عشر سنوات كاملة تمثل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من
عام 2000
إلي عام 2009 قدمت خلاله السينما المصرية الكثير من الأفلام
المتواضعة والرديئة، ولكنها قدمت مجموعة من أفضل أعمالها بتوقيع حفنة من
الموهوبين في كل عناصر الفيلم السينمائي،
قبل ثلاث سنوات تقريبًا من عام
2000
حدثت ثورة السينما أو انقلابها الذي أيّده الجمهور، تغيرت الصورة والأسماء
ونوعيات الأفلام،
ولكنك تستطيع القول إن السنوات العشر الماضية شهدت التقدم إلي
الأفضل وإلي مزيد من الاستقرار،
وبعد سيطرة نوع من الأفلام هو الكوميديا
والأكشن، اتسعت الصورة لاستيعاب أنواع أكثر،
واختتم العقد بدخول وزارة الثقافة
إلي حقل الإنتاج من جديد بعد سنوات طويلة من العزوف.
عند محاولة
اختيار أفضل عشرة أفلام خلال هذه السنوات العشر اكتشفت جوانب إيجابية كثيرة
منها
سهولة الوصول مثلاً
لحوالي ثلاثين فيلما مصريا يمكن الاختيار والتصفية بينها
ومن أنواع مختلفة،
بل لقد بدا أنه من السهل أن تتحدث عن خمسين فيلمًا مثلاً،
ويمكنك أن تختار من داخل كل نوع من الأنواع،
في الأكشن مثلاً لديك مافيا وتيتو
وعجميستا والجزيرة، وفي التشويق لديك ملاكي إسكندرية والشبح ونقطة رجوع،
وفي
الكوميديا لديك فيلم ثقافي وجواز بقرار جمهوري وحسن ومرقص وعريس من جهة
أمنية
والسفارة في العمارة وكده رضا،
وفي التراچيديا لديك إبراهيم الأبيض وأنت عمري،
وفي الكوميديا الرومانسية لديك تيمور وشفيقة وحريم كريم،
وفي الكوميديا
الموسيقية لدينا تجربة فريدة لم تأخذ حقها في الإشادة هي مفيش غير كده، وفي
الدراما الاجتماعية لديك أسرار البنات وخلطة فوزية، وفي الدراما النفسية عندك
التوربيني و45 يوم وميكانو،
بل إن الساحة اتسعت لأفلام عن شخصيات معروفة راحلة
مثل أيام السادات
وحليم، وأعمال ليوسف شاهين مثل هي فوضي
وإسكندرية..
نيويورك، وتجارب خاصة جدًا رغم الملاحظات الفنية مثل أفلام
محمد أبو سيف
مثل النعامة والطاووس وخالي من الكوليسترول وخللي الدماغ
صاحي، وأفلام
الوجوه الجديدة الشابة مثل أوقام فراغ والماچيك،
والأفلام التي تحوّلت من
الديجيتال إلي 35
مللي والتي بدأت بفيلم
المدينة وصولا إلي ليلة في
القمر وبصرة وعين شمس، ولدينا أيضا الأفلام ذات الأبعاد السياسية كما في
دم
الغزال ومعالي الوزير،
والعجيب أن نجمة من عصر ما قبل انقلاب السينما مثل نادية
الجندي قدمت أروع أدوارها علي الإطلاق في فيلم الرغبة
2002 للمخرج علي
بدرخان.
اخترت مبدئيا ثلاثين فيلما عرضت من عام
2000
إلي عام
2009،
ثم تمت التصفية إلي عشرة أفلام فقط اعتبرتها الأفضل لأنها الأكثر تكاملا
في عناصرها، ولأن بها سمات الابتكار والاختلاف،
ولأنها منحت فرصا أكبر لكي تظهر
بصمة مخرجيها، ولأن كل فيلم منها يشكل نقطة مهمة في مسيرة الأفلام المصرية لدرجة
أنها ممكن أن توضع باطمئنان في قائمة الأفضل علي مدار تاريخ هذه السينما
الرائدة،
وفيما يلي أفضل عشرة أفلام في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وفقا
للتصفية
وللمعايير السابقة،
والرقم المكتوب بين قوسين بجوار كل فيلم هو سنة العرض وليس
سنة الإنتاج:
1 -
بحب السيما 2004
أحد
أفضل أفلام السينما المصرية عموما ببنائه المتماسك وبعمق أفكاره وبجرأته في
المعالجة، ومن الأفلام النادرة التي تناولت الشخصية
المسيحية ولكن المعني الأهم
هو تمجيد قيمة الحرية وإدانة إساءة استغلال السلطة الأبوية علي كل
المستويات
السياسية والدينية والعائلية، الفيلم يطرح الحرية بديلا عن القهر والحب بديلا عن
الخوف ويربط الاثنين بحب السيما..
