مات الملك.. عاش الملك..ببراعة حاذق ونظرة خبير يأخذ كينيث
براناه التاج بلباقة مولّه شكسبيري من الاستاذ اوليفييه ليجلسه فوق رأسه
مستحقا من
خلال منجزه الرائع فيلم هنري الخامس (1989) بعد ان استقر في الاذهان ولعقود
عديدة
إنطباع واحد مستمد من رؤية لورانس اوليفييه لمسرحية وليام
شكسبير كفيلم بذات
العنوان في العام 1944،شريط
براناه يكسر قيود هذه
النظرة بأعادة استقراء النص وفق المرتكزات الانسانية لمجتمعنا
المعاصر "قبل اي شيء
اردنا خلق فيلم وليس متحف أدبي كما فعل معلمي.. استعملنا كل شيء مفيد
بعالمنا لخدمة
شكسبير وتحديث انشغالاته".
..فالمؤلَف الشكسبيري ينفتح دوما على النوازع البشرية
المختلفة مؤطرا لدقائق تفاصيلها ضمن متن النص وهيكلية الشخصيات منها ماهو
ظاهر
ومنها ماهو خبيء، ومن هنا احتفظت اعماله الادبية بديمومتها لان
كينونة الذات
الانسانية هي عينها مهما تبدل المكان او تسارعت عجلات الزمن تطوي الاعوام،لقد
كانت
معالجة اوليفييه للمسرحية تنسجم مع الظروف العصيبة ايام الحرب العالمية
الثانية
والحاجة لمنتج سينمائي يرفع المعنويات ويشحنها بطاقة جديدة،يرسم صورة نبيلة
لانكلترا وفرسانها والمحصلة فيلم فاخر اعطى للعالم البطل الذي
يحتاجه،مع براناه
حزمة الضوء ستُنير جنبات النمو لشخصية الملك الشاب وتقلبات ذاتها مابين
الأحاسيس
المختلفة،شجاعته النبيلة،جرأته المتهورة،قسوته وندمه،ابتسامته وتكشيرة
الغضب،لمعان
لحظات العاطفة المشبوبة في خلجاته،فحين تفتتح الصورة مع الراوي (ديريك
جاكوب)
متجولا في الاستوديو المعد لتصوير الفيلم كخلفية بصرية لخطابه الافتتاحي
نرى ملك
الانكليز هنري (كينيث براناه) وهو يستعد لغزو فرنسا مدعيا ان له حقا في
العرش
الفرنسي مسندا ذلك بشواهد سابقة تثبت شرعية مايصبو اليه،في
المقابل نجد الملك
الفرنسي (بول سكوفيلد) غارقا في تأمله الحزين لحال بلاده الغارقة في
التناحر وعدم
وحدة الكلمة وغياب البصيرة لدى قادته كحال ابنه البكر (مايكل مالوني) الذي
يحثه
وبشدة للدخول في معركة دموية من اجل ردع هنري وتحجيمه،يسرع ملك
انكلترا لقيادة جيشه
خائضا به العديد من المعارك منتهيا الى حقل اغنكورت موقعة النزاع الختامية
وهو
يعاني من الاعياء وقلة المؤن وبعد الطريق عن الوطن،بعد ان انخفضت المعنويات
لجنوده
وهم يترقبون تقدم الجيش الفرنسي الذي يفوقهم اضعافا وتجهيزات
ووساوس الشك اخذت
تراودهم حول شرعية حملتهم وقانونية ادعاءات الملك وهل تستحق كل هذه
التضحيات،وهي
تساؤلات يحاول ان يجيب عليها هنري اثناء حديثه مع رجاله بعد ان زارهم
متخفيا في تلك
الليلة التي سبقت يوم المعركة،لقد كشفت الحوارات للملك الصورة
الحقيقية لعمق
المأساة التي وضع نفسه وجيشه فيها فتجتاح ذاته عاصفة من الندم تنسكب دموعا
تنساب
على وجنتيه وهو يناجي الرب طالبا مساعدته في تحقيق النصر محاولا اقناع نفسه
قبل
الجميع انه جندي الله وان لحملته شرعية مقدسة بعد تشجيع رجالات
الكنيسة له ودفعه
للغزو تحقيقا لغاياتهم الشخصية،ومع نهوض فجر يوم المعركة يهز الملك الشاب
روح رجاله
بعنف معيدا لها حياة تضج بصخب الشجاعة من خلال كلمات خطابه الحماسي الشهير
يحثهم
فيها على قطف ثمار المجد الدانية،وفي الادب الغربي لن تجد في
باب الحماسة اروع من
