بدأت ملامح ترشيحات أوسكار الأمريكية هذا العام 2009 تتضح. عبر
ترشيحات جوائز الجولدن جلوب وهي المسابقة رقم 76 والتي تسبقها. وقد أعلنت
مؤخرا وعادة ما تحمل أغلب جوائز الأوسكار في طياتها. بصرف النظر عن اختلاف
النتائج النهائية بين المسابقتين. ومعروف إلي حد كبير بعد سنين طويلة
الأسباب التي تجعل الاثنتين تختلفان عن بعضهما. فجوائز الجولدن جلوب يمنحها
اتحاد الصحافة الفنية. وهي أكثر موضوعية من الأوسكار التي تحمل دائما
أسبابا سياسية. والمرتبطة بعوامل الضغط في صناعة السينما الأمريكية التي
تسيطر عليها. وعلي أكاديمية العلوم والفنون التي تنظمها. والتي تأتي عادة
منسجمة مع توجهات اللوبي الصهيوني الذي يتحكم في هذه الصناعة بقوة. كذلك أي
عمل يعادي بشكل سافر الولايات المتحدة أو توجهاتها السياسية والعسكرية في
العالم. بيد أن المسابقتين في النهاية وبعيدا عن الجوائز تذهب لمن. فهما
تكادان تحملان في ترشيحاتهما أكثر من تسعين في المائة من الأفلام المهمة..
ولعل أهم ما لفت نظري هذا العام في ترشيح جولدن جلوب هو فيلم
"إنفيكتوس". للممثل والمخرج الكبير "كلينت إيستوود" والذي أصبح لا يمر عام
إلا ويكون له فيلم ضمن الترشيحات. سواء ممثلا أو مخرجا. والمرشح هذا العام
لثلاث جوائز أساسية. هي أحسن مخرج والجائزتان الآخريان هما أحسن ممثل
"مورجان فريمان" عن أدائه دور "نيلسون مانديلا" الزعيم الجنوب أفريقي.
وأحسن ممثل مساعد "مات ديمون" عن دور "فرانسوا بينار" رئيس فريق الرجبي في
جنوب أفريقيا في التسعينيات. وقد اهتممت بتقييم هذا الفيلم لعدة أسباب
أولها هو أنني حظيت بفرصة مشاهدته علي الإنترنت. وعبر نسخ شديدة الجودة. مع
أيضا ترجمة عربية دقيقة. الأمر الثاني أن شخصية نيلسون مانديلا بالنسبة لي
كإفريقية وعربية قبل أي قارة أخري شخصية كاريزمية. لعبت دورا مهما في حياتي
وحياة كل المثقفين والسياسيين. بمعني كيف نجح هذا الرجل الذي تحمل كل مكاره
العنصرية البغيضة من سجن وتنكيل سنين طويلة. مع أبناء وطنه في الانتصار
وعودة الحق لأصحابه. بإقصاء الأقلية العنصرية البيضاء عن الحكم. وقيام
حكومة وطنية من الأغلبية السوداء أصحاب هذا البلد. في سابقة غير مسبوقة أي
بعدما كانت هذه الأقلية لا تعترف أصلا بأن هذا البلد سوي أنه بلدها. الأمر
الثالث هو أن هذا الفيلم المدهش يأتي في توقيته تماما. من تأكيد هذا
المتغير المذهل الذي حدث لأمريكا نفسها. بانتخاب أول رئيس أسود لها ومن
أصول أفريقية وإسلامية. وضد أكثر المتفائلين في إمكانية حركة الحقوق
المدنية السوداء في أمريكا بدعوة مارتن لوثر كنج في مطلع الستينيات. أن
تحقق بعد أربعين عاما هذا النصر المذهل وهو أن يكون رئيس الولايات المتحدة
أسود اسمه "باراك أوباما" الأمر الرابع هو أن تطور الأحداث يوما وراء يوم
يؤكد أن دعاوي التفرقة بين البشر علي أساس الدين أو الجنس أو اللون أو
اللغة أو العرق. كلها زائلة. وأن إسرائيل التي قامت علي التفرقة علي أساس
الدين. طال الزمن أو قصر. زائلة.