أداء متفوق من كل
الممثلين.
2- أرض
الخوف 2000
أحد أهم
وأنضج أفلام داود عبدالسيد إخراجا وتأليفا، وأفضل أفلام الراحل
أحمد زكي علي
الإطلاق في رأيي كمشخصاتي فريد..
لماذا؟ لأن دور ضابط الشرطة الذي يتحول إلي تاجر
مخدرات يعتمد تماما علي الانفعالات الداخلية المركبة، وقد عبر عنها وجه المشخصاتي
الفذ باقتدار مدهش،
الفيلم يذكرك بالأدب الوجودي حيث الإنسان وحيد وخاضع للاختبار
وللاختيار بلا هوادة،
والأجمل أن المستوي المباشر وهو الصراع في عالم المخدرات
مُشوِّق وجيد الصنع،
الصورة وشريط الصوت يستكملان دائرة الثراء
والإبداع.
3- جنينة الأسماك
2008
قطعة أصيلة بتوقيع يسري نصر الله عن الخوف الذي
يأكل الروح ويشل الجسد ويحول البشر إلي كائنات ضعيفة تعيش في جزر منفصلة
بمعاونة
ناصر عبدالرحمن جاء السرد بعيداً عن التقليدية ويزيد المتفرج احساساً
بالاغتراب وعدم الارتياح.
يلعب الظلام دوراً أساسيا في هذا الفيلم بما يجعل
الشخصيات سجينة إطارات سوداء مزعجة.
ترتدي الموهوبة هند صبري قناعاً
محايداً طوال الأحداث في حين تظهر
سماح أنور في لقطات قصيرة ومؤثرة لاتنسي
مثل المخضرم الكبير جميل راتب.
4-
في شقة مصر الجديدة
2007
طوفان متدفق من الرومانسية الرقيقة بتوقيع أحد كبار
فرسان الواقعية الجديدة:
محمد خان
سيناريو محكم من وسام سليمان ونهاية لا
مثيل لها توحي ببداية ومولد حب جديد بين شخصيتين مختلفتين
تماماً.
السحر والمعجزة
هما الحب وليس العفاريت الوهمية داخل الشقة.
الحب يستحق التجربة ومعاناة الانتظار
وأغنية ليلي مراد التي ترافق البطلة واقعية جداً
وليست خيالية.
رومانسية
بدون كلمة أحبك وأداء مذهل من غادة عادل ودور نجوي الذي قامت به من أفضل
الشخصيات الدرامية النسائية كتابة وتشخيصاً وتأثيراً.
5-
سهر الليالي 2003
ليس لأنه الفيلم الذي كسر احتكار الافلام
الكوميدية والأكشن ولكن لأن
تامر حبيب
أعاد إحياء عالم إحسان عبد القدوس
بمزيج فريد من الرومانسية والواقعية.
الحكايات ولغة الحوار تنبض بروح الواقع،
ولكن غلافاً واضحاً من الرومانسية يغلف السرد بأكمله، في مشهد النهاية حيث
يرقص الجميع وتبدو الحفلة وأغنية
فيروز تعبيراً مناسباً لنهاية فيلم
رومانسي ولكن إشارات استمرار لعبة الحب والزواج ومشاكلها والقفزة في الهواء
للعريس
الجديد شريف منير، كل ذلك يعيدنا إلي الواقع حيث لا نهاية لهذه المغامرة
الخطرة.
من النادر أن يصل التشخيص إلي هذا المستوي
الرفيع في فيلم عربي أو
مصري.
