(أطلقت العرب مسمى بلاد السواد على أرض العراق، وذلك لكثرة النخيل والأشجار
فيها؛ حيث كانت تلوح للقوافل من بعيد كأنها سوداء).
المنطقة الخضراء تلك التسمية التي تحمل بين طياتها رمزية ديناميكية بما
تمثله من الأمن والاستقرار وديمومة الحياة الإنسانية بعيدا عن الدهاليز
المظلمة والآثمة، تلك التسمية التي رمز بها الاحتلال الأميركي لمساحة كانت
تضم قصور الرئاسة وحدائقها في زمن صدام حسين، أريد بها ضحكاً على الذقون،
فأية منطقة خضراء تلك التي يحاك فيها دستور يقره المحتل وشرعنة للاحتلال
وتشكيل الحكومات العميلة، نعم هي منطقة خضراء للمحتل وأذنابه من الذين
تآمروا على بلدهم بحجة الخلاص من نظام دكتاتوري ليتربعوا هم بدله، وتكون
لهم الرفاهية والعز اللذان ينعموا بهما وهذا بالضبط ما أظهره فيلم (المنطقة
الخضراء) للمخرج البريطاني (بول جرينجراس) الذي استنبط أحداثه من كتاب
(الحياة الإمبراطورية في المدينة الزمردية) من تأليف الصحافي الأميركي من
أصل هندي (راجيف جاندراسيكاران) الذي يعمل في صحيفة واشنطن بوست؛ حيث اقتبس
المخرج نص سيناريو أحداثه من ذلك الكتاب، حيث يدخلنا شريطه السينمائي
(المنطقة الخضراء) الذي عُرض ولا يزال يُعرض في صالات الدوحة، إلى الكواليس
الخلفيّة للفقاعة الأمنيّة التي بناها الأميركيون لأنفسهم في بغداد، فوق
ركام من الملفات المعقدة والشائكة والمفتعلة بالوقت نفسه هو ركام من
الأدلّة المزوّرة والملفقة التي بني عليها قرار احتلال وتدمير بلد عريق
تمتد حضارته لأكثر من 4 آلاف عام.
بلد أنهكته الحروب والحصار الدولي لتنبت في وسطه منطقة خضراء لا تتجاوز
بضعة كيلومترات بينما مئات الآلاف من الكيلومترات ينتشر فيها الدمار
والخراب والقتل والظلام، يتبنى المخرج عنصرا أساسيا يكون مرتكزا لسير
الأحداث هو العسكري (ميللر) الذي يلعب دوره النجم الأميركي (مات ديمون)؛
حيث مهمة البحث عن الحقيقة للكشف عن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل وكيف أن
مبرر الحرب كان كاذبا وقام على معلومات قدمها جنرال عراقي لمسؤول أميركي
التقاه في الأردن وسربت المعلومات لصحافية اسمها (لوري دايان) التي تقوم
بدورها هنا (آمي رايان) وتقوم بنشرها والترويج لها، والجدير بالذكر أن تلك
الشخصية مأخوذة من الواقع حيث كانت الصحافية (جوديث ميللر) التي نشرت تلك
الادعاءات والأكاذيب في (نيويورك تايمز) والتي أشارت إلى أن معلوماتها
مستقاة من جنرال عراقي (أطلق عليه مسمى ماجلان) وهي لم تكن مجرد صحافية
تنقل الأخبار بحيادية، بل كانت مناصرة ومدافعة عن حرب بوش. من خلال عملية
تفنيد الادعاءات الكاذبة يمرر المخرج بذكاء الصراع الداخلي والخلاف داخل
المؤسسة الاستخباراتية في عهد (جورج بوش) التي يحاول فيها كل طرف نيل المجد
وتهميش الطرف الآخر عبر التآمر والدسائس والتشكيك. وداخل هذه الفكرة يبدو
الأمر في المنطقة الخضراء كما صوَّره المخرج منتجعا أميركيا ينعم روَّاده
بالرفاهية وتحرسهم الشركات الأمنية ويبدو وكأن المكان في إحدى ولايات
أميركا، في حين ينقلنا المخرج عبر كاميرته المحمولة برفقة بطله (ميللر)
خلال خروجه في مهماته ليكشف فظاعة الاحتلال والوجه الآخر للبلد؛ حيث تصفية
الحسابات وجيوب المقاومة والاحتراب بين لصوص الدولة في الشوارع والحارات
البائسة التي تتراكم فيها تلال من القمامة، والملاحقات وصرخات الجنود
الأميركيين وهلعهم وأضواء سياراتهم والحياة الصعبة في شوارع العراق وزحام
السيارات القديمة المتهالكة كأصحابها، جنوداً مدججين بالسلاح جاهزين للرد
السريع والقتل بلا تردد. وهي مفارقة يعيشها بطل الفيلم (ميللر) مثلما مر
بها من قبله (النقيب بنجامين ويلارد) في فيلم (القيامة الآن) الذي لعب دوره
النجم الأميركي (مارتن شين) حينما مر بكل الأماكن التي شهدتها الحرب من
فيتنام حتى كمبوديا.
