الأفلام وحدها هى التى تبقى فى الذاكرة،
بالنسبة لى على الأقل،
أكثر من الأحداث والأحاديث واللقاءات والندوات وأى شئ آخر فى المهرجانات.
والأفلام أنواع، بعضها لا تراه إلا فى المهرجانات،
أو بالأصح يصعب أن
تراه فى دور العرض العامة فى بلدك،
لأن الأفلام الأمريكية والمحلية تسيطر على
السوق، وهذه هى النوعية التى اهتممت بمشاهدتها فى مهرجان دبى السادس الذى
عقد
أخيرا، باستثناء واحد هو الفيلم الأمريكى أفاتار
الذى لم أستطع مقاومة
مشاهدته رغم علمى بأنه سيكون معروضا فى القاهرة عند عودتى.
فيما عدا ذلك
ركزت على مشاهدة عدد من الأفلام الأوروبية والعربية، بالإضافة إلى بعض
الأفلام
التى حصلت على جوائز المهرجانات الكبيرة فى العام الماضى.. وكالعادة لم
يسمح
الوقت بمشاهدة كل القائمة التى أعددتها فى بداية المهرجان، ولا حتى نصفها..
ولكن قبل الحديث عن هذه الأفلام سألقى نظرة على خريطة البرامج التى تتوزع
داخلها
الأفلام.
فى مهرجان دبى مسابقتان رئيسيتان،
الأولى للأفلام العربية،
تسمى بالمهر العربى، نسبة إلى الجوائز التى تحمل شكل المهر،
وهى أقدم مسابقات
المهرجان وبدأت مع العام الثانى له.
المسابقة الثانية للأفلام الآسيوية
والأفريقية، المهر الآسيوى الأفريقى،
وقد أضيفت فى الدورة الرابعة للمهرجان.
وتنقسم كل من المسابقتين إلى ثلاث مسابقات فرعية واحدة للأفلام الروائية
الطويلة
والثانية للأفلام القصيرة والثالثة للأفلام الروائية.
وفوق هذه المسابقات الست
استضاف المهرجان هذا العام مسابقتين غير رسميتين واحدة للشبكة الدولية لأفلام
حقوق الانسان، والثانية لاتحاد النقاد الدوليين
(الفيبرسكى)، بالإضافة إلى
جوائز الجمهور التى يتم التصويت عليها عقب كل فيلم..
ناهيك عن أن الجهة المنظمة
للمهرجان، وهى مدينة الإنتاج الإعلامى بدبى،
قررت منح جوائز محمد بن راشد
للدراما العربية قبل إعلان جوائز المهرجان.
جوائز أكثر من
اللازم!
فى الإجمال كان هناك ممثلو ثمانى مسابقات بالإضافة إلى
ثمان وعشرين جائزة تم إعلانها على المسرح ليلة الختام، وهذا رقم كبير جدا..
ربما أكثر من اللازم،
وهو ما تسبب فى ارتباك وزحام على المسرح غير معتاد على
المهرجان الذى يتسم بالتنظيم الفائق عادة..
وأعتقد شخصيا أن الأوان قد حان
لإعادة النظر فى مسابقات المهرجان وتحويلها لمسابقة واحدة قوية وبعض
الجوائز غير
الرسمية بجوارها، خاصة أن المسابقتين يمكن ضمهما ببساطة، فالعالم العربى هو
جزء من آسيا وأفريقيا،
وإذا كان هناك رغبة فى مزيد من إلقاء الضوء على السينما
العربية، فليكن هناك جوائز خاصة
غير رسمية للسينما العربية المشاركة فى كل
برامج المهرجان وليس المسابقة الرسمية فقط..
وفى هذه الحالة سيمكن تقليص عدد
الأفلام المشاركة فى المسابقة مما سيضمن مستوى أرفع ومكانة أكبر لها.. وفوق
ذلك
سيتوافق ويعبر بشكل أكبر عن شعارات المهرجان حول سد الفجوات وتشجيع الحوار
وتبادل
الثقافات بين الشعوب..
وحتى لا يصبح المهرجان نموذجا من الصورة النمطية السلبية
لدبى، ثقافات وجنسيات كثيرة تتجاور،
ولكنها لا تتخالط ولا تتبادل الحوار فيما
بينها (إلا بخصوص العمل)، وهو ما
يعيدنى إلى الأفلام ويذكرنى بالفيلم
الإماراتى دار الحى للمخرج على مصطفى، الذى عرض فى المهرجان على اعتبار أنه
أول فيلم إماراتى طويل،
رغم أن هناك فيلما قبله هو الدائرة
للمخرج نواف
الجناحى.
المهم أن فيلم دار الحى
يشبه دبى ويعالج أخطر ما
يواجهها، وهو التنوع الفنى للجنسيات واللغات والثقافات التى تلتقى على هذه
البقعة الصغيرة من الأرض،
ولكن لكل منها حياته وعالمه المختلف وليس هناك مجال
للاختلاط بينها إلا بفعل كارثة هى هنا حادث سيارة
يربط الشخصيات ويغير حياتها.
هذا التنوع هو نقطة القوة التى قامت عليها نهضة دبى،
وهو أيضا نقطة ضعفها
لأن أى خلل يمكن أن يصيب هذا التنوع من شأنه أن
يهدم فكرة دبى نفسها.