6-
واحد - صفر 2009
لوحة ضخمة
للمجتمع المصري من خلال نماذج مختلفة اقتصادياً واجتماعياً..
ويجمع بينها
معاناتها من هموم فردية لاتجد وسيلة للهروب إلا بالفرحة بعد فوز المنتخب
الكروي في
مباراة حاسمة.
هناك أيضاً
أسئلة أكثر عمقاً مثل لماذا يكسب الوطن ويشعر
أفراده بالهزيمة علي المستوي الشخصي؟ وهل يمكن لمباراة فزنا
بها أن تغسل هموماً
بعدد البشر ؟ رغم استخدام السرد عبر الخطوط المتوازية التي تتجمع في بؤرة
أخيرة من
خلال سيناريو مريم نعوم المتميز إلا أن المخرجة كاملة أبو ذكري تنجح في
السيطرة
علي كل عناصر الفيلم،
وتقدم أبطالها بدرجة واضحة من التعاطف، كما تتيح لممثليها
تقديم أدوار لا تنسي.
7-
حين ميسرة
2007
اعتبرت هذا الفيلم بمثابة العودة القوية لتيار الواقعية
الجديدة عندما عرض بنجاح استثنائي في عيد الأضحي رغم أجوائه
القاتمة.
مازال
الفيلم من أنجح تجارب مخرجه
خالد يوسف،
وكان أفضل ما فعله كاتب السيناريو
ناصر عبد الرحمن أنه جعل الشخصيات خارج الزمن،
السنوات لا قيمة لها، والجيل
الأحدث ينجب في الشارع وليس في عشة من الصفيح، ثم يدافع عن نفسه فوق قطار يسير
بسرعة الصاروخ، مشهد النهاية من أفضل فينالات
الأفلام المصرية طوال
تاريخها.
8- الجزيرة
2007
الميزة
الأساسية في هذا العمل الذي استوحي أحداثاً
واقعية في جمعه بين الشكل المعاصر
وعناصر كلاسيكية تماماً في الدراما الإغريقية حيث يبدو البطل محكوماً عليه بقدر
لا فكاك منه.
رغم طول الفيلم ووجود فلاشات للماضي ورغم
التحول في الشخصيات لم
يفلت الإيقاع مرة واحدة من الحرفي البارع شريف عرفة
.. هناك استفادة بالتأكيد
من السينما الأمريكية ولكن كل شيء مصري تماماً مع جرأة واضحة في كشف العلاقة بين
رجال الأمن والمجرمين، ثم إن كل شخصية تعرض منطقها دون تعاطف أو
إدانة.
9-
عمارة يعقوبيان
2006
أفضل
أفلام تعرية الفساد منذ فيلم سعيد مرزوق الأشهر
المذنبون شخصيات الفيلم
تمارس لعبة الصعود إلي أسفل اجتماعياً وأخلاقياً
واقتصادياً.
ربما
اقتضت الضرورة التجارية العناية أكثر بدوري
عادل إمام
ونور الشريف ولكن
الشخصيات الأخري لم تكن باهتة.
مفاجأة الفيلم الأكبر أداء
خالد الصاوي حيث
انطلق بعد دور الصحفي الشاذ إلي أدوار كبيرة ومؤثرة، المفاجأة أيضاً
في مستوي
مروان حامد الناضج في تجربته الأولي كمخرج.
10- الأبواب
المغلقة 2001
أحد أقسي أفلام الواقعية الجديدة، المؤلم
عن جيل مكبوت علي كل المستويات والأخطر أن الكبت الخارجي عمل يوجع القلب
بتعبيره
يولد مزيداً من الكبت ثم يخرج في شكل انفجار.
سوسن بدر
في دور مؤثر وعلاقتها
المعقدة بالابن لا تخلو من التفسير النفسي، أما الدقات علي الباب المغلق بعد طعن
الأم فتحمل مدلولاً رمزياً بأن الخطر ينبئ بكارثة.
ما الذي يمكن أن يأتي بعد
الطرق العنيف سوي كسر الباب نفسه؟!
روز اليوسف اليومية في
07/02/2010 |