عشرة أيام قضيتها رهين المحبسين: التلفزيون والانترنت، فكرت قبل
الاعتكاف في المنزل أن اعكف على قراءة بعض الروايات، وهي عادة أفعلها
كثيرا، لكن
نفسي (مسدودة) منذ ان ورطتني شهادة الأديب الكبير بهاء طاهر فقرأت 'تغريدة
البجعة'.
طاهر كان قد أشاد بالراوية في برنامج 'صباح الخير يا مصر'، ولأني
اعتبره أهم روائي في مصر الآن، فقد تعاملت مع شهادته بجدية، وبعد القراءة
تذكرت ان
الرجل عمل دبلوماسيا، والدبلوماسيون قوم يتحدثون بالشوكة والسكين، ويحرصون
على
مجاملة الجميع، باعتبار ان الكلام ليس عليه استحقاقات للجمارك، وهو الشيء
الوحيد
الذي لم يفرض عليه 'جابي مصر الأول' ووزير ماليتها يوسف بطرس غالي ضرائب
حتى ساعته
وتاريخه.
منذ ورطتي هذه وتأثيرها السلبي على حالتي النفسية، وأنا ابتعد عن قراءة
الأدب، وان كنت قد استمتعت بقراءة 'احمر خفيف' لوحيد الطويلة، و'ليلة عرس'
للراحل
يوسف أبو رية الصادرة سنة 2002.. لم يحدث ان قرأتها من قبل، فأنا قارئ هاوي
للأدب،
ولهذا فلا أقدم على قراءة عمل، إلا بعد شهادة أربعة شهود عدول، لكن ذنبي
على جنبي
لأني اعتبرت ان شهادة بهاء طاهر، تعادل شهادة قبيلة.
شهيتي فتحت لقراءة 'غناوي
المجاذيب' لمنال السيد، بعد شهادة مذيعتي المفضلة دينا عبد
الرحمن في برنامج 'صباح
دريم'، وقالت انها رواية بديعة، وأشادت
بجمال الأسلوب، ورشاقة الكلمات. لكن قراءتها
تستدعي الذهاب الى دار النشر لشرائها، ولا أريد ان اقطع فترة الاعتكاف
التطوعي هذه،
ولا أسعى الى ان تُهدى لي، لإيماني بأن الكتاب الذي يهدى لا يُقرأ، ولهذا
فعندما
شرفت الأراضي البريطانية في العام الماضي، لم أطلب من رئيس تحرير هذه
الصحيفة
الزميل عبد الباري عطوان ان يهدي لي كتابه 'وطن من كلمات..رحلة فلسطينية من
مخيم
اللاجئين الى الصفحة الأولى'، مع أني لم اعثر عليه في المكتبات، وسعدت
عندما اخبرني
بأنه بصدد إعداد طبعة عربية منه، فأنا إنكليزيتي 'بعافية'. وفي لندن كنت
أتعامل
بلغة الإشارة.
دينا عبد الرحمن مذيعة متمكنة، تحرص على ان (تذاكر) موضوعاتها
جيدا، ولا تتعامل مع ضيوفها بتعال، مع ان
معظمهم يكونون في الغالب نياما، لاسيما في
فقرة قراءة الصحف، وقد نجحت في استقطاب ضيف جديد هو الصحافي أحمد حسن
الشرقاوي،
والذي ألقى على البرنامج نكهة خاصة تليق ببرنامج صباحي.
وقبل هذا وبعده، فان
دينا لها حضور وقبول، وقد رشحتها في بداية العام كأفضل مقدمة برامج مصرية،
واعترضت
زميلة على ذلك، وكان ان قلت لها إنها وجهة نظر، وكما قيل فالدنيا أذواق،
ولولا
اختلاف الأذواق، لبارت المذيعات، ولعملت بعضهن في 'مسمط الركيب' بمنطقة
السيدة
زينب.. لا داعي لذكر الأسماء!
فترة الاعتكاف التطوعي، كانت دافعا لي لان أقف على
العالم السفلي للفضائيات. في مجال الصحافة
فإننا نطلق على مثلها: صحافة بئر السلم،
و'صحافيي الشنطة' على العاملين فيها، ولا ندري ما الذي يمكن ان نطلقه على
هذه
الفضائيات ومن يعملون فيها، والذين يمكن ان يتم القبض عليهم لو تم إعمال
قانون
التشرد والاشتباه بشكل صحيح.
فرح شعبي
مذيع كان يتحدث ثم فجأة انطلق يشيد
بعدد من الوزراء، بدون مناسبة، وعدد مناقبهم التي ترتقي بهم
الى درجة عباد الله
الصالحين، وحول البرنامج الى فرح شعبي،
يرتفع فيه صوت المطرب مرحبا بالجميع، ومحييا
العريس والعروسة، وأهل العريس وأهل العروسة.. والمعازيم والناس الحلوة،
وملوك
الفاكهة.. انتظاراُ للنقوط!
