أفلام الرعب في السينما..
ليست بدعة جديدة فرضتها ظروف العالم القاسي والمتوحش الذي نعيشه..
وحاولت السينما بطرقها المعتادة وغير المباشرة ان تجعلنا نعتاد عليه لكي
نقبل »الرعب الحقيقي«
الذي يعيشه العالم اليوم بحروبه وأمراضه
وقسوته وتوحشه.
أفلام الرعب ظهرت منذ بدايات السينما..
وكان لها مريدوها ومعجبوها..
والباحثين عن الاثارة في القاعات المظلمة..
والعودة الي الاحساس بالامان..
بعد الغرق في أحاسيس الخوف والتي تولدها الصور
المجنونة التي تتوالي علي الشاشة أمام أعينهم المفتوحة..
أول بوادر أفلام الرعب ظهرت مع ظهور شخصيات مخيفة أو تبعث الخوف في القلوب
كفرانكشتاين.. الطبيب الذي خلق الوحش البشري وجمع جسده من الأعضاء المختلفة
لجثث الميتين.. ثم بعث به الحياة..
فاذا به مخلوق مشوه..
يحمل الشر في أعماقه وينثر الموت والجريمة أينما حل.
ثم جاء بعده »دراكولا«
مصاص الدماء.. الذي لا يعرف الموت والذي يبعث حيا في الليالي المظلمة فيفتش
عن ضحاياه ويمتص دماءهم ويحيلهم بدوره الي مصاصي دماء مثله.
ومع بدء ظهور النازية في المانيا..
شاعت موجة من أفلام الرعب..
تبنتها حركة »التعبيرية«
التي سادت حينها من خلال أفلام من طراز عيادة الدكتور كاليجاري والجولين
وسواها.
ومع الأيام..
ولأن السينما كانت دائما المرآة الحقيقية
لما يدور في المجتمع..
توالت أفلام الرعب ازداد عددها أو تناقص حسب
الاتجاهات والتيارات التي تجتاح العالم.
ومن اللافت حقا للنظر هو هذه الزيادة المفرطة لأفلام الرعب
»الهوليوودية« التي بدأت تشكل ما يشبه الموجة..
أو التيار..
وتتنافس فيما بينها علي خلق أجواء الرعب مستخدمة كل ما لديها من امكانيات
وخيال.. وكل ما أصبحت السينما الحديثة تملكه من مؤثرات وخدع وابهار بصري.
وعلينا هنا أن نضع حدا فاصلا..
بين أفلام الرعب التي تحاول بشتي الطرق اثارة فزع المتفرج وبين أفلام
التشويق والتي تعتمد أحيانا علي جرعة من الرعب لكي تقفل دائرة تعبيرها..
كبعض أفلام العظيم »الفريد هيتشكوك«
الذي يستعمل أحيانا الرعب ..
كوتر من أوتار قيثارته المتعددة الاوتار ليعزف عليها
»تيماته« التي تشكل أفق السينما الكبير.
المهم..
أن أفلام الرعب الاخيرة التي تتسارع شركات هوليوود
في تقديمها والتي ترتكز أكثر الأزمات علي الدم والأشباح والارواح الشريرة
والشياطين والوجوه المرعبة..
والقتل الدموي.
كانت تعتمد علي مخرجين من الدرجة الثانية وعلي سيناريوهات جامحة
الخيال تزداد عنفا وقسوة فيلما بعد فيلم..
وكأن هناك تسابقا ما في اثارة الفزع والرعب والاشمئزاز من أجل نجاح هذه
الافلام جماهيرياً.. مما جعل بعضها يلجأ الي تكرارها بأجزاء ثانية وثالثة
ورابعة أحيانا كفيلم »هالاوين« أو »ساو منشار الرعب«
وغيرها أمر يثير الانتباه ويحيلنا الي الطب النفسي وإلي علماء
الاجتماع لتحليل ظاهرته أكثر مما يحيلنا الي النقد السينمائي وتحليل هذه
الأفلام وابراز قيمتها أو مواطن الضعف فيها.
لذلك جاء اختيار المخرج سام ريمي..
وهو مخرج جاد يتمتع بسمعة فنية عالية لاخراج فيلم »خذني
الي الجحيم« مفاجأة بحد ذاتها..
خصوصا أن الفيلم اختير للعرض رسميا خارج المسابقة في مهرجان
كان السينمائي الاخير..
مما يحدد قيمة هذا الفيلم ويرفع من شأنه فما هي
قصة هذا الفيلم بالتحديد؟
انها قصة لعنة تطلقها سيدة عجوز فقدت احدي عينيها لموظفة طموحة في بنك
للتسليف القروض عندما رفضت اعطاءها مهلة جديدة لدفع دين مستحق عليها..
وهددتها بطردها من منزلها وذلك كي تثبت أمام رئيسها صمودها وصلابتها في
تسيير أمور البنك وكي ينجح لترشيحها بأن تكون مديرة مساعدة وهو المنصب الذي
تحلم به منذ زمن طويل وتسعي إليه جاهدة رغم منافسة زميل أسيوي لها يعمل في
نفس البنك لهذا المنصب الحساس.
بطلة فيلمنا هذا شابة جميلة ورقيقة مرتبطة بشاب من أسرة واسعة الثراء
تعارض في زواجه منها رغم أن العلاقة بينهما تجاوزت من بعيد حدود العلاقة
البريئة.