من
هنا تأتى أهمية دار الحى ليس فقط كأول فيلم، أو ثانى فيلم إماراتى،
ولكن
أيضا لأنه يضع يده على المسألة الإماراتية،
فحتى الآن كان معظم الأفلام
القصيرة والوثائقية الإماراتية
يتجاهل الخوض فى المشاكل الاجتماعية ويعرض قصصا
عائلية بسيطة، أو تهويمات وجودية لشباب حائرين،
ولكن مع الجرأة والثقة
المتزايدين لدى السينمائيين الإماراتيين الشبان أعتقد أن موضوع هوية دبى
سيكون محور
معظم ما سيتم إنتاجه من أعمال فنية فى السنوات القادمة.
الزنديق
الفلسطينى
أبدأ مع الأفلام العربية،
وأولها زنديق للمخرج
الفلسطينى ميشيل خليفى، الذى حاز الجائزة الكبرى أفضل فيلم عربى.
الفيلم شبه
سيرة ذاتية لمخرجه الذى
يعيش فى بلجيكا منذ سنوات طويلة، وهو أحد رواد السينما
الفلسطينية، وواحد من منشقيها أيضا،
إذ طالما أثارت أفلامه الجدل منذ
الثمانينيات. يروى زنديق الذى يلعب بطولته الممثل الفلسطينى الأشهر محمد
بكرى قصة مخرج سينمائى فلسطينى مهاجر يعود إلى فلسطين ذات ليلة ليواجه الوضع الذى
لا يحتمل بين قهر الاحتلال والحرب الداخلية بين أهل قريته!
فوز
زنديق بجائزة أفضل فيلم عربى جاء تتويجا للحضور الفلسطينى المكثف فى مهرجان
دبى، حيث تم تنظيم برنامج خاص بالسينما الفلسطينية
الجديدة عبر خلاله عدد من
الأفلام الحديثة التى صنعت بواسطة سينمائيين مقيمين فى فلسطين أو خارجها.
من أبرز هذه الأفلام أمريكا
للمخرجة الفلسطينية المقيمة فى أمريكا
شيرين دعبس، وهو فيلم يحمل الجنسية الأمريكية بجانب الفلسطينية مثل ملح هذا
البحر للمخرجة آن مارى جاسر الذى حقق عام
٨٠٠٢ نجاحات عالمية مرموقة.
أمريكا
أيضا
يحظى بشعبية كبيرة حاليا، وقد قرأت مقالا كبيرا عنه
وحوارات مع مخرجته وبطلته نسرين فاعور فى واحدة من أرقى مجلات
السينما فى أمريكا
وهى سينيسته، وقد حصلت نسرين فاعور على جائزة أفضل ممثلة فى مهرجان دبى،
كما حصل الفيلم من قبل على عدة جوائز فى مهرجان القاهرة.
وحين نتذكر أن
أكاديمية علوم وفنون السينما الأمريكية التى تمنح جوائز الأوسكار رفضت منذ
عدة
سنوات مشاركة فيلم يد إلهية للمخرج إيليا سليمان باسم فلسطين لأنه لايوجد
على
الخريطة الأمريكية دولة اسمها فلسطين يمكن أن ندرك التطورات التى حدثت نتيجة جهود
الجيل الجديد من صناع الأفلام الفلسطينيين بداية من فيلم الجنة الآن
للمخرج
هانى أبو أسعد الذى رشح للأوسكار، وكاد
يحصل عليه،
باسم فلسطين.
من
الأفلام البارزة فى البرنامج الفلسطينى أيضا كان فيلم مباشر غزة للمخرج
المصرى المقيم فى سويسرا سمير عبدالله، وهو فيلم تسجيلى يرصد حياة ومعاناة
مراسلى الصحف والفضائيات أثناء تغطية الحرب الاسرائيلية على
غزة فى ٨٠٠٢.
مصر والجزائر والجوائز
من السخيف إلى حد
الطرافة تلك المعركة الكلامية العبثية التى اندلعت بين بعض المصريين
والجزائريين
وشارك فيها بعض أبناء بلاد عربية أخرى على الإنترنت بخصوص الأفلام العربية
التى
حصلت على الجوائز فى دبى.
من ناحية هى تعكس تفاهة العقل العربى وتشرذمه
والقبلية والتنابذ بالألفاظ بين العرب،
ومن ناحية تعكس قلة الثقافة وعدم فهم
الوظيفة الأساسية للفنون والأدب والفكر وهى مناهضة التعصب والعنف.
على كل
حال فاز الفيلم الجزائرى
حراقة
للمخرج الفرنسى الجزائرى الأصل مرزاق علواش
بجائزة لجنة التحكيم، كما فاز بجائزة لجنة حقوق الإنسان،
وهو فيلم جيد يدور
حول الهجرة غير الشرعية من شمال أفريقيا إلى أوروبا التى تؤدى إلى موت
الآلاف
سنويا، كما فاز كل من الفيلمين المصريين
عصافير النيل وواحد-صفر بثلاث
جوائز، المونتاج للأول والسيناريو والتصوير للثانى بالإضافة إلى فوز الفيلم
المصرى الوثائقى
أحلام الزبالين لمى إسكندر بجائزة لجنة التحكيم وفوز الفيلم
الروائى القصير النشوة فى نوفمبر للمخرجة عايدة الكاشف بالجائزة الثانية.
والصبية على الإنترنت الذين يحلم معظمهم بالهجرة من أوطانهم
- لم يلتفتوا
إلى أن كل الأفلام المصرية والجزائرية الفائزة، وغير الفائزة،
تكشف أن كلاً
من المصريين والجزائريين هم ضحايا التخلف والقمع والبؤس الذى
يجعلهم يختزلون
العالم فى مباراة كرة قدم.
فى العدد القادم نواصل الإبحار مع أفلام
مهرجان دبى.
صباح الخير المصرية في
05/01/2010 |