بداية لابد ان نسجل ان عبارة "انتاج مشترك" تثير ريبة البعض، لا سيما
إذا كان المقصود بها هو "السينما"، ولا نبالغ إذا قلنا انها تعادل كلمة
"التطبيع" عند البعض الآخر، وكأن المثل الشعبي الذي يقول "لا يأتي من الغرب
ما يسر القلب" يصبح حتميا في حالتنا هذه، لكن هذا ليس كل الرأي، ولأن
الموضوع شائك فهو يحمل وجهتي نظر، طرف مصاب بحساسية المؤامرة، والآخر انضج
تجاربه الفنية في معية هذا التمويل (قطري- اقليمي- اوربي)، ودورنا ان نطرح
الموضوع برمته حتي يتبين الخيط الابيض من الأسود، وانت - عزيزي القارئ -
الحكم وفق ما يترسخ لك من قناعات.
علي مدار تاريخ السينما المصرية تم انتاج نحو ثمانين فيلما سينمائيا
عن طريق التعاون المشترك ما بين روائي طويل وقصير وتسجيلي تحقق منها نحو
اثني عشر فيلما بالتعاون مع دول عربية، في حين تم انتاج ثمانية وستين فيلما
مع دول أجنبية متنوعة احتلت فرنسا الترتيب الأول بنصيب أربعين فيلما. كما
ظهرت عدة تجارب سينمائية مصرية مشتركة مع عدد من الدول العربية منها لبنان
مثل فيلمي "حبيبتي" وأجمل أيام حياتي للمخرج هنري بركات انتاج عام 1974،
وفي السبيعينيات وأوائل الثمانينيات ظهرت تجارب اخري مشتركة بين منتجين
سينمائيين مصريين وبين شركات انتاج جزائرية ـ أخرج "يوسف شاهين" منها ثلاثة
أفلام مهمة في تاريخ السينما المصرية والعربية هي "العصفور عام 1973" وعودة
الابن الضال عام 1976 ـ اسكندرية ليه" عام 1979 واخرج خيري بشارة "الأقدار
الدامية" عام 1982 ثم ظهرت تجربة فيلم عصفور الشرق عام 1986 مشترك مع احدي
الشركات السعودية وفيلم ناجي العلي 1992 مشترك بين شركة "إن . بي. فيلم "
ومجلة "فن اللبنانية". وفي عام 1985 بداية مرحلة جديدة من الانتاج
السينمائي المصري المشترك مع فرنسا ثم معظمها عن طريق الراحل يوسف شاهين
نحو ثمانية افلام بالتعاون مع فرنسا.
انتاج عربي مشترك
يؤكد البعض علي صعوبة وجود انتاج عربي مشترك بسبب حزمة المحاذير التي
تفرضها بعض المجتمعات، والتي تضيق من مساحة الحرية في طرح قضايا بعينها،
لكن الناقد السينمائي رفيق الصبان يقول في هذا الصدد ما احوجنا للانتاج
العربي المشترك، خصوصا في ظل الظروف الراهنة، لأن ذلك سيساعد علي مواجهة
الغزو السينمائي الامريكي لشاشاتنا العربية، ومن خلاله سيتم إنتاج أعمال
كبري تنهض بالصناعة.
أما العقبات التي تعوق هذا الانتاج فيري "الصبان" يأتي علي رأسها
الروتين الحكومي في معظم الدول العربية، وقلة الموارد، وايضا اللهجات
المختلفة في العديد من الدول، اضافة لعامل مهم جدا وهو صعوبة اختيار
موضوعات مناسبة، ثم تأتي بعد ذلك اهم مشكلة وهي توزيع الادوار ، وهنا يأتي
الجدل حول من الممثل الذي يأخذ البطولة؟ ومن يأخذ الأدوار الثانوية؟
باعتبار أن كل ممثل يمثل دولته، وهنا نقع فيما يُسمَّي بصراع الأدوار، إذا
ما نجحنا في تجاوز هذه العقبات سيكون المردود ايجابيا علي نواحي عديدة..
