كان يمكن لشريط "دار
الحي"، عرض ضمن فقرة ليال عربية في مهرجان دبي السينمائي
الدولي الأخير، للإماراتي
علي مصطفى ان يحمل نواقص التجربة الأولى وهناتها. أو لعله يخل بمعادلة صعبة
التوازن
بين إيصال فكرة الموضوع، والاحتفاظ بحيوية تصاعد خطها الدرامي، ومن دون
الإخلال
بالمعالجة السينمائية.
لكن الشاب علي
مصطفى، المولود في لندن من أب إماراتي وأم إنكليزية والدارس في أحد أهم
المعاهد
السينمائية "مدرسة لندن للفيلم"، قد قلب أغلب التوقعات وخيب الكثير من
الظن، مثله
مثل شريطه، الأول في دولة الإمارات العربية المتحدة يحمل مواصفات الشريط
السينمائي
العالمية، تقمص مصطفى شخصية مدينة دبي وسمعتها، كمكان جذب وما يحمله من
وعود ثراء
لطالبي فرص العمل من مختلف الجنسيات القادمة من بقاع الأرض،
وقدم صورة أقرب إلى
البورتريه السينمائي لفضاء أسمه على مسماه، ولئن كان التنوع والاختلاف هو
سمة هذه
المدينة الناهضة، وكأنها تحاكي بذلك أحد أهم أسس المدن الكوزموبوليتانية
والقائمة
على الواحدية والتعدد، فان مصهرها الحياتي يقول الكثير في هذا
الشأن. فيض من سرديات
قصص لا تنتهى. ومن عالمها أستلف هذا الشاب قصة شريطه، وكتبها بمساعدة
البريطانيين
جوني بروان وجيري شيراد، والمنتج تيم سميث صاحب شركة "فيلم ووركس" التي
انتجت شريطي "سريانا"(2005)
و"المملكة"(2007)، وصوره بالكامل ونفذه في مدينة دبي الإعلامية
وأستوديوهاتها. تدور خيوط حبكة الشريط حول الشاب الثري فيصل(أول أداء
سينمائي
للمذيع الإماراتي سعود الكعبي)، والذي تربطه علاقة صداقة قوية
مع صديق طفولته خلفان (أداء
العراقي الكندي ياسين السلمان والمكنى بالنرجسي)، ورغم التفاوت الطبقي، ان
صح
التعبير، فان فيصل يجد في صديقه الناري خلفان نافذته الوحيدة لطرد السأم
الحياتي
الذي يعيشه والتعويض عن غياب الرفقة الحقيقية، فيما يبحث الشاب
الهندي باسو (أداء
الممثل الهندي سونو سود) عن حلمه خارج مقعد سيارة الأجرة ومقودها، وعبر
تمثله لنجم
غناء هندي ضارب في جماهيريته الشعبية. ومثلهما تجد المضيفة الرومانية،
وراقصة
البالية السابقة ناتاليا (النجمة ألكسندرا ماريا لارا) في حبها
للبريطاني غاي بيرجر
(جيسون
فيلمنغ) الذي يعمل في ميدان الإعلانات. خيوط لأقدار تبحث عن ممكنات لتحقيق
أحلامها، لم لا وإمارة دبي قد أغرت الكثيرين بوعود لا طائل منها، على هذه
الخلفية
تتصاعد أحداث الشريط. ف يصل، يدفعه انغماره في حياة
اللامسؤولية التي وضعها والده
فيه، يصاب في حادث اصطدام سيارته ولكن صديقه العزيز خلفان يدفع الثمن.. "يابه
أنا
ذبحت خلفان" وهو يواجه والده في مقطع تتقابل فيه عقلية المحافظة مع ثقافة
جيل
الشباب في مجتمع مرفه، ومثله يجرح السائق باسو في تلك الحادثة،
ويكون قد فقد وظيفته
كسائق ومن ثم كمغن هاو في أحد النوادي الليلة بعد تشوه وجهه، فيما تتكشف
للمضيفة
ناتاليا وعود صديقها رجل الإعلانات غاي الكاذبة، بعد ان أخبرته بحملها، ما
يدفعه
الى تهديدها وتحويل حياتها الى جحيم لكونه مرتبط بشبكة علاقات
نافذة في هذه
الإمارة. مرارة هذا التهدديد تضاعفها أكاذيب صديقتها أولغا (ناتاليا دورمر)
وسرقاتها، شريط "دار الحي" عن الحلم
وممكنات تحقيقه. عن الخسائر الواجب دفعها في
رحلة البحث الإنساني في هذه الإمارة المغرية بما توافر لها.
