في عام 1992 عُرض بمهرجاني الإسكندرية
والسينما الروائية فيلم 'وتمت أقواله' للسيناريست د، فهمي عبدالسلام
والمخرج مجدي
محرم، الفيلم حصل على جائزتي السيناريو والإخراج بوصفه العمل الأول للكاتب
والتجربة
الروائية الطويلة للمخرج، وقد لعبت فيه دور البطولة الفنانة صفية العمري
أمام
الفنان يحيى الفخراني وتميز الإثنان في الأداء التمثيلي إلى
الحد الذي دفع النقاد
الى التوقع حينئذ بأن يتبع هذا العمل البديع مجموعة أعمال أخرى يتعاون فيها
البطلان
مع كاتب السيناريو والمخرج، حيث الدكتور فهمي واحد من المتهمين بالأدب
والسينما على
حد سواء وله تجربة فريدة في مجال الكتابة الدرامية التليفزيونية عرضت
كمسلسل منذ
منتصف الثمانينيات بعنوان 'ميراث الغضب'، أما مجدي محرم فهو
المتميز في إخراج
الأفلام التسجيلية، لا سيما المتصل منها بالحضارة والتاريخ، أي أن له عين
لاقطة
وإحساس تسجيلي دقيق.
تجلى في سلسلة أفلام 'وصف مصر' مكنه من رصد كل التفاصيل
الداخلية والخارجية المتعلقة بالشكل والمضمون والتفاعلات النفسية
والإنسانية، وهو
قريب أيضا من الأدب والأدباء وباحث عن المكنون والمتواري في السير الذاتية
للشخصيات
المبدعة، التاريخية والمعاصرة، تلاقى الطرفان عبدالسلام ومحرم على أرضية
ثقافية
وشرعا في تنفيذ مشروع وثائقي اعتمدت مادته على بعض الأبحاث
العلمية حولها الدكتور
إلى قصص مثيرة امتزج فيها الجهد العلمي بالإبداع القصصي وخرجت في صورة
مجموعة قصصية
بعنوان 'حجرة الفئران' صدرت منذ ما يقرب من خمسة أعوام وتحولت بعد مرور
عامين على
صدورها الى سيناريو لا يزال الى الآن قيد التنفيذ، تلاه بعد
ذلك سيناريو لفيلم
روائي طويل كتبه أيضاً د.فهمي عبدالسلام بعنوان 'بانيو الأحلام' كان مقرراً
أن
يقوم ببطولته الفنان الكبير نور الشريف، إلا أن عوائق الانتاج التقليدية
وقفت حائلا
أمام إتمام تصويره وخروجه إلى النور، وعلى اثر ذلك عاد الكاتب السينمائي
والطبيب
وأستاذ الجامعة يمارس هوايته ومهنته الثانية فأنجز مؤخرا
مجموعته القصصية 'صاحبي
الذي ضل صاحبي الذي غوى'، وهو تنويع على الآية القرآنية 'وما ضل صاحبكم وما
غوى'،
وبرغم أن العنوان لا يحمل إيحاء باللغة السينمائية إلا أن ما جاء في شكل
الكتابة
ومضمون القصص يؤكد أن الطبيب الأديب تتنازعه رغبة عارمة في رسم صورة
سينمائية ساخرة
للعالم الذي نعيش فيه والحياة اليومية التي نواجهها، وثمة اسلوب غالب بقوة
على
الحوار يجعله أقرب إلى الفانتازيا، غير أنه أي الكاتب يحرك كل
شخصياته داخل 'الكادر'
السينمائي فتبدو الحركة محسوبة ومواقع الأحداث كأنها 'لوكيشن' يتسع ويتمدد
ليملأ فراغ الصورة ويركز العدسة في إتجاه التشوهات النفسية
والإنسانية ليفجر
السخرية من داخل النص فتنبعث الضحكات عالياً محدثة قهقهات ذات معان ودلالات
وهو ما
عمد إليه د. فهمي المغرم بالسخرية والمؤمن بها كمنهج قويم لعلاج بعض
القضايا
المستعصية على الحل، وربما يؤكد هذا أنه متأثر بطبيعة المهنة
التي تحتم استخدام
المشرط الجراحي كوسيلة سهلة لاستئصال الأورام الخبيثة التي تنمو وتكبر
وتنتشر في
