نحن الآن أمام أحد أخطر المواقف التى تمر بها السينما المصرية..
الخطورة تأتى من الأنباء التى تتصاعد بقوة
وتمثل العنصر الرئيسى الآن فى اهتمام كل
العاملين بالصناعة وبالإنتاج السينمائى.. باختصار فإن هذه
الأنباء تتحدث عن قرب
حدوث صفقة بمقتضاها يبيع الشيخ صالح كامل صاحب شبكة قنوات راديو وتليفزيون
العرب ART
مكتبته من الأفلام المصرية كاملة والتى تضم أكثر من 1200 فيلم، أى ما يمثل
ثلث
تراث السينما المصرية عبر تاريخها كله.
نحن إذن أمام أزمة ليست فنية ولا إنتاجية فقط فالبعد السياسى حاضر
فيها وبقوة سواء لأن هذه المكتبة تمثل تاريخا مصريا موثقا لا يقدر بثمن أو
لأن
الأفلام السينمائية أصبحت الآن وأكثر من أى وقت إحدى وسائل
القوى الناعمة لأية دولة
تمتلكها. والحاصل الآن هو أن الدولة لا تمتلك تراثها السينمائى الذى ضاع
على مراحل
وأصبحت ملكيته موزعة بين الثلث الذى يملكه صالح كامل والثلث الذى يملكه
الوليد بن
طلال، بينما يتناثر الجزء المتبقى بين جهات إنتاجية عدة بعضها
منتجون أفراد والقليل
منها فى حوزة الدولة. والسؤالان اللذان ينبغى طرحهما الآن:
من سينجح فى
الحصول على هذه الصفقة إن تمت فيؤول إليه ثلث تراث السينما المصرية؟ وهل
ستنتبه
الجهات المعنية فى مصر «تحديدا وزارة الثقافة ووزارة الإعلام» فتحاول
استغلال
الفرصة الأخيرة لاسترجاع جزء من التراث الذى ضاع على مرأى
ومسمع منها.. هل تدرك
وجود صفقة بهذا الشكل أصلا؟أم أنها غافلة عنها كما حدث فى صفقة بيع قنوات
وتعاقدات
ءزش الرياضية التى اشترتها الجزيرة واكتفت وزارة الإعلام بدور المتفرج؟ هل
تدخل
إحدى هذه الجهات لتحاول الشراء أم أننا سنسمع تصريحات من وزيرى
الإعلام والثقافة من
نوع «نحن لا نملك المليارات المطلوبة فى هذه الصفقة» أو «الأفلام لم تعد
مجرد
شرائط، بل أصبحت ملكا للجميع ولا يستطيع أحد أن يوقف تداولها وهى تصريحات
تخلط الحق
بالباطل وتتجاهل حقيقة مرة تقول إن تليفزيون مصر عاجز عن عرض أى أفلام
جديدة ويجدد
حقوق عرض الأفلام القديمة بتعثر شديد.نتمنى ألا يفيق الجميع
على إطلاق قناة الجزيرة
أفلام بحيث يصبح لا عزاء لمصر.
شد وجذب
المثير فى
الأمر أن قطر عبر ذراعها الإعلامية «الجزيرة» تلقى مقاومة سعودية من خلال
الأمير «الوليد بن طلال» الذى ظهر فى الصورة مجددا
بعد أن كان قد أوشك على اقتناص الصفقة
فى بدايتها لولا الأزمة المالية العالمية التى طالته أيضا.. كل
ذلك ويبدو أننا
بعيدون عن مجرى الأحداث رغم تنامى أقوال أن وزارة الثقافة المصرية على غير
العادة
فى هذه الأمور أدركت خطأها السابق عندما مرت من أمامها صفقة الأفلام التى
حازت
عليها من سنوات «هيرمس»، وآلت إلى الشركة العربية التى يملكها
الأردنى علاء
الخواجة، وأنها تدرس حاليا وتفكر فى شراء الأصول، وإن لم تعلن عن ذلك صراحة
حتى
اللحظة، أو تأخذ فيها خطوات جدية واكتفت بمرحلة الدراسة!