وحده رجل القمامة
الآسيوي، سيكون في آخر الأمر هو الفائز بجائزة مسابقة اليانصيب على خلاف
توقعاته
ويسلم أمره الى الله. ما توافر لشريط "دار الحي"، من دعم مالي قدمه مهرجان
دبي
السينمائي وغيره من مؤسسات حكومية وخاصة ووصل الى مبلغ يقارب الـ7 ملايين
دولار
أمريكي، ومن نجوم هوليوود المعروفين، والى يد مدربه في العمل
السينمائي العالي
الجودة، فان شريط "شروق-غروب" للشاب السعودي محمد الظاهري، مسابقة المهر
العربي
للأفلام القصيرة، لم يحظ بمثل هذا الدلال والإمكانات ولا يدعيها. فقد راهن
هذا
الشاب القادم من اختصاص بعيد كل البعد عن السينما، خريج كلية
الصيدلة، على نباهته
واهتمامه برصد الظواهر الإجتماعية في المجتمع السعودي. نباهة فاقت بقوتها
وجرأتها
ما قدمه الأدب، مثلاً، وخصوصاً الرواية. ففي "بنات الرياض" لرجاء الصانع،
والتي
حازت على ثناء نقدي كبير كونها قاربت موضوعاً اقرب الى المحرم، ألا وهو
عالم المخفي
وعبر حكايا نساء سعوديات يبحن بيوميات حياتية ويكون جهاز
الحاسوب ناقلها. على خلاف
ذلك، ينقلنا شريط "شروق-غروب" الى الوجه الآخر لعالم مدينة الرياض، عالم
يكسر
الانطباع السائد والجاهز عن المملكة العربية السعودية، ما تكشفه الكاميرا،
تقديم
ذكي أقرب الى عمل الهواة، نقل حركات صبي ينظر الى شباك صغير
مفتوح على السماء، وصوت
قادم من مذياع حيث ترتل آيات من القرآن في إحدى الصباحات، ومن ثم دورانها
في أرجاء
بيت فقير حيث يجلس أب وزوجته وأبنهما لتناول الفطور، وصمت مطبق تتبادله هذه
العائلة. فيما تتابع الكاميرا في النقلة الثانية خروج الأب
بصحبة أبنه وهم يستقلون
سيارة متواضعة من أجل الذهاب كل لعمله، الصبي الى مدرسته، فيما الأب الى
عمله في
الأسواق، المدرسة أوضاعها بمجملها لا تسر، تعتبر السعودية أكبر بلد يصرف
على
التعليم من ميزانيته السنوية مقارنة بدول العالم الثالث، حيث
التلقين الببغاوي
والبرامج المملة، ما يدفع بالطلبة الى تبادل صور ممثلات وعارضات أزياء
عارية لكسر
رتابة الدرس. أما العقوبات، فتفصح عنها راحات الطلبة المتورمة في حمامات
المدرسة،
النقلة الثالثة نتابع من خلالها انتظار الصبي لوالده على قارعة الطريق، الى
ان يظهر
الأب ويسلم أبنه مناديل وعطر لبيعها أثناء وقوف السيارات عند
إشارات المرور، لكن
الشارع هو الآخر لا مكان فيه للأطفال القصر والقادمين من عوائل فقيرة،
فيتعرض الصبي
الى حالة اغتصاب من قبل شاب تحت أنظار المارة، ما يدفع رجال الأمر بالمعروف
والنهي
عن المنكر بمطاردتهما، يقع الصبي في يد رجال الأمر بالمعروف،
ويتناوبون على معاقبته
الى أن يفصح عن عنوانه واسم عائلته. شريط "شروق-غروب" جرئ وشجاع، لا لكونه
كشف عن
المستور والمخفي في مجتمع يدعي الفضيلة، إنما بفضل شجاعة مخرجه الشاب،
والذي أستحق
بجدارة جائزة جمعية النقاد العالميين "وذلك لبساطته وأسلوبه القوي والشجاع
في تسليط
الضوء على المشاكل التي تواجه الشباب في مجتمعنا"، وكذلك تنويهاً خاصاً من
قبل لجنة
حكام فقرة الأفلام القصيرة، شحة أسلوبية، كاميرا رقمية وحفنة أصدقاء وتمويل
ذاتي،
نقلت واقع حال طالما أخفته الكاميرا في وسائل الإعلام، على الأقل العربية.
