شهد قطاع غزة نهاية عام 2009، فعاليات سينمائية، لم يشهدها القطاع
المحاصر بحسب مراقبين من السبعينات والثمانينات، ولأول مرة منذ أعوام
يستجير الغزيون بالفن السابع لتوثيق معاناتهم لتبقى دليلا دامغًا تدين
الجرائم الإسرائيلية بحقهم، وترصد للأجيال المقبلة حجم المعاناة التي
عايشها القطاع في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة عليه والحصار المفروض
منذ قرابة أربعة أعوام.
واتخذت الفعاليات شكل مهرجانات للأفلام وعروضًا سينمائية، رغم عدم
وجود دار عرض سينمائية واحدة في القطاع، بعد إن تدمرت وأحرقت دور العرض في
الثمانينات، وكانت أولى هذه الفعاليات "أسبوع الفيلم التسجيلي الفلسطيني"
حيث عرض فيه نحو 44 فيلما تسجيليا فلسطينيا، أنتجوا خلال ثلاثة أعوام، في
مجملها تتحدث عن الحصار والحرب الإسرائيلية والفوضى الداخلية، وانعكاسات
ذلك على حياة الغزيين الذي يتطلعون إلى السلام والعيش بحرية وأمان.
ولم يقتصر الأمر على الأفلام التسجيلية، بل تلاها تظاهرات أخرى لعرض
أفلام متعددة الهوية لكسر حصار غزة، ومحاولات عزلها عن العالم عبر مشاركات
خارجية لمخرجين عرب وأجانب لم يتمكنوا من الحضور، بينما استطاعت أفلامهم
الإفلات من قبضة الحصار، كما تفلت علب الحليب والسولار، إلى عروض
المهرجانات والأسابيع السينمائية، ليشاهدها أهل غزة المحرومين منذ سنوات
والمتعطشين للفنون المختلفة.
وكان "أسبوع السينما الخليجية" الحدث البارز في هذا المجال، والتي
جاءت بالتعاون بين الملتقي الفلسطيني السينمائي ومهرجان الفيلم الخليجي في
دبي، حيث شاهد الغزيون لأول مرة أفلام خليجية، لطالما سمعوا نقدا وجدالا
يدور حولها، أو قرؤوا بعضا من تفاصيلها في مواقع الكترونية، ولم يتسن لهم
مشاهدتها، خاصة أنها تعتمد على المهرجانات في تقديم نفسها للجمهور
وللمهتمين، وهو ما لم يمكنهم متابعته إلا في سياق نشرات الأخبار.
وعرض خلال هذه الفعالية نحو 33 فيلما خليجيا من إنتاج دول التعاون
الخليجي الست، واحتلت دولة الإمارات المتحدة المشاركة الأكبر بين هذه
الأفلام.
وكان لأفلام المرأة أيضا نصيب، حيث نظم مهرجان "المرأة الأول للأفلام
التسجيلية "بعيون النساء" لعرض أكثر من 30 فيلما لمخرجات فلسطينيات
وبمشاركة عربية أيضا، وحملت الأفلام هموم المرأة الفلسطينية ومعاناتها جراء
ظلم المجتمع وظلم الاحتلال وكذلك قضايا المرأة العربية بشكل عام.
ووجد مخرجو غزة الذين حال الحصار دون مشاركتهم في مهرجانات عربية
ودولية، في هذه الفعاليات نوعا من التحدي، وإصرار على كسر حصارهم والتفات
العالم لأعمالهم الفنية، وفرصة سانحة لأن يطلع الجمهور الداخلي على
إبداعهم.
فنظم مهرجان "غزة الدولي للأفلام التسجيلية " حيث شارك فيه أكثر من
160 فيلما فلسطينيا وعربيا ودوليا وتنافس فيها نحو 44 فيلما منها على
جوائز المهرجان.
واختتم العام بتنظيم " مهرجان القدس السينمائي الدولي الأول، لعرض
أفلام عربية ودولية وفلسطينية تتحدث عن القدس والقضية الفلسطينية.
ويرجع المخرج السينمائي فايق جرادة هذا الحراك الفني إلى احتفالية
القدس عاصمة الثقافة العربية 2009، التي رعت معظم هذه الفعاليات، و كانت
عنوانا ناظما لمعظم الحراك الفني والثقافي، فضلا أن كثيرين وجدوا في
الثقافة والفن ردا على الإحباط الناجم عن حالة الانقسام والحرب علي غزة
بداية العام، وكذلك طريقا للوحدة، تحقيقا لشعار الثقافة توحد ولا تفرق، كما
القدس تماما".
وقال جرادة رئيس الملتقى الفلسطيني السينمائي، الذي أدار فعاليتين
سينمائيتين بغزة :" لمست مدى حاجة الناس لعروض الأفلام التسجيلية، والتي
تشاهد فقط بالمهرجانات، كما وجدت شباب طامح ومستعد للعمل الثقافي بكل طاقته
ولكنه بحاجة إلى مؤسسات موضوعية ذات رؤى إستراتيجية.
ويشعر مخرجو غزة بالحرج لدى سؤالهم عن متابعاتهم للأفلام السينمائية،
مؤكدين أن الحصار حال دون تواصلهم، وما يتسنى لهم معرفته عبر ما تنشره
المواقع الالكترونية أو ما تبثه الفضائيات، وهذا لا يكفي خاصة أن الأفلام
السينمائية الجديدة تعرض فقط في المهرجانات الدولية أو في دور سينما
خارجية.