مذيعة كانت تتصرف على طريقة المعلمة 'فضة المعداوي'
في المسلسل التلفزيوني 'الراية البيضاء'، والتي تتمتع بالجهل
النشط، لكنها مع ذلك
ثرية ثراء فاحشا. قامت المذيعة بمط شفتيها
دلالة على الامتعاض، وهي تصلح شكلا لان
تعبر عن الامتعاض بدون مط، كما يصلح صاحب
برنامج 'حالة حوار' ليقوم مقام علامة
الاستفهام.. ضع صورته وراء أي تساؤل ووقتها
لن تحتاج لان تضع هذه العلامة (؟)
فصورته تؤدي الغرض!
عندما أكون في حالة اعتكاف بهدف القراءة في الأدب، فإنني لا
اقترب من التلفزيون إلا لكي أقف على آخر الأخبار، ولكي أرى جمانة نمور.
لكني
الآن، رهين المحبسين: الانترنت والتلفزيون، والقنوات الإخبارية غارقة
لـ'شوشتها' في
الانتخابات العراقية، وبدت من اهتمامها، وكأنها تقيم لها زفة، وهناك حديث
ممل عن 'العراق
الجديد'، الذي ترعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطية الشكلية،
تلك الديمقراطية التي تعطي الحق للجنة الانتخابات ان تفرض وصاية على الشعب،
فتستبعد
فصيلا كاملا من خوض العملية الانتخابية، ولهذا فقد انطلقت الى الفضائيات
الاخرى،
ووقفت على نوعية الفضائيات التي تستخدم لديها سماسرة الأراضي مذيعين.. لا
بأس فذلك
يحدث في أحسن العائلات.. اقصد أحسن الفضائيات، وقد تلقيت مقالا يفيد كاتبه
محمد
الرحال ان فضائية 'بي بي سي' تجلب 'خبازا' عراقيا ليتحدث في برامجها وتمنحه
صفة 'المحلل
السياسي'.. لا بأس فما الحياة إلا مخبر كبير.
تسرف الفضائيات في تقديم
المناظرات، وصار من طبيعة ذلك أن تحدث بين الضيفين 'خناقة' معتبرة، وبات
هذا من
المعروف بالمناظرات الفضائية بالضرورة.. سن فيصل القاسم سنة غير حسنة،
والكل يريد
ان يقلده، ومع ذلك فقد كانت حلقة برنامجه يوم الثلاثاء الماضي نموذجا لما
ينبغي ان
تكون عليه المناظرات، كان البرنامج عن عملية الاحتفاء بالفن وأهله في
عالمنا
العربي، والتعامل مع المطربين باعتبارهم قدوة، في وقت انتشر فيه الفن
الهابط. كلا
الضيفين تحدث بعمق وفهم، ارتفعت الأصوات لكن لم يحدث تنابز بالألقاب، ولم
يخلع
أحدهما حذاءه للآخر، ربما يحدث الخلع والرفع من باب التحدث بالنعمة، الكل
ممتن
لمشروع مكافحة الحفاة في بلده.
عندي زهايمر فلم احفظ الأسماء، لكن صاحبة الرأي
الأول استنكرت ان يتحول المطرب الى رمز
ومثل اعلى للشباب، لاسيما فنانو هذا الزمان،
الذين لا صوت ولا عمق ولا كلمة، ويعبرون عن الرداءة، بينما كان الطرف الآخر
ضد فرض
ذوق بعينه على الناس، فاته ان الفرض قائم، عندما يتم الاحتفاء بكل رديء،
والترويج
له، ليس في مجال الغناء فقط، ولكن في كل المجالات، بما في ذلك مجال صناعة
السينما،
بعد ان دخلت الحشرات الضارة مجال الإنتاج.
واقعة اميتاب باتشان
يحدث
كثيرا الإلحاح على فنان باستخدام 'البروباغندا'، ولعلنا نعلم كيف حشد منتج
لأحد
المغنيين أعداداً من الشباب والفتيات، ودفع بهم للمحكمة التي تنظر في جرائم
المغني،
للتعامل معه على انه معبود الجماهير، ولينجح في ان يدخل الغش والتدليس على
الجميع،
فحدث ما يمكن تسميته بالخداع البصري.
