كل نص جديد هو إعادة كتابة لنصوص قديمة، وكل فيلم
سينمائي هو إعادة إنتاج لأفلام قد سبقته، ولكن إذا كان الفيلم
مُقْتَـبِـساً الفكرة من فيلم واحد، يتشابه معه في جميع الأحداث الرئيسة،
ولا يختلف إلا بتغيير الأسماء والأماكن، فهنا يجب الإشارة ولو على استحياء
بالقول أنَّ فكرة الفيلم مقتبسة عن الفيلم الفلاني أو الرواية الفلانية،
احتراماً للحقيقة.
في مقدمة فيلم “ألف مبروك” بطولة أحمد حلمي وتأليف
خالد دياب ومحمد دياب، وإخراج أحمد نادر جلال، هناك إشارة إلى أنَّ الفكرة
مُقتبَسَة من أسطورة سيزيف الشهيرة، والحقيقة أنَّهُ مُقْتَبَسْ من فيلم
أمريكي، وسيزيفٌ منه بُراء، رغمَ أنَّهُ من أكثر الشخصيات مكراً في
الميثولوجيا الإغريقية، استطاع أن يخدع إله الموت ثانتوس ويكبله، فغضب زيوس،
وعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى
الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح رمز العذاب
الأبدي، والعقوبة ذات سمة مثيرة للجنون، لتكبر سيزيف وتعجرفه كبشر بأنَّه
بذكائه يمكن أنْ يفعل أيَّ شيء، ولذلك فإن الأنشطة غير سامية الهدف، أو
اللامتناهية توصف بأنها سيزيفية. وتمَّ اقتباس الأسطورة في آلاف القصائد
واللوحات والفنون والسرديات، وظهرت تفسيرات عديدة، سيزيف هو قرص الشمس الذي
يطلع كل صباح من الشرق ويهوى غاربا في الغرب، أو تجسيد لأمواج البحر
ارتفاعا وانخفاضا، وفي القرن الأول قبل الميلاد فسر الفيلسوف لوكريتوس
أسطورة سيزيف كتجسيم للساسة الذين يطمحون ويسعون باستماتة إلى الكرسي
والمنصب السياسي وأنهم مهزومون مغلوبون في مسعاهم بصفة دائمة مستمرة، وأن
السطوة والسلطة مجرد شيء فارغ خاو في حقيقته، واقترح فيلكر أنه يرمز إلى
الصراع العبثي للإنسان في سبيل المعرفة، وقال رايناخ هو رمز الكدح والمشقة
والحنكة والمهارة التي استخدمها في بناء السيزيفيوم، ورأي ألبير كامو في
كتابه “أسطورة سيزيف” أنَّ سيزيف يُجَسِّد لا منطقية ولا عقلانية الحياة
الإنسانية، وأن المرء لابد أن يتخيل أن سيزيف سعيد مسرور.
وتتناول أحداث فيلم”Ground Hog Day/ 1993”
أي “يوم فأر الأرض” قصة مراسل يغطى للمرة الرابعة حدثاً سنوياً اسمه يوم
فأر الأرض في بلدة أخرى يكرهها ويكره سكانها، وبعد انتهاء اليوم يستيقظ في
اليوم التالي ليجد أحداث ذلك اليوم تتكرر بأشخاصها وتفاصيلها، ويبقى في
دوامة هذا اليوم. ويجد شخصاً تصدمه سيارة، هذا المشهد الذي يتكرر كل يوم،
وتظل تتكرر في أيام حياته، ويحاول بشتى الطرق تغيير الأحداث، لكن النتائج
تكون متشابهة. وفيلم “يوم فأر الأرض”، يحتل المرتبة ١٧٦ ضمن أفضل ٢٥٠
فيلماً في تاريخ السينما العالمية، وفقاً لموقع «IMDB»، و”إذا سرقت فاسرق جَمَل” ففي عام 2006، تمت إضافة الفيلم إلى
الإرشيف القومي للولايات المتحدة للأفلام التسجيلية باعتباره قيمة حضارية
وتاريخية وجمالية كبيرة، ونجحَ في تأطير فكرة فلسفية عميقة عن الزمن في
إطار ترفيهي، بطل الفيلم “فيل” يجد نفسه في دوَّامة قسرية، يعيش في اليوم
نفسه مرارا وتكرارا، وتقع الأحداث عينها، وهو الشخص الوحيد في العالم الذي
يعرف حقيقة ما يحدث، وإنْ كان كلُّ إنسانٍ يشعرُ في لحظة صفاء عالية،
أحياناً أنَّ هذا الحدث أو هذا الحوار قَدْ سَبَقَ وأنْ عاشهُ على وجه
الدِّقة دون أدنى تغيير، وتمر على “فيل” حالات فزع ومرارة وتمرد ويأس
ومحاولات انتحار وتدمير الذات والتهور والجنون الساخر، ومن خلال هذه
التجربة الفريدة يبدأ في التعلم من نفسهِ، وَيُحَسِّـنُها.