وأعرب جرادة عن استئايه من بعض الأفلام العالمية التي اطلع عليها من
خلال الانترنت، و التي تستخف بمشاعر وأحاسيس المشاهد على حد قوله، ويسرد
منها فيلم" 12
ROUNDS" –" 12
جولة"، وهو فيلم للمصارع الشهيرJEON
CINA و تدور فكرته حول محقق يواجه 12 مهمة صعبة جدا ومستحيلة من خلال
عملة كمحقق ويجب أن يقوم بحلهم جميعا لإنقاذ حبيبته لأنها خطفت من قبل مجرم
خطير.
أما علي الصعيد العربي، يقول من أسوأ الأفلام التي شاهدها عام 2009
"إبراهيم الأبيض" للفنانين احمد السقا واحمد عبد العزيز وهند صبري وفيلم "
كباري" وفيلم "الفرح".، ويضيف "رغم واقعية الفيلم، إلا أنه غير موظف بطريقة
جديرة بالمشاهدة ".
أما عن أفضل الأفلام العربية لعام 2009 ، فيقول :" فيلم (سجين ترانزيت
) للفنان احمد عز ونور الشريف وكذلك فيلم "آسف للإزعاج" للفنان احمد حلمي
ومحمود حميدة ومنة شلبي ودلال عبد العزيز.
وعن رأيه بالإنتاج السينمائي العربي والعالمي عام 2009، يقول المخرج
الفلسطيني ورئيس ملتقى الفيلم الفلسطيني سعود مهنا:" لقد أنتج خلال عام
2009 الكثير من الأفلام على الصعيد المحلى والعربي والعالمي بعضها
صناعته جيدة من حيث التقنية في الصورة والبناء الدرامي، غير انه يعيب على
شركات الإنتاج بأنها لا تهتم بالتقنية السينمائية، بقدر اهتمامها بالتسويق
وإرضاء الجمهور العادي واللهث وراء الربح المادي، بعيدا عن الصناعة
الحقيقية. وعن أفضل الأفلام التي شاهدها خلال عام 2009 يقول مهنا:" الفيلم
الروائي الجزائري" مصطفى بولعيد" للمخرج احمد الراشدي، كان رائعا في بنائه
الدرامي وصناعته السينمائية، وتابع" الفيلم يتحدث عن المناضل "مصطفى بولعيد"
الذي جاهد من اجل تحرير الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي لبلده،" لقد قدم
المخرج الراشدي بانوراما جميلة، استطاع من خلالها أن ينقل المشاهد لتلك
الحقبة من النضال ضد الاحتلال، في قصه محبوكة بطريقه متقنه وسيناريو مميز
". مشيرا إلى وجود كثير من الأفلام الرديئة الصنع والمعنى والتي لا تخدم
إلا جيوب المنتجين بل وتفسد الذوق العام للمشاهد".
بينما يرى المخرج الفلسطيني اشرف الهواري أن عام 2009 الأسوء في تاريخ
السينما العربية والعالمية، مرجعا ذلك إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية
أثرت بشكل كبير على حجم إنتاج الأفلام العربية والعالمية، جراء سعي شركات
الإنتاج إلى تقليص حجم الإنتاج السنوي من الأفلام، الأمر الذي بحسبه اثر
أيضا على جودة هذه الأفلام باستثناء بعض الأفلام الجيدة التي حازت على
العديد من الجوائز وأيضا حققت مشاهدة جماهيرية واسعة بحسب قوله.
وأشار الهواري أن حصار غزة عزله عن العالم وحال دون متابعته للأفلام
التي صدرت خلال العام2009 وعرضت في المهرجانات والفعاليات العربية والدولية
، مما يجعله محرجا من إبداء رأيه حيال الأفلام التي أنتجت في تلك الفترة،
إلا انه ينحاز بفلسطينيته ومهنيته إلى فيلم ( الزنديق) للمخرج الفلسطيني
ميشيل خليفي حيث حاز على جائزة أفضل فيلم روائي طويل في مسابقة مهرجان
دبي السينمائي، ويقول:" لقد تسنى لي مشاهدة بعض أجزاء هذا الفيلم من خلال
القنوات الفضائية، ولاحظت أن المخرج" ميشيل خليفة" العائد بعد غياب 12 عاما
استخدم لغة سينمائية رقيقة ومعبرة تحاكي مشاعر المشاهدين وتؤثر فيهم. إن
مشاهدتي لهذه المشاهد البسيطة دفعني للبحث أكثر وأكثر عن هذا الفيلم بل
ومتابعة أخباره على شبكة الانترنت وسعدت كثيرا بان هذا الفيلم حاز على
جائزة أفضل فيلم روائي طويل في مسابقة المهرجان العربي والآسيوي في مهرجان
دبي السينمائي الذي اختتمت فعاليته مؤخرا في مدينة دبي والفيلم من بطولة
الفنان محمد بكري ويتحدث عن فنان فلسطيني يعود إلى ارض الوطن بعد سنوات من
التشرد والغربة ليجد هذا الوطن مغايرا لما في مخيلته من صورة ومن واقع
سياسي واجتماعي وأنماط أخلاقية وسلوكية.
إيلاف في
03/01/2010 |