تنطلق اليوم في مدينة تطوان المغربية الدورة السادسة العشرة لمهرجان تطوان
الدولي لسينما بلدان البحر المتوسط وتستمر فعالياتها حتى الثالث من
نيسان/أبريل متضمنة أكثر من مئة فيلم في برامجها المتنوعة.
ترتبط المهرجانات السينمائية بأسماء المدن لأسباب كثيرة، أحدها تسليط الضوء
على المدينة من خلال الحدث السينمائي (على ما يفيدنا تاريخ إطلاق مهرجان
كان السينمائي) أو استعارة سحر المدينة للمهرجان كما هي حال مهرجان
البندقية. ينتمي مهرجان تطوان الى الفئة الأخيرة، حيث من المعروف ان مدينة
تطوان هي بمثابة القلب الثقافي والفني لاسيما لشمال المغرب. يعود تاريخ
تطوان الحديث الى أواخر القرن الخامس عشر الميلادي عندما أعاد سيدي علي
المنظري الغرناطي بناءها على الطراز الأندلسي بالتزامن مع سقوط غرناطة في
العام 1492. وربما لذلك تسمى ايضاً "بنت غرناطة". وإذا كان التاريخ القديم
للمدينة شاهداً على نشاطها الاقتصادي بحكم وقوعها على البحر الأبيض المتوسط
فإن تاريخها الحديث يتآلف فيه طابعها الأندلسي بنشاطها الثقافي الذي يدلل
عليه التواجد الكثيف للمعاهد الفنية والمتاحف وسواها. من تلك المواصفات،
لاسيما انفتاحها على المتوسط وتمازج ثقافاتها، انطلق مهرجان تطوان منتصف
الثمانينات بمبادرة من جمعية "أصدقاء السينما بتطوان" في الوقت الذي كانت
فيه نوادي السينما في طريقها الى الأفول. ثلاث سنوات مرّت والمهرجان لا
يتخطى شكل اللقاء السينمائي ثنائي الطابع (المغرب ـ فرنسا أو المغرب ـ
إسبانيا) ليستقر على هويته المتوسطية في العام 1988 مع بقائه لقاءً لا
مهرجاناً. ثم جاء العام 1999 ليشكل منعطفاً في تاريخه حيث تحول مهرجاناً
واستحدث مسابقتين للأفلام الروائية والافلام القصيرة. كمعظم المهرجانات
العربية وفوق ذلك المتخصصة، عانى مهرجان تطوان ولايزال من مشكلات التمويل
التي وصلت الى أوجها في العام 2003 فحالت دون انعقاده لسنتين متتاليتين.
على أثر تلك الأزمة، وُلدت "مؤسسة المهرجان الدولي لسينما بلدان البحر
الأبيض المتوسط في تطوان" واتخذ المهرجان في السنة التالية طابعاً سنوياً
كما أضاف الى مسابقاته مسابقة ثالثة للأفلام الوثائقية.
نظرياً، لا يواجه المهرجان منافسة حقيقية في الداخل نظراً الى اقتصار
برمجته على أفلام البلدان المتوسطية. ولكن، عملياً، الأخيرة أضحت جزءاً
أساسياً من برنامج مهرجان مراكش بحكم صفته الدولية منذ انطلاقة الأخير في
العام 2001. والواقع ان في المغرب اليوم "حزبين" من الصحافيين والنقّاد
أحدهما يناصر مراكش والآخر يدعم تطوان. ويتخذ الفريق الثاني من الفوارق
الأساسية بين المهرجانين ـ في مقدمها القدرات المالية ـ أرضية لنقاشه،
فضلاً عن غمزه من قناة "الفرنسة" اللصيقة بمهرجان مراكش. والحال ان تلك
حقيقة، بعيداً من الحكم سلباً او إيجاباً عليها. فمهرجان تطوان هو المهرجان
القائم على "سواعد محلية" والمحكوم بموارده المالية الشحيحة. أما مهرجان
مراكش، بلسان حال منتقديه، فـ"مستورد" من فرنسا بموازنة "كارت بلانش". لا
ينفصل هذا "النقاش" بصورته العامة عن ذاك الذي بدأ يطاول المهرجانات
العربية عموماً خلال السنوات الأخيرة التي شهدت نشوء مهرجانات سينمائية
كثيرة في الخليج وغيره. وغالباً ما يُسطَّح هذا النقاش بثنائية العراقة في
مواجهة التبذير، حيث الأولى وصف للمهرجانات المنعقدة منذ سنوات طويلة
و"الفقيرة" في معظم الأحيان، والثانية صفة المهرجانات الجديدة ذات
الموازنات الكبيرة غالباً. يغفل هذا النقاش في معظم الأحيان المقوّمات
الأساسية اي برمجة المهرجان التي لا يمكن الأموال الكثيرة ستر عورتها كما
لا يمكن الامكانيات الضئيلة تبرير ضعفها.