اما السيناريست "وحيد حامد"، فيري أنه لا توجد أي عقبات من أي نوع وراء
اختفاء الإنتاج المشترك عربيًا، فنحن أمة يجمعها تاريخ واحد، ولغة واحدة،
وهمٌّ واحد أيضًا، فضلا عن توافر الكوادر البشرية، وفي حالة الإنتاج
المشترك ستختفي مشكلة التمويل، ولكن الذي من الصعب أن يختفي هو خلافاتنا
الدائمة، وغياب وعينا القومي في كافة المجالات، وليس في السينما وحسب.. أما
الأستاذ ممدوح الليثي يري إن مصر هي الأكثر خبرة في صناعة السينما عربيًا،
وتمتلك كل مقومات الإنتاج، ولا ينقصها إلا التمويل، وهو يمكن التغلب عليه
من خلال الإنتاج السينمائي المشترك، الذي يتطلب إبداء الرغبة في التعاون مع
مصر في هذا الإطار من بقية الأشقاء العرب؛ إذ من غير المنطقي أن نطلب من
الآخرين مدّ يد العون، ولدينا الآن في مصر مدينة الإنتاج الإعلامي التي
توفر المناخ لإنتاج أعمال ضخمة. وأشار بأن تعدد اللهجات لا يمثل عائقًا؛
لأن الممثلين بإمكانهم التغلب عليها بالتدريب
التمويل الخارجي
رغم الانتقادات الشديدة التي توجه للاعمال السينمائية التي تمول من
الخارج، تؤكد المخرجة أسماء البكري أنه لولا الانتاج المشترك ما كنت استطعت
ان اقدم افلامي لأن المنتجين عندنا يريدون أفلاماً هابطة ومشاهد جنسية وهم
ليسوا منتجين حقيقيين ولكنهم تجار لا يراهنوا الا علي شباك التذاكر ولا
يعنيهم تقديم فن حقيقي، كما ان الانتاج المشترك موجود في جميع دول العالم،
ففرنسا تقدم افلاما بالاشتراك مع دول اخري مثل ايطاليا وألمانيا وبلجيكا
واتمني ان يكون لدينا انتاج مشترك بين الدول العربية ولكن هذا يبدو
مستحيلا.
وحول التنازلات التي يشيع البعض ان بعض المخرجين يضطرون للرضوخ
للممولين يؤكد المخرج يسري نصرالله : لم اقدم أي تنازلات وأفلامي كلها
قدمتها بمنظوري الخاص ولم يطلب مني أحد ان اقدمها بطريقة معينة وكلها تعبر
عني واذا كان البعض يردد ان افلام الانتاج المشترك تركز علي السلبيات فان
الكثير من الافلام التي انتجت بأموال مصرية خالصة عالجت نفس السلبيات،
والانتاج المشترك يعطيني الحرية لأتحدث في الموضوع الذي اريده كما انه يفتح
سوقا غير تقليدية للفيلم المصري، والذين يهاجمون هذا النظام في الانتاج لا
يتخيلون أن مخرجا مثلي يقدم افلامه دون ان يستأذن منهم.
وفي سياق اخر يؤكد الناقد مصطفي درويش بأن هناك تنازلات تحدث، ويحكي
واقعة حدثت للمخرج الراحل يوسف شاهين، فيقول عندما قدم يوسف شاهين فيلمه
"وداعا بونابرت" طلب من بعض الكتاب المصريين ان يطرحوا افكارا حول فترة حكم
نابليون، وتحدث في ذلك مع لطفي الخولي الذي اقترح عليه ان يقدم فيلما عن
سليمان الحلبي الذي قتل كليبر القائد العسكري الفرنسي فرد عليه يوسف شاهين
بأن الفرنسيين لن يمولوا فيلما يمجد قاتل قائد فرنسي وجاء فيلمه ليقول ان
الفرنسيين جاءوا بحملتهم الي مصر بالحضارة.. ويضيف "درويش" احيانا الممولين
يفرضون اسماء بعينها كما حدث مع داليدا في فيلم "اليوم السادس" وكانت
النتيجة بالطبع سيئة، في حين ان هناك ممثلات مصريات افضل منها بكثير..
ويتفق الناقد محمد عبد الله مع الرأي السابق مؤكدا ان الذي يدفع المال يريد
ان يفرض في المقابل افكاره وهذا لا يعني أننا شعوب بدون سلبيات ولكن مبدأ
تصيد الأخطاء مرفوض وهذا ما أراه في افلام الانتاج المشترك رغم انها علي
مستوي فني عال ولكن في النهاية محصلتها بالسلب بالنسبة للشخصية المصرية
والعربية وأنا اوافق علي هذا الاتجاه لو كان هناك ندية في التعامل وتوازن
في الرؤية.. أما المنتج جابي خوري يقول ان الافلام التي نقدمها بالاشتراك
مع فرنسا تكون بنسبة 50 في المائة لكل طرف وتكون مسؤوليتنا التوزيع في مصر
والدول العربية، والجانب الفرنسي يتولي توزيع الفيلم في فرنسا وبقية الدول
الأوروبية مما يفتح سوقاً جديدة للفيلم المصري، وما يوجه من اتهامات لأفلام
الانتاج المشترك يقال دون تفكير لأن أي جهة في العالم تدخل في انتاج أي
فيلم لا بد ان تقرأ السيناريو وتبدي وجهة نظرها فيه، وما يقدم من افلام يتم
عرضها علي الشاشة وللجميع الحق في مناقشتها فنحن لا نفعل شيئا في الخفاء..