أما
رسالته كبيرة وطموحة، فقد وزع هذا الشاب نقده على النظام
العائلي، والتربوي،
والقانوني الذي يمسك بمفاصله رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى
حالة
التدليس لمشاكل حقيقية قائمة في بلد غني، مكاشفة معززة بالصورة الصامتة
تقول الكثير
ليوم عائلة فقيرة ومسرحها العاصمة السعودية الرياض.
المدى العراقية في
20/01/2010
الإنسان حين يكون مبصراً وهو يقود مجتمعاً يفتقد
البصيرة
صباح محسن
لم تكن مهمة المخرج
البرازيلي فرناندو ميرليس يسيرة، حين انيطت به مهمة اخراج فيلم العمى
والمأخوذ من
رواية الكاتب البرتغالي خوسيه سارامغو الحائز على جائزة نوبل للآداب عام
1998، حيث
اوكلت شركة ميراماكس للأفلام مهمة اخراج هذا الفيلم وذلك
لخبرته المتفردة في إدارة
مثل هذه الاعمال وقد سبق ان قام بإخراج فيلم المؤامرة عن دبلوماسي بريطاني
قتلت
زوجته في كينيا وتعقبه لتلك الجريمة،
وفيلم آخر مثير
ومهم أنتج عام 2003 مدينة الرب والذي اثار الدهشة حين عرضه، مما أدى الى
الانتباه
للمخرج البرازيلي فرناندو ميرليس. ان رواية العمى والتي أحدثت ضجة حين
صدورها، لم
تكن عملا تقليديا على مستوى إنتاج الأدب الروائي، وذلك لان المؤلف قدم
اشتغالات
قرائية لأحداث تغلب عليها حالة الفنطازيا، والطريقة المفترضة
لإنشاء الأحداث، حيث
هناك طاعون من نوع آخر يضرب الناس ويحيلهم الى عميان، ضمن انتقالات سردية،
عرف بها
الكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو، ولان الاشتغال الروائي اخذ منحى فكرياً
عميقاً
لما يؤول اليه الإنسان حين يفقد البصر، والإحالات التي تنتج عن
ذلك الفقدان، وتفجير
مكنونات وغرائز اكثر خطورة حين صعودها على سطح الحياة لتكون امتدادا عدائيا
مضافا
لما يمتلكه الإنسان من صفات متراكمة من الاستحواذ والهيمنة والدافع الجنسي
الحيواني، وبلوغ حالات اكثر فتكا ساعة امتلاكه أدوات هيمنته
ليبطش بكل ما يعيق
امتداده الوحشي واستبداده المطلق والإطاحة بكل ما يعيق اندفاعه الأهوج حتى
من بني
جنسه!. ابتكار أدبي مذهل واشتغالات فكرية مدهشة واستحداث فذ لتناولات
الرواية في
طروحاتها الجديدة، حيث أخذت تتجه الى الابتكار في نبش مواضيع
وأحداث مغايرة لذلك
تبدو مهمة المخرج فرناندو ميرلس صعبة، في نقل أحداث رواية العمى الى
السينما وإسقاط
العنصر البصري عليها لمعالجة سينمائية جمالية تستخدم روح النص الروائي في
تسلسل
أحداثها وفك خطوطها المتشابكة للوصول الى شيفراتها ودلالاتها
الفكرية. كتب
السيناريو دون ماكيلار، بعد ان قام المخرج فرناندو ميرلس بشراء حقوق
الرواية،
وانتظر عدة سنوات لاخراجها للسينما بعد ان اعتذرت اكثر من شركة للانتاج
بتمويله،
وتم انتخاب مكان التصوير في كندا وتحديدا في مدينة تورنتو وفي البرازيل في
مدينة
سان باولو حيث أنتج هناك. الثيمة التي اشتغل عليها المخرج، ذات
مستويات متقاربة،
المكان اولا، والأبطال ثانيا، اذ تحرك على متقاربين، المصح الذي يزج به
أولئك الذين
أصيبوا بهذا الوباء بعد أن أصاب واحدا ومن ثم انتشر وقيام السلطات
باحتجازهم في