(السينما الأمريكية هي الأُم الرؤوم للسينما في مصر.. فالمقتبس يأخذ
الحدوتة ويفبركها حسب رؤيته الخاصة، ثمَّ يصنع عملاً جديداً، ولا مانعَ أنْ
يكتبَ بعد ذلك اسمهُ كمؤلف، فلا أحد يراجعه، أو يحاسبه أو يسائله)محمود
قاسم- الاقتباس في السينما المصرية- الموسوعة الصغيرة عدد 225- 1986-
بغداد- ص40.
وفي ملحق الكتاب ذكر عدد كبير من الاقتباسات ومن أشهرها(فيلم الرغبة/ محمد
خان 1978، عن رواية جاتسبي العظيم فيتزجيرالد، وكان حسام الدين مصطفى
معجباً بدستويفسكي: سونيا والمجنون/ 1979 عن الجريمة والعقاب، وقبلها
الأخوة الأعداء/ 1975 عن الأخوة كارامازوف، والشياطين/ 1977)، واقتبس سمير
سيف فيلمه المشبوه/ 1980 من فيلم كان لصا لرالف نيلسون/ 1964، واقتبس محمد
عبدالعزيز فيلمه(عصابة حمادة وتوتو/ 1982، عن مرح ديك وجين/ لتيد كونشين
1976، واقتبس نيازي مصطفى فيلمه البحث عن فضيحة/ 1972 عن دليل الرجل
المتزوج لجين كيلي 1967، واقتبس يحيى العلمي فيلمه عروسة وجوز عرسان/ 1982،
عن ثلاثة للاستعراض لـ هـ. س. بيوتر 1954، وعن قبطان سفينة تغرق
سفينته(سمير غانم)يعود ليجد صديقه يونس شلبي قد تزوج بزوجته(إسعاد يونس)
وغاب عن محمود قاسم الكثير من الاقتباسات أيضاً، فلم “واحدة بواحدة/ 1984”
إخراج نادر جلال، وسيناريو صلاح فؤاد، عادل إمام(الإعلامي صلاح)يتنافس مع
ميرفت أمين(الصحَّافية مايسة) ويقع الإعلامي البهلواني صلاح في ورطة عندما
يبدأ حملةً دعائية عن منتج وهمي اسمه "الفنكوش" ، دون أن تكون هناك سلعة
بهذا الاسم على الإطلاق ، ولكن أشار المخرج نادر جلال في مقدمة الفلم إلى
أنَّ الفلم مقتبس من فلم أمريكي عنوانه(love
come back) بطولة روك هيدسون ودوريس داي ومن إخراج المخرج دلبرت مان عام 1961.
