* انتهي عرض مسلسل "جنة ونار" علي القناة الأولي منذ أيام. وكان قد
سبق عرضه علي قناة النيل للدراما عقب رمضان مباشرة فلم أتمكن من مشاهدته
كله لأن تخمة المشاهدة في رمضان تجعل المرء يعزف لفترة عن المشاهدة بعده
حتي يسترد أنفاسه ويصبح قادراً علي المتابعة مرة أخري. كتب قصة المسلسل
أحمد عثمان. وكتب السيناريو والحوار عادل حسين بدوي والاثنان جديدان علي
شاشة الدراما التليفزيونية. أما الإخراج فهو لمحمد أبوسيف الذي قام أيضا
بالتمثيل في دور مهم لأحد كبار مافيا الدواء في العالم وجمع العمل بين
أجيال متعددة من الممثلين والممثلات من تيسير فهمي ويوسف شعبان وأحمد
عبدالوارث وابراهيم يسري ورشوان توفيق وعايدة رياض إلي حنان سليمان وأحمد
راتب وأحمد ماهر وشيرين ومحمد مرزبان إلي مجموعة من الشباب الصاعد مثل مها
صبري. فادي غالي. سهر الصايغ ومحمد عبدالقادر وممثلة أظنها لبنانية ولها
حضور جميل وهي تاتيانا.. وتتحرك أحداث السيناريو علي أربع محاور رئيسية
أولها الحياة العائلية لعالمة مصرية نابهة هي الدكتورة رقية عبدالرحمن
"تيسير فهمي" والتي تجري أبحاثاً لاكتشاف مصل لعلاج الأمراض المزمنة في مصر
مثل حساسية الصدر والالتهاب الكبدي الوبائي. وزوجها المحامي البارع "ابراهيم
يسري" وابنتهما وابنهما سهر الصايغ ومحمد عبدالقادر طالبا الجامعة والمحور
الثاني هو الصدام بين هذه الاسرة الفاضلة وأسرة رجل أعمال مشبوه "يوسف
شعبان" وزوجته "عايدة رياض" وابنهما الوحيد "فادي غالي" الذي انجباه بعد
قحط طويل فنشأ مدللا لاهيا لا يقيم وزنا لأحد اعتمادا علي ثراء وقوة ونفوذ
أبيه الذي ينجح دائما في انقاذه من تصرفات أقل ما يقال فيه أنها منحطة حتي
تأتي سقطته الكبري حين يسخر كل جهده هو والافيشة للانتقام من المحامي الذي
وقف ضده يدافع عن فتاة خدعها وتزوجها عرفيا وحين انجبت أنكر معرفتها. ويكون
انتقامه. أي ابن المليونير. في شخص ابةه المحامي الجامعية حيث ينجح بحيلة
إجرامية في سحبها لإدمان المخدرات عن طريق صديقة لها. ثم محاولة الزواج
منها في شبه إكراه. لكن الأب الذي يعرف الحقيقة متأخرا يقتحم بيته لإنقاذ
ابنته فيهرب ليسقط تحت عجلات سيارة مسرعة تصرعه.. أما المحور الثالث للعمل
فهو مؤسسة البحث العلمي التي تعمل بها د.رقية ورئيسها "أحمد عبدالوارث"
ومساعدوه وكيف يقوم هذا الرئيس بمحاولات عديدة لتعطيل مرؤوسته عن العمل
ولتعقيد أي مطلب لها حتي لا تصل إلي هدفها. إضافة إلي محاولاته الدؤوبة
لتلميع نفسه وفرض نفوذه علي المؤسسة التي يرأسها بالاعتماد علي النكرات
والجبناء من الباحثين ليصبح المحور الرابع. المنطقي هنا. هو نجاح د.رقية في
الإفلات من هذا لمناخ الفاسد. والسفر بأسلوب أقرب إلي الهرب "بعد رفض
عائلتها" للذهاب إلي أمريكا للعمل علي انجاز أبحاثها بعد عرض مغري تلقته من
عالمة أمريكية التقت بها في مصر ضمن برامج المعونة واقنعتها بأن أحلامها
العلمية لن تتحقق إلا هناك. بيد أنها بعد استقرارها في أمريكا وعملها في
معمل المؤسسة العلمية التي استقدمتها. تكتشف أنها وقعت فريسة في يد مافيا
مؤسسات أخري أكبر مستعدة لدفع الملايين لهؤلاء العلماء النابهين الذين
يأتون من الخارج مقابل الحصول علي نتائج أبحاثهم وجهدهم وتصنيعها فورا
والسبق بها في سوق الدواء. وتكتشف رقية أيضا أن المؤسسة لا تعتمد في تأكيد
مدي فاعلية هذه الأمصال علي الحيوانات. وإنما تصدرها سرا ًلدول أسيا
وأفريقيا الفقيرة حيث يجربونها علي البشر وليس مهماً ما يجري لهم من آثار
جانبية قد تؤدي للموت أحيانا. وحين يتم التأكد من فاعليتها. تنزل سريعا
للسوق بأسعار عالية للقادرين. بدون النظر -هذه المرة- لحاجة الفقراء.. قصة
طويلة تصل بنا إلي الرجل الأهم في "المؤسسة" مستر "ليفي". وهويته واضحة من
اسمه. وحش بلا ضمير ومقدرة علي البطش بلا حدود ويساعده شخصيتان هي دكتورة
نيكول "تاتيانا" التي أغرت رقية بترك مصر. ومساعدة "جاك" الذي قام بدوره
نبيل نور الدين.
