"أندريه بازان" هو ألمع النقاد السينمائيين في فرنسا، توفي عام 1958
وعاش جل حياته مخلصا للنقد السينمائي وتحليل الأفلام وكذلك التنشيط
السينمائي في النوادي السينمائية بالإضافة الى مشاركاته الصحفية في مجلات
مثل كراسات السينما والملاحظ وغيرها.
نشر "بازان" بعض الكتب،أهمها: "السينما تحت الاحتلال" وكذلك مجموعته
الأهم"ما هي السينما؟"" في أربعة أجزاء"، وقد تُرجم منها الى العربية الجزء
الأول ثم الثاني.
كما أن له العديد من المقالات التي جاءت في كتاب بعنوان "سينما
القسوة" جمعها في أصلها الفرنسي المخرج "فرانسوا ترونو" بعد وفاة الناقد،
وهو الذي منها هذا العنوان: "سينما القسوة" تصفيف نصوص "بازان" المتعلقة
بستة سينمائيين تجمعهم نقاط مشتركة وهي أن كلا منهم أمتلك أسلوبا متميزا
ووجهه نظر انقلابية ومارس تأثيرا في السينما العالمية، ونجد وراء أفلامهم
الإنسان الاخلاقي، وهي أفلام حولتهم الى سينمائيي القسوة.
بهذا المعنى وحده وليس غيره يفهم هذا العنوان، فالقسوة مرتبطة بأسلوب
التعبير الذي يكشف عن صراحة تعري الواقع وتكشف جوهر النفس الداخلية، بما
تشمله من قسوة ضد النفس والآخرين.
إذن هذا الكتاب يشمل مقالات حول عدد من المخرجين، هي مقالات مختارة،
ربما تكون منشورة في كتب أخرى، وعلى الأرجح هي ليس كذلك، وضعها ناقد فرنسي
مهم ّوهو "آندريه بازان" وجمعها مخرج متميّز وهو "فرانسو تروفو"، في مرحلة
تاريخية معينة نشط فيها التعامل مع النقد السينمائي، عبر صحف ومجلات كانت
تخصص حيزا للسينما له أهمية متميزة،مع درجة عالية من التنظير الذي يطاول
الفكر ويتداخل مع الفلسفة.
جاء هذا الكتاب ضمن سلسلة الفن السابع التي تصدر عن المؤسسة العامة
للسينما في سوريا، وهو يحمل رقم 171 من السلسة، وبترجمة جيدة من المخرج
مروان حداد الذي سبق أن ترجم بعض الكتب وصدرت عن نفس السلسلة وقد تراوحت
بين اللغتين الفرنسية والاسبانية، وأول مخرج يتناوله اندريه بازان بالنقد
هو "ايريك فون شتروهايم" "من مواليد فيينا 1885 وقد توفي بفرنسا عام 1957".
وكما هي عادة الناقد وهذا ما سنعرفه لاحقا، يستخدم طريقة المقارنة بين
المخرجين لإبراز محاسن أحدهم، وعندما يقارن بين "تشارلي شابلن" وفان
شتروهايم" نجده يراهن على الثاني من حيث التأثر، بأفلامه التي تتصل بالعنف
والجنس والتعامل مع كل الغرائز البشرية.
من عناوين الفصل الأول:"الشكل والتماثل والقسوة"، "رقصة الموت"،
والخلاصة أن تأتي القراءة لعدد من أفلام المخرج متوافقة مع نظرة الناقد
الفكرية الذي يميل الى تغليب الجانب النظري وربما الفلسفي على غيره من
الجوانب، ولهذا وجدنا هذا المخرج محلالا بارعا للشخصيات ولاسيما في أفلام
صامتة مثل"جشع" و"زوجات مجنونات" و"مفتاح الشيطان".
يُصَنّف الناقد المخرج" شتروهايم" بأنه "ماركيز" سادي السينما بسب
المنظورالسادي الذي يسيطر على أفلامه ولهذا اعتبره نموذجا لسينما القسوة،بل
هو مبتكرها وهنا نشير أن المعنى المقصود بهذا المصطلح ظل شاحبا، فلم يتحدد
بدقة، رغم أنه من الواضح تلك الدائرة التي تدور فيها الأفلام المنتقاة، ليس
لهذا المخرج فقط، ولكن معظم الأفلام الوارد ذكرها في الكتاب.
يقول الكاتب اندريه بازان: "بدت أعمال شتروهايم كما لو أنها رفض لكل
القيم السينمائية لعصره، حيث راح يؤكد على دور السينما باعتبارها وسيلة
للكشف مضحيا بالبلاغة وفن الإبلاغ من أجل الوضوح، وعلى أنقاض الإيجاز
والرمز انصب اهتمامه على سينما المبالغة والحقيقة".
