* في وسط زئير الاحتجاج علي الأفلام الجديدة التي تتضمن بعض المشاهد
المثيرة واللقطات التي تثير الجدل يأتي فيلم مختلف. خال من كل ما يثير شهية
الصحافة تجاه "المناظر" فيقل الاهتمام به برغم تميزه كعمل فني ينطلق من
تجربة مجموعة متكاملة من شباب السينما المصرية الموهوب. الكاتبة علا عز
الدين. والمخرج كريم العدل. ومدير التصوير عبد السلام موسي. والمونتير.
ومصمم الموسيقي. وأيضا الأبطال الجدد أحمد داود "سامح" ومريم حسن "شهد"
وآية حميدة "ليلي" والأطفال والمراهقون الذين أدوا أدوارهم وهم صغار. ثم
فريق الداعمين من الممثلين المقتدرين سوسن بدر وسامي العدل وسلوي محمد علي
وبطرس غالي. وممثل جديد هو هاني عادل الموسيقي الذي قام هنا بدور مثقف
ينتمي إلي حقبة راحلة بكل مفرداتها. حتي السيارة 128 القديمة.. الفيلم هو
"ولد وبنت" وهو عنوان مختصر لكنه قادر علي حمل كل المعاني والمشاهد المثيرة
لو أراد صناعه. ولكنهم أرادوا تقديم أنفسهم وعالمهم وأحلامهم كما يرونها.
بالرغم من الفكرة الخالدة. فقصة الحب بين ولد وبنت هي قصة الحياة منذ خلق
الله الأرض. ولقد أشبعتنا السينما بها منذ اختراعها. بكل اللغات وفي كل
المجتمعات. ومن هنا تأتي صعوبة تقديم فيلم عن حدوتة كالماء والهواء. ويأتي
طموح المؤلفة والمخرج والفريق لتقديم فيلم عن الشباب في مصر الآن. وأي آفاق
ينطلق منها وهو يصنع حياته.. فالولد والبنت هنا هما أبناء وإنتاج مجتمع
وطبقة. وهي هنا طبقة وسطي مستيرحة علي طريقة الستينيات. لم تشأ المؤلفة
تعميق ما حدث لها الآن من متغيرات إلا من خلال تقسيم شقة "سامح" إلي قسمين:
قسم للسكن. والثاني لعيادة والدته الطبيبة بعد أن اختفي الأب الذي سافر
ووعد بأنهم سيعودون إلي الرخاء في الأيام القادمة. أما "شهد" وحيدة
والديها. فقد شغفت باهتمام أبيها الكاتب الشهير حامد رضوان بها ومناداتها ب
"سندريللا بابا" ولسنوات توقف نموها العقلي عن تفسير عزلة أمها عن لقاءات
أبيها بنساء أخريات "قدمهن الفيلم في صورة مشكوك فيها" في البيت.. أما
"ليلي" صديقة شهد منذ الطفولة. فهي هنا بدون حيثية اجتماعية. لا وجود لها
إلا من خلال علاقتها بها. ثم تعلقها بسامح والذي يزداد وهي تري ابتعاده عن
شهد والتي مضت في طريق مختلف بعد موت أبيها وصدمتها البالغة برحيله. ثم
رفضها زواج أمها من المحامي! وعملها عارضة أزياء. الذي رفضه سامح فواجهته
بأنه مفلس وعاطل. ليغضب ويقرر لأول مرة. البحث عن مصير والعمل في شرم
الشيخ. وبسرعة الصاروخ "لا أدري كيف" يترقي حتي يصبح مديرا في الفندق الذي
عمل به. ولتذهب ليلي إليه طالبة القرب. وتعترف بحبها في مشهد مؤثر. لكنه لا
يتأثر لأنه يحب غيرها. والتي تحضر وتتشاجران قبل أن تختفي ليلي تماما.