وقد اعتادت السينما الأمريكية أنْ تؤمرِك الأفلام والأدب الروسـي
والفرنســــي، والسينما المصرية تُمصِّر الأفلام، أما رواية الكونت دي مونت
كريســـتو للاسكندر ديماس، فقد اســـتهلكتها الســينما العالميـة
والعربيــــة: فأخرج منها بركات فيلمه(أمير الانتقام/ 1949)ونيازي
مصطفى(أمــــــــير الدهاء/ 1963)وسمير سيف(دائرة الانتقام/
1977)وسمـــــير نوار(علامة معناها الخطـــــــــأ/ 1979). وحسام
الديـــــــن مصطفى فيلمــه عن "مدرســــــــة المشاغبين/ 1967" للمخرج
البريطاني بيتر جلنفيــــل تأليف سيدني بواتييه، وكذلك المســـــــــرحية،
وهناك أفـــــلام مقتبسة من عدَّة أفلام، ففيلم "واحد من الناس/ 2006"
للمخرج أحمد نادر، بطولة كريم عبد العزيز، قصة: بلال فضل، فكرة أنَّ شاب
بسيط كأيِّ واحدٍ من الناس، يوقعُ فتنةً بين أخطر عصابتين، ويجعل إحداهما
تقضي على الأخرى، فكرة مستهلكة، " من أجل حفنة من الدولارات/ 1965" بطولة
كلينت إيستود، وفيلم "آخر الرجال الصامدين/ 1996" بطولة بروس ويلس.
وفيلم " طير أنت" بطولة أحمد مكى، مقتبس من الفيلم الأمريكي "BEDAZZLED” أو “المنبهر”، بطولة “براندن فريسر”، و”إليزابيث هارلى”، والمأخوذ
عن فيلم بالاسم نفسه عرض عام ١٩٦٧ أخرجه “ستانلى دونين”، وكتب قصته “بيتر
كوك”. شاب يائس يحب فتاة ويحاول الارتباط بها، فيعقد صفقة مع الشيطان يحصل
خلالها على سبع فرص يغير فيها نفسه بشرط أن تظل روحه ملك الشيطان، وهي
قريبة من فاوست.
وفيلم الدادة دودي، عن فيلم
sound of music
صوت الموسيقى/ 1965، وهو من اشهر الأفلام الغنائية في العالم، وإذا كان
البعض يعترف بالاقتباس فإنَّ مؤلف الفيلم وليد صلاح الدين رَفَضَ الاعتراف،
وقال بأن فكرة الفيلم جديدة، لأنَّه يعتقدُ خاطئاً أنَّ من المشين أن يكون
الفيلم مقتبساً، وليس من المشين أن يكذب ويسرق، جميع الأفلام السينمائية
مقتبسة من بعضها، ولكن إذا كان الاقتباس كبيراً فعليه أن يذكر ذلك، ولا
مندوحة من التناص والاقتباس أحياناً، ولهذا اشتكى عنترة العبسي(هل غادر
الشعراء من مترَّدَّكِ؟)وهو يقصد أنَّ الشعراء الذين سبقوه لم يتركوا له
معنىً، والمخرج السينمائي أمامه فرصٌ كثيرة لاقتباس السرديات العربية، من
نجيب محفوظ وغيره، حتى أنَّ قصة قصيرة بإمكان المخرج البارع أن يخرجها
فيلماً رائعاً، ومن حَقِّهِ أن يقتبس الأفلام التي حقَّقَت نجاحاً كبيراً
في الغرب، ولكن من حقِّ المشاهد عليه أن يكون صادقاً معه، فيشير في المقدمة
إلى الاقتباس، والشاعر أيضاً، قد يجهد كثيراً كي يصل إلى المعنى البَكر،
الذي لم يُسْبَق إليه، وأحياناً يأخذ ذات المعاني بأسلوبٍ مختلف فيضعه في
صورةٍ مغايرة كي يبتعد عن قبح الأخذ الذي فصَّله أبو هلال العسكري(وقبح
الأخذ أن تعمد إلى المعنى فتتناوله بلفظه كلّه أو أكثره.. فما أخذ بلفظه
ومعناه وادَّعى لآخذه أو ادّعى له أنه لم يأخذه، ولكن وقع له كما وقع
للأول، كما سئل ابن عمرو بن العلاء عن الشاعرين يتفقان على لفظٍ واحد
ومعنى. فقال: عقول رجالٍ توافت على ألسنتها، وذلك قول طرفة( وقوفاً بها
صحبِي علىَّ مطيَّهُمْ/ يقولونَ: لا تهلكْ أسىً وتجلَّدِ) وهو قول امرئ
القيس(وقوفاً بها صحبي علىّ مطيَّهم/ يقولون: لا تهلك أسىً وتجمَّلِ)أبو
هلال العسكري- الصناعتين- باب 6- فص2 في قبح الأخذ- ص70.