ومن باب المقارنة يجد الناقد "فان شتروهايم" مختلفا عن "جريفيت" من
حيث استخدام المونتاج في السرد، فقد كان من الأوائل الذين استخدموا
المونتاج المتتابع، وكان ذلك يتطلب حضور الصوت بخلاف المونتاج المتوازي.
بالطبع كان" شتروهايم" ممثلا ناجحا، ولكن الناقد لا يطرح هذا الموضوع
للنقاش، كما أنه لا يهتم إلا بأفلامه الصامتة ولا يضع أهمية لفيلمه الناطق
الوحيد"أهلا أختي".
فى الفصل الثاني، وفي مقال حول المخرج "كارل دراير"، يشير"اندريه
بازان" الى بعض أفلام هذا المخرج الدنماركي الذي ولد عام 1889 وتوفى عام
1968.
لعل أهم فيلم لـ"كارل دراير" هو" الأم جان دارك" 1928 ،الذي يكشف عن
واقعية قاسية وكذلك روحية خاصة "صوفية"، ويتم التعبير عن ذلك بواسطة
اللقطات القريبة التي تكون حاضرة من أول الفيلم الى النهاية، بل ومسيطرة
خصوصا وأن الفيلم صامت يقوم على فكرة التطهير الروحي في العلاقة بين "جان
دارك" وأتباعها.
إن القسوة، وهي الموضوع الرئيسي، تظهر أكثر في فيلم آخر لـ"كارل
دراير"، وهو "يوم الغضب"" إنتاج 1943" والذي يصور علاقة شيطانية بين الأبن
وزوجة الأب، مع تداخل مع السحر الذي تمارسه الزوجة والذي لا ينقذها من
جريمة الاتهام بقتل زوجها، حيث لا أحد يقف معها الى حين موعد حرقها وهي
حية.
فى الفيلم تضادات لونين "ابيض وأسود" وديكور واقعي غير تجريدي وإيقاع
رتيب، وينحصر الفيلم في تقاليد السينما الصامتة المسيطرة، مع براعة في
استخدام الصوت من خلال الحوار والهمس والصراخ أحيانا.
يمكن أن نذكر بعض الأفلام للمخرج "كارل تيودور دراير" ومنها الرئيس
1919 – أرملة الكاهن 1920 – ميكائيل 1924 وسيد البيت 1925 – الأم جان دارك
1928 – مصاص الدماء – فيلم ناطف – 1932 – شخصان 1945 – غير توود 1964. في
عام 1955 فاز فيلم الكلمة لكارل دراير بجائزة الأسد الذهبى بمهرجان
البندقية والكاتب.
في الفصل الموسوم بــ "الكلمة" يرد على مجمل الآراء التي انتقدت
الفيلم، باعتباره مادة عفى عليها الزمن ويقول: "الكلمة فيلم يمكن اعتباره
رافدا جماليا أقرب الى الطبيعة، ولكن هذه المادة الواقعية تبدو لو أنها
مضاءة من الداخل بفضل تمردها الحميم، لقد كان للصورة تأثير في النفس، بسبب
الاستخدام المميز الذي حققه "دراير" في مجال الإضاءة.. حيث الأبيض هو
الأساس لكل شيء. إنه المرجعية المطلقة. إنه لون الموت والحياة. إن "الكلمة"
هو بمعنى ما آخر الأفلام بالأبيض والأسود، وقد أغلق وراءه جميع الأبواب".
لم يتناول الناقد "بازان" أفلام مهمة أخرى للمخرج، مثل مصاص الدماء
على سبيل المثال والذي يدعم الكثير من الإبهار في استخدام الإضاءة والتمايز
التدريجي بين الأبيض والأسود.
الفصل الثالث تمّ تخصيصه للمخرج الأمريكي "برشون ستورغيس" " 1898 /
1959".
أما أهم أفلام المخرج فهي"عيد ميلاد في الشهر السابع"، "رحلات سوليفان
"،" السيدة ايف معجزة خليج مورغان"، "الأربعاء المجنون"،" بكل عدم إخلاص"،"
اللحظة الكبرى" وغيرها، وسوف نلحظ بلا شك أن عنوانين الأفلام توحي
بالكوميديا، وهذا ما حدث فعلا لأن المخرج له طابع كوميدي فيما كتبه من
سيناريوهات ومسرحيات ثم ما أخرجه من أفلام.
ينسب المخرج الى الكوميديا الأمريكية المعروفة والتي من الصعب أن تنجح
خارج أمريكا.
