'لقد
وجدتُ نفسي ـ بدون رغبة مني ـ أستعمل في لغتي اليومية
قاموسا مستمدا من اللغة السينمائية'؛ هكذا تحدّث شاب مغربي بنبرة ساخرة في
برنامج
المسابقات 'كوميديا' الذي تقدمه القناة الأولى المغربية. ومن بين الأمثلة
التي
ساقها الشاب المذكور قوله، إنه أصبح يتكلم لغة 'كازانيغرا'؛ في إشارة إلى
فيلم
سينمائي رشّحه المركز السينمائي المغربي للمنافسة في مهرجان 'الأوسكار'
للعام
الحالي.
و'كازانيغرا' الذي يقول مخرجه إنه يقدم الوجه الآخر لمدينة الدار
البيضاء (ومن ثم أطلق عليها ذلك الاسم الذي يعني 'الدار السوداء') فيلم
تُستعمَل
فيه لغة سوقية مبتذلة أثارت امتعاض واستياء الكثيرين، كما أن تركيزه على
ظواهر
سلبية بعينها في العاصمة الاقتصادية للمغرب أثار تساؤلات عديدة حول مضمون
الفيلم
وأهدافه.
يبدو أن العديد من المخرجين المغاربة ينجزون أفلامهم وفق نظرة الأجانب
لهذا البلد، وكذا رغبةً في احتلال مراتب معينة في تصنيفات المهرجانات
السينمائية
العالمية... استثناءات قليلة تشذّ عن هذه القاعدة، من بينها المخرج محمد
عسلي الذي
سبق له أن قدم رؤية متوازنة عن مدينة الدار البيضاء من خلال فيلمه
'الملائكة لا
تحلق فوق الدار البيضاء'. ويتذكر المتتبعون كيف أن هذا المخرج انتهز فرصة
تتويج
فيلمه في مهرجان مدينة طنجة السينمائي قبل بضع سنوات، ليثور ضد فيلم
'ماروك' الذي
اعتبره يسيء للهوية المغربية، ومع ذلك حظي بدعم سخي من لدن المركز
السينمائي
المغربي. وقد شعر المسؤولون عن التلفزيون المغربي بحرج شديد وهم يرون
المخرج محمد
عسلي يمرر أفكاره تلك بصوت مرتفع خلال النقل المباشر لحفل اختتام مهرجان
طنجة.
المغرب.. كما يُقدَّم من خلال العديد من الإنتاجات الدرامية والسينمائية
المحلية، بلد الانحرافات السلوكية والمظاهر الاجتماعية المخزية. وبذلك،
ترسم تلك
الأعمال الفنية صورة قاتمة عن الوطن. صحيح أننا لا نطالب كتاب السيناريوهات
والمخرجين بالقفز عن الواقع المغربي، ولكننا ننتظر منهم أن يكونوا موضوعيين
ومتوازنين في التعامل مع بلدهم/ بلدنا. المغرب ليس فقط مخدرات وبطالة
ودعارة ورشوة
و'مخزن'، وإنما هو أيضا وأساسا هو هذا السخاء والتنوع في التراث والطبيعة
والتقاليد
وجماليات المعمار التقليدي وحياة الناس... سخاء وتنوع يشمل مناطق البلاد،
في سهولها
وجبالها وصحاريها وشواطئها.
فلماذا لا تلتفت جل الأعمال الدرامية المغربية إلى
هذه المعطيات، علما بأن الاشتغال في
السينما أو في التلفزيون هو اشتغال على الصورة
وجمالياتها؟ هل يُعقل أن نترك الجماليات الطبيعية في بلد كالمغرب، ونركز
فقط على
مظاهر البؤس والاشمئزاز؟ وللمفارقة، أن الكثير من المخرجين العرب والأجانب
هم من
يحسنون استثمار هذه المعطيات الجمالية حينما يصرّون على تصوير مسلسلاتهم
وأفلامهم
في المغرب.
نحن لا نطلب من المخرجين المغاربة أن يحوّلوا أعمالهم إلى مجرد
بطاقات بريدية أو وسائل دعاية سياحية،
ولكننا نأمل منهم أن يعملوا على توظيف مختلف
مكونات الفضاء المغربي في أعمالهم بشكل متوازن ومنصهر مع مضمون كل عمل
ورؤيته
الدرامية.
