يعد موضوع الإرهاب موضوعا شائقا وشائكا في كثير من النقود السينمائية المعاصرة، فقد حل ضيفا ثقيلا على ستديوهات هوليوود وشكل عجينا طيعا في يد كتاب السيناريو والمخرجين والمنتجين، ونحن هنا لا نحصر اهتمام السينما الأمريكية بموضوع الإرهاب انطلاقا فقط من أحداث الثلاثاء الأسود، بل قبله بكثير، إذ كان يشكل سمة وميسما للفن السابع في بلاد العم سام، غير أن 'ثيمة' الإرهاب لم تكن تتخذ من المسلمين فقط موضوعا أثيرا لها.

وإذا أردنا التوقف عند بعض النماذج فلن نجد تاريخا افضل من عامي (2007/ 2008) كما لن نجد أفضل من أفلام مثل 'الخيانة traitor ' 2008 و فيلم'وجهة نظر Vantage Point' 2008 و فيلم 'المملكة ' the kingdom 2008 كنماذج للتحليل. فالملاحظة الأساس حول هذه الأفلام هو اشتراكها في مجموعة من الخصائص البنيوية والسياقية، كصدورها المتزامن واستقطابها لكبار نجوم هوليوود، وتكفي الإشارة هنا إلى دون شادلي وجينفر غارنر وجيمي فوكس ودينس كويد وليوناردو ديكابريو وراسل كرو... ، وكذا حصدها لمبالغ ضخمة في شبابيك التذاكر داخل الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا، ولعل هذا السبب الأخير يفسر الإقبال على إنتاج هذه الأفلام، بالإضافة إلى ملاحظة أخرى تخص أماكن التصوير المختارة لهذه الأفلام: نجد فلم 'الخيانة traitor ' باليمن، وفيلم'المملكة 'the kingdom بالمملكة العربية السعودية، أما 'وجهة نظر Vantage Point' فقد صور باسبانيا لكن المغرب ظل حاضرا في الحوار الدرامي.

ومن منطلق واقع الخصائص المشتركة هذه، سنتخذ من فيلم عينة تحليلية يمكن أن تنسحب نتائجها - بكثير من التجوز- على الأفلام السابقة، ولعل في التأثير العميق الذي مارسه المخرج جيفري ماكمانوف Jeffrey Machmanoff في تصوير عقلية 'الإرهابي المسلم' مبررا وجيها لهذا الاختيار.

بداية يمكن تسجيل دقة اختيار المخرج لممثلي شخصياته في هذا الفيلم، وهو ما عهدناه في السينما الغربية عموما 'الممثل المناسب للدور المناسب'، الشيء الذي ضمن للفيلم نجاحا كبيرا، بطل الفيلم الممثل المشهور 'دون شادلي' الذي شارك في الثلاثية الشهيرة Ocean's' 11 -12- 13' رفقة أشهر النجوم كجورج كلوني وبرات بيت ومات ديمون وجوليا روبرتس...' حيث لعب دور المكلف بالمتفجرات في الفيلمين معا أما 'غاي بيرس' فقد لعب دور المحقق في العديد من أفلامه التي تتجاوز الثلاثين، في حين نجد الممثل المغربي 'سعيد تاغماوي' قد مثل نفس الدور في فيلم جهة النظر.