ولتعود "شهد" لرفض الزواج من الحبيب بحجة أبيها وما فعله في أمها وحيث
يفترقان بعد مشهد عنيف أمام الأم ليضعنا الفيلم في علامات استفهام متعددة
حول شخصياته وأهمها شهد التي تبدو شخصية غير سوية. بل أقرب للمريضة. مضطربة
ومرتبكة وتحولاتها فجائية مثل علاقتها بالناقد بهاء ناصر. التي تطورت بدون
دافع حقيقي. وأيضا علاقتها بشاب ثري أهانها وهي قيمة لا تضيف شيئا ولو حذفت
لن يحدث شيء. وربما كان حرص المؤلفة والمخرج علي تجنب المشاهد المثيرة
دافعاً وسبباً لإقصاء بعضها رغم ضرورتها دراميا في مسيرة بطلة الفيلم. خاصة
علاقتها بأبيها ودخولها عالم عارضات الأزياء. غير أن عنصر البلاغة المفتقد
هنا لم يعوضنا لنفهم منطق البطلة. عكس الموقف في علاقتها بسامح. وهي علاقة
ممتدة منذ الطفولة ومشاغبات أيام المدرسة إلي بدايات الشباب. واختلافات
الشخصية لكل منهما وتطور دور الصديقة ثم انحيازها إلي حبيب صديقتها حتي ذلك
المشهد المهم لعرض "سامح" الزواج علي "شهد" في شرم الشيخ. ورفضها وهي في
السيارة وتصميمه علي عودتهما إلي القاهرة لطلب يدها من أمها الذي انتهي
بهما إلي خناقة كبري دفعته لضربها حين أعلنت انها ترفض الزواج أساسا بسبب
عقدتها من أبيها!.. ولنعود بعدها إلي مشهد البداية في الفيلم. الذي تقابلا
فيه بعد سنوات فراق طويلة اعقبت هذه الخناقة. وهو فلاش باك استغرق الفيلم
كله تقريبا حين تقابلت شهد وابنتها الطفلة "من الناقد الذي تزوجته بعدها"
مع سامح في محل ملابس وليتذكر كل منهما قصتهما معا.. حمل الفلاش الفيلم
بدون مصاعب لمن يراه منذ البداية. وهذا أمر يؤكد انتباه المخرج لعملية
التتابع الدرامي والسينمائي. ويلفت النظر أيضا قدرته علي اختيار ممثليه
وإدارتهم علي نحو بارع فشعرنا بقدراتهم بلا تعثر في موضوع يؤكد انحيازه أي
المخرج لسينما تخالف المنطق التجاري أساسا علي الرغم من كونه ينتمي لعائلة
منتجين كبار للسينما والتليفزيون في مصر. من الأمور الملفتة في الفيلم أيضا
مشاهد تطور العلاقة بين ثلاثي الدراما الأساسيين "سامح وشهد وليلي"
والاحتفاء بالمكان ودلالاته وقدرته علي الإضافة للدراما وهو ما أضاف له
مدير التصوير الكثير بفهمه للتكوين وأهمية الإضاءة وأيضا التنوع الموسيقي
الملاحق لاختلافات السرد في السيناريو ما بين الماضي والحاضر وتطور أحوال
الأبطال وإن وقع أحيانا في فخ الفجاجة بلا مبرر. أخيرا نحن أمام عمل فني
ينجح في تقديم جزء من صورة هذا المجتمع. لأن العشوائيات ليست فقط هذه
الصورة. وليست حياة الأثرياء وحدهم أيضا. ولكن هناك الوسطيين الذين خرج
صناع "ولد وبنت" من بينهم ليقدموا صورة فيها والصدق والجمال بقدر ما فيها
من أسئلة البحث عن الذات.. الآن.
magdamaurice1@yahoo.com
الجمهورية المصرية في
25/02/2010
ليل ونهار
عايشين اللحظة!!
بقلم:محمد صلاح الدين
قلنا مراراً وتكراراً أن قضايا الشباب من الطبيعي أن يتم تناولها علي
شاشة السينما. لأن السينما نفسها شابة. ومشاهديها من الشباب.. ومنطقي أن
تكون مشاكلهم وأزماتهم وطموحاتهم ونجاحاتهم أو حتي إخفاقاتهم هي المحرك
الأساسي لموضوعاتها.. ولكن تظل المشكلة هي في "المصداقية"!!