ويطرح الناقد سمير فريد وجهة نظره مؤكدا علي ان أهم ما نملكه من إمكانات
ليس المال السائل، وإنما القوة البشرية والحضارية. إن نجاح السينما
الصهيونية لا يرجع إلي قوتها، وإنما إلي ضعفنا نحن، تمامًا مثل انتصارات
إسرائيل في الأراضي المحتلة. . ويحذر "سمير فريد" من اهدار الفرص تلو
الاخري، بقوله نحن لا نتحدث عن وحدة عربية، وإنما عن تنسيق مصالح يجعل
العالم العربي سينمائيًا وإعلاميًا في حال من القوة، وهذا التنسيق لا يحتاج
إلي ملايين، ولا إلي تكنولوجيا الفضاء، ولا إلي خبراء أجانب، يتطلب فقط
إعمال العقل في كل دولة عربية علي حدة، وبين كل الدول العربية مجتمعة، ودون
الاقتناع الصادق العميق بذلك لدي الأفراد ولدي الحكومات والدول سوف تظل
السينما الصهيونية أكثر قوة، وسوف نندب الحظ العاثر دون جدوي!!".
الأهالي المصرية في
20/01/2010
السد العالي «حگاية شعب» علي شاشة السينما
تحقيق: نسمة تليمة
لم تكن كلمات أحمد شفيق كامل وألحان كمال طويل أقل تأثيرا في الشحن
المعنوي والتعبير عن مشروع حلم قومي عاش لسنوات فكما قال: «قلنا هانبني
وادي احنا بنينا السد العالي» مناديا الاستعمار متغنيا بإنجاز تاريخي يحسب
لفترة مهمة في مصر.
كان أيضا علي الطرف الآخر يوسف شاهين معبرا برؤية خاصة لهذا الحلم من
خلال فيلم «الناس والنيل» وهو الفيلم المشترك أيضا إنتاجه بين مصر وروسيا
فكتبه حسن فؤاد والروسي نيكولاي فيجوفسكي وقام ببطولته سندريلا الشاشة سعاد
حسني وصلاح ذوالفقار ومحمود المليجي وعزت العلايلي، ولكن النسخة الأولية
للفيلم لم تعجب الجانب الروسي لأنها مجدت في دور المصريين من وجهة نظرهم
مما أجبر شاهين علي إعداد نسخة ثانية لقيت قبولا من الطرف الروسي.
الطابع الوطني
الناقد رفيق الصبان يري أن فيلم «الناس والنيل» أحد الأفلام المهمة
بلا شك في السينما المصرية ولو أنه يختلف ما بين النسخة الأولي التي رفضتها
روسيا بما أنها كانت شريكا في الفيلم مما أجبر يوسف شاهين علي إعادة إخراجه
حتي لا يظهر وكأن المصريين بنوا السد بمفردهم، يؤكد الصبان أن الأفلام
المشتركة دائما تحدث خلافات لرغبة الدولة المشاركة في إظهار ديماجوجيتها
لهذا فالإنتاج المشترك لا يناسب في رأيه الأفلام ذات الطابع الوطني فكل طرف
يريد أن يكون الأفضل مما يؤثر بالتأكيد علي مستوي جودة الفيلم.