بالعودة الى مهرجان تطوان وبعيداً من كواليس المنافسة الطبيعية والمتوقعة،
فإنه يطلق مساء اليوم احتفاليته السادسة عشرة ببرامج أساسية وموازية. يفتتح
المهرجان الفيلم المغربي "ولاد لبلاد" لمحمد اسماعيل. السيناريو الذي كتبه
عبد الإله بنهدار، عن فكرة لعبد الإله أمزيل، تدور أحداثه في "واد لو". من
هذه البلدة الصغيرة في شمال المغرب، يخرج ثلاثة فتيان إلى الرباط بهدف
إكمال دراساتهم العليا التي سيتفوقون بها لاحقاً. بعد حصولهم على شهادات
علمية عالية، يجدون أنفسهم أمام باب مسدود لإستحالة اندماجهم داخل سوق
العمل المغربية الهشّة. وأمام مأزق كهذا، يضطر الثلاثة إلى نهج سبل مختلفة
وغير آمنة. من المغرب العربي ايضاً، اختار القيمون على المهرجان الذي يديره
أحمد الحسني الفيلم الجزائري "حراقة" ليكون ختام المهرجان يوم الثالث من
نيسان/أبريل المقبل. الشريط الذي عُرض في مهرجان البندقية (فينيسيا) في
دورته الأخيرة ضمن تظاهرة "أيام فينيسيا"، يشهد عودة مخرجه مرزاق علواش
صاحب "عمر قتلاتو" و"حب باب الواد" و"مغامرات بطل" الى موضوع الهجرة غير
الشرعية من بلدان جنوب المتوسط إلى شماله، من افريقيا عموماً، إلى اسبانيا
وفرنسا وايطاليا خصوصاً. ومن هنا يتخذ الفيلم عنوانه "حرّاقة" الذي يدلّل
على أولئك الشباب الذين يحرقون أوراق هوياتهم قبل رحلات التسلل إلى أوروبا
بواسطة الزوارق فيفشل حراس السواحل على الجانب الآخر في تحديد هوياتهم.
المسابقات
تضم مسابقة الفيلم الروائي الطويل اثني عشر فيلماً من بينها خمسة عربية:
"دواحة" للتونسية رجاء عماري، "بالألوان الطبيعية" للمصري أسامة فوزي،
"الليل الطويل" للسوري حاتم علي، "المنسيون" للمغربي لحسن بنجلون و"عند
الفجر" للمغربي أيضاً جيلالي فرحاتي. أما باقي أفلام المسابقة فهي: "أوري"
لميكيل خيمينيس كولمنار (إسبانيا)، "المرأة التي لا تملك بيانو" لخافيير
روبيو (اسبانيا)، "على قيد الحياة" لأرتان مينارولي (البانيا/فرنسا)، "10
الى 11" لبيلين إسمير (تركيا)، "إرفع رأسك" لأليساندرو أنجيليني (إيطاليا)،
"أمطار أبريل" لإيفو فريرا (البرتغال) و"الفضاء الأبيض" لفرانسيسكا
كومينتشيني (إيطاليا). تشرف على هذه المسابقة، كما على مسابقة الافلام
القصيرة، لجنة تحكيم برئاسة بيير هنري دولو أحد مؤسسي تظاهرة "نصف شهر
المخرجين" في كان وعضوية كل من: الممثل والموسيقي المغربي يونس مكري،
المخرجة المغربية نرجس النجار، رئيسة مهرجان الفيلم المتوسطي في روما
جينيللا فوكا والمخرج الفرنسي الجزائري احمد بوشعالة.
