كل من
سيشاهد الفيلم من الرافضين له سيسارع فورا للاعتذار له، ويعرض السنعوسي
بالفعل - خلال البرنامج - صوراً لصحف كويتية اعتذرت على صدر صفحاتها له بعد
مشاهدة الفيلم لأول مرة.
نجاح وإشادات
ويواصل أبو طارق حديث الذكريات عن العرض الأول للفيلم بلندن التي شهدت
الافتتاح الرسمي له وكان افتتاحا مثاليا بحضور شخصيات عربية وخليجية بارزة،
منها كويتية مثل يعقوب النفيسي وعبدالله بشارة ويعقوب غنيم وآخرين، وكلهم
أشادوا بالفيلم عقب العرض، وبعد النجاح الرائع للفيلم من العرض الأول تقرر
استمرار عرضه في لندن لمدة عامين كما تم عرضه في طوكيو وأمريكا ودول أخرى
كثيرة.
كما يسلط السنعوسي الضوء على إشادات الملوك والرؤساء بعد تألق الفيلم ومنها
إشادتا الملكين الراحلين الحسن الثاني ملك المغرب وحسين ملك الأردن وشخصيات
أخرى عديدة، ليتساءل بعدها السنعوسي قائلاً: لماذا إذن عرقلة الإبداع من
البداية؟ ليؤكد أن فيلم «الرسالة» بات يزين كل مكتبة وكل بيت حتى أن بعض
المدارس تدرس السيرة النبوية من خلاله.
ويتطرق السنعوسي لجزئية مهمة - خلال حديثه - هي أنه بعد ثلاث سنوات من
موافقة الأزهر على الفيلم خرج شيخ الأزهر في ذلك الوقت د.عبدالحليم محمود
برسالة عام 1974 قال فيها: إنه لا يجوز من الناحية الإسلامية السماح بإنتاج
فيلم «محمد رسول الله» ولا يجوز السماح بعرضه، ودعا محمود حكام المسلمين
وأولياء أمورهم والأمة الإسلامية بالعمل على إيقاف العمل في هذا الفيلم،
وطرح السنعوسي بعد تلك الرسالة عدة أسئلة قائلاً: هل تغير الحال من ذلك
الوقت الى الآن.. الى الأفضل أم الى الأسوأ؟ وهل التشدد والحجر على الآخرين
قلّ أم ازداد؟ وهل الفكر النير والاجتهاد والوسطية والعقلانية والحكمة ثبت
وجودها الآن أم العكس في ظل وجودنا في زمن كثرت فيه الفتاوى السلبية
والاجتهادات غير المنطقية؟!
مساندة كويتية
وفي نهاية الجزء الثاني من برنامج «الرسالة.. ما لم يقال» يكشف السنعوسي عن
الدور القوي المؤيد للفيلم من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الذي كان
سموه وقتها وزيرا لخارجية بلاده، إذ يذكر السنعوسي انه عقب تفاجئه بقرار
المغرب إيقاف تصوير الفيلم، لجأ لبلاده آملاً مساندتها في هذا الموقف
العصيب، وبالفعل أرسل الشيخ صباح الأحمد رسالة الى وزير خارجية المغرب قال
له فيها: «ليش توقفوا تصوير الفيلم؟» مطالباً باستمرار التصوير.
ويشير هنا السنعوسي الى أنه بعد صدور قرار توقف الفيلم اعتمد واستند الى
أناس استوعبت فكرة الفيلم والمغزى من تقديمه وهذا ما جعله صامداً وقوياً
دائماً لدرجة أنه كان يقول لرفيق دربه مصطفى العقاد: ستحقق أحلامك يا مصطفى
وسيكون هناك فيلم اسمه «الرسالة».
ويختتم الجزء الثاني والأخير من البرنامج بعرض كلمة للراحل مصطفى العقاد
يشكر فيها الكويت وأميرها الشيخ صباح الأحمد وعبدالرحمن العتيقي ومحمد
السنعوسي، ثم يقول: «لولا الكويت ودعمها لي ما كنت مصطفى العقاد» ليسدل
الستار على شهادة «صادقة» على واحد من أبرز الأفلام الدينية التاريخية في
سماء الفن العربي الحديث، من إعلامي بحجم محمد السنعوسي، الذي بات بتلك
الشهادة «شاهداً على العصر».
م. س
الوطن الكويتية في
31/03/2010 |