خطبة هنري الخامس لقواته في يوم سانت كريسبن عبارات ظل صداها يتردد اعواما
طويلة،تنطلق السهام الانكليزية تجاه مقاتلي فرنسا المهاجمين وصوت نفيرها
يمزق الروح
والجسد حيث تحتدم الطبيعة مع الاجساد المصطرعة، فالسماء تنفث مطرها غزيرا
عنيفا
والارض تزجر وحلها بغضب تحت سنابك الخيل واقدام المتحاربين،وحينما يسفر
النصر عن
مجده لهنري وجيشه تكشف الحرب حقيقتها المرعبة،رجالٌ ادماها
كثرة الطعن وجثث صبغت
بدمائها ارض المعركة،ويعطي منظر الملك المنهك القوى والمصدوم من هول ما
رآه-مشهد
الفتية الملتحقين بالجيش وهم صرعى- صورةً لمجدٍ مدمر متجهم،نصرٌ تسربل
بالحزن وانين
الثكالى يوضح ذلك بوضوح أكثر مشهد الذروة للفيلم ومحور الرسالة
التي أراد إيصالها
حين يسير وسط حقل الموتى حاملا على ظهره جسد فتى قتيل وجميع من حوله منتصرٌ
ومهزوم
يلملمون جراحهم ويدفنون قتلاهم..لكن المخرج براناه يحملنا بانتقاله غير
متوقعة من
مأساة ساحة المعركة الى أجواء تحفل بكوميديا رومانسية ظريفة من
خلال محاولات هنري
التقرب والتودد الى كاثرين ابنة الملك الفرنسي (ايما تومسون) والتي ستصبح
زوجته
المستقبلية في مشهد مطول يختتم الفيلم مع ظهور الراوي لمرة اخيرة منهيا
الحكاية.
لقد منحت النظرة الواعية لبراناه المخرج دفعا قويا لبراناه الممثل من حيث
قدرته على
رؤية نفسه كملك فالمسرح الشكسبيري يحتاج الى بصيرة شاعرية من قبل الممثلين
المُدركين بعمق لمعاني ماينطقونه ومقدرة استثنائية لايصاله الى
المشاهد وهو مابرع
فيه براناه الممثل فالحاجة الى ممثلين عظماء اكبر من تأثير اي مؤثرات
خاصة،من جانب
اخر فقد عمل على صياغة فيلمه بمنهجية المسرح دون الاخلال بثوابت السينما
ملتزما
بمحاكاة كبيرة للنص الاصلي من خلال استعماله لاساليب خطابية
وبصرية اكثر وضوحا
وصدقية عن تلك التي تضمنتها نسخة اوليفييه، ولاجل ايصال لغته الشكسبيرية
لاقصى مدى
يعمد براناه لاختيار اللقطات المقربة على نطاق واسع لجعل المتلقي يعيش
اجواء العالم
زمن القرون الوسطى وبتأثير ازياء على درجة كبيرة من التطابق لملابس تلك
الحقبة –فاز
الفيلم بأوسكار افضل تصميم ازياء-،مع استخدامات حاذقة للموسيقى التصويرية
التي
وضعها باتريك دويل وعزفتها الفرقة السمفونية لمدينة برمنغهام
مشكلةً تموجات عاطفية
ترتفع هنا وتنخفض هناك حسب الدلالة الدرامية للمشهد مانحة للرائي دفقا
كبيرا من
الاحاسيس، ومن خلالها نجح براناه في تجاوز عقبة الايقاع البطيء للفيلم في
دقائقه
الاولى.
ان المنظور الذي استقاه المخرج في هنري الخامس يعتمد على معالجة تسوق
الحكاية نحو اطار صورة ضد وحشية الحرب وحقيقتها الهمجية والتي مهما كانت
مكاسبها لن
تكون أفضل للإنسانية من لحظة سلام ترفل بمحبة صادقة.
المدى العراقية في
06/01/2010
برنامج "مخرجون جدد/ أفلام جديدة":
المدينة مرض
والطبيعة بلسم
أي.أو. سكوت
ترجمة:
نجاح الجبيلي
يقدم متحف الفن الحديث سنوياً بالاشتراك مع جمعية
الفيلم التابعة لمركز لنكولن برنامج "مخرجون جدد/ أفلام جديدة" وهو تجمع
عالمي يعرض
الأفلام الأولى أو الثانية لمخرجين جدد وفي هذه السنة وكالعادة كان
مستنبتاً للقصص:
بعضها ممكن التنبؤ به والآخر مراوغ والعديد
منه حزين،
لكن ما يبقى طويلاً في الذاكرة من
هذه الأفلام ليست السرود بل المشاهد الطبيعية.