من اللافت للنظر أن المخرج (جرينجراس) ركَّز على شخصية المترجم العراقي
(فريد) الذي يحب تسميته (فريدي) والذي أجاد تمثيله (خالد عبدالله) وقد سبق
أن مثل في فيلم (يونايتد 93) للمخرج نفسه، شكل منه الخيط الذي يقود ميللر
للكشف عن حقيقة وجود أسلحة الدمار الشامل العراقية وتفنيد ادعاءات الفريق
الداعم للحرب والذي يمثله كلارك باوندستون (مسؤول أمني في البنتاغون) الذي
يلعب دوره (غريغ كينار) والذي يقف وراء المعلومات الكاذبة التي يعتقد ميللر
أنها سبب قاد للحرب. فشخصية فريد أو فريدي الذي يتعرف على ميللر من خلال
تحوله إلى مخبر عن اجتماع لمجموعة من المسؤولين العراقيين يترأسه الجنرال
أحمد الراوي ويناقشون فيه الخيارات الواجب اتخاذها تجاه دخول الأميركيين
لبغداد، فبعضهم يدعو للمقاومة وآخرون ومنهم الراوي يدعو لانتظار أوامر من
القيادة التي يمثلها صدام والتي اختفت عن الأنظار. وفي محاولة منه لكسب ثقة
الأميركيين يقوم فريدي بإخبار الأميركيين عن مكان الاجتماع الذي يعقده
الراوي مع مجموعة من المسؤولين في نظام صدام، ورغم أن غاية فريدي لم تكن
واضحة، ربما هي للانتقام لأنه معاق بسبب إصابة في الحرب (العراقية-
الإيرانية)، ما جعلته ناقما على نظام صدام، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة ويحدث
في أثناء اقتحام ميللر لمكان الاجتماع أن يعتقل صاحب المنزل وبحوزته دفتر
يحتوي على معلومات يعتقد أنها مهمة، ما يحفِّز ميللر بالاستمرار بمهمته
بقوة رغم أنه لم يحصل بعدُ على دليل قطعي عن أسلحة الدمار الشامل.
لقد أصاب المخرج بطريقة تناوله للشخصيات العراقية المنفية والتي جلبها
الاحتلال (شخصيات هامشية ضعيفة لا تملك زمام أمورها)، خاصة في مشهد المطار؛
حيث تحط الطائرة الأميركية، وفي المشهد الأهم الذي يشير إلى الحاكم المدني
(بريمر) الذي طلب عقد اجتماع للعراقيين المنفيين من أجل تشكيل حكومة،
يرأسها صاحبهم الذي حثهم على احتلال العراق، وهنا قد يرمز لشخصية (أحمد
الجلبي)، في هذا المشهد أظهر المخرج مدى هشاشة المجموعة العراقية وحالة
الفوضى العارمة التي تسود اجتماعهم.
ولأن قرار ميللر بمقابلة (الراوي) قد فشل بعد أن احتجزته حماية الراوي
وتقوم القوات الأميركية فيما بعد وعن طريق أجهزة التتبع بتحرير ميللر، لكنه
يصر على مطاردته حتى يضيِّق الخناق على الراوي من أجل اعتقاله، تحدث
المفاجأة بقيام فريدي بقتل الراوي مرددا العبارة المهمة التي أرادها المخرج
كمعالجة منطقية وخاتمة للأحداث؛ حيث يوجه كلامه لميللر (لست أنت من يقرر
هذا)، وكأن لسان حاله يقول إن العراقيين امتلكوا زمام المبادرة وهم الذين
يقررون مصيرهم، إن ذلك يشكل النقيض مما هو عليه في أرض الواقع، وهي رؤية
تجمل صورة الأميركي حتى وإن كان عسكريا وفي ساحة المواجهة؛ لذلك صور ميللر
وكأنه يقدم خدمة نبيلة للعراقيين وليس إثبات صحة المعلومات لجهاز
الاستخبارات، كما أن شخصية فريدي كانت على طرفي نقيض بين العمالة والوطنية.
