من بين الأفلام الجديدة التي قدمها مهرجان دبي السينمائي الدولي ضمن
فعالياتها دورته الأخير، كان هناك الفيلم الإماراتي المعنون (دار الحي)
للمخرج الشاب علي مصطفى، الذي عد من ابرز نتاجات السينما في منطقة الخليج
هذا العام. سبق للمخرج مصطفى المولود العام 1981، أن قطف في الدورة قبل
الماضية للمهرجان جائزة أفضل مخرج إماراتي عن فيلمه القصير (تحت الشمس)،
الأمر الذي مهد الطريق أمامه بان يواصل مسيرته السينمائية بفيلم روائي
طويل، بعد نيله شهادة الماجستير في حقل الفنون السينمائية من إنكلترا. ينضم
فيلم (دار الحي) إلى مجموعة الأفلام التي يحققها مخرجون شباب جدد في أكثر
من بلد خليجي، حيث يضاف إلى أفلام إماراتية طويلة على غرار (حنة) لصالح
كرامة، و(الدائرة) لنواف الجناحي، وسواهم من المخرجين المخضرمين أمثال:
خالد الزدجالي في سلطنة عمان، و عامر الزهير في الكويت، وخليفة المراخي في
قطر، وبسام الذوادي في البحرين . أكثر ما يلفت في فيلم (دار الحي)، ذلك
البناء الدقيق في تقديم بيئته وشخصياته بأسلوبية أشبه ما تكون بالبوح
الإبداعي، الذي يتكيء على براعة درامية وبصرية جذابة، تنهل بافتتان من
الحراك اليومي في بلد يعيش فيه كثير من الأفراد والجماعات البشرية القادمين
من ثقافات متنوعة بغية الارتقاء في واقعهم الصعب داخل بلدانهم الأصيلة.
اختار صناع فيلم اسم (دار الحى) كدلالة تشير إلى دبي، التي تسري فيها أحداث
الفيلم .. دون أن يقع العمل في فخ البحبوحة الاقتصادية والترويج الدعائي و
الإبهار السياحي أو حداثة وفخامة البناء في المعالم المعمارية، الذي يتوجه
إليها عادة زوار المدينة، لا بل فان الكاميرا تغوص في أمكنة وجوانيات
لنماذج من شخوصها التي يختصرها الفيلم بمجموعة أفراد، باحثين عن خلاصهم
الفردي في زحام المدينة الفريد، والمشرعة أبوابها على تلاوين متباينة من
حكايات إنسانية مليئة بسعة الخيال والأحلام المجهضة.
يتشكل نسيج الفيلم من عدة شخصيات رئيسية تدور من حولها أحداث جسام، فهناك
السائق الهندي الذي يمضي النهار خلف مقود سيارته في عمل شاق، لا يكاد يرتاح
من عمله في داخل شوارع دبي، إلا وتجده يعمل في الليل في احد الملاهي مؤديا
لأغنيات هندية مستفيدا من الشبه الشديد الذي يجمعه مع ممثل هندي شهير، لكن
هذا السائق تنتابه لحظات من الترقب والحيرة والقلق . هناك أيضا نموذج آخر
يقدمه الفيلم من خلال شخصية فتاة رومانية تعمل مضيفة، تتطلع إلى إقامة
علاقة مع مدير شركة بريطاني، والى جوار هؤلاء مجتمعين تجيء شخصية الشاب
الإماراتي وصديقه الذين تجذبهم مباهج الحياة في دبي الحديثة وإيقاعها
الاستهلاكي اللاهث السريع، وما يختلط فيها من سلوكيات منفرة تصل إلى درجة
تدمير الذات لحياتهما، بعيدا عن رغبة ابائهما في الالتزام بمعايير موروثهما
التربوي والثقافي والأخلاقي، الذي يحصنهما من الوقوع في حياة العبث والضياع
التي تنهض على الأذى والجريمة. يوفق المخرج علي مصطفى في تقديم معالجة
جريئة لأنماط من تفاصيل الحياة السائدة المستمدة من داخل مدينة مثل دبي،
وما تشهده من فورة اقتصادية تجذب صائدي الفرص الصغيرة من أبناء المجتمعات
المتعددة الثقافات، وما تحفل به من تباين اجتماعي مجبول بلمسات تقنية تفيض
بأحاسيس ومشاعر ورؤى تعبر عن انعكاسات التطور العمراني والحداثي في هذه
البقعة الجغرافية التي تختصر الحضور الإنساني برمته . من هنا لجأ الفيلم
الذي ساهم في إنجازه مهرجان دبي السينمائي الدولي وهيئة دبي للثقافة إلى
تقديم حوار الشخصيات بلغاتها الأصلية وهي العربية والإنجليزية والهندية مع
ترجمة كاملة على الشاشة . كما اضطلع بالأدوار الرئيسية في الفيلم سعود
الكعبي وأحمد أحمد بالإضافة إلى فنانين من دول مختلفة منهم الكساندرا ماريا
لارا وسونو سود وناتالي دورمر وفنان الهيب هوب الكندي العراقي الأصل
المعروف نارسيست .
الرأي الأردنية في
29/12/2009 |