فجأة ومن دون مقدمات اختفت ظاهرة أغاني الأفلام، ولم تعد الوسيلة
الدعائية
الأهم في نظر المخرجين والمنتجين الذين باتوا يعتمدون على {برومو} ساخن، أو
إعلانات
تتضمن مشاهد صادمة للترويج لأفلامهم.
هل السبب رغبة المخرجين في التوفير في موزانات الأفلام في ظل الأزمة
المالية
التي تعانيها السينما عموماً والمصرية خصوصاً؟ أم لأن الأغاني كانت ظاهرة
انحسرت مع
مرور الوقت وفقدت رونقها؟
{رسايل البحر} تأليف داود عبد السيد وإخراجه
وبطولة آسر يايسين وبسمة، {بالألوان
الطبيعية} تأليف هاني فوزي وإخراج أسامة فوزي وبطولة يسرا
اللوزي وكريم قاسم، {عزبة
آدم} للمخرج محمود كامل، {حد سامع حاجة} لسامح عبد العزيز، وغيرها من أفلام
سابقة
وحالية ومرشحة للعرض مستقبلاً لا تتضمن في معظمها أغاني ولم يروّج لها
دعائياً على
الفضائيات الموسيقيّة. حتى {كلمني شكراً} بطولة عمرو عبد الجليل وغادة عبد
الرازق
الذي تضمنت أحداثه أغنية لم تستخدم كدعاية له عكس أفلام المخرج
خالد يوسف
السابقة.
أما الأفلام الوحيدة التي عرضت لها كليبات هذا الموسم فهي: {عايشين
اللحظة}، {ولد
وبنت}، {أحاسيس}، ما يشير إلى انخفاض نسبة الأغاني في أفلام الموسم
السينمائي
السابق. كذلك أغنية فيلم {ولاد العم} بطولة كريم عبد العزيز وشريف منير
ومنى زكي
تأجل عرضها ولم تستخدم للترويج له حتى بعد مرور فترة على عرضه.
لقطة
يوضح عبد السيد أن الأغنية ليست الأساس في الفيلم، إنما الأهم هو
الفيلم نفسه،
نافياً مقولة إن الاستغناء عن الأغاني هو توفير لموازنة الفيلم، ومؤكداً
أنه لا
يفكّر بهذه الطريقة، {وإلا لما انتظرت هذه السنوات كافة لصنع فيلم جيد}.
أما المخرج سامح عبد العزيز فيوضح أن أغاني الأفلام ليست ظاهرة، بل
مجرد {لقطة}
من صناع الأفلام بهدف الترويج لها.
يضيف: {لا تصلح الأفلام جميعها لإدراج أغانٍ ضمن أحداثها، فمثلا لا
أتصوّر وجود
أغنية في {حد سامع حاجة} لأنه يتطلب تركيزاً شديداً لفهمه على رغم كونه
فيلماً
كوميدياً، لكنه يختلف عن الأفلام التي قدمتها سابقاً وعن أفلام رامز جلال}.
بدوره، يؤكد المنتج هشام عبد الخالق أن المنتج الذكي هو الذي يستغلّ
العوامل
كافة لخدمة الفيلم، لكن من دون الإخلال بالحالة الفنية فيه، {أنا كمنتج
أحتاج إلى
الترويج لفيلمي من خلال أغنية أو اثنتين، لكن طالما أن العمل لا يتطلب
أغنية فلن
أطالب المخرج بذلك}.
يضيف عبد الخالق: {يجب أن يتوافر للمنتج حس فني بدليل أنني خضت تجربة
إنتاج فيلم
ضخم مثل {ولاد العم} علماً أنه كان باستطاعتي الاكتفاء بصنع ثلاثة أفلام
بموازنات
قليلة، وكنت سأكسب أكثر، كذلك لم أكن مضطراً إلى الاستعانة بالنجوم: كريم
عبد
العزيز وشريف منير ومنى زكي والمخرج شريف عرفة في فيلم واحد،
إذ وصلت أجورهم وحدها
إلى عشرة ملايين جنيه، لكني أردت أن يخرج الفيلم في مستوى رفيع، ما يؤكد أن
عدم
وجود أغانٍ في الفيلم بدافع تخفيض الموازنة مسألة غير واردة ولا صحيحة.