إن أحداث فيلم'الخيانة' تدور بين اليمن والسودان وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية، وتأكيدا للملاحظات السابقة التي تخص طينة الممثلين الذين يشاركون فيه سنجد 'الخيانة traitor ' يضم مجموعة من نجوم هوليوود على رأسهم الممثل الاسمر' دون شادلي Don Cheadle' و'غاي بيرسGuy Pearce '، ويلعب دون شادلي في القصة دور البطل حيث سيولد بالسودان وفيها سيتلقى تربية اسلامية أصيلة على يد والده الذي سيشهد سعيد عملية اغتياله اثر انفجار سيارة ملغومة بنفس البلد، سمير المهندس السابق في القوات الخاصة بالجيش الامريكي، وأثناء قيامه بإبرام صفقة بيع متفجرات لاحدى الجماعات الارهابية في حضور 'عمر' (الممثل المغربي سعيد تاغماوي(، لكن هذه الصفقة لم تتم بسبب تدخل الامن وافشال العملية والقاء القبض عل الكل ومن ضمنهم سمير الذي يجد نفسه ملقى في السجن ولم يمنعه كل هذا من آداء واجباته الدينية، فيصبح بعد ذلك صديقا حميما لعمر الذي سيقرر اصطحابه معه أثناء عملية الفرار المدبرة ويطلب منه بعد ذلك الانضمام إلى الجماعة الارهابية التي ينتمي إليها، وفي لقائه الأول برموز هذه الجماعة سيلاحظ سعيد بعض التناقضات في سلوكهم التي تخالف قيم الاسلام كشرب الخمر...

سيقوم سمير بعذ ذلك بتفجير مقر السفارة الامريكية في مدينة نيس بفرنسا مستفيدا من تجربته في العمل بالجيش الامريكي، ومحققا بهذا الفعل كل الرضى والاطراء من الجماعة الارهابية التي ستكلفه بعملية أكبر تستهدف أمن الولايات المتحة الامريكية، وبكل ذكاء وضع سمير خطة تهدف إلى تفجير 50 حافلة ركاب عن طريق وضع متطوع في كل منها بالاضافة الى اختياره ليوم حساس هو عيد الشكر.

في ذات الوقت كان العميل الخاص بمكتب التحقيقات روي كلايتون (بيرس) يتتبع تحركات سمير من بلد الى بلد دون أن يصل اليه ولا إلى دوافعه من وراء هذه العمليات. أما نهاية الفيلم فقد كانت مخلصة لعنوانه، حيث سيقوم سمير بالانقلاب على الجماعة الإرهابية وإحباط العملية في آخر أنفاسها بخطة أكثر ذكاء، حيث سيقوم بارسال كل المتطوعين الى نفس الحافلة ما يعني أن الانفجار سيطالهم جميعا، اعتقادا منه بأن لهذه الجماعات أهدافا كبرى خاصة بعيدة عن خدمة الاسلام اضافة إلى اقتناعه بكون القتل لا يتفق مع مبادئ الدين الاسلامي، وقد حملت لنا نهاية الفيلم مجموعة من الصور العميقة التي تدل على محاولة 'جيفري ماكمانوف' اعطاء صورة أكثر فهما للاسلام ولابعاده، ولا أدل على ذلك من العبارات التي دارت بين سمير عندما اعترف للمحقق روي كلايتون بشعوره بالذنب اثر عملية 'نيس' مستدلا بمعنى من القرآن الكريم 'من قتل انسانا فكأنما قتل الناس أجمعين' أما جواب المحقق - الذي كان على دراية بمحتوى القرآن - فقد كان ابلغ حين رد على سمير: 'ومن أنقذ شخصا فكانما أنقذ كل الناس' عرفانا وشكرا لما قام به سعيد في العملية الاخيرة، أما آخر لقطة في الفيلم فقد كانت لسمير وهو في المسجد يؤدي الصلاة، ولعل انتهاء الفيلم بهذه المشاهد ليس اختيارا اعتباطيا، بل هو الفكرة الأساسية للفيلم التي تقوم على تصحيح صورة الاسلام المغلوطة عند المجتمع الامريكي خصوصا، هذا ما سيكتشفه كل من شاهد الفيلم اذا ما تجاوز الحساسية التي يطرحها موضوعه، وبهذا يكون 'جيفري ماكمانوف' قد أسدى إلينا عن طريق السينما خدمة كبيرة لم تقدمها كل الافلام التي عالجت أو استغلت موضوع الارهاب في انتاج الأفلام.