وما الإضافة عند "ستورغيس" إلا استعادة الموضوعات القديمة، ولكن مع
المزيد من السخرية النقدية، ولعل مفهوم القسوة يتسلل من هذا المدخل، حيث
الانتقاد الواضح لطبيعة ونوعية الحياة الأمريكية المعتادة.
من الأفلام التي يطرحها "بازان للنقدد"رحلات سوليفان" وكذلك "معجزة
خليج مورغان" ثم فيلم "يحيا البطل المنتصر" ويعود الناقد الى أسلوب
المقارنة، ويختار لذلك أفلام فرانك كابرا وخصوصا فيلم "فارس بلا سيف"
وأحيانا "تشارلي شابلن" ولكن بصورة خفية.
على أن أهم ما طرحه الناقد تلك التبريرات التي جعلت أفلام ستورغيس لا
تنال نجاحا في فرنسا وربما أوروبا، رغم أنها أحيانا من أفضل الأفلام، ويكفي
القول بأن فيلم مثل"الأربعاء المجنون" يعدّ من أهم أفلام الكوميديا في
العالم.
في فصل لاحق وهو الرابع يتم التركيز على" لويس بونويل" "المخرج الذي
ولد عام 1900 باسبانيا وتوفي في المكسيك عام 1983".
من أهم أفلام هذا المخرج: كلب أندلسي 1928 – أرض بلا خبز 1932 –
المنسيون 1950- فيريديانا 1961 – حسناء النهار 1966 – العصر الذهبي 1930 –
روبنسون كروزو 1953 الصعود الى السماء 1951 – درب التبانة 1968 – سحر
البورجوازية الخفى 1972 – الموت في الحديقة 1956 – مذكرات خادمة 1963 – شبح
الحرية 1974 – الفتاة.
يتوسع " بازان" في الحديث عن" بونويل"،من خلال التعرض لتجاربه
المختلفة، بداية من سوريا ليه طلب أندلسي الى أكثر أفلامه اقترابا من مفهوم
القسوة وهو فيلم "المنسيون" والذي ينال قدرا واسعا من التحليل، وهنا يجد
الناقد نفسه أمام أبراز الميل الفكري والفلسفى الطاعن عليه فيما يكتبه.
يقول بازان: "لقد كان لدى بونويل تمازج عميق بين السوريالية ومجمل
التقاليد الاسبانية، وفي هذه التقاليد ميل الى ماهو مخيف واتجاه الى
القسوة".
لقد حقق بونويل أفلاما أولى في أسبانيا وأخرى في المكسيك وغيرها في
فرنسا، وكان في كل مرحلة يشتبك مع الواقع السينمائي الراكد ويثير الكثير من
المشكلات النقدية.
يتعرض بازان الى أهم أفلام المخرج ومنها: المنسيون – صعود الى السماء
– هو – الحياة الجائية – هذا يدعى الفجر – كما أن هناك إضافة مهمة عبارة عن
حوار مع بونويل أجراه أثناء انعقاد مهرجان كان.
يبقى الفصل الخامس وهو حول" هيتشكوك" وعدد من أفلامه، وموقف الناقد من
هذا المخرج واضح، فهو يراه مخرجا بسيطا يتسم بالإتقان والحرفية في أعماله
الشيقة التي لا تخلو من سطحية في أحيان كثيرة.
لعل ذلك يتضح من خلال إعجابه بالكتاب النقدي "هيتشكوك ضد هيتشكوك"
والذي وضعه كل من تروفو واستروك وبريفت، ويقول بأنه أعجب بالمخرج هيتشكوك
أكثر أثناء قراءته للكتاب، فهو مخرج جيّد وعبقريّ، ولكن بصياغة النقاد فقط.
ومن الواضح أن بازان ينتقد حالة الإعجاب العالية التي صورها أصحاب الموجة
الحديثة عند استقبالهم لعبقرية هيتشكوك الافتراضية.
في الفصل الأخير قراءة للناقد حول" أكيركورساوا"، ينتقل فيها
بالمقارنة بين عدد من المخرجين في اليابان الى القول بأن السينما حياة
ثقافية وحضارية تتجسد في أعمال سينمائية، وهو ما حدث في أفلام مثل "راشمون"
و"السموراي السبعة" و"العيش"، وكلها أفلام عرضها السينماتيك الفرنسي ليتعرف
عليها الجمهور.
يؤكد" اندريه بازان" بأنه ناقد سينمائي يتأثر بالفكر أولا وهو لا
يعتبر الفيلم متعة وتسلية، بل درس في الفلسفة والمنطق، حتى لو كانت الأفلام
التي اختارها قابلة لأن تكون ذات طبيعة تجارية ويقبل عليها الجمهور أينما
كان.
العرب أنلاين في
06/01/2010 |