فيصل القاسم أشار سريعا، الى الإغماءات
التي جرت عند استقبال احد الفنانين. ولم يذكر ان هذا جرى عندما
جاء الفنان الهندي
اميتاب باتشان الى القاهرة قبل سنوات، وقد
صدرت الصحف في اليوم التالي وبها صورة
لفتاة نظرت في عينيه ثم شهقت الشهقة
الكبرى، وراحت في غيبوبة حب، تشبه غيبوبة
السكر، وقد أثار هذا دهشة الرجل نفسه، وقد كنا أمام حالة من الانفلات
التمثيلي
منقطعة النظير.
ما لا يعلمه القاسم ان هذه الفتاة كبرت الآن، وما لا يعلمه أيضا
أنها عملت زميلة له، قبل ان تترك العمل، وتعلن بعد ذلك وليس قبله، ان
الترقيات داخل 'الجزيرة'
لا تقوم على أساس مهني.
خالد صلاح على 'أوت تي في'، قدم مناظرة هادئة،
على الرغم من سخونة القضية، وكانت عن تعديل
الدستور المصري، وبخصوص المادة 76 من
الدستور، وهي أطول مادة في تاريخ الدساتير في العالم، وصدرت على 'مقاس'
مرشح الحزب
الحاكم، سواء مبارك الأب، او مبارك الابن، او صفوت الشريف، والذين يخوضونها
بجوارهم
يفعلون هذا من باب 'تحلية البضاعة'، فضلا عن ان هناك نصف مليون جنيه تصرف
لكل
مرشح.
ضيفا برنامج خالد صلاح (بلدنا) هو الفقيه الدستوري الدكتور يحيى الجمل،
ومحمد عامر عضو مجلس الشعب وعضو لجنة السياسات، الأول يرى ان التعديلات
التي أدخلت
على الدستور في عامي 2005 و2007، هي خطيئة دستورية، وان شروط الترشيح لموقع
الرئاسة
هي موانع لا ضوابط. أما االثاني فيرى ان موقع الرئاسة ينبغي ان يحاط بضوابط
حتى لا
يبتذل من قبل هواة الشهرة، وسقط المتاع.
التغيير من الداخل
أول مرة أشاهد
فيها هذه الشخصية المهذبة، وبدا لي انه ضل طريقه الى لجنة السياسات، كما
ضله عبد
المنعم سعيد، وحسام بدراوي، هؤلاء أعضاء في لجنة فيها جهاد عودة واحمد عز..
يضحكون
على أنفسهم بالقدرة على التغيير من الداخل.
لم يقل في هذه الحلقة، انه في ظل هذه
الضوابط في قول عامر، والموانع في رأي الجمل، تم بالفعل ابتذال
الترشيح لموقع
الرئاسة، فكثيرون ممن تنطبق عليهم شروط
الترشيح يمكن ان يتم القبض عليهم عند أول
كمين شرطة، في الوقت الذي تحول دون ترشح قامات بحجم الدكتور البرادعي،
والمستشار
محمود الخضيري، والسيد عمرو موسى، وأيضا بحجم العبد الفقير الى الله (من
نفسي
وقديما قيل ان طباخ السم يذوقه).
بل ان لجنة الانتخابات الرئاسية، (هترت)
الموقع.. و(الهتر) هو التقليل من القيمة والقدر، عندما قامت في
الانتخابات الماضية
بقبول طلبات الترشيح من الجميع، وطلقتهم في
الفضاء يصرحون باعتبارهم مرشحين
للانتخابات الرئاسية، الى ان استبعدتهم بعد
ذلك لعدم استيفائهم الشروط، مع ان
استيفاء الأوراق هو شرط قبولها.
أحد الذين جرى قبول أوراقهم تعرف عليه طبيبه
المعالج عبر شاشات التلفزيون، وأصدر بيانا
يطالب بعدم السخرية منه لأنه مريض نفسي،
فالسخرية من شأنها ان تؤدي الى تدهور حالته.
وفي المقابل فقد شاهدت واحدة من
مناظرات تمزيق الملابس على قناة 'الحياة' قدمتها منى الحسيني،
واستضافت نجيب
جبرائيل، وجمال أسعد عبد الملاك، وكانت عن مكانة البابا شنودة،
كلاهما اتهم الآخر
بالكذب، والمذيعة قامت بتحريضهما أكثر،
وادعت البراءة.
لم تنته مشاهداتي لكن
المساحة منزوعة البركة.. قلت من قبل انني من كتاب المعلقات.. اكتب لقراء
يشكون من
البطالة مثلي، ويعانون من الفراغ القاتل.
أرض جو
لا تزال إيمان عياد في 'الجزيرة،
ولم تذهب للـ'العربية' كما نشر، لكن محمود مراد ترك الـ 'بي بي سي' الى 'الجزيرة'..
محمود مكسب حقيقي للـ'الجزيرة'.
*صحافي من
مصر
azouz1966@gmail.com
القدس العربي في
14/03/2010 |