على غير عادة الأفلام الأوروبية عندما تحضر فيها شخصية العربي/ المسلم
جاء
الفيلم الفرنسي "نبي" " A PROPHET (2008)
مختلفا في شخصياته وعوالمه وموضوعه.
فغالبية الأفلام الأوروبية الحديثة عندما تظهر العرب والمسلمين في
بناها تقدم
قضايا مثل: الاندماج والهجرة والمواطنة والتعايش وقضايا الإرهاب والتطرف
وعلاقة
الشرق والغرب.. إلخ كمفردات وحيدة تتكرر.. لكن فيلم "نبي" يتجاوز كل ذلك
تقريبا ولا
يظهر من خلاله إلا لمحة بسيطة عن تلك النظرة العنصرية للمسلمين من داخل
السجن هذه
المرة، حيث تدور أغلب الأحداث، وفي مقابل ذلك يقدم لنا الفيلم
صراعا يظهر كيف يتحول
شاب (مسلم مغربي هذه المرة) بفعل الظروف التي يجبر على العيش فيها من شخص
خجول
ومسالم إلى وحش قاتل وكاسر بدافع غريزة البقاء والاستمرار في الحياة.
هذا المسلم
المغربي يتفوق على عصابات المافيا داخل السجن الفرنسي وينشئ عصابته الخاصة
التي
تتغلب وتتفوق على عصابات المافيا الكورسيكية، ويكون لنفسه عالمه الذي يحميه
ويمنحه
القوة والغلبة والتفوق.
الفليم الفرنسي الذي عرض ضمن فعاليات بانوراما السينما
الأوروبية في القاهرة مؤخرا للمخرج الفرنسي "جاك أوديار" وسيناريو "عبد
الرءوف
ظافري" وبطولة كل من الممثل الشاب الذي عد اكتشافا بظهوره السينمائي الآسر
"طاهر
رحيم"، والممثل القدير "نيلز أرسترب"، إضافة إلى مشاركة ممثلين عرب منهم:
عادل بن
شريف، ورضا كاتب، وهيتشم يعقوبي، وليلى بختي، وفؤاد ناصح، وسليمان
دازي.
الخجول وحشا كاسرا
في ساعتين ونصف الساعة هي مدة
الفيلم، نشاهد حكاية 6 سنوات من سجن "مالك الجبينة" 19 عاما
(يقوم بالدور طاهر
رحيم) في أحد السجون الفرنسية التي تسيطر عليها المافيا الكورسيكية؛ من
بدايات دخول "مالك"
الحدث المتشرد، وصولا إلى تسيده على هذا السجن وتشكيله عصابته القوية،
وصولا
إلى الإفراج عنه شابا مختلفا أتقن شروط لعبة الحياة وقسوتها في عالم السجون
ومنها
إلى فضاء الحياة الأرحب.
بدخول "مالك" نبدأ بالتعرف عليه.. فتى مغربي متشرد، لا
يستطيع الكتابة ولا القراءة، عاجز عن حماية نفسه بجسده النحيل، وهو ما
يجعله صيدا
ثمينا لزعيم المافيا الكورسيكية "سيزار" الذي يسيطر وعصابته على السجن وما
يجري في
سره وعلنه، فيجبر "مالك" على قتل سجين عربي آخر يدعى الـ"رعيب" كان ذات مرة
عضوا في
عصابة "سيزار"؛ خوفا من اعترافه، وهو ما يتم بطريقة تؤثر على مالك وحياته.
غير
أن فعل القتل الذي لم يكن يرى "مالك" في ذاته القدرة عليه يصبح بداية
التحول في
فهمه لشروط لعبة السجن وقواعدها، حيث يحظى بحماية عصابة "سيزار" فيعمل
خادما لها،
وهو ما يجعله يتعلم اللغة الكورسيكية من خلال جلوسه بين أفراد العصابة، ومن
ثم يقرر
أن يتعلم القراءة والكتابة، وفي اللحظة التي يخرج فيها قسم كبير من أفراد
العصابة
بعفو عام يلعب دور اليد اليمنى لـ"سيزار"، وهو ما يجعله في ظل سلطة "سيزار"
يعمل
بوابا بالسجن، ومن ثم يخرج من السجن في أيام بعينها (بعد أن قضى نصف
محكوميته)
لتنفيذ جزء من مهمات "سيزار" ويعود، في مقابل ذلك كان يقوم بتجارته الخاصة
بالمخدرات داخل السجن بالاتفاق مع السجين الغجري.
