وقفت المهندسة "سلمى حسب
الله" تتسلم الجائزة الذهبية عن فيلمها الوثائقي: "هل تؤمن؟"
بعد رحلة طويلة مع
السينما الوثائقية بدأتها من عالم الجرافيك الذي جعل منها
صانعة أفلام محترفة؛
تنتج، وتخرج، وتضع ألحان وكلمات أغاني الأفلام التي تقوم بصنعها، ورغم أنه
من
الصعوبة أن يفعل ذلك شخص واحد فإنها نجحت في الوصول إلى العالمية بمشاركتها
في
العديد من المهرجانات الدولية.
حصلت "سلمى حسب الله"، أستاذة مادة
الجرافيك في الجامعة الأمريكية، على الجائزة الذهبية في مهرجان
"سانزي" بجنوب
إفريقيا, بعد أن شاركت به في عدد من المهرجانات العالمية من بينها مهرجان
"الإيمان"
بالولايات المتحدة الأمريكية، وعدة مهرجانات للأفلام الوثائقية في أمريكا،
وإنجلترا، وإسبانيا، وإيطاليا.
أول
خطوة
كان دخول سلمى -خريجة هندسة القاهرة قسم
عمارة عام 88- إلى عالم "الجرافيك" غير المعروف حينها بالصدفة؛
فقد قام والدها
بشراء مجموعة كتب تتحدث عن الجرافيك، وقرأتها وبدأت في التطبيق، وكان أول
ما أنتجته
هو مشروع تخرج الكلية، والذي أبهر أساتذتها في الجامعة.
ثم كانت هدية زواجها جهاز كمبيوتر, في
أوائل التسعينيات؛ حيث مارست ما تعلمته بشكل عملي حينما طلبت
منها أستاذتها التي
كانت تدرس لها بالجامعة أن تقوم بإظهار وتحريك التصميم الخاص بمستشفى خاص
بها وهو
المعروف ببرنامج "الأنيمشن"، وبالفعل عندما قدمت لها "سلمى" نموذج "الأنيمشن"
أعجبت
به كثيرا، وهنا أخبرتها أستاذتها أنها تستطيع أن تقوم بتدريس الجرافيك في
الجامعة
الأمريكية.. قدمتها أستاذتها لدكتور بالجامعة الأمريكية، وحينها ظنت "سلمى"
لوهلة
أنها ستكون مساعدة في تدريس "المنهج" بالجامعة، لكن الإدارة التي فوجئت
أنها تعرف
كثيرًا عن هذه المادة الجديدة حينها كلفتها بتدريس "كورس" الجرافيك
بمفردها.
أفلام
أطفال
بداياتها الفيلمية كانت موجهة للأطفال،
وتقول عن ذلك: "كان همي تحويل الخطاب الديني والتربوي المباشر
إلى عمل فني وإبداعي
يُعَرِّف الأطفال بالله، ويكون مُقوِّما لأخلاقهم".. " تلك هي الفكرة التي
سيطرت
على عقلها"، فأنتجت فيلم الجرافيك الأول لها، والذي حمل عنوان: "شمس سحابة
إنسان"
والذي يحكي القصة الشهيرة عن تحول طفل صغير إلى شمس وبعدها إلى سحابة بعد
أن كان لا
يرضى بحاله، ومن خلاله طرحت سؤال: أيهم أقوى الإنسان أم ظواهر الطبيعة؟ حيث
تقول إن
الفيلم يؤكد على قيمة افتخار الإنسان بآدميته، وأن يشكر الله
عز وجل على هذه النعمة
التي يجهلها الكثيرون.
عن الدافع من وراء هذا الطرح ودخول هذه
المساحة الإبداعية تقول إنه نابع من رؤيتها لعدم سلامة الطريقة
التي يعرف بها
أطفالنا الله عز وجل "حولنا مفهوم الله عند الأطفال إلى شيء مرعب بكلامنا
المباشر
عن الخوف منه، والحديث الدائم عن ناره التي تحرق البشر.. حاولت الوصول إلى
الله
بشكل أكثر بساطة، عبر قصة مقدمة في صورة فنية".