توصف مثلاً حبكة فيلم "الخريف"
للمخرج التركي أوزكان ألبر كقشرة من تشيخوف مترجمة إلى التركية، فثمة طالب
سابق
متطرف بعد أن يقضي الوقت سجيناً سياسياً يعود إلى دياره في قريته الواقعة
على ساحل
البحر الأسود شمال تركيا، وفي البلدة المجاورة يطور علاقة
افتتان حذرة ومجروحة
بمومس من الحدود مع جورجيا والتي تبدو أنها ترد على اهتمامه بالحذر
المساوي، لكن
علاقتهما الرومانسية، إذا ما دعوناها كذلك، تؤطرها وفي الواقع تسحقها
الفخامة
القاسية للجبال المحاطة بالغابات والأمواج المتكسرة وصمت الثلج.
وهذا لا يعني أن
سمو المشهد الجميل مستخلص من سايكولوجيا الشخصيات بالضبط، لكن استعمال
العالم
الطبيعي لجلب حس بالمعنى غير المصرح به لأفعالها هو الوجه الممتع لفيلم
"الخريف".
إن ثيمة الفيلم حول الندم والعاطفة الماضية والرغبة غير الموجهة تظهر
تأثير بيلغ سيلان سفير تركيا إلى دائرة المهرجان العالمي، لكن طاقته
الإبداعية تكمن
في الطريقة التي يمسك بها الطبيعة.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن فيلمين صورا في
أمريكا الجنوبية: "حليب الأسى" من بيرو للمخرجة كلوديا يوسا
والآخر "مراقبو الطيور"
التي تدور أحداثه في البرازيل وأخرجه "ماركو بيكس" وهو مخرج إيطالي من أصل
تشيلي،
وكلا الفيلمين يتعاملان بطريقتهما الجادة واليقظة والمنظمة أحياناً بمعاناة
الهنود
الحمر، في فيلم "حليب الأسى" امرأة شابة هاجرت عائلتها إلى ليما من الهضاب
في فجر
العنف السياسي المخيف، تعمل كنادلة كي تكسب مالاً كي ترجع أمها إلى بيتها
في الريف
كي تدفن، ولكي تقاوم الاعتداءات الجنسية تقوم بوضع بطاطا في
مهبلها وهذا الاكتشاف
من قبل طبيب يسبب صدمة أقل مما تتوقع في الأقل على الشاشة، لكن بغض النظر
عن هذه
المفاجأة فإن الوجه الأكثر امتاعاً لهذا الفيلم هو رحلة الاستكشاف المثيرة
لبلدات
ليما الرثة وأسواقها. فيلم "مراقبو الطيور" بدوره يدور بصورة كبيرة حول
الأرض التي
تقع أحداثه فيها- منطقة من الأمازون حيث الغابة تفسح الطريق للحقول
والمراعي وقد تم
استبدال السكان الأصليين من قبيلة "الغواراني" برعاة الماشية
والمزارعين- ونزاعه
الدرامي يلخص بإطلاقات نار في الهواء تظهر الحدود الهشة بين البرية والأرض
المحروثة.القصة حول النزاع بين ملاك أراض ومجموعة السكان الأصليين من
الغواراني
الذين يعيشون على جزء من هذه العزبة، القصة قوية على الرغم من
أن بعضاً من الأدوار
الميلودرامية لها سطحية، لكن كونها مقطوعة، يمكن أن يدعى بالواقعية
الجغرافية،
مستغرقة في التفاصيل الجسدية والإنسانية لمكان معين، فإن الفيلم هو اكتشاف
بمعنى
الكلمة.