كاتب من المغرب

القس العربي في

07/01/2010

السينما والعرب: سلاح لا بد من استغلاله

د. الحبيب ناصري  

فكرة هذا المقال تولدت لدي حينما كنت استمع في المسجد لخطبة احد الائمة اذ اكد في خطبته كم يشمئز قلبه حينما يمر بالقرب من دور السينما ôقالها بالكلمة وبشكل وجهه المؤكد لفعل الاشمئزاز ôاستحضرت مباشرة كيف ان العدو الصهيوني روج وهوالظالم الغاصب للارض والانسان والتاريخ ô.كيف استطاع بفيلمه 'الخروج'، ان يغير انظار العالم وان يقدم نفسه على اساس انه ضحية ô.وانه طرد من (ارضه)ô

وكيف انه في فيلم اخر وهو (العودة) روج لفكرة انه عاد الى ارضه بعدما اضطهد في الارض ô.تذكرت اغتيال الفنان العربي الشهيد ناجي العلي وكيف ان رسوماته كانت تشكل رصاصة قوية ومخلخلة للكيان الصهيوني ô.تذكرت ايضا اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنفاني الذي حولت روايته الشهيرة 'رجال في الشمس' الى تحفة سينمائية رائعة ôفضح من خلالها توفيق صالح وبلغة حكي الصورة الواقع الفلسطيني المرير ôاستحضرت كيف يقدم الغرب صورتنا نحن كعرب وكمسلمين ô

في افلامهم كأناس ضد الحضارة والتقدم وهمهم الوحيد المرأة وما يرتبط بهاô..وان احلامهم تتحقق في (تفجير ذواتهم)ô.تذكرت ايضا صورة الرئيس العراقي في لحظة اسره واعدامه وهي صور محبوكة ودالة وهادفة الى خلخلة المتلقي العربيô تذكرت وتذكرتô وقلت كيف (يفتي)هذا الفقيه ويرفض اداة استغلها الاخر في خدمة قضاياه وتشويه قضايانا نحنô.ان السينما اليوم اداة/غاية ô فاعلة في الانسان والوجدانô اداة/غايةô بها يمكن تصحيح صورتنا نحن كعرب وكمسلمين ô من هنا وجب الوعي بقيمة صورتنا حينما نحكي عن ذواتنا ô انها يا سيدي الفقيه من اهم الاشكال التعبيرية والفنية والثقافية ô في زمن هذه العولمة الموحشة التي صورت وسوقت صورة احادية تعكس رغبة هذا الغرب الرأسمالي ô في خلق نمطية واحدة تتحكم في البلاد والعباد ô يا سيدي الفقيه فلولا بعض الصورالانسانية القليلة الموجودة بالغرب الرافضة لهذه الهيمنةô لأصبحنا في زمرة كائنات غريبة ô. ان السينما يا سيدي الفقيه شكل /مضمون حكائي يحضر فيه الجمال والتاريخ والقيم ô 'سلاح' لابد من تشغيله يا سيدي الفقيه لندافع به عنا ونحن الفاقدين للعديد من الاسلحة الاخرى ô.في مجال التكنولوجيا والاقتصادوالاعلام ô.فهل من المعقول ان نسير في افق مسخ ذواتنا والابتعاد عن اشكال وطرق قول العصر ô..فلنشجع السينما / االحكاية الجميلة الناهضة على قيم العشق/الجمال ô.سينما تترجم بطرق الحكي السينمائي همومنا /افراحناô.الامنا / امالنا ô.ككينونات عاشقة للحياة

ôمحبة لمكانتها ولحاجة الاخراليهاô.والعكس صحيح ô من هذا المنطلق نكاد نصيح قائلين لنهتم بالسينما يا ôيا ô..ياô.عرب فهي قصيدة شعرمن نوع اخرôانها حكاية اخرى وجب قولها في زمن اخر ô.فلنقلها كما نريد نحن ô.مع محبتي للفقيه .

مدير المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة /المغرب

القس العربي في

07/01/2010