"سلمى" لم تتوقف عند حد الإنتاج، بل
أرسلت الفيلم إلى شركة "أوتوديسك" الأمريكية، وهي من أكبر
شركات الجرافيك في
العالم، وقد أعجب القائمون على الشركة بالعمل، وأرسلوا إليها لتدرس
الجرافيك لديهم،
ليتم تصنيفها هناك كواحدة من بين 9 أشخاص هم الأفضل في هذا المجال على
مستوى
العالم.
بعد تلك التجربة قدمت "الشطرنج" والذي
دارت فكرته حول الانتفاضة الفلسطينية، ومن ثم "العصفورة قالت لي"، والذي
يتحدث حول
التوكل على الله من خلال قصة طفل يريد أن يعبر من ضفة لأخرى، ولا يجد إلا
مركبا مع
صياد.. لا يوافق الأخير على إعطائه المركب إلا بالقبول بشرط
وهو أن لا يحمل هما،
ويوافق الطفل، لكن المشاكل تعترضه، ولا يجد ملاذا إلا في عصفورة تأتي إليه
لتنصحه
بأن يرمي همومه على الله.
الطريف أن الفيلم الذي كان من إخراجها
وإنتاجها حمل كلمات أغانيه وألحانه منها أيضا، وهو نفس الشيء
الذي يتكرر في كل
أفلامها، ومن يسمع الأغاني في هذا الفيلم وفي بقية أفلامها يظن لوهلة أنهما
لمطربين
محترفين، لكنه سيفاجأ أنهما لولديها "راندا" و"عمر".
الفيلم الأخير شارك بدوره في مهرجانات
عدة في اليابان، وإسبانيا، وإيران، لينافس بجوار أفلام مؤسسات
عملاقة مثل: "ديزني"،
و"دي سي كومس"، وغيرها، ثم توالت أفلامها تباعا: "النيل
صديقي"، و"أنا مش لوحدي"،
والأخير قصة طريفة يؤكد مضمونها على وجود الله.
أما آخر أفلامها الجرافيك فكان "قطرة
السعادة" والذي دخلت به السوق الفنية الغربية بشكل كبير؛ حيث
حاز إعجاب النقاد
الغربيين هناك، خصوصًا في مهرجان "أفلام الجرافيك" بألمانيا؛ حيث اتصلت بها
شركة
فنية روسية لتسويق الفيلم، وكانت المصادفة أن هذا الفيلم هو سبب دخولها في
عالم
إنتاج الأفلام الوثائقية، والأهم إنتاجها لفيلم "هل تؤمن؟".
سؤال
الإيمان
لفيلم "هل تؤمن؟" قصة أخرى تحكيها سلمى: "عندما
كنت في ألمانيا لعرض فيلم (قطرة السعادة) تم عقد ورشة على هامش المؤتمر
لمخرجي الأفلام تدور حول مفهوم السعادة، وهل هناك سعادة في هذا
الكون بالفعل, وكانت
إجابات معظم المخرجين والمخرجات تميل للتشاؤم، وعندما جاء دوري في الحديث
عن
السعادة قلت: السعادة موجودة في "اللقاء الأول".. بين المحبين عندكم مثلا
السعادة
موجودة في احتضان الأم لولدها لأول مرة... ثم أضفت وأنا أرى أن أهم أسباب
السعادة
أن يكون الإنسان وثيق الصلة بالله, ووجدت ردود فعل غريبة؛
فالجميع استنكر إجابتي,
وبجواري على المنصة كانت هناك مخرجة أمريكية وجهت لي سؤال: "هل الله هذا
فعلا
موجود؟" ثم أضافت ساخرة: "أخبريني إذن ربك هذا الذي تتحدثين عنه رجل أم
امرأة؟".
لم تقدم سلمى جوابا على هذه الأسئلة
وغيرها مع موجة التعليقات السلبية عن وجود الله، لكنها عادت من
رحلتها محملة برعب
خلق لديها الإصرار على التعبير عن قناعتها من خلال فيلم يقول للغرب بل
وللعالم كله
إن الله موجود، فجاء الفيلم.
كان مدخل سلمى متنوعا ومنفتحا على الآخر؛
فقدمت في الفيلم مسلمين ومسيحيين ويهودا؛ للرد على أسئلة
المشككين في وجود الله،
وبيان أثر الإيمان على حياة الفرد، وإظهار أن جميع الأديان من مصدر واحد هو
الله
سبحانه، وبرسالة واحدة هي التسليم له.