إن الصدام الحضاري في فيلم "مراقبو الطيور" شديد وعنيف ولكن التوتر
بين
الحداثة والتقليد وبين المدينة والريف يكمن تحته عدد مروّع من الأفلام في
برنامج "مخرجون
جدد". وبينما يعالج فيلم "حليب الأسى" استبدال الناس الريفيين ببيئة
مدينية، تصور الأفلام الأخرى الرحلة المعكوسة كساكني مدينة يفرون أو
يتجولون في
الريف.المرأة الهولندية الشابة في فيلم "تستطيع أن تخترق
الجلد" للمخرج "إيستر
روتس"، التي تغادر أمستردام من أجل منطقة ريفية في الأراضي المنخفضة،
العلماء
السوفيت في فيلم "جندي الورق" للمخرج ألكسي جيرمان منفيون إلى قاعدة في
الشقق
المقمرة في كازاخستان؛ التوأمان يتسكعان حول الحدود الفرنسية الأسبانية في
فيلم
"
أعطني يدك" للمخرج باسكال ألكس فنسنت؛ حتى المهاجر المشتغل بالأنترنت
الذي يهجر
وادي السليكون إلى مزرعة للتفاح في فيلم "نعيش عموماً" للمخرج أوندي تيمونر؛
كل
أبطال هذه الأفلام مثل بطل فيلم "الخريف" يجدون أنفسهم في الحركة النابذة
لكل من
راحة الحياة المدينية وضغوطها القاسية سيكون الأمر مبالغاَ إذا ما استنتجنا
من كل
ذلك بأن هناك حركة للرجوع إلى الأرض في السينما العالمية، لكن
في السنين الأخيرة
ثمة اتجاه في الفيلم للعودة إلى المشهد الطبيعي وهو واضح في المهرجانات
السينمائية
من "كان" إلى "صندانص" وبالأخص بين صفوف السينمائيين الشباب، إن الافتتان
بالعالم
الطبيعي – الذي يبدو لأول وهلة هشاً وثابتاً، غريباً بشكل منفر ومعروفا على
نحو
حميمي- هو استجابة واضحة لمساكننا بالغة التمدن والمشبعة
بالتكنولوجيا والمعولمة
وهروب منها.إن الدافع لتحويل الكاميرا نحو الأشجار والجبال والأنهار
وامتدادات
الصحارى تعوض عن الرغبة للهدوء والسكينة وكذلك السمو والفخامة والسلطة،
دائماً ثمة
بعد من التأييد أو الدفاع في تأمل الطبيعة واضحة في كل من
فيلمي "مراقبو الطيور"
الذي ينتهي بالرغبة في الفعل من أجل قبيلة الغواراني، و"الكهف" للمخرج لوي
بسيهويس
وهو فيلم وثائقي ساخط ومؤثر عن مجزرة للدولفينات بالقرب من مدينة تايجي في
اليابان.
لا تلبي كل الأفلام في برنامج "مخرجون
جدد"، التي هي على أية حال لمبتدئين نسبياً،
طموحاتها العالية، لكن حتى تلك التي لم تلب ذلك تحركها الجدة والغرابة
الرائعتان،
(الفيلم
الكارتوني الوحيد "9،99 دولار" للمخرجة تاتيا روزنتال هو غرابة في ذاته،
تأمل فريد في الحب والحظ الذي اعتمد على قصص الكاتب الاسرائيلي "إتكار كرت"
الذي
ألهمت مؤلفاته حركة ازدهار ثانوية في السينما الغريبة بضمنها أفلام مثل
"قاطعو
الرسغ" و "قنديل البحر") وفي بعض الحالات القليلة التي تتميز بالإنجاز
الجمالي
المؤثر، وفيلم "جندي الورق" ببنائه الكرونولوجي الملتوي ومزاوجته الروسية
المميزة
بين العاطفة القوية والتجريد الثيماتي (الموضوعاتي) هو أيضاً يذكرنا بأحدث
انبعاث
سينمائي لذلك البلد، إن العرف الروسي في السينماتوغرافيا هائل والسيد جرمان
يشرفه
بتكويناته الكبيرة المثيرة المدهشة وحركات الكاميرا التي تحقق
أحياناً الغنائية
التي تلمس شغاف القلب. إن مدى "المخرجون الجدد" يمكن أن يختصر بالمسافة من
شعر
السيد جرمان إلى نثر السيدة تيمونر في فيلم "نعيش عموماً"
الذي يستكشف، مثل فيلم "جندي
الورق بطريقة ما، التعقيدات الفلسفية الكامنة في لحظة التغير التكنولوجي.
في
هذه الحالة فإن الانفجار في شبكة الأنترنت في أواخر التسعينيات كما تجسد في
الشخص
اللامع المزعج بطيء الحركة لجوش هاريس مقاول وفنان ورجل فوضوي
في الأقل في الوصف
العاطفي للسيدة تيمونير. فيلمها رائع منفّر وربما يثير فيك الرغبة للهروب
إلى قمم
الجبال البعيدة وفضاءات الغابات. لكن بما أن فيلم "نعيش عموماً" هو الفيلم
الأخير
في ليلة هذه السنة في برنامج "مخرجون جدد/ أفلام جدد" فعلينا أن ننتظر
السنة
القادمة.