مكان اقرب ما يكون للمعتقل، حيث تجري الأحداث بين فريقين
للاستحواذ على الطعام بعد
ان نفد من الفريق الأول، والذي تتزعمه زوجة الطبيب ادت الدور الممثلة
المتألقة
جوليانا مور والتي ترشحت لثلاث جوائز اوسكار قبل القيام ببطولة هذا الفيلم،
لتكون
المبصرة الوحيدة وسط مجموعة من العميان، لتبدأ الأحداث ضمن
رؤية اخراجية محكمة يتم
تسليط الاشتغال على مستويين الداخل والخارج الإنساني بعد ان يصيب الخلل احد
اكثر
العناصر الطبيعية لدى الكائن البشري وهو البصر، حين يتحول ذلك الفقدان الى
فقدان
البصيرة ايضا. نجح المخرج كثيرا في اختيار مكان المصح او
المعتقل وهو عبارة عن قاعة
طويلة ومتداخلة، ليقوم بتقسيمها الى اكثر من رواق وزاوية ليبدأ باصطياد تلك
الانتقالات لفريقي العميان وكأن تحرك الكادر التمثيلي ضمن هذه البقعة والتي
يحرسها
جنود مدججون بالأسلحة، كان اقرب الى العرض المسرحي، ليتحرك اغلب الكادر
بوعي هائل
ونافذ لإيصال فكرة العمل بطريقة مقبولة، والملاحظ ان الطريقة
التي ادار بها المخرج
ذلك الكادر بتقديم شخصيات عمياء تدور في فلك مظلم يشبه الى حد ما التناول
البريشتي
بالمسرح الملحمي، حيث هناك ادراك متداخل بين الممثلين والمشاهدين على ان
الذي يجري
انما هو عمل درامي تقوم به شخصيات بشرية لتقديم مظهر من مظاهر
الدراما بالاتفاق.
المسار الثاني الذي اشتغل عليه المخرج، حين تحرر العميان من قبضة المعتقل،
بعد
اكتشاف البطلة المبصرة الوحيدة بينهم انسحاب الحراس بطريقة غريبة، وان امر
اختفائهم
من حراسة المصح ظلت من دون تفسير، حينها تفتح الباب الرئيسي
الكبير الى الخارج
لتدخل منطقة ظلام دامس ولم يظهر منها أي شيء وهي تصرخ بأعلى صوتها الى
العميان
بأننا احرار، وهذه إشارة ذكية من المخرج للدلالة على دخولهم عمى جديد
بانتقالهم الى
المدينة. كانت إدارة المخرج داخل المصح صعبة للغاية بوجود اكثر
من ممثل في تقديم
شخصيات مأزومة تتحرك وفق تطور وتأثير ذلك الوباء، ونرى كيف يستحوذ الفريق
الأقوى
على الطعام ويجبر الفريق الآخر على تقديم جميع النساء لديه أمام اعطائهم
جزءا من
الطعام، لينتقل المخرج الى الإحالة الايروسية لإظهار تطور
الصراع في اكثر الحاجات
مساسا للوجود الانساني، وكانت المشاهد البارعة للنماذج المهيمنة، وهي تقوم
بالممارسات الجنسية الوحشية لنساء الفريق الآخر، وبأداءات اكثر
وساخة، من مثل إجبار
أولئك النسوة اللواتي يدخلن الحيز المخصص الذين يستولون على الطعام، بشكل
نسقي
واحدة تلو الأخرى بطريقة مستقيمة وتضع كل واحدة يدها على التي قبلها،
وكأنهن أسيرات
حرب، استطاع المخرج ان يفعّل هذا الجانب لدى اغلب النماذج
النسائية، ليستقرئ من
خلال ذلك بشاعة الإنسان في اكثر نزواته قرفا، وليشكل لوحة اقرب الى تلك
الاعمال
الفنية المعلقة في الكنائس وتشكلاتها من حيث البناءات الفنية التي تم رسمها
ايام
عصر النهضة، والمرموزات والإيحاءات التي تخرج من النماذج المهيمنة
واضطهادها لتلك
النسوة بما فيها البطلة الوحيدة المبصرة، وكانت الرصاصات
الطائشة التي يطلقها احد
المهيمنين في فريق الاستيلاء، ردا على قيام زوجة الطبيب بقتل الرأس المسؤول