لقد جاء فيلم "إنفيكتوس" والمأخوذ عن كتاب "اللعب مع العدو" تأليف
"جون كارلين". سيناريو "أنتوني بيكهام" وإنتاج وإخراج كلينت استوود. وشارك
في انتاجه كمنتج منفذ بطله فريمان. بالنسبة لي درسا بليغا في الإيمان بقيمة
وقوة الإرادة. وبالمناسبة فإن اسم هذا الفيلم يأتي من اسم قصيدة للشاعر
الإنجليزي "ويليام أرنست هيلي". الذي كتبها وهو طريح فراش المرض في مستشفي
عام 1875. والكلمة لا يوجد. لها ترجمة إنجليزية والترجمة الوحيدة هي
لاتينية أي "الذي لا يهزم" وأبيات القصيدة تعبر عن هذا المعني. والتي
يتذكرها فرانسوا بينار رئيس فريق الرجبي حينما ينظم له وفريقه زيارة للسجن
الذي قبع فيه مانديلا ثلاثين عاما. وقدم مانديلا القصيدة له حتي يتذكرها
دائما قبل أن يلعبوا أي مباراة. وأبياتها تقول في نهايتها "مع ذلك لا يهم
مخاطر السنين. تجدني وستجدني أخاف. لا يهم أن الباب ضيق وصغير. لا تهم
وثيقة جزائي. أنا سيد مصيري. أنا قائد روحي وربما يكون البيت الأخير هو أهم
بيت فيها. أن يكون الإنسان هو سيد مصيره وقائد روحه. بل هذا البيت هو مفتاح
فهم الفيلم كله. فهذه القصيدة وقبلها مقابلة مانديلا لقائد الفريق هذا كانت
هي السبيل كي ما يحقق هذا الفريق الانتصارات المستحيلة علي أعتي فرق العالم
في الرجبي. بعدما دبت فيهم روح النصر. في الوقت الذي يحقق فيه مانديلا أحد
أعظم انتصاراته بعدما أصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا. وهو وحدة هذه
الأمة بين البيض والسود الذين أصبحوا هم الحاكمين. حينما اختار بذكاء ووعي
الوقوف وراء هذا الفريق الذي كله من البيض رغم كراهية السود المقيتة له.
لأنه يمثل صورة من صور العنصرية البغيضة التي عاشوها حتي أنهم كانوا يشجعون
فرق الدول التي تقابلهم نكاية فيهم. لكنه رأي أن وقوفه وراءه هو معادلة
إنسانية. أنهم كسود لم يأتوا ليسلبوا من البيض ما يعشقونه. وهو منتخبهم
الوطني والذي يسمي "الغزلان" وكذلك نشيدهم الوطني. إنهم بذلك يوسعون دائرة
الخوف بين الطرفين. وأنه لابد له من كسر هذه الدائرة وإلا سوف تدمر هذا
الوطن بدلا من أن تبنيه. أو عندما يقول بكل ثقة لمساعدته.. عدونا لم يعد
البيض. فقد أصبحنا شعباً واحداً يعني كلنا شركاء في الديمقراطية. فإذا
كانوا أي البيض يعشقون فريق الرجبي فإن حرمناهم من ذلك خسرناهم. وبذلك نثبت
أننا أصبحنا الكيان الذي كانوا يخشونه. يجب أن نكون أفضل من ذلك. يجب أن
نفاجئهم بالمودة وضبط النفس والكرم. أعرف كل شيء حرمونا منه لكن ليس هذ
الوقت للاحتفال بانتقام تافه. حان الوقت لنبني أمتنا. باستخدام كل حجر.
وهكذا يقودنا كل هذا لنهاية أحداث الفيلم حيث المباراة النهائية بين
فريق نيوزيلندا أقوي فرق العالم وجنوب أفريقيا. التي نجحت في سابقة رائعة
في الانتصار علي كل الفرق قبل تلك المباراة في كأس العالم. لكن الأهم منها
هو توحد السود الذين كانوا يكرهون فريق الرجبي الأبيض. ويشجعون فريق كرة
القدم الذي من السود. حيث يصبح الكل وراء فريق الرجبي الذي وقف وراءه
مانديلا ضاربا المثل في المحبة والتسامح ضد كل ما مضي. والذي يعبر فرانسوا
بينار عن تعظيمه له بكلمات رائعة. قبل المباراة مباشرة حينما يقول "اتساءل
كيف يقضي إنسان ثلاثين سنة سجينا ثم يخرج مستعدا لمسامحة الذين سجنوه".
وحينما يقول في مكان آخر لمعلق رياضي تلفزيوني "فزنا لأننا لم نحظ بتشجيع
اثنين وستين ألف مشاهد للمباراة لكن بتشجيع ثلاثة وأربعين مليون جنوب
أفريقي.
ويا له من فارق بين هذه النهاية الرائعة. وبين بداية الفيلم التي نري
فيها مانديلا مفرجا عنه في 11 فبراير 1991 ويمر بفريق من أشبال الرجبي
بقيادة مدرب أبيض عنصري. حينما يسأله أحد هؤلاء الأشبال من هذا الذي يهتف
له السود. فيجيبه أنهم أطلقوا سراح ذلك الإرهابي مانديلا.. تذكروا هذا
اليوم يا أولاد.. هذا هو اليوم الذي أصبحت فيه بلادنا في يد الكلاب!!
magdamaurice1@yahoo.com
الجمهورية المصرية في
07/01/2010
ليل ونهار
أمير البحار!
محمد
صلاح الدين
كان القراصنة زمان لهم مواصفات شكلية شائعة تعودنا عليها من السينما.