في تلك الفترة نرى الصراعات
على أشدها، فعندما يقرر القيام بعمليات تهريب لصالح الغجري
وبالاتفاق مع أحد
أصدقائه المسلمين الخارجين حديثا من السجن نراه يصطدم بعصابات عربية تسرق
بضاعته
كجزء من الصراعات على سوق التهريب، غير أن مالك يكون قد فهم اللعبة تماما
فيجبر
السارقين على إعادة البضاعة بشرط تقاسم الأرباح.
وكجزء من نشاطات "سيزار" الذي يدير مجموعة من عمليات التهريب
وكازينوهات
القمار يتطور دور "مالك" الذي يطلب منه الذهاب إلى مرسيليا ليكون مفاوضا
لزعيم إحدى
عصابات التهريب "إبراهيم الأطرش"، وفعلا ينجز اتفاقا معه لصالح زعيمه، غير
أن الحدث
الفاصل يكون عندما يقرر "سيزار" قلب الطاولة على مجموعة من العصابات
العاملة خارج
السجن بقتل زعماء هذه العصابات، وهو ما يطلب من "مالك" تنفيذه، وفعلا يقوم
بذلك مع
صديقه المريض، لكن بعد أن يجعل أفراد العصابات يدخلون في صراع مرير يصل
للسجن يقود
إلى قتل بعضهم البعض، عندها تكون الساحة مفتوحة تماما أمام
"مالك" ليكون سيد السجن
الجديد بعد أن تمكن من تشكيل حماية له عبارة عن جماعة السجناء المسلمين،
حيث تمكن
من نيل ودهم بإرساله أموالا "للإمام مصعب" زعيمهم خارج السجن لمساعدة
المسلمين
وتنفيذ مشاريع خيرية.
نقطة اختلاف
يختلف فيلم "نبي" عن
الأفلام التي تغلب ويظهر فيها شخصيات عربية ومسلمة، في أنه
ينطلق من مساحة مختلفة،
ويتعامل مع العرب والمسلمين في فرنسا على أنهم جزء من هذا البلد، لدرجة
يقدمهم فيها
على أنهم جزء من عالم الجريمة، تارة أعضاء في عصابات كورسيكية، وتارة عبارة
عن
عصابات تسيطر على سوق التهريب، لدرجة أنهم يظهرون على شكل
مجموعة عصابية أو جزء من
المافيا العاملة هناك، وهو ظهور نقبله نوعا ما لكونه جزءا من الحقيقة،
فالمسلمون أو
العرب هم جزء من نسيج الحياة، وعالم المافيا المنظمة لا يفرق بين مسلم وغير
مسلم،
بل كل ما يهمه أن تنجز مصالحه وتحقق رغباته في الكسب والمزيد
منه.
ورغم تلك الصورة السابقة فإن الفيلم أبرز في جزء منه تلك النظرة
المزرية
والعنصرية للمسلمين من السجناء، حيث يتم نعتهم "بالحقراء القذرين"، و"أنهم
لا
يستطيعون حل مشاكلهم دون نباح كالكلاب"، وأنهم يتجمعون كالكلاب القذرة"،
"وأنهم لا
يكفون عن التفكير في أعضائهم الجنسية"، و"أنهم يسيطرون على السجن بسجاجيد
الصلاة"،
وهي بلا شك تعابير عنصرية صدرت عن المافيا الكورسيكية، لكن الفيلم قدم ما
يوازي تلك
النظرة، حيث نسمع وجهة نظر مأمور السجن الذي يرى أن السجناء المسلمين
منضبطون
وينفذون الأوامر.
غير أن المسلمين بدوا في السجن جماعة واحدة لا تنخرط مع غيرها
من السجناء، حتى أنها رفضت تقرب "مالك/ المسلم" منها لكونه يسير مع
الكورسيكيين
ومحسوبا عليهم، وهو ما تحول لاحقا وفق تطورات السجن، فأصبح أحد أعضاء جماعة
السجناء
المسلمين، لكن هذه المرة كزعيم لها بعد أن أصبح زعيم السجن
الجديد.
تفاصيل إنسانية
كان الفيلم منذ البداية في تحد
كبير، وهو كيف يقدم عالم السجن بتفاصيله وظلمته وقلة مفرداته
البصرية القاتمة في جو
يشد المشاهدين ويقطع أنفاسهم؟ لكن المخرج تمكن باقتدار من تقديم هذه
العوالم
والصراعات التي لا حد لها دون أن ينال المشاهدين شعور بالملل بفعل استثماره
الكامل
لكل المكونات في السجن حتى أصغرها وأدقها، كما أنه صنع من
الصراع التقليدي داخل
السجون نوعا من الدراما الخاصة التي حققت مفعولها وعكست واقع السجن الذي
يشد
المشاهدين من توترات وعصابات وجرائم وبؤس وتجارة مخدرات ولعب ووقوف طويل في
انتظار
أحلام وقليل من شمس لا تأتي إلا لتغيب.
