يحرقون أوراقهم الثبوتيّة، وعلى متن زورق محاصر بالمخاطر يمضون بحثاً عن
حلمهم على الضفّة الأخرى... «قوارب الموت» تحتلّ موقعاً مهمّاً على الشاشة
الكبيرة
بعدما شغلت ظاهرة «الحرّاقة»، خلال السنوات الماضية، حيزاً مهماً من
اهتمامات الصحافة الوطنية وأطروحات الدارسين في حقل السوسيولوجيا، ها هي
تحتلّ اليوم موقع الصدارة في تجارب سينمائيّة مهمّة في الجزائر. ويعود اسم
الحرّاقة إلى أولئك الشباب الذين يحرقون أوراقهم الثبوتيّة قبل رحلات
التسلل إلى أوروبا عن طريق الزوارق، لكي يفشل حراس السواحل على الجانب
الآخر في تحديد هوياتهم.
قبل حوالى سنة، دخلت الحكومة الجزائرية حلقة صدام حادة مع منظمات
حقوقية مستقلة، عقب إقرارها قانوناً يجرّم الشباب المقبل على محاولة الهجرة
غير الشرعية، ويعرّضه لعقوبة السجن. لم تجد الحكومة وسيلة للحدّ من ظاهرة
الهجرة غير الشرعيّة تلك، إلا من خلال اتباع منطق التهريب. لكنّ أشهراً
قليلة كانت كافية ليثبت ذلك القانون فشله، نظراً إلى العدد الكبير من
الشباب الجزائري الذي ما زال يتخذ من البحر معبراً لبلوغ جنوب القارة
الأوروبية، وخصوصاً سواحل إيطاليا وإسبانيا على الضفّة المقابلة من البحر
المتوسّط.
هذه الهجرة القسريّة وخلفيّاتها الإنسانيّة والاجتماعيّة، باتت مصدر
وحي مهمّ لأعمال بارزة في السينما الجزائريّة... أوّل ما يتبادر إلى الذهن،
في هذا السياق، فيلم «روما ولا أنتوما» (روما أفضل منكم) للمخرج طارق تقية.
هذا الشريط الذي جال على عدد كبير من المهرجانات، من سويسرا إلى المكسيك،
وصل إلى المسابقة الرسمية من «مهرجان البندقية السينمائي» عام 2006.
نتيجة لانتشار اليأس واتساع دائرة البؤس
عنوان الشريط مقتبس من إحدى العبارات المتداولة بكثرة بين الأوساط
الشعبية في الجزائر. عبارةٌ تصوّر مدى تعلّق الشباب بمطمح الهروب صوب
الشمال. يحكي العمل قصة البطلين زينة (سميرة قدور) وكمال (رشيد عمراني).
يتقاسم الشابان العشرينيان المقيمان في الجزائر العاصمة شغف بلوغ الضفة
الأخرى من البحر المتوسط... سيفعلان ذلك بكل الوسائل الممكنة، ولا يجدان
لتحقيق مبتغاهما أفضل من الحرّاقة.
بعد النجاح الذي عرفه «روما ولا أنتوما»، ظهرت عام 2007 مجموعة أعمال
مشابهة، استندت إلى الموضوع نفسه. لعل أبرزها الفيلم القصير «حلم لم يتحقق»
(ثلاثون دقيقة) للمخرج أحسن تواتي. العمل الذي أنتج عام 2007، عرض في
الصالات الجزائريّة، ويصوّر شذرات من يوميات خمسة شبان وفتاة يفشلون في
أولى محاولات الهجرة غير الشرعيّة، ويكون مصيرهم السجن. وما إن يخرجوا حتّى
يعاودوا الكرّة، ويعودوا إلى ركوب «قوارب الموت».
في السياق نفسه، طغت إشكالية الهجرة غير الشرعية، السنة الماضية، على
عدد من الإنتاجات التلفزيونية التي تعاطت مع الظاهرة وفق منهج ديداكتيكي
ونظرة سطحية... إلى أن خرج مرزاق علواش نهاية عام 2009، بشريط «الحرّاقة»
الذي حاز أخيراً في إسبانيا جائزة «مهرجان فالنسيا لسينما البحر الأبيض
المتوسط». يدور شريط علواش الجديد، حول تجربة الهجرة غير الشرعية على متن
قارب صيد. عشرة شبان ينطلقون من مدينة مستغانم (غربي الجزائر)، في اتجاه
جزر الكناري الإسبانية. صوّر العمل بين الجزائر وفرنسا، وقد استوحاه
السينمائي الجزائري المعروف من قصص واقعية استقاها من الصحف، إضافةً إلى
شهادات حقيقيّة لأشخاص قابلهم. بأسلوب أقرب إلى السينما التسجيليّة، يواصل
صاحب «عمر قتلاتو» الخوض في اهتماماته الأثيرة، ألا وهي رصد ملامح فشل
المشروع الوطني البديل للتنمية: «من موقعي كسينمائي أحاول تقديم شهادة عن
مرحلة تاريخية معينة»، يعلّق علواش الذي يعتمد هنا على وجوه كوميدية شابة،
مركزاً جلّ اهتمامه على نقل أدق تفاصيل رحلتهم بسلبياتها وإيجابياتها.