عن صحيفة نيويورك تايمز
المدى العراقية في
06/01/2010
السينما الأفريقية: "تسوتسي" السفّاح.. ابن بيئته
عديمة الرحمة!
ترجمة/
عادل العامل
إن ما يبدو أشبه بلحظة واقعية صريحة، في فلم (تسوتسي Tsotsi)
للمخرج
الجنوب أفريقي غافِن هود الفائز بالأوسكار، حيث نرى مرتين قطاراً يتوقف
داخل محطة،
هو اللقطة الأقدم في الانعطافات السينمائية الموحية بالتهديد،
حين ندرك أن الكاميرا
تحوم فوق خط السكة الحديد، في طريق
القطار،وعلى وشك أن تتهشّم.وتنسل
الكاميرا ببطءٍ شديد خارج الطريق، بحيث يتفاداها القطار بالكاد ويتفادانا
بالامتداد.وهي اللحظة التي التصقت بي لأنها "تكبسل" تماماً.
ذلك الإحساس الفائر
في السينما الجنوب أفريقية بالتهديد. ففلم (تسوتسي) يدور حول الاستمرار في
البقاء،
لكن القطار هناك ليدعكَ تعرف أنك تستطيع تجنّبه فقط لبعض الوقت. فهو
سيضربك، إن
عاجلاً أو آجلاً.
والذين يسيرون بعيداً عن ذلك القطار (التهديد بالخطر) هم
تسوتسي وعصابته، ويعني لقبه هذا " سفاحا أو قاطع طريق
thug "، وهو ما يستحقه في
الواقع.
فأينما نقابله، نجده يطعن الناس للحصول على المال ويبدأ العراك مع
المشردين وهم في كراسي المقعدين. وكما يصوره بريسلي شوينيَجي كواحد تافه
مفعم
بالغضب، فإن تسوتسي شخص عدواني في حالة غليان لا يؤمن بشيء
وعلى استعداد لأن يضرب
أصحابه ويحولهم إلى عجينة دامية لأقل استفزاز.
لكن حياة الكفاف التي يعيشها
تسوتسي في أكواخ الصفيح تتغير بعد أن يُطلق النار على امرأة في
ضاحية ثرية من
جوهانسبيرغ ويسرق سيارتها ــ بالإضافة إلى طفلها، الذي يصادف أنه في المقعد
الخلفي.
وفي الأول، يضع تسوتسي الطفل ببساطة في كيس ورق تحت سريره، لكنه يحاول
في الأخير أن يُطعمه، ويغيّر حفاظاته، ويحصل له على غذاء أطفال تحت تهديد
السلاح.
وفي الوقت الذي تُغرى فيه عصابته بالعمل للفتوَّة المحلي ويبحث والدا
الطفل
والشرطة بشكلٍ مسعور، يُوقظ الطفل الذي في رعاية تسوتسي فيه القدرة على
التقمص
العاطفي. وكما يكافح تسوتسي، يتطور تمثيل شوَينيَجي للدور على نحوٍ معقد،
متأرجحاً
بين مظهر السفّاح الخارجي عديم الرحمة لتسوتسيو الشاب الجريح الذي يختفي
خلفه.
وإنه لأمرٌ مثير حقاً مشاهدة تحوله البطيء هذا، انصهاره إلى عطفٍ هو
مكافأته الخاصة به، بصرف النظر عن أي شيء يؤدي إليه. فالفلم، الذي يستند
الى رواية
الكاتب أثَل فيوغارد، يروي لنا قصة سيرة حياة، لكن إخراج غافن
هُود المفعم
باللَّكَمات يتجنب العاطفية.
وهناك جرعة صحية من فتور العالم الثالث لدى
فيرناندو ميريل في اللقطات الخاصة بمجمّع الأكواخ، لكن أن تكون
رجل عصابة هنا ليس
بالأمر المسلّي كثيراً كما في (مدينة الله). فعالم تسوتسي عالم قاسٍ وغير
متسامح،
وهُود لا يسمح لنفسه بأية لامبالاة تهكمية تخفف من الضربات. ففي أحد
المشاهد، يعود
تسوتسي ليزور مسكن طفولته، الذي يتحول إلى ركامٍ من أنابيب الاسمنت
المتروكة في
ضواحي المنطقة حيث يقضي أطفال مشردون لياليهم هناك. وهكذا،
فحتى اللحظات القصيرة من
فترة الراحة هنا تجدها مفعمةً بالحزن.
المدى العراقية في
06/01/2010 |