عن
الفريق الاخر بأداة حادة في رقتبه ثأرا لما اقترفه معها من قسوة وهو يمارس
معها
الجنس وقتل احدى النساء من فريقها بطريقة وحشية، وكانت
الرصاصات الطائشة من رجل
اعمى تضرب الطرفين. الاشتغال الآخر كان وسط المدينة بعد ان تحرر المصابون
من الخروج
من المعتقل وهم يتجهون الى عمق المدينة حيث المحال التجارية التي تحوي
مخازنها على
الطعام، وكانت المشاهد مذهلة وسط مدينة فارغة الامن مجموعة
عميان يتصارعون على
الطعام داخل تلك المحال، ومشهد الشوارع وهي تكتظ بالمخلفات البشرية على طول
امتداداتها والعمارات الفارغة، ومشهد مجموعة من الكلاب وهي تنهش
بجثة شاب مرمية في
إحدى الطرقات وقد وفق المخرج كثيرا في إدارة كاميراته المتعددة
لفتح المشاهد على
اتساعها في المدينة الفخمة وهي تئن من فراغ هائل وموحش، بحيث انتقل بحرية
باستخدام
فضاءات المدينة باتقان وحنكة، ليصنع لوحة بصرية ذات تأثير نفسي حاد على
المتلقي وهو
يتابع مساحة مدينة فارغة تدفع للكآبة، سوى من بعض العميان
المتصارعين على الطعام مع
انتشار كلاب سائبة تأكل كل شيء بما فيهم البشر!. كانت المعالجة الذكية من
قبل
المخرج وهو ينتقل من داخل الشخصية المصابة بالداء حين تقوم بالتحرك باضافة
اللون
الابيض على كل المشهد، وليطغي على كل الشاشة، وكرر ذلك كثيرا،
بل كان استخدام اللون
الأبيض طاغيا على اغلب مشاهد الفيلم المتخم بالنماذج العمياء! حيث تداخلت
الرؤية
حتى وصلت الى البطلة المبصرة الوحيدة في نهاية الفيلم، وهي تجلس منفردة
تتأمل
الحالة بعد ان بدأ البصر يعود تدريجيا لبعض المصابين واستبشار
الآخرين بشفائهم،
كانت هي تجلس وسط بياض بدأ يتصاعد تدريجيا للدلالة على بدء إصابتها بالداء
وهي تردد
ما أصعب ان يكون المرء مبصرا في مجتمع اعمى. معالجة دقيقة وذكية كان مصدرها
عمل
أدبي فخم لكاتب متمرس بحجم خوسيه سامراغو وهو يعالج العمى
الأخلاقي والقيمي وليس
العمى من جانبه البيولوجي، ليصل الى مرحلة الكشف عن الداخل الإنساني وهو
يتسلل الى
ظلامه الداخلي ليكتشف بشاعة انحلاله. فيلم مهم ومذهل في آن واحد، تمكن
المخرج من
إيصاله بصريا وعلى زمن الفيلم ولأكثر من ساعتين.
المدى العراقية في
20/01/2010
المخرج الشاب حيدر رشيد: هكذا أرى بغداد.. أحبها
وأخافها
حاوره في دبي/ علاء المفرجي
ينتمي
حيدر رشيد (22 عاما) الى جيل عراقي صاغت الغربة ملامح تكوينه، يقف حائراً
أمام
أسئلة الهوية، والوجود، والوطن المفتقد.. أب عراقي وأم ايطالية.. وجد في
الكاميرا
نوعاً من حل يجوب بها مدن الغربة (روما، نيويورك، لندن) عله
يرسم شكل (محنته).
التقيته في مهرجان
دبي السينمائي مشاركاً في برنامج ليالٍ عربية بفيلمه (المحنة) وهو عن لندن
العاجة
بفوضى الزحام والحركة وعن أبن كاتب وأكاديمي عراقي يواجه محنة من نوع خاص
تتعلق في
نشر كتابه الأول عن مذكرات ومأساة والده والذي اغتيل في بغداد
بعد عودته عام 2003.
·
أراك تختلف في نظرتك للموضوع
العراقي عن أبناء جيلك من السينمائيين
العراقيين، حيث الحدث بتفاعلاته وتداعياته أقرب للوثيقة منه الى الخيال..