لو حللنا المحاور الأربعة للمسلسل لوجدنا أثنين يمسان قضايا المجتمع
المصري اجتماعيا. وهما الحياة الأسرية لعالمة وصراعها من أجل تحقيق ذاتها
وإنجاز أبحاثها وبين مسئوليتها تجاه أسرتها. وتداخل حياة أسرتها مع أسرة
رجل أعمال فاسد وأبنه في علاقة بدأت مأساوية قبل أن تتحول إلي العكس تماما.
بعد موت الابن وتغير الأب واحتضانه للفتاة التي غرر بها ابنه ولحفيده ثم
تضامنه الإنساني مع المحامي زوج العالمة.
أما المحوران الأخران. سواء ما يخص مؤسسات البحث العلمي في مصر وما
يجري بداخلها أو حكاية مافيا الدواء ومؤسسات البحث العلمي خارج مصر. ودور
المؤسسات الخارجية "الأمريكية هنا" في مساعدة مصر تحت ستار التعاون العلمي
المشترك واستغلال حاجة علمائنا للعمل في ظروف وأوضاع محترمة علميا
وتكنولوجيا وماديا. فيقعون في براثن مافيا لها نفوذ -كما جاء في المسلسل-
يصل إلي المباحث الفيدرالية والسي أي أيه. بل والقضاء والسجون الأمريكية
"حيث سجنت رقية فترة" وحتي مراكز صنع القرار في الكونجرس الأمريكي..
موضوعان شديدا الأهمية. وأربعة محاور كل محور فيها يمكنه أن يصنع لوحده
مسلسلاً مستقلاً بشرط تكامل خطوطه. وإذا كنا قد رأينا وشبعنا من المسلسلات
الاجتماعية فإن ما يخص العلماء والبحث العلمي لا تتعرض له الدراما المصرية
إلا أقل من الندرة وهنا أهمية هذه العمل في رأيي. غير أننا كان يمكننا قبول
كل أحداثه لو أنها جاءت متساوية الاهتمام علي مستوي التأليف ليصبح
السيناريو متوازنا. فلا تثقله في ثلثه الأول كل الأحداث التي عاشتها
العالمة حتي سفرها لأمريكا بكل ما فيها من زخم. لنجد أنفسنا فجأة أمام
المحور الرابع. وهو مافيا الدواء في أمريكا "والذي بدأ فور وصولها هناك"
وابتلع النصف الثاني للمسلسل تقريبا وحيث تركز حول مغامرات د.رقية للإفلات
من الحصار والتجسس ومأس أخري لرفضها أن تكون أداة في يد هذه المؤسسة
العلمية الإجرامية. وبرغم أهمية هذا الجزء وخطورته إلا أنه جاء أقل من
المتوقع فبدد الشغف الملائم له "وفقا للأحداث" لسببين أولهما هذا الفقر
الإنتاجي المؤسف في تقديمه. فأمريكا هنا مجرد بضعة حدائق ومتنزهات في
نيويورك تجري فيها حوارات الممثلين وبضعة ديكورات في أي شقة أو فيللا لا
تختلف عن غيرها في مصر. وكذلك الأمر بالنسبة للمعمل الأمريكي. ميكروسكوب
وأدوات لا توحي بالنقلة "الكبري" حتي السجن الأمريكي عبارة عن لقطات مكررة
لسور عال بلا ملامح. أما زنزانات السجناء والسجانين فهي جديدة! لم نرها من
قبل في كل ما رأيناه من أفلام ومسلسلات أمريكية. وممثلين يتكرر ظهورهم في
زاوية تصوير واحدة. أما السبب الثاني فهو أداء النجمة تيسير فهمي. والذي
بدد في هذا الجزء الأخير قيمة الأداء الجيد الذي حققته في الجزء الأول من
العمل. بهت وبدا مصنوعا وكأنها تعبت "بجد وليس ضمن السيناريو" وكم كنت
أتمني لو جاء المسلسل كله علي نفس الدرجة من الاتقان. والاتزان.. لكن ليس
كل ما يتمناه المشاهد يدركه.
magdamaurice1@yahoo.com
الجمهورية المصرية في
14/01/2010
ليل ونهار
عزبة بني آدم !!
بقلم: محمد صلاح الدين
الجيل الجديد من المؤلفين والمخرجين يحتاج دوما الي الثقافة والفكر.