ولعرض وجهتي النظر حاولت سلمى الالتقاء
بعدد من الملحدين في مصر ليعرضوا معتقدهم، لكنها فوجئت بالرفض؛
لأنهم يخشون الإفصاح
عن هويتهم، مكتفين بالرد على الأسئلة التي وجهت لهم من باب إمدادها
بالمعلومات
فقط.
يبدو أن الأمر لم يكن سهلا خصوصا لوجودهم
داخل مجتمع مسلم متدين، فتسرد قصة أحدهم في رحلة فيلمها: "قال
لي: أنا لا أؤمن
بوجود الله، لكني غير راضٍ عن ذلك، ولهذا أصوم شهر رمضان حتى لا يفعل
أولادي مثلي,
عندي إحساس بأن ربنا موجود، ولكنني غير
متأكد من ذلك!".
لكنها لم تيأس.. استغلت وجودها في كندا
وطلبت من صاحب الشركة التي تنفذ لها أعمال جرافيك -وكان
كنديًّا من أصل مصري- أن
يكون المقابل المادي في صورة ترتيب لقاء مع مجموعة من الملحدين الكنديين،
وهناك حيث
لا يجد الإنسان غضاضة في أن يقول إنه ملحد، نشر الرجل إعلانًا يطلب فيه
ملحدين
للتسجيل في فيلم "وثائقي"، وكان الإقبال فوق توقعاتها.
لم يتوقف الفيلم عند ذلك، بل أحضرت
المخرجة في فيلمها آراء مختلفة لمتخصصين كان من بينهم حاخام
يهودي، و"مصطفى أكيول"
وهو أستاذ تركي متخصص في الكتابة عن الإلحاد، والمفتي علي جمعة، وعالم
الجيولوجيا
زغلول النجار، والطبيب حسان حتحوت، والقس أنطونيوس ميخائيل، وأنجيلا شوماجي
مدرسة
أديان في جامعة كندية.
صدمة
الإلحاد
كان أصعب المواقف التي مرت عليها هو
أثناء مناقشتها مع الملحدين والذي كان لبعضهم آراء صدمت من قوة
تركيبها الفلسفي
القريب من الإقناع المخرجة نفسها، تقول: "جاءتني فترة اهتززت فيها من هذه
الآراء،
وخصوصا أن بعضهم من الفلاسفة الذين لديهم قوة إقناع كبيرة، حقيقة لو لم تكن
على
درجة عالية من الإيمان، أو قدر جيد من العلم بالله فستهزك هذه
الآراء بشكل
كبير".
كانت أسئلة الملحدين صعبة.. كانت تدور
حول الظلم والعدالة ووجود الإنسان والموت، كانت أصعب الأسئلة
التي وجهت إليها هي:
إذا كان الله موجودا فلماذا تحدث الحروب والمشكلات والدمار وانتهاك الحقوق،
فأين
الله من كل ذلك؟
أما ما تعانيه "سلمى" في مصر وربما
عالمنا العربي فهو عدم ذيوع اسمها، رغم أنها حاولت أن تسوق
أعمالها التي نجحت
بالخارج في مصر، لكنها قابلت عوائق وعقبات شتى.
السبب -بحسب تجربة سلمى- هو تلك النظرة
السلبية للقائمين على الفن في مصر تجاه الأعمال الفنية التي
تحوي رسالة
دينية.
تضيف: "أقف في منطقة مخنوقة.. دائمًا ما
يقع فيها الوسطيون أصحاب النظرة المعتدلة، فمن ناحية وجدت
ممانعة من قبل مسئولي بعض
القنوات الدينية الذين أخبروني أن ظهور امرأة ملحدة بشعرها في فيلم يحكي عن
الإيمان
بالله -فضلا عن احتوائه على الموسيقى- هو أمر غير مقبول شرعا".
وتختم قائلة: "فيما يرى الآخرون على
الضفة الأخرى أن فيلم "هل تؤمن؟" يساهم في إذكاء المشاعر
الدينية، والاتجاه
للتطرف".. تخيلوا!.
صحفي مهتم بالشأن الثقافي
إسلام أ،لاين في
20/01/2010 |