ومادام الشيء بالشيء يُذكر، يلاحظ أن الأعمال الدرامية التركية ـ التي
غزت هذه الأيام التلفزيونات العربية ـ تحفل بتلك العناصر التي تحدّثنا
عنها؛ هناك
في كل عمل حبكة قصصية وصراع بين الشخصيات وخطابات مضمرة أو معلنة، ولكن
هناك أيضا
صورا رائعة تنقلها الكاميرا وتشكل خلفية للممثلين وهم يتحدثون ويتنقلون من
مكان
لآخر. ومن ثم يمكن للمشاهد أن يستمتع بجمالية الطبيعة والعمران التركيين،
إلى جانب
استمتاعه بجاذبية شكل ومضمون المسلسل التلفزيوني. فلا عجب، إن وجد المشاهد
نفسه
يتوق للسفر إلى تركيا للتملي برؤية تلك المناظر عن كثب.
إذا كنا نود خدمة وطننا
حقا، فلننصفه في كل أعمالنا التلفزيونية والسينمائية، عوض أن نقدّمه للعالم
بشكل
مقرف، يجعل الأجانب يفرون منه نحو وجهات أخرى.
رسائل مشفرة وأخرى
صريحة
في أحد الحوارات الصحافية، قالت الإعلامية المغربية مليكة ملاك إن
العديد من المسؤولين السياسيين المغاربة كانوا يستغلون فرصة استضافتهم في
برنامجها
الحواري الشهير 'في الواجهة' (الذي كان يقدم في القناة الثانية ما بين 1998
و2004)
لتمرير 'رسائلهم' إلى الدوائر العليا، والمقصود بها طبعا الملك ومستشاريه
الخاصين.
بمعنى آخر، إن صاحبة البرنامج المباشر حينما كانت تطرح عليهم الأسئلة،
لم يكونوا يضعون نصب أعينهم المواطن المغربي والتعبير عن انشغالاته
وانتظاراته،
بقدر ما كان يهمهم رضا السلطات العليا والتزلف إليها.
توقّفَ برنامج 'في الوجه
الآخر' قبل ست سنوات، ولكن هذا التوصيف ما زال قائما وسائدا، حيث وجد مكانه
الخصب
في برنامجين سياسيين، أولهما 'حوار' الذي يقدمه على الأولى الإعلامي
المخضرم مصطفى
العلوي، والثاني 'تيارات' الذي يقدمه الإعلامي عبد الصمد بن شريف على
القناة
الثانية. وكثيرا ما يثير بعض ضيوف البرنامج الجدال بسبب تصريحاتهم
وأقوالهم. نذكر
على سبيل المثال لا الحصر الزوبعة التي أثارها وزير سابق وقيادي في حزب
'التجمع
الوطني للأحرار' هو رشيد الطالبي العالمي؛ ففي خضم التقارب الموجود منذ عدة
شهور
بين هذا الحزب الحكومي وحزب الدولة المدلل 'الأصالة والمعاصرة' الذي يقف
خلفه صديق
الملك وصانع الخريطة السياسية الحالية فؤاد علي الهمة، سُئل الوزير السابق
رشيد
الطالبي العلمي في برنامج 'تيارات' عن إمكانية التنسيق مع حزب 'العدالة
والتنمية' (الإسلامي
المعارض)، فأجاب بالنفي، معتبرا أن هذا الحزب يشتغل على مشروع سياسي
مختلف تماماً عن 'المشروع الديمقراطي الحداثي' الذي يقوده العاهل المغربي.
لسان حال
المتحدث هو: (نحن مع الملك، والإسلاميون ضد الملك).. يا لها من مزايدة
سياسية فجة
ومحاولة لتأليب السلطة على 'العدالة والتنمية' ولغة تزلف مبتذلة تجاه
الدوائر
العليا! وطبعا، لم يترك الحزب الإسلامي الفرصة تمر دون الرد على تصريح
الوزير 'التجمعي'
من خلال منصة البرلمان، بالقول إنه يسعى لإقحام اسم الملك في الخلاف
السياسي والتنافس الانتخابي...