يضاف إلى ذلك أن للكاريزما التي تمتع بها
الممثل الشاب "طاهر" ووازاه فيها الممثل الفرنسي "نيلز" (زعيم
المافيا في السجن)
منحت المشاهدين متعة مضاعفة بالمشاهدة.. فـ"طاهر" كان أحد المرشحين
الأساسيين
لجائزة أفضل ممثل في مهرجان كان 2008 بفضل أدائه المبهر وتقمصه الشخصية
بتحولاتها
العميقة.
كما أن الفيلم الذي يقدم لنا عالم المافيا الكلاسيكي والتقليدي
والمليء
بالصراعات ومشاهد القتل والعنف كسر كل ذلك بمجموعة من الأحداث الفرعية كونت
بنيته
المتماسكة، فمثلا نرى "رعيب" الذي قتل على يد مالك يظهر له في مناماته وفي
صحوه،
طيفا يرشده تارة، ويحتفل معه تارة أخرى فيضيء له شمعة، وتارة ينشد له غناء
صوفيا...
إلخ، إنه نوع من حضور الروح التي تسكن تفاصيل قاتلها، وهو هنا حضور محبب
منح مالك
أنسا ودفئا في زنزانته الباردة وتحولات شخصيته.
نلمح ذلك أيضا من نهاية الفيلم
ذاتها، حيث يخرج "مالك" من السجن فيما تنتظره زوجة صديقه الذي
توفي بالسرطان وطفلها
الصغير وهما اللذان أصبحا أمانة في عنقه، فيسيران معا في برد الشتاء
وكأنهما في
بداية حياة جديدة ينشدانها.
في محصلة الفيلم كله يجد المشاهد نفسه واقعا في غرام
البطل "مالك"، فهو شخصية رغم تحولاتها تبقى محافظة على طابعها الإنساني
الذي تأسر
به المشاهدين، حيث ينتاب المشاهد حالة من الخوف على حياة هذا الشاب الذي
خرج من
السجن لعالم أوسع تسوده الصراعات والمشاكل، فهل يصمد في وجهها
كما فعل في السجن،
تلك هي حكاية الحياة التي تبقى دوما مفتوحة الأبواب والنهايات أيضا.
الجزيرة الوثائقية في
26/01/2010
غسان شميط : تصوير المدن المنسية في ثلاثين دقيقة
دمشق – فجر يعقوب
انتهى المخرج السينمائي السوري غسان شميط مؤخرا من تصوير فيلمه
الوثائقي الجديد (
المدن المنسية) ، وهو من انتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق . قام بكتابة
المادة
العلمية والتوثيقية له الدكتور علي القيّم ، وأدار التصوير فيه وائل
عزالدين ونائل
تركماني . ويقول شميط في لقاء خاص بموقع الجزيرة الوثائقية إن
" المدن المنسية
التي يقصدها بفيلمه تقع جغرافيا بين محافظات ادلب وحماة وحلب ،
ويربو عددها على
أكثر من سبعمائة مدينة حافظ بعضها على آثار رائعة من حيث جودة التصميمات
والعمارة
مثل كنيسة سمعان العمودي وكنيسة قلب لوزة والبارة وسرجيلا ، وهذه المدن كما
هو
معلوم بنيت مابين القرن الأول والسابع الميلاديين". ويقول شميط
في معرض تعليله
اختيار هذا الاسم لفيلمه الوثائقي :" ربما كان اسمها المدن الميتة أو
المندثرة ،
وهي تنتظر من يعيدها إلى الذاكرة واحياؤها من جديد بغية فهم ماكان يدور في
ساحاتها
وشوارعها ، وهي بحاجة بالفعل إلى امكانات ضخمة للنبش بين
زواياها وأرجاءها ،فهي
قائمة على كنوز عمرانية هائلة ، وقد حاولنا ضمن الامكانات المتاحة العمل
على ابراز
العلاقة بين سكان هذه المناطق والآثار الموجودة فيها
".