طعم خاص
يشير المنتج والمخرج هاني جرجس فوزي إلى أن أغنية الفيلم مهمة وتضفي
عليه {طعماً
خاصاً}، لكن يجب أن تكون لها مناسبة، ثم لا يحتاج الفيلم الناجح إلى أغنية
فهو يصنع
دعايته بنفسه.
يضيف فوزي: {نجح {بالألوان الطبيعية} وحقق إيرادات جيدة وهذا الأمر لا
علاقة له
بأغانيه لأن الأخيرة تعبر عن حالة معينة في سياق الأحداث. ثمة أفلام كثيرة
عرضت
تحتوي على أغان ولم تحقق إيرادات لأن الأساس الفيلم لا الأغاني}.
أخيراً، يعزو المنتج أحمد السبكي سبب انحسار أغنية الفيلم في الفترة
الأخيرة إلى
كونها ظاهرة جديدة لفتت المنتجين والمخرجين حتى أن بعض الأفلام كان يعرض له
أكثر من
أغنية في الوقت نفسه، لكن بعد فترة أيقن الصناع أن الأغاني ليست ضمان
النجاح الوحيد
وليست المسؤولة عن الفشل، فبدأوا باختيار الأغاني بوجهات نظر مختلفة.
الجريدة الكويتية في
26/03/2010
أفلام الأعلام!
محمد بدر الدين
سيد درويش (17 مارس 1892-10 سبتمبر 1923) سيد الموسيقى العربية
ومجددها. أقرّ
الكبار، من محمد عبد الوهاب إلى المبدعين في الأجيال التالية، بأنه أستاذهم
ومعلم
أهل النغم جيلاً بعد جيل!
حسناً صنعت السينما المصرية بتقديم فيلم عنه بعنوان {سيد درويش}
(1966)، إخراج
الرائد أحمد بدرخان، سيناريو سامي داود ومصطفى سامي، وأدى كرم مطاوع دور
سيد درويش
وشاركته البطولة هند رستم.
يدفعنا هذا الفيلم، بنجاحه ونضجه الفني، إلى أن نتأمل في تجارب
السينما المصرية
في عرض سِير الأعلام، سواء في عالم الفن والأدب أو عالم السياسة والتاريخ
أو عالم
الدين.
في عالم الفن نذكر إلى جانب {سيد درويش}، فيلمين أخرجهما حسن الإمام
عن منيرة
المهدية وبديعة مصابني، إلا أن مستواهما كان متواضعاً، و{ألمظ وعبده
الحمولي} (1962)
إخراج حلمي رفلة، الذي جاء على قدر من الاستسهال فنياً، بخلاف العناية التي
توافرت لـ{سيد درويش}، إضافة إلى الاستهتار من الناحية
السياسية، إذ صوّر شخصية
الخديوي إسماعيل مجرد حاكم عابث أو ماجن، {همه} ملذاته ونزواته. لو كان
اسماعيل
كذلك لما صنع {الطفرة} أو النهضة في عهده، أياً كانت التحفظات على جوانب أو
أساليب
بدت في ذلك العهد!
في عام 2006 عرض {حليم} إخراج شريف عرفة، إلا أنه لم يكن على مستوى
الطموح
بتقديم فيلم كبير عن مطرب كبير، وليس أتعس منه حالاً سوى {كوكب الشرق}
للمخرج محمد
فاضل!