قصة بيع أفلام
art
بدأت بعد إصابة الشيخ «صالح كامل» بكسر فى الحوض تطلب إجراء عملية
جراحية سوف تحتاج
عملية أخرى، وذهب إلى مقر شركته على كرسى متحرك، كما أنه أجرى عملية قلب
مفتوح منذ
فترة قصيرة - عام تقريباً - كان أثناءها أن نشب صراع بين أولاده وتم تهديد
نجاحات
شبكته مع انتشار وصلات الدش فى كثير من الدول العربية وانتهى إلى تصفية
قنواته
وتقسيم الباقة الرياضية وبيعها للجزيرة، على أن يكون ذلك نصيب
أولاده السعوديين وهو
ما لقى رفضاً داخل السعودية التى لم تستسغ الصفقة وحاولت إيقافها وأبدت
تخوفاً من
نقل مباريات الدورى السعودى على قناة قطر!
التركة الكبرى
أما قنوات الأفلام فكانت قسمته لأولاده من زوجته «صفاء أبوالسعود»
وكان
مقرراً لها أن يتم بيعها إلى «الوليد» مقابل 6 مليارات دولار، وهى الأضخم
نظراً
لأنها تضم أكبر مكتبة للأفلام العربية فى الشرق الأوسط، لولا
الأزمة المالية التى
أجبرت «الوليد» على بيع 09,9% من شبكة روتانا الإعلامية الى امبراطور
الإعلام
اليهودى الأسترالى «روبرت ماردوخ» صاحب مجموعة «نيوز كورب» الإعلامية!
«الوليد» كان ينوى عبر تلك الصفقة السيطرة على أغلب التراث السينمائى
المصرى، بعد أن نجح مع إنشاء «روتانا سينما» فى شراء 800 فيلم مصرى مقابل
63 مليون
دولار من شركة «هيرمس» التى غرقت فى مديونيات بلغت 30 مليون
جنيه مما دفعها لإجراء
مزاد على الأفلام التى اشترتها فى صفقتها الاحتكارية الأشهر قبل سنوات
وأثارت ضجة
هائلة حينها!
هكذا أصبح ثلثا إنتاج السينما المصرية مملوكين لمستثمرين غير
مصريين، بينما الثلث الباقى موزع فى أيدى أفراد لا يملكون وسيلة للحفاظ
عليه أو
يتعاملون معه بمنطق البضاعة التى لا هدف من ورائها سوى البيع
والشراء، كما هو الحال
فى شركة «أوسكار» التى تمتلك نسبة لا بأس بها من الأفلام وكذلك المنتج
المصرى «جمال
الليثى».
ارتفاع متزايد
بخلاف القيمة الأدبية
والفنية لهذه الأفلام فإن قيمتها المادية هى الأخرى تزداد بمعدل متسارع،
حيث كان
متوسط سعر بيع أصول الفيلم الواحد ما بين 20-25 ألف دولار وصلت إلى 120 ألف
دولار
حين اشترى «الوليد» حصة «هيرمس» وحاليا حددت «إيه آر تى» السعر المبدئى
للتفاوض بـ
136
ألف دولار للفيلم الواحد قابلة للزيادة فى حالة إجراء مزاد بين
المتفاوضين معها
وهو المتوقع لتصل إلى أرقام فلكية!
المعلومات الجديدة التى حصلنا عليها
تشير إلى أن كيان الشركة نفسها قد يتغير بالكامل.. فالشيخ صالح
أو بمعنى أدق أبناؤه
يدرسون احتمالات تغيير شكل المجموعة.. ومن أهم الأطروحات التى تتم مناقشتها
اندماج
شبكة الـ art
مع كيان آخر قد يكون قناة تليفزيونية كبرى.. أو مع كيان سينمائى كبير.
حديث جانبى
المنتج «محمد حسن رمزى» ذكر لنا حديثا
دار بينه وبين الشيخ «صالح» فى ديسمبر الماضى سخر فيه الشيخ من
فكرة البيع ونفاها
تماماً معتبراً إياها مجرد شائعة وأن حوارا آخر دار منذ شهر تقريبا بين
«هديل» وبين «رمزى».. أكدت له أن الشبكة تعيد هيكلة
أوضاعها بعد بيع الباقة الرياضية، ولكن هناك
العديد من المؤشرات يجب أخذها فى الاعتبار مثل أن «صالح كامل»
فى الفترة الأخيرة
ابتعد عن إدارة القنوات وتركها لأبنائه الأربعة ولابن وزير سابق تربطه به
علاقة
مصاهرة وأيضا لزوجته «صفاء أبوالسعود».. فحتى ابنته «هديل» لم يعد تواجدها
داخل
القنوات بنفس الكثافة.