ما
تعليقك؟
-
أنا إيطالي عراقي.. ولدي طريقة خاصة في النظر الى هذا الموضوع
طريقة
يمليها علي نمط حياتي وتفكيري بوصفي إيطالياً، وفهمي لما يدور إنطلاقاً من
غربتي
ثانياً وعندما فكرت باختياري موضوع فيلمي احتشدت في رأسي أسئلة لا حصر لها
من نوع
هويتي، وطن أبي الذي لا أجيد لغته لكني بالتأكيد أتمثل ثقافته لقربي من
شخصية أبي،
موضوع الفيلم اذن في لندن حيث أقيم الآن وأصدائه البعيدة في
بغداد.. بغداد عندي مثل
كابوس أحبها وأخافها.. وربما لهذا السبب انك ترى ان هناك اختلافاً في
النظرة.
·
لكن بغداد في الفيلم لا نجدها
الا في مذكرات والد البطل، وغير ذلك هي ليست الا صدى
بعيداً في خضم المعاناة الوجودية للبطل؟
-
بالضبط لكنك تلاحظ ا لحيرة والقلق لدى
بطل الفيلم هي انعكاس طبيعي لازمته وهو يحمل مخطوطة كتابه بين
دور النشر لنشرها،
فشله في ايجاد توصيف لعلاقته مع فتاته بعد أربعة سنوات من علاقتهما، كل ذلك
هو نتاج
طبيعي لازمة اكبر تغلفها الأسئلة. بالنسبة لي أرى ان هذا الفيلم يتحدث بشكل
حقيقي
عن العراقي وأيضاً عن معاناة الإنسان الممزق الهوية.
·
أشرت بعد عرض الفيلم الى
أنك واجهت صعوبة في إنتاج الفيلم، الذي استغرق كما عرفنا ثلاثة أعوام، هل
لازمتك
الفكرة نفسها على مدى هذه الأعوام؟
-
في البداية كان الفيلم عن علاقة بين رجل
وامرأة وهو بالمناسبة مقتبس عن مسرحية قصيرة للكاتب براد بويسن
ثم تم التصرف بها
لتأخذ منحاً شخصياً في ان تكون التجربة العراقية ثيمته، ربما هو الإحساس
بعراقيتي،
الإحساس بنصفي الآخر، بوصفي من الجيل الثاني من المهاجرين العراقيين وهو
موضوع سبق
وان تناولته في فيلم وثائقي لي، في هذا الفيلم واجهتني وفريق
العمل صعوبات ليست
مادية فقط بل صعوبات روحية، كنا نسعى لخلق توتر، نحن لا نريد ان نجامل
المشاهد
وبالتالي علينا ان نخلق نوعاً من التوتر لديه، لا نريد ان نثير عاطفته بل
ان نضعه
امام أسئلة شائكة، كارثة العراق كانت خلفية للحدث والدمار كان
موجوداً في
الفيلم.
·
يبدو ان شخصية الشهيد المفكر
كامل شياع كانت حاضرة في ذهنك، يؤكدها
اهداء الفيلم له؟
-
ليس هذا بالضبط، وان كنت اعترف ان حادث اغتيال المفكر شياع
كان له تأثير كبير عليّ لعلاقته الوطيدة بي وبوالدي، ربما كان نموذجاً لما
فكرنا به
لكننا هنا لا نسعى لشخصنة الموضوع وهو أشمل من ذلك، هو عن
العلاقة بين الأب والابن
وأيضاً عما يعانيه البطل في أزمته، ما أود ان أوضحه اني رغم الاستعانة
بوالدي والذي
كان له أثر كبير في كثير من تفاصيل هذا الموضوع، هو أني احمل وجهة نظر خاصة
عن
موضوع العراق عالجته برؤيتي الخاصة التي شاهدتموها بالفيلم،
وأنا لست معنياً بأي
قراءة أخرى للموضوع انا معني فقط بطرح رؤيتي له.
·
ما هي مشاريعك المقبلة؟
-
لدي وفريق العمل مشروع فيلم روائي كبير عن الحرب العراقية-
الإيرانية نعتزم تصويره
في صحراء الأردن وهذا الفيلم يتناول الآثار السلبية للحرب.. أية حرب على
الإنسان.
المدى العراقية في
20/01/2010 |