ولايخشى المخرج السوري
شميط من أن ياخذ الفيلم طابعا سياحيا أكثر منه وثائقيا ، وهو مايفقده
الكثير من
خصوصيته ويقول :" الغاية من انجاز فيلم المدن المنسية تكمن في اصابة
عصفورين بحجر
واحد ، فنحن حاولنا أن نكون صادقين مع الوثيقة التي عملنا عليها لكي تظل
بمتناول
الباحثين والمهتمين ، وفهمنا بالتالي في سياق عمليات الفيلم
التصويرية أنه لأول مرة
يصور فيلم عن هذه المدن ، وهذا مازاد في حماسنا ، وأعتقد جازما أن كل
مدينة من هذه
المدن الرائعة بحاجة لفيلم خاص بها كونها استطاعت أن تحفظ الكثير من
أسرارها
وأوابدها ومعالمها ، والأهم برأيي أنها أبقت على ملامح أهلها ،
ولم يضيعوا في الزمن
كما سبق وحصل للكثير من سكان المدن المندثرة ، وفي جولة واحدة فيها يمكن
الكشف عن
الكثير من معاصر الزيت والعنب المتقدمة التي كان يتمتع بها آهلو هذه المدن
المنسية
" .
وينفي شميط أن يكون فيلمه الوثائقي الجديد ويقع في ثلاثين دقيقة وصور
بتقنية HD
بمثابة استراحة اضطرارية في الطريق إلى فيلمه الروائي الطويل الرابع (
الشراع
والعاصفة ) الذي يحضر له الآن ويقول :" لاأريد أن أحمل الواقع السينمائي
السوري
ماهو فوق طاقته ، ولكن الحقيقة أن هناك مخرجون زملاء لايعملون إلا فيلما
روائيا أو
وثائقيا لأسباب تخصهم وتخص واقع الانتاج السينمائي السوري ،
وأنا على العكس منهم
تماما ، فمنذ بداية عملي في المؤسسة العامة للسينما أنجزت حتى اللحظة ثلاثة
أفلام
روائية طويلة واثنا عشر فيلما وثائقيا نال بعضها جوائز في صفاقس ودمشق ،
والسبب في
ذلك يعود بالطبع إلى الامكانات الانتاجية الموجودة عندنا ،
وأنا حتى لاأنتظر دوري
كي أقدم فيلما روائيا طويلا أنجز بين الفيلم والفيلم فيلمين وثائقيين ".
ويقول شميط
في معرض توصيفه للدراما الفيلمية في المدن المنسية وامكان القبض عليها إن
"
الدراما في هذا العمل تجدها في الانسان وحضارته التي لايمكن أن تمحوها
الأيام ،
فنحن حاولنا أن نؤكد من خلال الناس الذين يعيشون في هذه المدن وبين الملامح
التي
يتسمون بها أنهم قادرون على تحدي تشظيات الزمن ". وعن حظوظ عرض الفيلم يقول
غسان
شميط :" من المؤكد أنه سيعرض في الصالات السينمائية قبل عرض الفيلم الروائي
الطويل
كما جرت العادة في سورية ، ومن الممكن أن يتم توزيعه على السفارات السورية
في مختلف
الدول ، فهذه الأوابد الأثرية المنسية مسجلة لدى اليونسكو على
أنها لقى ثقافية
عالمية تنتمي بقوة للحضارة الانسانية ". وعما اذا كان المخرج شميط يعود
بإجابته هذه
إلى المربع الأول المتعلق ب" سياحية "ما في الفيلم يقول :" هذا الفيلم
يغطي شمولية
من حيث تقديم الأفكار المتعلقة بحضارة المنطقة وهو وثيقة دائمة للأجيال
لايمكن
التنازل عنها وفق المنطق الذي ترمي إليه بسؤالك ، فتصوير هذه المدن الرائعة
لايعني
بأي حال من الأحوال سياحة توثيقية من أي نوع ".
يذكر أن المخرج السوري غسان شميط من خريجي أوكرانيا ، إحدى جمهوريات
الاتحاد
السوفياتي السابق عام 1982 ، وقد أنجز حتى اللحظة ثلاثة أفلام روائية طويلة
( شيء
ما يحترق – الطحين الأسود – الهوية ) ونال جوائز مختلفة عن بعضها ، أهمها
الجائزة
الكبرى لمهرجان تطوان 2008 عن فيلم ( الهوية ) ، وهو يقوم حاليا باستطلاع
أمكنة
تصوير فيلمه الروائي الطويل الرابع ( الشراع والعاصفة ) عن
رواية بالاسم نفسه
لمواطنه الروائي السوري حنا مينة ، وسيدير التصوير في فيلمه الجديد كما هو
متوقع
المصور الأوكراني سرغي ميخالتشوك ، الذي سبق له وتعاون معه في فيلم (
الهوية
).
الجزيرة الوثائقية في
27/01/2010 |