تصريح الوزير المذكور جاء في سياق تقارب حزب
'التجمع الوطني للأحرار' مع حزب 'الأصالة والمعاصرة' وتوجُّه
الأول نحو التماهي في
الثاني والذوبان المرتقب فيه، وبما أن
المنطق البراغماتي يقول 'عدو صديقي.. عدوي'،
فإن حزب 'العدالة والتنمية' أصبح خصماً لكل من يقولون إنهم مع المشروع
الملكي. لكن،
هل ثمة في السياق المغربي مشروع غير هذا المشروع ذاته؛ ما دامت التجربة
بيّنت أن
الأغلبية الحكومية والمعارضة معا تفتقران ـ للأسف الشديد ـ إلى مشروع
مجتمعي فعال
وناجع وفي مستوى تطلعات البلاد والعباد، ومن ثم نجدهما تقطعان صلتهما
المباشرة
بالمواطن بعد انقضاء كل استحقاق انتخابي، وتحاولان تعويض هذا الغياب بالبحث
عن
مواقع ضوء من خلال كاميرا التلفزيون، أملا في إيصال رسائلهما مشفرة وأخرى
صريحة إلى
أهل الحل والعقد!
*كاتب صحافي من
المغرب
tahartouil@hotmail.com
القدس العربي في
08/03/2010
تقدم المجتمع السوري في الثمانينات 'لعنة الطين':
دراما
تلفزيونية ترقص مع الرقابة
يارا
بدر/ دمشق
بدأت الصحف العربية حملتها الإعلانية
الدورية ترويجا لأعمال الدراما السورية في موسمها الرمضاني الجديد 2010،
ومن أبرز
هذه الأعمال ـ على ما يبدو ـ دراما السيناريست سامر رضوان 'لعنة الطين'
والتي ستحمل
توقيع أحمد إبراهيم الأحمد مخرجا وهو من إنتاج شركة 'قبنص للإنتاج الفني'.
و
تعود أهمية هذا العمل ـ مبدئياً ـ إلى نقطتين هامتين، الأولى
وهي الأهم، محاولة
العمل اقتحام أطياف سنوات كاد الكثيرون أن ينسوها في سورية، ألا وهي
ثمانينات القرن
المنصرم، التي شهدت متغيرات سياسية حاسمة على الصعيد الداخلي، انعكست
آثارها بشكل
مباشر في ذلك الوقت، ولعلنا لا نزال إلى اليوم نشهد حاضراً بُني على
مخلفاتها أو
آثارها غير الظاهرة مباشرةً. وفي هذا المستوى النقدي لن نتمكن
من قول كلمة الفصل
إلا بعد متابعة أحداث المسلسل ذي الحلقات الثلاثين.
أمّا النقطة الثانية فهي
إعلانية بحتة، حيث ينهض العمل استناداً إلى أسماء مجموعة من نجوم الشاشة
الرمضانية،
نذكر منهم كل من: (سمر سامي- خالد تاجا- فارس الحلو - كاريس
بشار - فايز قزق- عبد
المنعم عمايري- عبد الهادي الصباغ- مكسيم خليل- أندريه سكاف.. وآخرين).
من جهة
ثانية يختار كاتب المسلسل الاشتغال على الثنائية الأيديولوجية، حيث يتقابل
الخير
والشر باستمرار، فنشاهد البطلين المركزيين- بطل الخير في مواجهة بطل الشر-
و يتشكل
الخط الدرامي الرئيسي من وقوع ابن الريف 'عامر' ضحية مسؤول
كبير ونافذ هو 'عبد
العليم علام'، ومقاومته لهذا الدور عبر مقاومته لسلطة المسؤول وفساده، بما
تشي به
هذه التسمية من تشابه مع السيد 'عبد الحليم خدام' نائب رئيس الجمهورية
سابقا والذي
خرج من السلطة، أو أخرج منها على أرضية اتهامات بالفساد المالي
والإداري. ونأمل هنا
أن ينجح أصحاب المسلسل النفاذ بعملهم خارج مطب الثنائيات الأيديولوجية
والشخصيّات
النمطيّة الجاهزة، وتحديداً شخصيّة ابن الريف البسيط والساذج والشجاع
القادم إلى
المدينة بكل براءة الأرض البكر، مقابل ابن المدينة الذي يحمل كل سفالات
وأخلاق
المجتمع النقيض، كذلك نأمل ابتعاد العمل عن أنموذج المعالجة
الدرامية النمطيّة،
خاصة التي تقارب القضايا فاتحة الشهية لمقص الرقابة السوري، والتي تحدد
الفساد
وأشكاله في شخص رجل واحد- أياً كان شكل السلطة التي تمنح هذا الشخص القدرة
على
استغلال الآخرين- وكأنّ القضاء على هذا الرمز سيجتث الفساد من
جذوره.