فحين يخرج أحمد البدري فيلماً بعنوان "حبيبي نائماً" بطولة مي عز الدين،
ليس هناك داعٍ لأنْ يكتب بأن العنوان مقتبس من فيلم بنفس العنوان بطولة نور
الشريف وبوسي، ولكن كان حتماً عليه أن يذكر أن الفيلم مقتبس من الفيلم
الأمريكي "شالو هال/ 2001" لتطابق الفكرة الرئيسة والأحداث. وفيلم كريم
عبدالعزيز "في محطة مصر"، منقول عن الفيلم الأمريكي "السير فوق
السحاب/1995" بطولة "كيانو ريغز" وأنطوني كوين، حيث يلتقي البطلان في
أتوبيس للسفر، الذي تحول إلى محطة مصر، وتطلب البطلة من البطل أن يقول،
أمام عائلتها المحافظة، التي تعيش في الريف الأمريكي، ويوافق البطل ويقعان
في حبِّ بعضهما.
وفيلم "التوربيني" للمخرج أحمد مدحت، مقتبس عن فيلم "رجل المطر" لتوم كروز
وداستين هوفمان، والذي حصل على أربع جوائز أوسكار في عام 1988، أمَّا أفلام
أحمد السَّقا فجميعها مقتبسة من الأفلام الأمريكية، فليس من المعقول أنْ
تحدث مطاردات وإطلاق نار في شوارع القاهرة المزدحمة، ولا أدري كيف استطاع
السَّقا في فيلم "تيتو"، والمأخوذ عن فيلم "ليون" بطولة الفرنسي جاك رينو،
الذي ينقذ طفلةً من رجال شرطة المخدرات الذين يقتلون أفراد عائلتها، وهو من
الأفلام الشهيرة. وفيلم "الإرهاب والكباب"، عن فيلم "بعد ظهر يوم لعين" لآل
باتشينو.
البطل (بيل موراي) بدور فيل كونورز شخص أناني ومُتَعَكِّر، يعملُ مراسلاً
لمحطة تلفزيونية خيالية بيتسبرغ
WPBH - TV9 يسافر إلى ولاية بنسلفانيا لتغطية الاحتفالات السنوية بيوم جرذ
الأرض، فيل يملي تقريره على مضض، تمنعه من العودة إلى بيتسبرغ عاصفة
ثلجية، وتغلق الطرق الرئيسية، يجد فيل وفريقه أنفسهم مجبرين على البقاء في
المدينة يوما إضافيا، يستيقظ فيل ليجد أنَّهُ في الثاني من شباط، يجد أحداث
اليوم الماضي تتكرر، عقوبته أنْ لا يأتي غدهُ أبداً، ولهذا يقول الفيلم
إنَّ الإنسان الذي لا يسعى إلى تحسين نفسه، كأنَّهُ يعيش اليومَ نفسهُ كل
يوم، ولكن فيل هو الوحيد الذي يستطيع أن يتذكر ما حدث بالأمس، وبالتالي فهو
يريدُ أن يوقظنا، ويقول الناقد روجر إلبرت(إنَّ البطل تنكشفُ له قوة خارقة
للطبيعة كي تُبَيِّـن له نقاط ضعفه). يقرِّر الاستفادة من الوضع دون خوف من
العواقب الطويلة الأجل، لأنَّ كلِّ شيء سينتهي، يفشل، يُصاب بالإحباط
والقنوط، يحاول الانتحار لكن محاولاته تفشل لأنه لا يزال يجد نفسه يستيقظ
صباح الثاني من شباط، فيل يشرح الوضع لصديقته ريتا(آندي ماكدويل) تنصحهُ
بأنَّه يجب الاستفادة من ذلك لمراجعة نفسه، يستخدم ما لديه من خبرة واسعة
في أحداث هذا اليوم لمساعدة أكبر عدد من الناس في جميع أنحاء المدينة، يجدُ
فيل نفسهُ قادراً على إقامة علاقات صداقة مع الجميع تقريبا، يستخدم خبراته
لإنقاذ الأرواح، فيل يستيقظ في صباح اليوم التالي، ويرى انكسار حلقة الوقت
المتكرِّر، لأنَّهُ اليوم في صباح اليوم الثالث من شباط، وهو إنسان مختلف
عمَّا كان عليه في الأول من شباط، فقد أصبحَ متواضعاً يحبُّ جميع الناس.