أما عن النسخة الثانية فيراها الصبان جيدة وأفضل من الأولي ومن
الضروري أن يتم شحن الناس عن طريق السينما فلها دور اجتماعي مهم عكس ما
نراه اليوم من البحث عن الدمج التجاري والترفيه ولهذا لا توجد أفلام بنفس
المستوي أو قطاع عام أصلا.. أما الناقدة ماجدة خيرالله فتؤكد أيضا أهمية
الفيلم ولكنه لم يؤد، دوره كما تري لأن الموضوع لا يأتي من مجرد فيلم
«فالناس والنيل» عبر عن الحالة فقط وتطرق للمهندسين الروس والمصريين وعملهم
في مشروع السد العالي ولكنه لم يؤثر في الناس بقدر تأثير أغنية «حكاية شعب»
لعبدالحليم حافظ خاصة أنها تذاع في الراديو ويسمعها الجميع أما السينما فلا
يذهب إليها إلا جمهور معين ومن رأوه عدد محدود وتتذكر أيضا خيرالله فيلم
«الحقيقة العارية» والذي تطرق للسد العالي والعمل فيه، أما عن يوسف شاهين
فتراه يحمل إحساساً قوياً لمجريات الأمور ويعشق متابعة الأحداث ليستفيد من
تصويرها لهذا اهتم بتلك التفاصيل التي صنع داخلها حالة لمشروع قومي.
أما عن افتقادنا لمثل تلك الأعمال الآن فتري خيرالله أن السبب هو
افتقادنا للمشروع القومي الذي يحقق آمال الكثيرين فالسد العالي استمر بناؤه
10 سنوات كانت كفيلة لصناعة أحلام جيل بأكمله داخل كليات الهندسة خصيصا
للمشاركة فيه لهذا فالسد العالي يشكل هدفاً لجموع الناس.. أما عن دور الفن
في مثل تلك المواقف فتري خيرالله أن بلاداً بها نسبة أمية عالية يمكنني أن
أستخدم الفن كسلاح مهم في توعيتها يخاطب أولا مشاعرها ووجدانها فتعيشها
لهذا كانت الأغاني تلعب الدور الأكبر والمفارقة أن الجمهور لم يلتفت لأهمية
الفيلم إلا بعد ذلك بسنوات بعد انتهاء بناء السد.. يبدأها بالمشكلات هكذا
يسمي طارق الشناوي الناقد الفني تلك الثنائيات المشتركة بين بلدين حيث
تتعرض كدولة لمشكلات عن مشروع تتبناه في ظل نظام يحب كل العاملين فيه أن
يؤيدوا ما تقدمه دولتهم لهذا يري الشناوي أن الناس والنيل مر بمراحل كثيرة
لإرضاء الطرفين وهو ليس أفضل ما قدم يوسف شاهين ولكنه في رأيه وثق لمرحلة
زمنية كعمل فني.. وأضاف الشناوي أننا يجب أن نفرق بين العملين التسجيلي
والروائي حيث إن الأخير قد يستند إلي وقائع تاريخية ولكنه به حظ خيال لهذا
شعر أن «الناس والنيل» تسجيلي أكثر ويلمح الشناوي إلي أن تلك الأفلام كانت
جزءا من اللعبة السياسية الكبري فمهما كانت أهمية السد العالي فلم تكن هي
المشكلة، ولكن الأهم هو إنتاج عمل فني للدولة ويطرح مثالا حول اختفاء سيرة
مشروع توشكي من علي الساحة الآن بعد تردده لفترة طويلة وزيارات الرئيس مع
الفنانين لهذه الأماكن.
ليس جماهيريا
أما الفنان عزت العلايلي أحد أبطال فيلم «الناس والنيل» يري أن الفيلم
حاول أن يعبر بشكل جيد عن صور التعاون بين مصر والاتحاد السوفيتي أثناء
بناء السد العالي وكان الفيلم يشكل شكلاً من أشكال توثيق الصورة حفاظا علي
التاريخ ولكن في شكل درامي.. ويروي العلايلي أن يوسف شاهين كان مؤمناً
بالفكرة إيماناً بالغاً حيث إنه كان مشروعا قوميا يهم كل مواطن مصري وعن
عدم جماهيرية الفيلم يؤكد العلايلي أن هذا يرجع إلي تداخل عدة عوامل منها
رفض وقبول الطرفين المصري والروسي لرؤية الفيلم فأصبح أشبه بالفيلم
التسجيلي أكثر منه دراما، ويؤكد العلايلي أن مجموعة الفيلم بأكملها قد
تضايقت بسبب هذه التدخلات ولكنها حاولت تقديم صورة جيدة لمشروع مهم لمصر
وليس بالسهل.
أما عن فترتنا الحالية واختفاء مثل تلك الأفلام منها فأرجعه العلايلي
لعدم وجود مشروع قومي ليمكن التعبير عنه دراميا فأصبحت مباراة كرة القدم
صورة مصغرة لهذا المشروع.
الأهالي المصرية في
20/01/2010 |