من جهة
الحكاية، يتناول المسلسل القضايا الاجتماعية لثنائية الريف- المدينة دون
التورط في
المزيد من المتاعب، وإن كان يحاول بهذا تغطية خارطة اجتماعية
عريضة تمتد من النظم
الحاكمة لبُنى علاقات الريف إلى نظم علاقات المدينة، ونتائج العلاقات
التبادلية ما
بينهما، وهي محاولة سبق وأن تعرّضت لها مجموعة ضخمة من أعمال الدراما
السورية، دون
أن ينجح أي منها- وللأسف- في ترك بصمته المتميزة كعلامة فارقة
في هذا الصدد. فيما
تتكئ هذه المحاولة النقدية على حبكة درامية مشوقة عن عوالم المهربين التي
يحاول
مجموعة من طلبة الجامعة التصدي لرجالاتها الخارجين عن القانون، حتى وإن حظي
هؤلاء
بدعم بعضٍ المتنفذين.
ينطلق المسلسل من البيئة الاجتماعية لقرية صغيرة، يغادرها
الشاب 'عامر- مكسيم خليل' إلى المدينة بهدف الدراسة الجامعية، في هذا الوقت
تتعرّض
عائلته للاحتيال من قبل أحد النصابين، ممّا يضعها في مواجهة مجموعة من
الظروف
القاسية. أمّا 'عامر' فيُمثّل مبرراً درامياً لمقاربة طبيعة
العلاقات الإنسانية
والثقافية التي مّيزت طلبة الجامعة السورية في الثمانينات عن طلبة الأيام
اللاحقة
بقدرتهم على خلق حراك اجتماعي فاعل ومؤثر، خاصة وأن تلك الفترة شهدت أكبر
سوق
للتهريب ما بين سورية ولبنان، باعتبارها فترة الحصار الاقتصادي
على سورية وما ترافق
معها من ندرة للمواد الغذائية آنذاك.
إلاّ أنّ مقص الرقابة الجاهز دوماً لالتهام
المزيد، يقف حتى تاريخه متأهباً أكثر فأكثر لحذف المزيد من مشاهد شريط هذا
المسلسل
الذي يُصوّر حالياً في دمشق، حيث ذكر الكاتب 'رضوان' لـ 'وكالة الصحافة
الفرنسية'
أنّ الرقابة: (طالبتنا بحذف 136 مشهداً... من بينها مثلاً حذف أسماء شخصيات
لبنانية، بذريعة أننا لا نعرف في أي ظرف سيُعرض المسلسل).
وهنا لا يمكننا سوى
استعادة مسلسل 'حمام القيشاني' من توقيع المخرج والممثل، الراحل، القدير
'هاني
الروماني'، حيث تناول المسلسل عبر أجزائه الخمسة الحراك
السياسي والثقافي
والاجتماعي الذي شهدته سورية في مختلف شرائحها الاجتماعية منذ استقلالها
عام 1947
وحتى عهد الوحدة بين سورية ومصر، ومن بعده الانفصال، ليتوقف المسلسل مع عام
1963 أي
قبل عام ونصف تقريباً من ثورة الثامن من آذار، وقد قدّم المسلسل الشخصيّات
التاريخية بأسمائها الحقيقة وتعامل معها كشخصيات تاريخية، من
'خالد العظم' إلى 'أنطوان
سعادة' والعقيد 'عدنان المالكي' وصولاً إلى 'جمال عبد الناصر' وسواهم. هذا
فرق رقابي بسيط جداً في التعاطي مع الأحداث والشخصيّات التاريخية التي
يعرفها
الجميع والموثقة في جميع المراجع والكتب بالكلمة والصورة، لكن
هذا الفرق يُمثّل
مؤشراً هاماً في ما يخص أزمة الرقابة السورية التي امتدت من الرقابة على
الحاضر
والمستقبل الخيالي، إلى الرقابة على التاريخ، والأسوأ أنها رقابة تطالب
اليوم
بتزوير هذا التاريخ، وإن كان على مستوى حذف أسماء الشخصيات.
فهل هي دعوة رقابية
لجميع العاملين في حقول الإنتاج الفكري والثقافي والفني إلى تعلّم فن
المراوغة
مُسبقاً، واستبدال عبد الحليم خدام بعبد العليم علام مثلا؟!