والي تنوع خبراته في كل مجال.. وعليه الا ينساق وراء الشكل الجيد أو الصورة
المؤثرة فقط.. ولكن هناك دائما عمقا أو قلبا يحتاج إلي رعاية أكثر حتي من
مسطح الصورة الجذاب.. حتي يتحقق لعمله "المصداقية" التي تمس الروح وتوقع
التصديق!!
وفيلم "عزبة آدم" زاخر باسماء النجوم كبارا وشبابا.. وزاخر بالأحداث
الدرامية المتنوعة برغم انها مأساوية بل وتميل الي الميلودراما الفاقعة..
وزاخر بالصورة الجيدة التي تنم عن بعض الجماليات خاصة في الألوان الغامقة
والرماديات وغيرها من درامية الاضاءة أو الخطة اللونية برغم بعض الاخطاء
الساذجة أحيانا بل واختيار أماكن تصوير وزاويا تدعم الموقف الدرامي وأحداثه
المتشابكة.. وكلها محاولات جيدة في طريق الصنعة والمهارة لتقديم فيلم يحمل
أكثر من مستوي كتبه محمد سليمان واخرجه محمود كامل.. الا ان الفيلم ظهر في
النهاية مراهقا فكريا يخلو من المصداقية ومن التماس مع المشاهدين!!
السبب الرئيسي في هذه الفجوة الغريبة هو ضعف الفكر وقلة الحيلة
والابتكار والتأثر بتراث السينما المصرية القديم الي حد عدم التجديد في
مشاهد بعينها كانت تحدث في الخمسينات مثلا.. وهي آفة أصبحت أخشي علي أجيال
السينما الجدد منها.. فإما التغريب التام والبعد عن مجتمعنا.. واما
الانسياق وراء معالجة المواقف الدرامية بإرث السينما القديم!!
اننا مع مجموعة من الشبان "فتحي عبدالوهاب وأحمد عزمي وسليمان عيد"
يتسامرون في هذه العزبة الموبوءة وكل منهم يشكو فقره.. فلا يجدون حلا سوي
في سرقة الأغنياء.. وحين تتم السرقة المقترنة بالتورط في القتل.. يخرج منها
حامد "فتحي عبدالوهاب" لتعاونه مع ضابط فاسد "ماجد الكدواني" ويروح فيها
مصطفي "أحمد عزمي" أو المتعلم الوحيد فيهم خلف القضبان لتمتهن حبيبته "دنيا
سمير غانم" الدعارة.. ويظل والده شيخ الصيادين "محمود ياسين" يبحث عن براءة
ابنه وعن العدل حتي يتم تهجيره من القرية كلها ليموت صوت الحق الوحيد والي
الأبد. في واحدة من أغرب المعالجات اليائسة.. مع ان وجوده مهم لتفعيل فكرة
البحث عن العدالة حتي ولو بلا نتيجة فورية.. لكن صناع الفيلم أرادوا له
السواد المطبق حتي النهاية.. وهذه أكثر النقاط ضعفا في الفيلم!!
ومن الدعارة التقليدية والسقيمة الي تجارة المخدرات التي لابد ان يكون
لها كبير "فتوح أحمد" وكمان اللي أكبر منه "أحمد راتب" في أكثر الصور
تقليدية.. حتي ان "الأول" يعيش في قصر منيف في عزبة جائعة وكأنه في جنة
والثاني في قصر أجعص منه وتحوطه الفتيات الحسان من كل جانب وهي الصورة
الكربونية المنقولة من كل عصابات أفلام الشرق والغرب معا!! إلي ان يخرج
مصطفي بعد ان تلقفته جماعة ارهابية تعمل لحساب ناس في الخارج.. ليقع تحت
وطأة سيدة ثرية "هالة فاخر" كانت داعرة أيضا ليتزوجها بلا منطق سوي المزيد
من الكآبة واليأس.. ليلقي الكل مصيره المحتوم اما بالقتل أو الحرق.. بما
فيهم الضابط الفاسد الذي يقتل نفسه دون مبرر أيضا بل وغير متفق مع شخصيته
المادية المسيطرة!!
الشخصيات كما نري نمطية للغاية ومتقولبة من أول الداعرة الشابة
الشريفة. وحتي تجار المخدرات التقليديين.. مرورا بتفاصيل كثيرة تشير الي ان
الفقر والعشوائيات كانت مبرراً لارتكاب الجرائم وكلها محاولات مستميتة
للاسقاط علي الواقع المعاش في الوطن أو في الدنيا بأسرها.. ولكن ضاعت
الدلالات وحتي رموز الأسماء في عدم المصداقية التي افتقدها النص. ومن ثم
ترجمة المخرج له.. فبدت العزبة وعالمها المفترض انه مرتبط بالصيادين وكأنها
خيال في خيال ولا تمت للواقع بصلة!!
لن أتحدث عن اجتهاد الممثلين الملحوظ الذي ضاع في تبرير الجرائم علي
كل شكل ولون.. بقدر الحديث عن العزبة التي تدعي انها مظلومة.. مع انها
ظالمة!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
14/01/2010 |