ولدت السينما في سورية بجهود القطاع الخاص، ويمكن
تقسيم مسيرة حياتها لعدة أقسام، فالولادة كانت في عام 1928 بمغامرة إنتاجية
لشركة حرمون فيلم مع الفيلم السينمائي السوري الروائي الأول المتهم البريء.
الذي كتبه وأخرجه وأنتجه رشيد جلال مع شريكيه في الفن والإنتاج أيوب بدري
وأحمد تللو.
في نفس الفترة كانت جهود بهجت المصري المولع
بالسينما تتجه نحو السينما التسجيلية، حيث قام المصري بالقيام بتصوير وطبع
العديد من الأفلام التسجيلية عن الحياة في سورية وهو الذي بدأ نشاطه
السينمائي منذ العام 1925. من الأفلام التي سجلها بهجت المصري وغيره في تلك
الفترة .زيارة رئيس الدولة تاج الدين الحسني وفيلم عن الكتلة الوطنية في
حلب وفيلم عرض عسكري في دمشق.
بعد أعوام قليلة, وتحديدا في عام 1932 أقنع رشيد
جلال وهو المغامر السينمائي السوري الأول صديقا له يسمى عطا مكي وهو صاحب
المكتبة العمومية الدمشقية الشهيرة بتأسيس شركة إنتاج سينمائي فكانت، وسميت
هيليوس فيلم، واتفق الإثنان على إنتاج فيلم سينمائي في سورية، فإستعان رشيد
جلال بصديق سينمائي له هو اسماعيل أنزورالذي كان قد درس السينما في النمسا
وتعرف على الفن الأوروبي وإطلع على السينما في العالم بحكم إتقانه عددا من
اللغات العالمية. وكذلك مع المصور أرطغل محسن لتصوير الفيلم، فكتب أنزور
سيناريو فيلم تحت سماء دمشق وصوره أرطغل. وتمت عمليات التحميض والطبع في
معامل الشركة وعرض الفيلم في سينما سي جناق قلعة في ساحة المرجة بدمشق. وقد
لاقى الفيلم نجاحا طيبا حين عرضه.
خلال هذه الفترة كانت إنتاجات السينما الخاصة
حاضرة أيضا على مستوى الفيلم التسجيلي حيث إنتجت العديد من الأفلام. منها:
فيلم عرض عسكري وفيلم عن البرلمان السوري وفيلم ثالث عن البطل ووزير
الحربية السوري الشهيد يوسف العظمة. كذلك كان هنالك فيلم سجل وقائع إنتخاب
ملكة الجمال في سورية عام 1932. كذلك أنتج فيلم روائي طويل هو نداء الواجب
عام 1936.
بعد الإستقلال زادت أهمية السينما واهتمت الدولة
بها، فإنشئت العديد من أقسام السينما في أكثر من جهة حكومية. لكنها في
القطاع الخاص ظلت في مرحلة الإنتاج المتدني، ففي عام 1948 ظهرت محاولة
السينمائي نزيه الشهبندر الذي أسس استوديو تصوير في منطقة باب توما في قلب
مدينة دمشق. جهزه بكافة العدد اللازمة لصناعة السينما الذي كان قادرا على
صناعة معظمها. وقد أنتج وأخرج فيلم نور وظلام عام 1948 تأليف محمد شامل،
إشترك في التمثيل فيه أنور البابا وسعد الدين بقدونس وحكمت محسن وعلي
أرناؤوط.
كان الشهبندر شخصية هامة ومنتجة في تاريخ السينما
السورية. فهو إستشرف آفاق التجربة السينمائية فيها والمصاعب التي ستكمن
لها في مستقبل أيامها. فكتب الشهبندر في مقدمة فيلمه نور وظلام: "إننا
نقدم باكورة إنتاجنا السينمائي قاصدين من هذا العمل خدمة الوطن بإنشاء
صناعة السينما فيه وكلنا أمل بكل وطني حر أن ينظر بعطف وتقدير لهذه الصناعة
كي نتمكن من ترقيتها والنهوض بها إلى أقصى حد".
أنتجت في فترة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي
عدة أفلام منها . ليلى العامرية عابر سبيل والعديد من الأفلام التسجيلية.
الفترة الذهبية للسينما السورية كانت في ستينيات
القرن العشرين وبعدها. فعلى الصعيد الحكومي أنشئت المؤسسة العامة للسينما
في وزارة الثقافة والتي كان لها دور كبير في صناعة السينما السورية. ولكن
إلى جانب ذلك بدأت من العام 1964 وتحديدا مع إنتاج فيلم عقد اللولو مرحلة
ذهبية جديدة وغير متكررة بالنسبة لسينما القطاع الخاص. ففي هذه المرحلة
درات عجلة الإنتاج، ودخلت رساميل محلية وعربية في صناعة السينما السورية،
فتداخل الفن في كل من سورية ومصر ولبنان لتحقيق فورة إنتاجية متصاعدة. بلغت
أوجها في عام 1974 حيث أنتجت السينما السورية 14 فيلما وهو رقم ليس بعيدا
في تلك الفترة عن أهم سينما عربية إنتاجيا وهي مصر.
خلال هذه الفترة التي أمتدت زهاء ال18 عاما أنتجت
السينما السورية أكثر من نصف إنتاجها مجملا. وأكثر من 80 % من إنتاج القطاع
الخاص منفردا. وهي تعد بحق الفترة الأكثر لمعانا في تاريخ السينما السورية.