الإنسان يُضَيِّـعُ حياته، ما لم يَرغب في أنْ يخطو في كل يومٍ جديد خطوةً
جديدة في طريقهِ إلى الكمال.
الإتحاد العراقية في
07/02/2010
فيلم : اليتيمة
(orphan)...
قاتلــة تتقمــص
ثيـــاب طفلـــة
فلاح
كامل العزاوي
يعود المخرج الاسباني (جوي كوليت سيرا) الى تكريس
نفسه في هوليوود مخرجا يهتم بالجوانب المعتمة في شخصيات أبطاله، من خلال
اخضاع النص السينمائي الذي بين يديه لرؤية فيها ضرب من الحميمية تجعل
المشاهد لصيقا بتلك الشخصية الى درجة تجعله يكاد يغفر لها تجاوزاتها مهما
بلغت... ووفق أسلوب لايختلف كثيرا عن الطريقة التي قدم فيها تجربته
السينمائية الاولى عبر فيلم (بيت الشمع) يقدم المخرج (سيرا) فيلمه الثاني
“اليتيمة” في نص كتبه (اليكس ميس) فهو مثير للشفقة من جانب ما ولكنها مثيرة
للرعب والهلع من جوانب اخرى... ولعل ذلك ما جعل صناع الفيلم على تصنيفه
كفيلم رعب مع انه غير ذلك، لكن يبدو ان هذا التصنيف قد يجدي نفعا في شباك
التذاكر وخصوصا في امريكا الذين هم مهووسون بأفلام الرعب والحركة!!
الفيلم تناول حالة انسانية جيدة بالتعاطف قبل الباسها ثوب الخوف ... ومنذ
اللقطة الاولى وضعنا المخرج في جو ليس بالمفاجأة وهي لقطة تقليدية كثيرا ما
تبدأ بها افلام الرعب السطحية ، لقطة تصور امراة تجري عملية اجهاض لجنين
ميت، لكن هذه البداية المفزعة سرعان ما تتلاشى وتعود أجواء الطمانينة الى
السيدة المجهضة وبقية افراد عائلتها... ونعلم ان تلك السيدة التي تدعى (كيت
ـ فيرافارميغا) كانت مدمنة كحول وقد ترك ادمانها اثار سلبية على افراد
اسرتها وهم زوجها (جون ـ بيتر سارسغارد) وطفلاها (داني وماكس) وكان الادمان
واحدا من اهم أسباب اجهاضها ... لكنها بدات تتعافى بعد خضوعها لجلسات علاج
مكثفة وحيث استعادة نشاطها وحيوتها وظهر ذلك جليا في اهتمامها باسرتها
وبالذات طفلتها “ماكس” التي كانت بكماء ودفعتها حيويتها واقبالها على
الحياة الى اقناع زوجها وبضرورة تعويض خسارتها نتيجة الاجهاض يتبين اي طفل
يعيد الى حياتها البهجة من جديد.