ظاهرة الهجرة غير الشرعيّة التي يعتبرها مرزاق علواش نتيجة طبيعيّة لاتساع
دائرة البؤس، وانتشار اليأس لدى مختلف شرائح المجتمع الجزائري، تأتي في
السينما مجازاً عن أزمة حقيقيّة عميقة يرزح تحت نيرها شعب كامل، بدءاً
بشبابه الذي يمثّل ضحيّة نموذجيّة للبؤس والفساد، والتخلّف الاقتصادي،
والانحطاط السياسي، والتراجع الثقافي.
الأخبار اللبنانية في
04/01/2010
رشيد بوشارب: خارج على القانون
يتخذ شريط رشيد بوشارب (الصورة) الجديد من مجزرة 8 أيار (مايو) 1945
نقطة لانطلاقته، قبل أن يذهب في رحلة عبر تاريخ الجزائر تحت عنوان «خارجون
على القانون». ينجز السينمائي الفرنسي الجزائري الأصل عملاً تصل كلفته إلى
20 مليون يورو، ويواصل تصويره في ضواحي تونس العاصمة. «تتواصل أحداث الشريط
من مطلع الأربعينيات لغاية عام 1962 سنة استقلال الجزائر»، يلفت بوشارب.
بخلاف الأفلام السابقة التي تناولت الثورة الجزائريّة، ستدور معظم أحداث
العمل في باريس، لتروي تفاعلها مع أحداث الداخل الجزائري خلال الخمسينيات
من القرن المنصرم.
تنطلق القصّة مع استحواذ المستعمرين على أرض إحدى العائلات في ضاحية
سطيف (شرق الجزائر العاصمة)، فتترك العائلة بيتها وتنتقل إلى مدينة سطيف،
لتشهد اندلاع أحداث 8 مايو 45. هناك، يستشهد الأب (أحمد بن عيسى) وتتبعثر
مصائر أبنائه الثلاثة: يسجن عبد القادر (سامي بو عجيلة) في فرنسا، ويجنّد
مسعود (رشدي زام) في الجيش الفرنسي ويرسل إلى الهند الصينية. أمّا سعيد
(جمال دبوز) وأمه (شافية بو ذراع)، فينتقلان إلى فرنسا بحثاً عن لقمة العيش
ويستقران في أحد الأحياء القصديرية.
يُتوقّع أن يعرض الفيلم في الدورة المقبلة من «مهرجان كان السينمائي»
بعد مدة قصيرة، يُطلق سراح عبد القادر، فيشارك في تأسيس فيدرالية
فرنسا (جناح «جبهة التحرير الوطني» في الخارج)، ويعود مسعود إلى باريس
للعلاج بعد التعرض لإصابة خلال إحدى المعارك في فيتنام. هكذا، يلتقي الإخوة
الثلاثة مجدداً ويعملون معاً من أجل قضيتهم الوطنيّة، ما يعرضهم لملاحقات
الشرطة الفرنسية، وخصوصاً ما كان يسمّى حينها مجموعة «اليد الحمراء».
تتطور الأحداث لتأخذ شكل حرب عصابات ومحاولات تصفية مناضلي «فيدرالية
فرنسا»، ليغوص الفيلم في الكثير من مشاهد الاعتقالات والاغتيالات... ثمّ
تتواصل أحداث الشريط وفق انتقالات تصويرية مفاجئة وصولاً إلى عام 1962.
بدأ صاحب «بلديّون» تصوير «خارجون على القانون» في فرنسا، قبل أن
ينتقل إلى الجزائر ثمّ تونس، فتايلاندا حيث يصوّر مشاهد من حرب الهند
الصينية. ويُتوقّع أن يعرض الفيلم في الدورة المقبلة من «مهرجان كان
السينمائي» في نسخة رقمية، على أن يعرض في الصالات مطلع أيلول (سبتمبر)
المقبل.
سعيد...
الأخبار اللبنانية في
04/01/2010 |