هذه اللعنة التي تطلقها السيدة العجوز..
ستقلب حياة الفتاة رأسا علي عقب..
اذ منذ تلك اللحظة وتبدأ أرواح شريرة بمطاردتها
واخافتها..
ومحاولة تدميرها.
وتلجأ الفتاة الي خطيبها الذي يقف الي جانبها..
رغم عدم ايمانه بما تقوله..
معتقدا أن كل ذلك ليس الي تهيئوات تتراءي لها..
ولكن مع ذلك يقبل مضطرا مرافقتها الي وسيط روحاني..
يخبرها حازما بانها واقعة تحت تأثير روح شريرة..
عليها أن تتخلص منها بأي ثمن.
وهكذا تتوالي الهجمات القاسية علي الفتاة المسكينة وبطريقة مستفزة
ووحشية وبصورة
تصل بالمتفرج الي حدود الاشمئزاز والاحتمال،
هناك حشرات تدخل من الأنف وتتسلل بين الشفاة وهناك ديدان تخرج بالمئات من
الفم.. علي سيل من الدماء المتفجرة.
وهناك يد تدخل في الفم المفتوح..
وهناك وشاح ينتزع من البطن،
وهناك قطع من الحلوي..
تزخر فجأة بالديدان المتحركة،
وينابيع من الدم تتفجر..
وقبور مفتوحة وجثث تتحرك..
ومياه تغرق فيها البطلة المسكينة ثم تنجو بمعجزة..
وهناك جلسة روحانية يقدم فيها قربانا حيا لانثي ماعز تزيح أمامنا.. وتتفجر
دماءها علي وجوه الأبطال وهناك قطة أليفة تخنق وتدخل بوحشية دم وحشرات
وديدان وموتي..
وعيون جاحظة تخرج من تأتيها..
وطبيعة مجنونة تتجاوب مع هذا كله..
من خلال موسيقي تزيد الامور حدة وتوترا..
واخراج متين يعرف كيف يجسد الرعب وكيف ينثر الخوف..
واضاءة حية متحركة وتربط صوت مذهل..
يدفعك رغما عنك الي الدخول الي عالم الجحيم هذا الذي فتح
المخرج بابه علي مصراعيه.
الفيلم يؤكد بصورة حازمة..
وجود هذا العالم الآخر.. القادم من الجحيم..
والذي يهدد عالمنا ولعل هذه النهاية المفزعة وغير المنتظرة
التي ينتهي بها الفيلم علي عكس الكثير من أفلام الرعب الأخري..
التي تنتهي عموما بنهايات توفيقية تمنح المتفرج شيئا من الراحة النفسية بعد
ساعات الرعب الكبيرة التي قضاها علي الفيلم.
في »خذني الي الجحيم«
يقود سام ريمي النهاية الي ركن مظلم مخيف، ويفتح أمامنا صفحة ثانية لمزيد من الدم والعنف..
يمكن أن يستمر وان يملأ الدنيا ضجيجا وعنفا وتوحشا.
لقد اثبت ريمي قدرته علي التحكم في أوراقه السينمائية بمهارة خارقة من
سلسلة أفلام »الرجل العنكبوت«..
ولكن هذه المرة يذهب الي شوق أبعد بكثير مستغلا امكانيات السينما في بعث
الرعشة عن طريق »القرف«.. وهو أسلوب جديد لم نعتده كثيرا في أفلام سابقة.
القيء
والديدان البيضاء المختلطة بالدماء التي تخرج من الفم كالسيل.. جثث الموتي
وطقوس الموت التشوهات الجسدية..
نافورات الدم..
كل ذلك نراه بوضوح وبكثير من التفاصيل ويزداد عنفه عندما تكون الممثلة التي
اختارها ريمي لدور البطولة هي الرقيقة الشفافة »اليون لوهمان«
وقدرته علي سرد قصة حبها مع خطيبها برومانسية متعمدة كي تتصالب بقوة بعد
ذلك من القسوة والوحشية والعنف المتعاظم الذي ستتعرض له.
من الصعب جدا
اعتبار خذني الي الجحيم. فيلم رعب معتاد شأنه شأن أفلام الرعب الكثيرة التي
تتوالي علي شاشاتنا.. فهو فيلم قد أعد بعناية زائدة..
ومن خلال مخرج كبير..
حاول أن يتخطي فيه جميع الخطوط الحمراء المعتادة مما رشحه للعرض في واحد من
أكبر مهرجانات الدنيا وأكثرها احتراما وجدية بل أن الفيلم حظي منذ عرضه
بنجاح جماهيري كبير.. بل ان عرضه علي شاشاتنا المصرية مستمرة منذ أكثر من
سبعة أسابيع.
الي أين ستذهب بنا أفلام الرعب بعد ذلك..
وإلي أي مدي.. سيمكننا أن نضع ستارا من فولاذ علي قلوبنا المرهفة يجعلنا
بعدها نقبل كل ما نشاهده علي شاشات تليفزيون الواقع من مجازر وارهاب وتوحش
وقتل ودماء مسفوكة«.
نعم..
الي أين تقودنا هذه السينما المستقبلية؟ سؤال أليم..
لا جواب عليه إلا طرقعة النوافذ المفتوحة علي العاصفة..
والاحساس بالأرواح الشريرة والتي بدأت تطاردنا ونحن علي أهبة النوم.
أخبار النجوم المصرية في
21/01/2010 |