الجسم العليل في غفلة من المريض الذي غط طويلا في سبات عميق ثم استيقظ على
آلام غير
محتملة، من بين الصور السينمائية التي كتبها وأخرجها ووضع لها
القاص الموسيقى
التصويرية، تلك المعنونة بـ 'زيزي والسلوفانة الحمراء' فتلك قصة تنطبق
عليها كل
شروط السيناريو فهي لبطلة شابة تدعى 'زيزي' دأبت على ارتياد 'الكافيهات'
والبارات،
لها حضور طاغ وتأثير جد خطير على السكارى والمشتعلين بالرغبة، تتمتع بثقة
كبيرة في
نفسها وتعرف جيدا مقومات الجذب لديها، لذا تذهب يومياً الى
محلاتها المختارة وهي في
كامل هيئتها ليسهل عليها إصطياد ضحاياها والإيقاع بهم والاستيلاء على ما في
جيوبهم
وهم في غمرة النشوة وبالغ السعادة، لم يتبع الكاتب طريقة السرد القصصي
ويتوقف عند
حدود النهاية المؤلمة فحسب، وإنما يمعن الوصف في الشخصية التأثيرية الفذة
باداء من
'الجونلة'
الضيقة ذات الألوان النارية التي ترتديها صاحبة العصمة والفتنة والمنحسرة
عن ساقين بيضاوين ملفوفتين بعناية إلهية فائقة، ثم يسلط الكاميرا والفلاشات
الضوئية
على مفاتنها الأخرى مؤكدا على موهبة الصوت الرقيق ونظرات العيون الجريئة
والشعر
الناعم المسترسل على الظهر والأكتاف محاولات تنشيط ذهن القارىء
لإدراك المعنى الدال
على كل هذه الأشياء دون رخص أو انحطاط أو إتباع ما يسمى بكتابة الجسد، وبعد
توصيل
الانطباع المستهدف عن الشخصية يذهب د. فهمي عبدالسلام في قصة 'زيزي
والسلوفانة
الحمراء' الى دهشة رواد البار، حيث تخرج العيون من أحداقها
لتراقب حركات وإيماءات
زيزي وهي تخطر بدلال بين الطاولات وتتلقى عطايا ومنح العاشقين الولهانين من
كؤوس
الخمر وزجاجات البيرة وقطع الحشيش والأفيون الملفوفة بالسلوفان الأحمر
كعربون محبة
ووصال، وتتداعى الخواطر والخيالات فالكل يمني نفسه بليلة ليلاء
بلون
السلوفان!
ليست هذه هي الصورة الوحيدة التي تقرب المسافة بين الأدب والسينما
ولكن هناك العديد من الصور التي تمتزج فيها فلسفة الكتابة
الأدبية والوعي القصصي
بفن السينما وأدواتها، إذ نلحظ تراوحاً واضحاً بين الصنفين الإبداعيين
وتتأكد رغبة
المبدع في إختراق المجال السينمائي عبر بوابة الأدب التي ربما يكون دخولها
يسيرا
إلى حد كبير فهي لا تحتاج غير الكتابة ولا تعتمد إلا على
الموهبة فقط.
ثمة
إسقاطات سياسية يضمنها صاحب مجموعة 'صاحبي الذي ضل صاحبي الذي غوى' في قصصه
السبع
يمرر من خلالها آرائه ورؤيته في القضايا الساخنة محل النقاش
والجدل ففي قصة 'حسام
بك وعلي بك' يطرح إشكالية العلاقة بين المواطن والسلطة ويبرز الصورة التي
يكونها
رجل الأمن عن نفسه واعتقاده الراسخ بأن ما يتم من تجاوز تجاه المواطنين أو
بعض
الخارجين على القانون كعمل شريف يثاب عليه وأن العنف هو وسيلة
مضمونة لتحقيق الأمن
والأمان، وعلى هذه العقيدة الإيمانية ينشأ سجال مفتوح بين بطلي القصة، وهما
رتبتان
كبيرتان وتتكشف أسرار وحقائق وطرائف ومواقف يتابعها الكاتب مذهولا فينقل
بدوره
الذهول إلى القارىء، حيث ما يتم أخذه على سبيل الفكاهة في
الجلسات الودية بعيدا عن
الرسميات يتعلق بمصائر وأرواح بشر يعيشون نفس ظروف الكتاب والقراء والسادة
البكوات
والبكوات السادة!