وبدرخان نفسه، الذي أخرج الفيلم عن درويش، وقدمه فيه كإنسان وفنان
ومشارك إيجابي
ورائع في الحياة الوطنية في عصره، قدم بطلاً وطنياً متفرّداً في تاريخنا في
{مصطفى
كامل} (1952)، الذي كتبه تلميذ مدرسة كامل الوطنية ونعني فتحي رضوان،
المفكر
الموسوعي المقتدر والمناضل العتيد، وشاركه الكتابة المخرج أنور
أحمد ويوسف جوهر،
وأدى أنور أحمد شخصية كامل ليظل دوره الوحيد، وشاركه البطولة كل من ماجدة
وحسين
رياض وأمينة رزق وزينب صدقي وغيرهم.
من المفارقات أن ثورة عبد الناصر قامت في 23 يوليو عام 1952 فيما كان
فتحي رضوان
في السجن و{مصطفى كامل} جاهز، لكن الدولة حظرت عرضه، وحين قامت الثورة
تحوّل رضوان
من سجين إلى وزير للإرشاد القومي، وعرض {مصطفى كامل} في العام نفسه، وحظي
باهتمام
قادة الثورة، وحين شاهده عبد الناصر قال لرضوان: {أتمنى أن أرى أفلاماً
أخرى عن
محمد فريد وعبد الله النديم وغيرهما...}
لكن السينما المصرية، على أي حال، ظلت أقل من الآمال المعلقة عليها في
إنجاز
أفلام من هذا الطراز.
قدمت السينما المصرية أفلاماً قليلة عن سِير الأعلام من بينها {جميلة
الجزائرية} (1958)،
{الناصر
صلاح الدين} (1963)، ومن إخراج يوسف شاهين، ويظل {الناصر} أحد أنضج
الأفلام في هذا المجال.
كذلك قدمت من سير كبار شخصيات التاريخ الإسلامي فيلمي: {بلال مؤذن
الرسول} (1953)، كتبه أحمد الطوخي وأخرجه وأدى دور البطولة فيه يحيى شاهين، و}خالد
بن
الوليد} (1958) أخرجه حسين صدقي وشارك في كتابته وأدى دور البطولة فيه.
في السينما المصرية المعاصرة نفتقد إلى أفلام تتناول سِير الشخصيات
العامة،
ونرصد {ناصر 56} (1996) إخراج محمد فاضل بطولة أحمد زكي، يتمحور حول حدث
تأميم قناة
السويس والتصدي للعدوان في مسيرة قائد ثورة يوليو، وقد لقي إقبالاً كبيراً،
{أيام
السادات} (2001) إخراج محمد خان وبطولة أحمد زكي أيضاً الذي
أثار جدلاً وخلافاً
شديداً من حوله!
كذلك نذكر {قاهر الظلام} (1979) إخراج عاطف سالم عن سيرة عميد الأدب
العربي
الدكتور طه حسين، والغريب أنه لم يؤخذ عن {الأيام} أشهر سيرة ذاتية في
الأدب العربي
وإنما عن قصة لكمال الملاخ!
وتبقى مئات الشخصيات، في المجالات كافة، يمكن من خلالها التعبير عن
أفكار كثيرة
وطرح نماذج قدوة ومثل عليا، نتعلم منها أو نتناقش من حولها.
تزخر السينما في العالم كله، بتقديم أفلام عن شخصيات ملهمة أو مهمة أو
مؤثرة أو
مؤسسة... من لينين إلى غاندي، ومن موزارت إلى بياف، ومن عمر المختار إلى
لومومبا،
ومن مالكوم أكس إلى محمد علي كلاي، إلى نيلسون مانديلا (2009) وغيرهم.
هذه النوعية من الأفلام محببة، قد تكون تحية واجبة لشخصيات ناحية،
وسيراً بلغة
الفن السابع وبلاغته من ناحية أخرى، تمتع الوجدان وتثريه وتشحذ فكر جمهور
السينما
الواسع...
الجريدة الكويتية في
26/03/2010 |