دائماً
ما تثير أفلام المخرج أسامة فوزي والمؤلف هاني فوزي الكثير من الجدل..
فالبعض من المتشددين يرفضها، والبعض الآخر من المثقفين والدارسين يرحبون
بها، وقد قدم أسامة فوزي من قبل فيلم »بحب السيما« وهو فيلم متميز لكنه
أثار جدلاً لأنه دخل في بعض التفاصيل التي لم يدرسها جيداً بالنسبة للطقوس
الكنسية.
وربما يكون الفيلم الجديد »بالألون الطبيعية« امتداداً لفيلم »بحب السيما«
فالاثنين يستعرضان الحرام والحلال، والطفل في الفيلم الأول ينتمي لعائلة
مسيحية، والشاب في الفيلم الثاني ينتمي لأسرة مسلمة.. .
هذا الواقع بدأ منذ أيام السادات ولكنه ازداد في السنوات الأخيرة بشكل كبير
مع زيادة التعصب الأعمي الذي يصل بنا إلي حرب أهلية.
»يوسف«- كريم قاسم- في الفيلم الجديد كبر وتفتحت مداركه.. شاب موهوب يحب
الرسم ويود أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة.. لكن الأم »انتصار« كان كل همها
بعد وفاة الأب أن يتخرج ابنها طبيباً، ولأن يوسف لا يحب مادة الكيمياء فقد
التحق بالفنون الجميلة تاركاً الطب.
يدخل بنا الفيلم إلي عالم المتناقضات.. مجتمع الفنون الجميلة لتشتت فكر
الشباب، فلا يميز بين الحرام والحلال.. ويدور الصراع داخلهم.. فهل
الموديلات شبه العارية التي يرسمونها، والمقصود بها عملية تشريح الجسد كما
يحاول أن يقنعهم الأستاذ حرام أم حلال؟ وعلي النقيض تخرج الفتيات من المرسم
إلي المسجد في نفس الكلية ليتناولن جرعة كبيرة من الحرام والحلال، فيصل بهن
الأمر إلي ارتداء الحجاب والنقاب.
فكرة الفيلم مأخوذة عن مشروع إغلاق قسم النحت بكلية الفنون الجميلة والذي
لقي الكثير من الجدل، فلم يلتحق سوي طالب واحد بعد ذلك.
وأري أن هذا الفكر متخلفاً.. فنحن لم نعرف تاريخ بلادنا منذ أيام الفراعنة
سوي بالتماثيل التي شيدوها والكتابة علي الحجر.. فمصر لم تُعرف حضارتها في
العالم سوي بآثارنا التي تشكل أعظم تاريخ حضاري في العالم.. فهل يريدون
أصحاب هذا الفكر أن يخلعونا من جذورنا. لقد رأيت في برلين رأس نفرتيتي الذي
أقاموا لها متحفاً خاصاً ليقف الناس بالطوابير في عز المطر ليشاهدوا رأس
الملكة المصرية.
أيضاً متحف اللوڤر بباريس الذي أقام قسم كبير لعرض الآثار المصرية التي
يلتف حولها الأطفال لتشرح لهم المدرِّسة التاريخ المصري.. ولولا حضارتنا
هذه لما عُرفت مصر ولما قدم السياح إليها.
أثبت أسامة فوزي أن البطولة الجماعية للشباب ممكن أن تفرز نجوماً جدد- وهو
ما قلته من قبل علي هذه الصفحة- فكريم قاسم أو »يوسف« بطل الفيلم الشاب
الموهوب أصيب من كل جانب بحالة من الإحباط والتشتت الذهني.. فأمه في البيت
تضربه بقسوة حين تدخل عليه حجرته فجأة لأنه يرسم بنت الجيران المستلقية في
أوضاع مختلفة لممارسة هوايته. وفي الكلية يصطدم يوسف بالأفكار التي ظهرت في
الآونة الأخيرة المليئة بالمتناقضات. فهناك مثلاً تناقض كبير بينه وبين
صديقه علي »رمزي لينر« فيوسف يريد أن يتعلم ويصبح رساماً كبيراً، لكنه لا
يجد من يساعده علي تحقيق هدفه بالنسبة للأساتذة الذين لا يقدمون خبرتهم
للشباب.. أما »علي« صديقه فلا يهمه ذلك.. إنه يريد فقط الحصول علي شهادة
يعمل بها.. كما أنه يقيم علاقات جنسية مع النساء منهن زميلته الأجنبية التي
حملت منه ورفضت أن تجهض الجنين كما أراد هو.. فأنجبت الطفل وسافرت إلي
بلدها النمسا لكي يعيش الولد حياة طبيعية.