اما مسابقة الفيلم الوثائقي، فتضم أيضاً اثني عشر فيلماً: "قصص عائلية"
للويس مينيارو (اسبانيا)، "عايدة" لتيل رويسكن (فلسطين)، "جيران" لتهاني
راشد (مصر)، "الطريق الخطأ" لسالفو كوسيا (ايطاليا)، "المهاجرون" لخوسيه
فيريرا (فرنسا/البرتغال"، "الماء في الفم" لباسكال تيرود (فرنسا)، "طيور
بلاد العرب" لدافيد يون (إسبانيا/فرنسا)، "العيش هنا" لمحمد زران (تونس)،
"هشة" لرين متري (لبنان)، "قال الشاعر" لنصري حجاج (فلسطين)، "فتاح" لعبد
النور الزياني (الجزائر) و"غزة على الهواء" لأمير عبد الله (مصر).
يرأس لجنة تحكيم المسابقة الوثائقية كاتب السيناريو والمخرج المغربي محمد
المرابط خير الدين وتضم كلاً من: المخرج المصري سعد هنداوي، كاتبة
السيناريو كارلا سوبيرانا، مدير عام الجزيرة الوثائقية أحمد محفوظ، المخرج
البلجيكي جيورجيس لزاريفسكي والباحث المغربي محمد بنعبود.
في مسابقة الفيلم القصير سبعة عشر فيلماً: "في البحر" لمارتينا أماني
(ايطاليا/المملكة المتحدة)، "نزهة" لسابين الشمعة (لبنان)، "حداد اللقلاق
الفرح" لايلين هوفر (لبنان/سويسرا)، "بذور" لسيبيل سيكمين (تركيا)، "حب في
زمن الكولا" لابراهيم عبلة، "الروح التائهة" لجيهان البحار (المغرب)، "بوبية"
لسامية شرقيوي (المغرب)، "متروبوليس فيري" لخوان كوتييه (اسبانيا)، "إعانة
من أجل العودة" لمحمد لطرش (فرنسا)، "يوم بارد" لكلوديا فاريخاو
(البرتغال)، "أن تحيا" لوليد الطايع (تونس)، "دون كلمات" لعثمان الناصري
(المغرب)، "قرب فراشك" لعبد السلام كلاعي (المغرب)، "لا يمكنه أن يفعل ذلك"
لأنارتز سواسا (اسبانيا)، "رؤوس الدجاج" لبسام علي جرباوي (فلسطين/الولايات
المتحدة الاميركية)، "وأنا من أجل التفاحة" لجيورجيس كريكوراكيس (اليونان)
و"الكلب" لنيكوس هارالمبابولوس (اليونان).
البرامج الموازية
جرياً على عادته، اختار المهرجان لدورته السادسة عشرة دولة تشيلي كضيف شرف
المتوسط حيث سيعرض خمسة أفلام تشيلية تتراوح سنوات انتاجها بين 1987 و2004،
بينما يقدم استعادة للسينما المغربية خلال العقد الأخير في برنامج يتضمن
ثلاثة عشر فيلماً مغربيا ً من بينها "عود الريح" (2001) لداود أولاد السيد
و"ألف شهر" (2003) لفوزي بنسعيدي و"كازانيغرا" (2009) لنور الدين الخماري
و"القلوب المحترقة" لأحمد المعنوني.
كذلك، يتضمن المهرجان قسماً للعروض الخاصة، تُقدم فيه أفلام جاك أوديار
"نبي" وايليا سليمان "الزمن الباقي" وخالد يوسف "كلمني شكراً". ويكرم خمس
شخصيات هي: الممثلة الايطالية كلوديا كاردينالي بعرض ثلاثة من أفلامها
("فتاة بحقيبة" لفاليريو زورليني، "الفهد" للوتشينو فيسكونتي، "المافيا
تفرض قانونها" لداميانو داميان)، المخرج التركي رها ايرديم وعرض ثلاثة من
أفلامه (الجري وراء المال، أزمنة ورياح، شروقي الوحيد)، الممثل المصري
محمود عبد العزيز وعرض فيلمه "الكيت كات" لداود عبد السيد، الممثل المغربي
محمد بسطاوي وعرض "باي باي سويرتي" لداود أولاد السيد، الممثل السوري أيمن
زيدان وعرض "احلام المدينة" لمحمد ملص. كما ينظم المهرجان ندوة حول النقد
السينمائي بمشاركة نقاد عرب وأجانب.
المسقبل اللبنانية في
27/03/2010 |