مثل ضخامة الأجسام. أعور العين ويغطي عينه المصابة بقطعة سوداء مثل موشي
دايان. وبدلاً من يده شنكل وذو قبعة كبيرة ووشم أكبر وسيوف مسنونة.. أما
قراصنة هذه الأيام والتي لم تلحق بهم السينما بعد. فهم ضعاف نحفاء. ولكنهم
يمسكون بمدافع رشاش وقنابل ويركبون اللنشات السريعة للانقضاض علي الضحايا!!
وقد يكون هذا الشكل القرصناوي الجديد مرجعه بلطجة العولمة التي تم تصديرها
إلينا من بلد المنشأ والمحتكر أمريكا وذيلها إسرائيل!!
وفيلم محمد هنيدي "أمير البحار" للمخرج وائل إحسان في ثالث تعاون
بينهما علي التوالي يتضمن موضوع القرصنة بشكلها التقليدي والحديث أيضاً.
وهي السطو علي سفن البحار بالكلاشينكوف واللنشات السريعة. والذين بدوا لنا
أنهم فقراء وجرابيع. وإذا بهم يصبحون من أثرياء القرن الجديد.. ولم لا؟ وهم
أيضاً نتاج "الفوضي" التي زرعتها أمريكا أيام القرصان الأكبر بوش في العالم
كله!! وهي قضية خطيرة وجديرة باهتمام الدراما وتستاهل أكثر من عمل.. ولكن
مؤلفنا الماهر يوسف معاطي تناولها في الفيلم بخفة منقطعة النظير.. وذلك
خضوعاً للنجم الكوميدي الذي يعلنها بصراحة وتكرارا أنه يقدم وجبة ضحك خالصة
تهدف إلي التخفيف عن أحزان الجماهير وهمومها.. وهي القضية التي نختلف فيها
دوماً مع صناعها. حيث لا تمنع الكوميديا والفكاهة من المحاولات الجادة
لتطويرها بوضعها في إطار أفكار لها معني ومغزي.. فمثلاً كان يمكن تعميق
الفكرة هنا لتحميلها علي قراصنة من نوع آخر. من أول قراصنة السياسة وحتي
قراصنة الأفلام والنت.. أو هاكرز العصر الحديث الذين "يقرنصون" حياتنا
كلها!!
إننا أمام شخصية أمير "محمد هنيدي" الطالب بالأكاديمية البحرية في
واحدة من أغرب المواصفات المتناقضة. حيث لا سن البطل يسمح ولا حتي قصره..!
ولا أعلم ما المانع في أن يكون قد تخرج ويعمل في المهنة منذ فترة وهو ما
كان يتفاداه إسماعيل ياسين في أفلامه. أو كما كان هنيدي نفسه في شخصية
المدرس في "رمضان مبروك أبو العلمين".. ولكن هكذا أراد صناع الفيلم أن "يخيلوك"
عن الاندماج في حدوتهم الملفقة. خاصة إذا علمنا أنه دلوعة أمه "هناء
الشوربجي" علي طريقة حمادة عزو.. وإنه ولد وحيد علي أربع بنات كلهن
بمواصفات مشوهة. من أول البدينة بزيادة "نورا السباعي". وحتي العانس
البلهاء "أمينة". أما هو فيخطف أبصار الفتيات في الإسكندرية ببدلته البيضاء
وسيارته البورش المفتوحة.. وتكون معاناته الوحيدة في حبه لسلوي "شيري عادل"
ابنة رئيس الأكاديمية الزاعق "غسان مطر". حتي أنه يوسط زميله نزار "ياسر
جلال" الذي تخرج قبله. فيخطفها منه!!
تستمر الدراما هكذا في معية الكوميديا الدلارتية حتي نصل إلي مشاهد
القرصنة التي قادها بجدارة ضياء المرغني مع آخرين مثل شريف صبحي ومحمد
محمود وحتي حسام داغر وبها صورة مشوقة إلي حد ما. لكنها تخلو من العمق الذي
أشرنا إليه.. وفي التتابع نري توليفة هنيدي الخاصة بمحاكاة المشهد الشهير
لفيلم "تيتانيك" بأغنية تلتزم باللحن الذي غنته سيلين ديون فجاء ثقيلاً
بكلماته العامية.. كما كانت هناك تحية واجبة لإسماعيل يس صاحب جملة
"البرالم" مع قرينه رياض القصبجي رحمهما الله.
وائل إحسان ليس في أفضل حالاته هذه المرة. رغم أن خطه البياني كان في تصاعد
مع الفكاهة الراقية. ولكنها الخلطة المطلوبة لأفلام الترفيه الشائعة بنجمها
المعروف.. ومع ذلك لم ينس اهتمامه بممثليه شباناً وكباراً. وبصور البحر
والشواطئ الغنية. وحتي بطائر النورس المحلق مثل السفن المعلقة.. وكذا بعض
جمل الحوار المرتبطة بمصر التي يجب ألا تهان بأي شكل ولا من أي أحد!!
الثالوث هنيدي وإحسان ومعاطي في حاجة دوماً لرصد التداعيات.. مثل
حاجتهم للإيرادات!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
07/01/2010 |