مع إنتهاء فترة توهج إنتاج السينما السورية ومع
دخول عصر الفيديو. انخفض معدل الإنتاج السينمائي الخاص في سورية بشكل
تدريجي. بل إنه توقف تماما في فترة بداية تسعينيات القرن العشرين خاصة على
صعيد الأفلام الروائية الطويلة. وتعد هذه المرحلة الأسوأ في حركة إنتاج
السينما الخاصة في سورية. فلم تنتج السينما السورية الخاصة خلال ما يقارب
ثلاثين عاما أكثر من عشرة أفلام. إن الدراس لمسيرة إنتاج السينما الخاصة
في سورية سيلحظ أن خطها البياني كان متقلبا، فالبداية كانت متعثرة والمعدل
منخفض، حتى فترة خمسينيات القرن العشرين، حيث أرتفع المعدل قليلا, ليرتفع
أكثر في فترة الستينيات وحتى نهاية السبعينيات ويصل ذروته، ثم ليهبط بشكل
حاد منذ بداية الثمانينيات حتى يصل لمرحلة التسعينيات، التي يكاد فيها معدل
الإنتاج يصل درجة الصفر.
ولو دخلنا في إطار التحليل لوجدنا أن العصر الذهبي
للإنتاج السينمائي الخاص في سورية كان مرتبطا بحدث معرفي وإعلامي هام، هو
بدء عصر التلفزيون، الذي دخل إلى ذهنية الإنسان السوري في عام 1960. فقبل
التلفزيون كانت الإذاعة هي المسيطرة على الحالة الإعلامية للناس في سورية.
وبدخول التلفزيون كجهاز إعلامي منزلي تغيرت أساسيات اللعبة وقواعدها.
فالتلفزيون كرس نجومية السينما خاصة الإستعراضية والغنائية منها، من خلال
بثه لأغاني تلك الأفلام، وهذا ما شجع رأس المال السوري على المجازفة
الإنتاجية في السينما السورية. خاصة مع تملك سورية آنذاك لحوالي 130 صالة
عرض سينمائي تمتدعلى مساحة القطر.
إذا فاللعبة مضمونة. إنتاج سينمائي يتطلب نجما
غنائيا سوريا أو عربيا مع قصة مشوقة وجهاز التلفزيون الذي يخدمه إعلاميا ثم
شبكة من صالات العرض تعرض الأفلام المنتجة. وفعلا نجحت التجربة وزادت وتائر
العمل. وبتنا نرى رموزا فنية عربية وسورية هامة في السينما السورية مثل
السيدة فيروز، التي أنتجت السينما السورية كل إنتاجها السينمائي ووردة
الجزائرية صباح فريد شوقي نجاح سلام فاتن حمامة نجلاء فتحي مديحة كامل فهد
بلان سميرة توفيق وآخرين.
دخول عصر الفيديو وقرصنة الأفلام السينمائية
وعرضها منزليا أدى إلى دخول الإنتاج السينمائي في سورية مرحلة التدني
إنتاجيا لأنه كان ضربة للمنتج. يضاف إليه حصر إستيراد الأفلام بالمؤسسة،
وإحاطة ذلك بآلية مرهقة من الروتين الإداري، كل ذلك أدى لعزوف الجمهور عن
صالات السينما وبالتالي خسارة مقوم أساسي في صناعة السينما وهو صالات
العرض. وزامنه دخول عصر الفيديو المقرصن. مما أدى لعزوف المنتج عن
الإستثمار المالي في سورية في قطاع السينما لعدم جدواه الإقتصادية.
آفاق تجربة واعدة
في عصر الفورة الإنتاجية التلفزيونية التي بدأت
أواسط تسعينيات القرن العشرين حاول البعض إنقاذ الموقف وإعادة الحياة
الطبيعية للإنتاج السينمائي. فلجأت بعض شركات الإنتاج لتصوير مسلسلاتها
التلفزيونية بكاميرا سينمائية موازية بحيث تنتج مسلسلا وفيلما سينمائيا
معا. لكن المحاولة لم تنجح وكانت الأفلام القليلة التي أخرجها البعض خجولة
جدا ولم تحفز النشاط الإنتاجي السينمائي مطلقا.
ولكن على ما يبدو أن تجربة جديدة جدية تجلت في
السنتين الماضيتين، تمثلت بتجربة شركة ريل للمخرج هيثم حقي التي تدأب منذ
فترة على إنتاج أفلام سينمائية وذات مستوى فكري رفيع. أنتجت الشركة حتى
الآن عددا من الأفلام منها. اليوم الأخير لغيلان الدمشقي لهيثم حقي والليل
الطويل لحاتم علي روداج لنضال الدبس وفيلم قيد الإنتاج هو مطر أيلول لعبد
اللطيف عبدالحميد. إضافة لذلك يبدو أن تخفيف بعض القيود الإدارية ومنها
قانون حصر الإستيراد وأيضا إمتلاك سورية للعديد من نجوم الفن سيساهم إلى حد
بعيد في تحفيز النشاط الإنتاجي السينمائي، كما فعل شيخ منتجي السينما في
سورية نادر الأتاسي الذي أنتج فيلم سيلينا بعد إنقطاع طويل عن الإنتاج كما
قام بتجديد صالتة السينمائية لتكون أهم حالة تقنية سينمائية على إمتداد
سورية.
السينما السورية بدأت خاصة وكان لها دور كبير في
دعم الحياة السينمائية السورية بالكثير من الإنتاج الذي يتمنى الجميع عودته
لسابق عهده، ولعل الفترة القادمة في سورية تشهد فورة إنتاجية سينمائية
كالتي حققتها حالة التلفزيون خاصة في ظل إمتلاك سورية لكل وسائل إنتاج
صناعة سينمائية ناجحة.
الثورة السورية في
02/02/2010 |