وفضلت ان تكون انثى لكي تؤنس المسكينة “فاكس” رحب “جون” زوجها بالفكرة
مادامت ستساعد زوجته على اكتمال تعافيها ووقع الاختيار على طفلة روسية
يتيمة تدعى (إيسثر ـ ايزابيل فهرمان) تبلغ ال (9) من عمرها وتعيش في ملجأ
للايتام، وقد بدت الطفلة هادئة ومثيرة للشفقة خاصة أنها مجهولة الهوية
وأنتقلت للعيش في المنزل وخرج بها اخواها الجديدان (داني وماكس) وخاصة
الصغير (ماكس) التي وجدتها قريبا منها وتحنو عليها بسبب عاهتها ..
شكلت هذه الاحداث التمهيدية اكثر من نصف الفيلم الذي بلغت مدته ساعتين
كاملتين وكانت بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة ... فسرعان ما أثارت الطفلة
تساؤلات عائلتها حول سلوكيات معينة لاتشبه سلوك الاطفال فهي تميل الى
ارتداء ملابس تصميماتها تناسب الكبار كما انها لا تلهو مع الصغار بالحس
الطفولي نفسه ولا تتقبل مداعباتهم لها، وحدث انها بدأت تفسد على والديها
المفترضين خلوتهما الزوجية وأثار ذلك الزوجة (كيت) التي بدأت ترتاب من سلوك
الطفلة (ايسثر) لكن زوجها تعامل مع الامر بعدم اكتراث.
الا ان حادث سقوط الطفلة التي سبق أن سخرت من ملابس (ايسثر ) من فوق احدى
الات الالعاب وشهادة الابن داني بأن ايسثر من دفعتها أجبر العائلة على
مناقشة الموضوع مع مديرة دار الايتام التي جاءت منها.
وابدت المديرة استغرابها مما يحدث ووعدت بان تحاول التحقق من ذلك! لكن
الطفلة خشيت ان يفتضح امرها سارعت بالتخلص من المديرة وقتلها امام اختها
الصغرى (ماكس) لنكتشف بعد ذلك ان الطفلة ايسثر ما هي الا امراة في الثالثة
والثلاثين من عمرها وان لها ماضيا دمويا في موطنها روسيا وتعاني خللا في
الغدد الهرمونية ابقاها بحجم طفله وانها كانت نزيلة احدى المصحات في
جمهورية استونيا وتمكنت من الفرار، لكن الفيلم لم يوضح لنا كيف استطاعت
الوصول الى الطرف الغربي من الكرة الارضية؟حاول المخرج (سيرا) ان يقدم
فيلما انسانيا بدا في بعض مواضعه طريفا الى حد ما لكن تجاوزه بعض الحقائق
التي اوردها المؤلف في النص الاصلي والمتعلقة بماهية الطفلة وعلاقتها
الشاذة بوالدها أفقد الفيلم ايقاعه المؤثر وكانه اراد الا يتعاطف المشاهد
معها بسرد كل تفاصيل ماضيها المؤلم او ربما كي لاتفقد الاحداث الأيقاع
المفزع.
فالطفلة ايسثر التي ارتبطت بعلاقة محرمة مع والدها وقتلته حين تخلى عنها
ووصفها بانها مجرد طفلة ولن تكون طفلة ولن تكون امراءة في يوم من الايام
دفعها للحقد على بنات جنسها وكانت تحاول باي طريقة استعادة جاذبيتها
الانثوية واستدراج الرجال الى اقامة علاقة معها وهو ما دفعها لأن تعمل
مومسا في مرحلة ما في حياتها.
كان اداء الممثلة الصغيرة (ايزابيل فهرمان) لدور (ايسثر) مدهشا الى حد
كبير، فقد اثارت بأحساسيها التعاطف مع الشخصية رغما عن انف صناع الفيلم
الذين ارادوها شيطانا في جسد طفلة فبقدر ما منحتها القوة لقول ما يعتمل في
داخلها من الم دفين،انتج الفيلم النجم ليوناردو دي كابريو من خلال شركته
التي يملكها (ابيان مري) بالمشاركة مع شركة دارك كاسر وعرض في 24 تموز 2009
في (2600) دار عرض في امريكا.
الإتحاد العراقية في
07/02/2010 |