وهي بالطبع مراوغة تجاه
الجمهور في هذه الحالة، إذ يبدو مجال المراوغة معدوماً أمام المقصٍ الرقابي
الذي
يزداد حدّة وتواتراً في تعاطيه مع الصورة البصرية والمنتج الفكري وحتى
المادة
التاريخية.
المحور المهم في قضية علام المسؤول وعامر ابن الريف الذي يدخل
السجن، أن خروج عامر من المعتقل بعد عشرين عاما يترافق مع هرب
علام خارج البلاد
بعدما افتضح أمر تورطه بالفساد، فهل انتهى مسلسل الفساد حقا؟ وهل غادر
المفسدون من
متردم؟!
القدس العربي في
08/03/2010
ملف الدراما العربية
سؤال
الارتقاء بذاتها وترقية المجتمعات والمدن
إبراهيم غرايبة
–
الأردن
تقدر الأعمال العربية الدرامية (المسلسلات)
التلفزيونية التي بثت في شهر رمضان لهذا العام بحوالي مائتي عمل، نتحدث عن
حوالى
بليون دولار أنفقت على الدراما هذا العام، وعلى رغم ذلك فإنها أعمال يغلب
عليها
أنها لا ترقى إلى التعبير عن متطلبات المدن وحياتها وتشكلاتها،
وهي الفلسفة
الأساسية المفترضة للدراما والرواية في الحياة المعاصرة، وهذا هو السؤال
الملح
المفترض أن يشغل اليوم المهتمين بالثقافة العربية، لماذا ننفق كثيرا ولا
نحصل على
ما ننتظره من الأعمال الروائية والدرامية؟ كيف ترقي الدراما
العربية إلى المستوى
المأمول والمنتظر منها لتلبي تطلعات المشاهد العربي والمدن العربية إلى عمل
جميل
يضيف إلينا أشياء ومعاني جميلة تحسن حياتنا وتمنحها جمالا وقدرة على تطوير
وتجديد
مواردنا؟
كيف تحول شهر رمضان إلى موسم الإنتاج الدرامي في الوطن العربي؟،
فالمسلسلات يجرى الإعداد لها على مدى العام لتبث في رمضان، ولم
تعد تصدر مسلسلات
جديدة في غير رمضان، وفي الوقت الذي تزدحم فيه الشاشات العربية بالمسلسلات
الجديدة،
فسوف يمضي المشاهد بقية العام بلا مسلسل جديد، وستكون فرصته في عملية
الاجترار التي
ستمارسها المحطات التلفزيونية ليشاهد مسلسلا لم يتح له مشاهدته
في رمضان.
ويجب
أن تكون المسلسلات الرمضانية بالطبع تتكون من ثلاثين حلقة على الأقل لتناسب
طبيعة
الموسم الرمضاني، فيغلب على المسلسلات طابع الإطالة المتعمدة وبطء قاسي في
الإيقاع،
ومبالغة في عرض المشاهد الفقيرة ابتداء، وتحشى المسلسلات
بحوارات وأفكار ومشاهد
بقصد ملء الفراغ، فتتحول مشاهدة المسلسل إلى عملية تعذيب.
وتسطح الشخصيات
والمشاهد لأن الخيال والتعقيد يقع ابتداء في التكثيف والبلاغة التصويرية
التي
يستغنى عنها لأغراض الإطالة وتقليل التكاليف، ولأن العمل
الروائي الذي يحتاج
التعبير عنه إلى جهد درامي وإخراجي استثنائي ومكلف يصبح لا يصلح، فيستغنى
عن
الأعمال الروائية الناجحة والقوية والتي لقيت قبولا ونجاحا بصفتها عملا
أدبيا ممتعا
وناجحا، ليكون البديل الكتابة خصيصا للمسلسلات التي ستعد، فتختار أعمال لم
تخضع
للتنافس ولا جربت في سوق النشر والتوزيع والقراءة، بل وتكتب
وتصاغ على النحو الذي
يبسط عملية الأداء والتصوير والإخراج ويقلل تكاليفها إلى الحد الأدنى.