تقنيا كان للكاميرا المحمولة وحركتها تأثير إيجابي على طبيعة الأحداث، كما
أن أماكن التصوير وحرفية الديكور منحت المشاهد بعدا واقعيا للأحداث
والشخصيات.
العرب القطرية في
31/03/2010
بورتريه
تشارلي شابلن.. وعقدة السينما الناطقة
الدوحة -
العرب
تشارلي شابلن الممثل الكوميدي الأشهر عالميا، وُلد مع ولادة السينما، في
صباح 16 أبريل في ربيع لندن عام 1889. ورغم أنه أقام فترة طويلة في
الولايات المتحدة فإنه لم يحصل على الجنسية الأميركية وفي بعض الأقوال أنه
رفضها. وحين غادر الولايات المتحدة عام 1952 رفضت السلطات الأميركية منحه
تأشيرة دخول إليها بسبب الشكوك التي كانت تحوم حوله بصفته من الشيوعيين..
يعتبر شارلي شابلن أشهر الممثلين منذ بدايات السينما الأولى في هوليوود،
كما أنه كان مخرجا قديرا أيضا.
سمعت هانا هاريت هيل، المعروفة باسم ليلي هارلي ويشاركها تشارلز تشابلن
صرخات وليدهما الذي حملت به وهو يخرج للنور، وسمياه تشارلي شابلن، ورغم أن
والديه كانا يعملان في المسرح الموسيقي، لكن لم يخطر ببالهما أن العالم
وعلى مدى أجيال متعاقبة سيضحك ويتمتع كثيرا بحركات ابنهما وموهبته، الذي
أبهر العالم بفنه، عاش شابلن طفولة قاسية، عرف التشرد والحرمان؛ ففي عام
1896 وبعد انفصال والديه، وبسبب الوضع الاقتصادي الصعب آنذاك، ولم تتمكن
والدة تشابلن أن تجد عملاً، أُدخل تشارلي وأخوه غير الشقيق سيدني تشابلن في
ملجأ الفقراء في لامبث، ثم انتقلا بعد ذلك بعدة أسابيع إلى مدرسة هانويل
للأطفال الأيتام والمعدمين. توفي والده الذي كان مدمنا للكحول عندما كان
عمر تشارلي 12 عاما، وعانت والدته انهيارا عصبيا لتوضع فيما بعد، بشكل
مؤقت، في مصحة كين هيل في كولسدن بالقرب من كرويدن. توفيت والدته عام 1928
في الولايات المتحدة بعد عامين من قدومها إلى هنالك مع تشارلي الذي أصبح
حينها تاجرا ناجحا.
تميز شابلن بزيه الضيق وقبعته وعصاه، برع في أداء شخصية (الصعلوك) واقترنت
به فيما بعد (The
Tramp) وكانت عبارة عن شخصية مشرد بطباع وكرامة رجل نبيل، يرتدي معطفا ضيقا
وله شارب -وهو علامته المميزة- والذي يشبه فرشاة الأسنان. كان تشابلن من
أكثر الشخصيات المبدعة في عصر الأفلام الصامتة، وقد مثَّل وأخرج وكتب
وأنتج. وفي نهاية المطاف، عمل أفلامه الخاصة. وحينما ظهر الصوت في السينما
أصيب شابلن بإحباط؛ لأنه لم يحبذ استخدام الصوت، فهو يؤمن بأن الصورة لها
دور تعبيري أكبر وأن السينما هي فن الصورة قبل الصوت، ولكن مع توجه الناس
إلى كل ما هو جديد ولأن الصوت يشكل إضافة واقعية للفيلم، بدأ المنتجون
السينمائيون يركِّزون على الأفلام الناطقة، بسبب الإقبال الجماهيري عليها،
ومع أن شابلن تمسك بموقفه لكنه في الأخير استسلم لأهواء الجمهور وقدم
إنتاجه من الأفلام الناطقة.
ومن مفارقات القدر، ورغم أنه أقام فترة طويلة في الولايات المتحدة فإنه لم
يحصل على الجنسية الأميركية وذكر أنه رفضها. وحين غادر الولايات المتحدة
عام 1952 رفضت السلطات الأميركية منحه تأشيرة دخول إليها بسبب الشكوك التي
كانت تحوم حوله بصفته من أنصار الاتحاد السوفيتي، في وقت كانت الحرب
الباردة على أشدها بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، رحل
شابلن في 25 ديسمبر 1977، لكن فنه ما زال راسخا في أعماله التي لا تزال
تلقى من يشاهدها ويستمتع بها.
العرب القطرية في
31/03/2010 |