القدس العربي في
16/03/2010
'حاوي'
أول فيلم مصري يتم تصويره بالكامل بأبطال من
الإسكندرية
القاهرة - (دب أ)
انتهى المخرج المصري إبراهيم البطوط من تصوير
فيلمه السينمائي الجديد 'حاوي' الذي يعد ثالث أفلامه الطويلة بعد فيلمي 'إيثاكي'
عام 2005 و'عين شمس' الذي أخرجه عام 2008
وأحدث الكثير من الجدل في الوسط السينمائي
بسبب خلاف كبير وقع بين مخرجه وجهاز الرقابة.
وقال البطوط لوكالة الأنباء
الألمانية(د.ب.أ) إن الفيلم الذي كتبه وأخرجه وأنتجه وشارك في التمثيل فيه
يعد
تجربة جديدة تماما على السينما الروائية المصرية حيث تم تنفيذه
بالكامل بطاقم تصوير
وممثلين جميعهم من مدينة الإسكندرية التي تجري كل أحداث الفيلم فيها.
وأضاف أنه
يستكمل من خلال فيلم 'حاوي' الاتجاه الذي بدأه في فيلميه السابقين والذي
يعتمد على
إنتاج أفلام ذات جودة فنية مرتفعة لكنها تم تنفيذها بتكنولوجيا الديجيتال
وبتكاليف
إنتاجية منخفضة كدليل على إمكانية إنتاج أفلام متميزة بتكلفة
محدودة.
وتم
الانتهاء بالفعل من كافة مراحل التصوير ونسخة المونتاج الأولى ويجري حاليا
استكمال
باقي خطوات تنفيذ الفيلم والمتوقع أن يتم الانتهاء من المراحل
النهائية خلال الستة
أشهر القادمة ليتم عرضه في صالات العرض السينمائية بمصر مع نهاية عام 2010
.
وتولت إنتاج فيلم 'حاوي' شركة أسسها إبراهيم البطوط وتحمل عنوان ثاني
أفلامه
'عين
شمس للأفلام' ويشارك في بطولته بحسب المخرج ممثلون على قدر عال من الموهبة
والبراعة رغم كونهم ليسوا من نجوم الصف الأول لكنهم أظهروا احترافية عالية
في تجسيد
الشخصيات التي تعد البطل الحقيقي للأحداث.
وتضم قائمة الأبطال المشاركين حنان
يوسف ومحمد السيد وشريف الدسوقي وفادي إسكندر ورينا عارف وبيري معتز وميريت
الحريري
وخالد رأفت وأحمد سليمان وسعيد قابيل وهاني الدقاق ومارك لطفي وأعضاء فريق
'مسار
إجباري' وضيف الشرف محمود أبو دومة.
وتحول كثير من السينمائيين الشباب لتنفيذ
أفلام روائية طويلة باستخدام تقنيات الديجيتال التي وفرت الكثير من المال
والجهد
حتى أن مخرجين كبارا بينهم محمد خان ويسري نصر الله لجأوا لتلك التقنية في
أفلام
لهم لكن يبقى فيلم 'عين شمس' أشهر الأفلام التي صورت بأسلوب
الديجيتال.
وفتح
الجدل الذي أحدثه فيلم 'عين شمس' على مدار ما يقرب من عامين الباب واسعا
لمشاركة
الفيلم في العديد من المهرجانات والحصول على الكثير من الجوائز
رغم رفض الرقابة في
مصر للاعتراف به كفيلم مصري.
القدس العربي في
16/03/2010 |