وبعد حفل تنكري ظهرت فيه الألوان الكثيرة علي وجوه الشباب، يلتقي يوسف
بزميلته الطالبة إلهام »يسرا اللوزي« التي تنتمي لعائلة كبيرة، ويحكي لها
همومه.. فهو من عائلة بسيطة مات أبوه وهو طفل وربته أمه التي لم تحضنه كأي
أم ولم تقبِّله مرة واحدة.. تتعاطف معه »الهام« وتنشأ بينهما قصة حب تصل
إلي ممارسة الجنس.. لكنها تندم علي ما فعلته وتحل مشكلتها بارتداء الحجاب
ثم النقاب.. وفي مشهد أقرب إلي الفانتازيا ينادي يوسف علي إلهام بين مجموعة
من المنقبات بصوت عال لكن أحداً منهن لا يرد.. وتخرج إلهام من حياته.
هذه الشخصيات المتناقضة أفرزها المجتمع رغم الصداقة التي تجمعهم.. يصاب
يوسف بالتشوش الفكري ليقدم المخرج هذا الواقع بشكل مباشر وأحياناً بشكل
كاريكاتيري أو فانتازي.. فيري أنه كالشيطان وهي تضربه بعنف.. والمعيدة التي
تضطهده لأنها مغرمة به وتريد أن تحظي به وهي امرأة سيئة السمعة.. وأيضاً
الأساتذة الذين لا يعلمون ويطلبون من كل طالب أن يعلم نفسه بنفسه، وفي
رأيهم أنه لن يستمر سوي الموهوبين.
ونري الفساد المتفشي في الأساتذة الذين يشغِّلون الطلبة كسعاة ليشترون لهم
احتياجاتهم ولزوم البيت.. والطلبة يعملون ذلك برضا لأن الأساتذة سينجحوهم
في الامتحانات.
إن هذا المجتمع ما هو إلا مجتمع مصغر لما يحدث في الواقع من فساد.. فكل شيء
بالفلوس وتقديم الخدمات، ونري يوسف يتحدث إلي نفسه ماذا يفعل هل هذا يغضب
الله.. هل هذا حرام أم حلال.. بل إنه يخرج ويوجه نظره إلي السماء ليتحدث
بأعلي صوته إلي الله. وربما يكون العيب في هذا المشهد أنه مباشر وكان يمكن
أن يقدم بشكل آخر.. وهو نفس الإعلان الذي يظهر علي شاشة التليفزيون فيثير
المتشددين.
هناك مشهد قدم بشكل صارخ لدرجة شعرنا معها بالقرف الشديد.. حينما تقدم إحدي
الفتيات بعد أن تخرج من الحمّام فضلاتها علي علبة أنيقة لعميد الكلية.. كان
يمكن أن يحذف هذا المشهد بدون أن يؤثر علي الفيلم.
إن أحد مميزات هذا الفيلم هو اختيار مجموعة من الوجوه الجديدة الذين تباروا
في الأداء، فمن الشباب »كريم قاسم« الذي اتنبأ له بالنجومية مع العام
الجديد، وصديقه رمزي لينر، والفتيات الجميلات التي يمكن لكل منهن أن تصبح
نجمة فرح يوسف وفريال يوسف، ومني هلا بجانب يسرا اللوزي.
لقد استمتعنا بالفيلم من أول مشهد حتي آخر مشهد فقد استطاع »يوسف« كريم
قاسم، بموهبته وإصراره وكبريائه أن يصل إلي ما يريده.. لينجو من مرحلة
التشوش الفكري والصراعات الداخلية حين حقق نجاحه بامتياز ورفض تعيينه كموظف
ومعيد في الكلية لينطلق إلي عالم الحرية.. فهو يريد أن يكون رساماً وليس
موظفاً.. وهو ما يجسده الطائر المنطلق في الجو مع نهاية الفيلم.
لقد تضافرت كل العناصر لتقدم لنا فيلماً جيداً، فبجانب المخرج استطاع
الفنان طارق التلمساني أن يجسد لنا بالألوان الطبيعية المبهجة أحداث الفيلم
منذ البداية.. أيضاً ديكور صلاح مرعي وموسيقي تامر كروان التي جسدت ما يحدث
من تشوش فكري وإحباط وحب وهجر.. أيضاً مونتاج دينا فاروق التي استطاعت أن
تقدم إيقاعاً يشترك حتي نهاية الفيلم.
أخبار النجوم المصرية في
14/01/2010 |