وبسبب ضغط
العمل والوقت فإنها غالبا ما تكون قد أعدت على عجل اعتمادا على مظنة غباء
المشاهد،
أو قبوله بكل ما يعرض أمامه أو يفرض عليه، واستنادا إلى ذكريات تفرد
التلفزيونات
الرسمية وسيطرتها على الفضاء، مما جعل الدراما تعرف أقزاما
ومجاهيل لا علاقة لهم
بالأدب والفن سوى العلاقات الرسمية والشخصية، وتجاهلا لانفتاح الفضاء بلا
حدود،
والإتاحة اللا نهائية التي يمنحها الريموت كونترول للمشاهد.
هذه المقدمة لا تنفى
أن الدراما العربية تتضمن إيجابيات كثيرة وأنها بخير وعافية وتشهد زخما
كبيرا يدل
عليه العدد الكبير للمسلسلات، والقدر الكبير من الأفكار والصور واللمسات
الإبداعية
الجديدة والتطور في الإعداد والتصوير والإخراج، واستحضار التاريخ والتحديات
والتحولات الكبيرة التي تجري على المجتمعات والدول، والأفراد
أيضا، وتؤشر على رغبة
وإرادة لدى القائمين على محطات التلفزيون والمؤسسات الإعلامية على إنتاج
أعمال
درامية جميلة.
ولكن الدراما العربية التي وظفت الوحدة اللغوية العربية جيدا،
واستفادت من انتهاء احتكار الفضاء، بحاجة أن تجتاز قواعد
التسويق الجديدة التي تفرض
توقيت المسلسلات في رمضان وأن تكون ثلاثين حلقة بالتمام والكمال، وربما
تحتاج إلى
تحول استراتيجي باتجاه السينما لتحتكم مباشرة إلى الجمهور، وتعتمد على
التذاكر
والوسائط الفردية للعرض، وتكسر قاعدة الاعتماد الاستراتيجي على المحطات
التلفزيونية في التمويل والتسويق، لأنها مهما كثرت لن تكون
سوقا ينشئ تنافسا وعرضا
وطلبا يطور الدراما ويجعلها تحت المراقبة والاختبار.
ربما يصلح "الإرهاب" مثالا
أو حالة دراسية لملاحظة السلوك الإعلامي والتسويقي للدراما العربية ومحاكمة
الفلسفة
والرؤية المحركة لهذه الأعمال، فقد احتل الإرهاب مساحة واسعة من الدراما،
وربما كان
للمرة الأولى المحور والموضوع الأساسي الذي يدور حوله مسلسل طويل، ولكن
الدراما
العربية في معالجتها للإرهاب ومكافحة الإرهاب لم تخرج عن
أساليب تسويق الشامبو
والعطور، فتقديم الإرهاب على هذا النحو المبسط وفي هذا السياق من التعامل
الإعلامي
والدرامي والاستخباري مع ظاهرة الأصولية والعنف يكاد يندرج في حراك الإعلام
والسياسة ودوامة الاستدراج والتضليل التي تتحول إلى دائرة لا
يعرف لها بداية ولا
نهاية، فيغرق الناس في موجة من المعالجات والصور والأخبار والتحليلات
والمقابلات
والتحقيقات والمعلومات، والتي تكون في قدر من الضخامة والتكرار لا يعود أحد
معها
قادرا على الفرز والتحليل والتمييز بين المهم والأقل أهمية
وعديم
الأهمية.
وبالطبع فإن فهم العنف والتطرف واستيعابهما ومواجهتهما قضية بالغة
الأهمية عالميا وإقليميا ووطنيا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا،
تاريخيا وجغرافيا،
وجيوسياسيا وجيوستراتيجيا، ولكن ما نشاهده ونقرأه ونسمعه مما تقوم به
الصحافة
العالمية المقروءة والمرئية والمسموعة ووكالات الاستخبارات.. لا يتجاوز
التسلية
والعبث و"الضحك على اللحى".
وأقتبس هنا للتفكير والتأمل جزءا من دراسة للفيلسوف
الفرنسي جان بودريار للإرهاب، فهو يقول: "نحن (الغرب) الذين أردنا هذه
الأحداث وإن
ارتكبها (هم)، وإذا لم ندرك ذلك يفقد الحدث كل بعده الرمزي، فيبدو حادثة
محضة نفذها
بضعة متعصبين يمكن القضاء عليهم وإزالتهم من الوجود، والحال
أننا نعلم جيدا أن
الأمر ليس كذلك".
الجزيرة الوثائقية في
08/03/2010 |