وفيلم "عايشين اللحظة" للمخرجة ألفت عثمان يعد ثاني تجاربها
السينمائية بعد "الحكاية فيها منة" وينشغل بقضايا الشباب مثل فيلمها الأول
تماماً.. لكن الطريف في الموضوع أنها تصر في فيلمها الثاني هذا. علي أن
يكون بطله هو أيضاً بطل الفيلم الأول "إيساف".. وهو مطرب كان يخوض تجربة
التمثيل لأول مرة علي سبيل الهواية.. ثم فجأة علق به. والغريب أنه كررها مع
نفس المخرجة أيضاً في ثقة متبادلة من الاثنين يحسدان عليها!!
من الواضح أن معظم المطربين والمغنين الموضات أصبحوا يعلمون جيداً أن
هيصة الغناء في الكليبات وعلي الفضائيات ليس لها أية قيمة.. حيث تكون مثل
فقاعة الهواء شكلها جميل وهي طائرة بألوانها الزاهية لدقائق تخطف فيها
العيون.. ثم سرعان ما تختفي وتبددها الرياح.. أما السينما فمازالت باقية
وخالدة أكثر.. فهي مثل الكتاب بالنسبة لسيل المطبوعات المنهمر في كل مكان..
ولكن تبقي مشكلة هذا الكتاب أو هذا الفيلم هي: ماذا يحمل بين طياته من مادة
نافعة.. وجميلة؟!
إننا نري شادي "إيساف" المذيع في إحدي القنوات الفضائية.. وهي كانت
فرصة ثمينة لانتقاد هذا المجال الذي يحمل الكثير من عمالة الشباب.. وأيضاً
من مشاكله وقضاياه.. لا أعلم كيف فات مخرجة الفيلم وهي أيضاً مؤلفته الوقوف
عند هذا المجال العصري المحمل بدوره بأسلحته الخطيرة في اقتحام حياة الناس
وتشكيل وعيهم.. ولكنها أبت إلا أن تقدم القشور. وتنغمس في حكايات تقليدية
وقديمة.. مثل أن يري الفتاة سهي "راندا البحيري" فيحبها من أول نظرة بعد
مشاجرة عابرة.. وطبيعي أن تغار عليه صديقته دنيا "إيناس النجار" وهي تمثل
الصورة النمطية للفتاة المنحلة بسبب حياتها السابقة في أوروبا.. وترديد
كلمات بشعة وساذجة مثل البحث بين الشباب عمن يلائمها بتجربتهم أولاً!!
ثم نري كريم "ياسر فرج" واخته ياسمين "ميار الغيطي" وهما من أسرة
معتدلة حيث يعمل والدهما ضابط شرطة. ومع ذلك يقعان في منافسات الشباب
الضائع ما بين طرقات الجامعات الخاصة.. وما بين صالات الديسكو بلا ضابط ولا
رابط!!
من خلال هذه العلاقات الجانحة بين الجميع. خاصة في هوس الغيظ والعناد
والانتقام التي يقودها شاب آخر من شلتهم "عمرو القاضي" رداً علي غيظ وكيد
كريم. تتم محاولة اغتصاب الأخت الصغيرة البريئة التي كادت تذهب ضحية هذا
الانفلات غير الأخلاقي الذي يحكم علاقات هذا الجيل. حتي ولو كان هناك حرص
من الآباء "فتوح أحمد وعايدة رياض" علي رعاية الأبناء!! وهو جرس إنذار يدقه
العمل حثيثاً للحرص علي التنشئة السليمة مبكراً ومنذ الصغر.. ولكن للأسف
ضاع المعني في هذا الكم من الصخب في شرح هذه العلاقات الكيدية والمفتعلة
أحياناً بين شباب اللحظة!!
هناك مشاهد وأغان تستغرقنا في حوارات الموضة مثل "التنفيض والتهييس"
وغيرها وكأنها مقصودة لذاتها.. وهي ليست بهذا القدر في مجتمع الشباب
المتعلم وبعيدة عنه كل البعد.. كما لم أفهم هذه المبالغة في أداء شخصية
المذيع الفضائي.. وهل هي مقصودة للسخرية منهم وهذا لم يظهر بوضوح.. أم أنه
ضعف في قدرات الممثل.. أم ضعف في أدوات التوصيل؟!
أيتها السينما الشبابية.. كم من الجرائم ترتكب باسمك!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
25/02/2010 |