الشيخ «صالح»
لم يكن يفكر فى البيع، فقنوات الأفلام
بالنسبة له كما قال للمقربين منه بمثابة طفله الأول الذى لا يستطيع التخلى
عنه ونفس
الأمر بالنسبة لزوجته! ولكن الوضع ليس كذلك بالنسبة لأبنائه خاصة أنه متفرغ
الآن
لدوره فى العديد من المنظمات الإسلامية الدولية.. فهناك مؤشرات
تقول أن أبناءه
الكبار لديهم النية لبيع القنوات ولكن هذا لن يحدث الآن.. ربما بعد عام
ولكن ليس
الآن على الأقل لأن القنوات تمر الآن بحالة تطوير على أمل أن تصمد للمنافسة
بعد أن
خسرت ما يقرب من 60 % من مشتركيها عقب بيع الباقة الرياضية بعد أن كان عدد
المشتركين يتجاوز المليون و نصف.
صحوة متأخرة
فى
حال أن أصبحت صفقة البيع حقيقية على 3 جهات مصرية أن تتحد لشرائها «وزارة
الثقافة»، «التليفزيون
الرسمى» «وزارة المالية» هذا ما يراه المنتجون المصريون الذين لا
يملكون حتى 20 بالمائة من سعر الصفقة الذى قد يتجاوز الـ5 مليارات جنيه.
ما
نعلمه أن «ART»
حتى فترة قريبة للغاية مازالت تشترى أفلاما من المنتجين المصريين،
حيث يتراوح سعر الفيلم بين 150 ألف دولار و250 ألف دولار..
ولكن هذا ليس دليلا على
تحسن الأوضاع لأن ما لا يعلمه الكثيرون أن الشيخ «صالح» ظل لفترة طويلة
يشترى حق
عرض الأفلام ليس فقط لشركته بل لأقمار كاملة لمدة خمس سنوات.. أى أنه كان
يتزعم
شراء الأفلام وتوزيعها على الفضائيات الأخرى ولكن هذا توقف
الآن ولم يعد يحدث.. حيث
أصبحت تكتفى بشراء حصتها هى فقط من الأفلام والتى تصل إلى 24 فيلما فى
السنة بمتوسط
سعر 200 ألف دولار للفيلم الواحد.
أيضا لفترة طويلة لم تكن
«ART»
تشترى فقط
حق العرض المشفر للأفلام وإنما كانوا يقومون أيضا بشراء نيجاتيف الأفلام
ولكن مع
الأفلام ذات المستوى المتوسط.. حيث كان يصل سعر الفيلم إلى 15 مليون جنيه
أو على
الأقل كانت تشترى حق العرض على الفضائيات الأخرى والذى كان يصل
إلى 7 ملايين جنيه
وهذا ما كان يمثل دعما حقيقيا للمنتجين، خاصة أن تكلفة إنتاج الأفلام الآن
تصل إلى 25
مليون جنيه.. ولكن هناك معلومة خطيرة تشير
إلى أن «ART»
توقفت عن شراء الأصول
منذ أكثر من عام وأصبحت تكتفى فقط بشراء حق العرض الحصرى.
رقابة
داخلية
تجدر الإشارة أيضا إلى أن شبكة
«ART»
من الجهات التى تقوم
برقابة داخلية على الأفلام المصرية التى تعرض على قنواتها وبالتالى كانت
تحذف من
هذه الأفلام.. وأشهر مثال على ذلك واقعة فيلم «حين ميسرة» حين اتهمهم «خالد
يوسف»
بتشويهه.. ما يهمنا فى قضية الحذف هو ما إذا كانت تلك الأصول قد تعرضت للقص
أو
الحذف أم أنها مازالت كما هى؟!
«إيه آر تى» تمر بحالة من التخبط لم تشهدها
من قبل.. مسئولو القناة فى حالة سفر مستمر.. «ليالى بدر»
المدير العام التنفيذى
للبرامج على سبيل المثال بالكويت.. هاتف «صفاء أبوالسعود» مغلق طوال
الوقت.. أما «هديل صالح كامل» فممتنعة عن الحديث مع
الإعلام.. ومعظم المتحدثين باسم الشبكة
يتهربون من الرد على أى استفسارات أو أسئلة.
فى ظروف عادية كان من الممكن
أن تكون كل هذه الأشياء منطقية ولكن الأجواء مغلفة بحالة من
التعتيم تجعل من الصعب
الوصول إلى معلومة دقيقة من المسئولين عن شبكة القنوات.. أو ربما يمكنك
القول أن
القرار الحقيقى ليس فى متناول أيديهم وبالتالى لا يملكون معلومة دقيقة عن
مصير
الأفلام.؟
مجلة روز اليوسف المصرية في
27/02/2010 |