بدأت معرفتي بها بخناقة.. وانتهت بقبلة علي جبينها..
عندما سمعتها لأول مرة
من خلال الراديو في أغنية »ياامة القمر ع الباب«..
قلت في نفسي »الله..مين اللي بتغني دي«..
كان صوتها مختلفا
عن كل الأصوات التي أسمعها..
لم أكن أعرفها ولا حتي أعرف
اسمها.. لكنها انتشرت بسرعة بعد ذلك
حين غنت »أنا
قلبي إليك ميال..«.
وعرفت أنها فتاة قادمة من سوريا إلي مصر..
تهافت عليها الملحنون لتغني من ألحانهم..
لكن محمد سلطان احتكر صوتها وتزوجها..
وكانت معظم أغانيها من ألحانه بالرغم من أن
صوتها أكبر بكثير من إمكانيات محمدسلطان الذي
لم يستغل صوتها الجميل ذا الطبقات العالية كأم كلثوم..
فألحان سلطان عموما تتميز بالإيقاع السريع الذي
ظلم صوت »الكروان«..
ومثلت فايزة أحمد
في السينما حوالي 8 أفلام منها »الوسادة الخالية«
التي غنت فيه أغنية حليم »أسمر يااسمراني«..
أيضا في »تمرحنة« مع رشدي أباظة ونعيمة عاكف..
والتي
غنت فيها »ياتمر حنة«.. ومن أهم الأغاني
التي أثرت في الناس أغنية
»ست الحبايب« التي غناها ولحنها عبدالوهاب، وأيضا »ياحبيبي ياخويا«..
ولازلت حينما أسمعها أبكي..
وأطلق عليها وقتها »مطربة
الأسرة«.
< < <
هذه مقدمة أتذكرها حينما أستمع إليها من خلال الراديو..
ونادرا جدا في التليفزيون..
إنها فايزة أحمد التي أطلق عليها بعد ذلك »كروان الشرق«.
بالرغم من إعجابي بهذا الصوت الجميل
الذي يدخل القلب..
إلا أن علاقتي بها بدأت بخناقة..
وانتهت بقبلة علي الجبين..
كانت »فايزة« معتزة جدا بصوتها..
تغار من منافستها »وردة«
التي تزوجها بليغ حمدي وتبناها بألحانه..
خاصة بعد وفاة
أم كلثوم.. وكانت هناك جولات وصراعات بينهما..
لكن فايزة تفوقت عليها بلهجتها المصرية الصميمة..
كانت تحب عملها جدا لدرجة أنها إذا
هوجمت من أحد الصحفيين تبقي »ياليلة سودا«، لم أكن أعرف
فيها هذه الطباع..
كانت بالنسبة لي مجرد صوت جميل يدخل
القلب ويشنف الآذان..
وفي إحدي المرات.. وبينما كنت في سوريا
أيام الوحدة..
كان جلال معوض
المذيع المرموق
يقدم برنامجه »أضواء المدينة«
والذي اشترك فيه معظم الفنانين والمطربين..
وكتبت كلمة
بنوع من المداعبة..
إن فايزة نجحت في أن تقلد
»لبلبة« في أغنياتها التي تقلد فيها المطربين والمنولوجات..
وفي نفس الوقت غنت لبلبة أغاني
فايزة أحمد..
كان ذلك
في جلسة فنية بعيدة عن الجمهور..
ونسيت هذا الكلام الذي كان مجرد
»دعابة«.
< < <
وفي أحد الأيام تركت مكتبي في الدور الثاني
بأخبار اليوم إلي الدور الثامن في مكتب شئون العاملين..
أعني أن بينهما ستة أدوار..
وذلك لأنهي بعض مسوغات التعيين..
صالة كبيرة بها عدد من الموظفين والمحاسبين..
وجدت فجأة »فايزة أحمد« بجانبي تصرخ وتصيح.. »وعينك ماتشوف إلا النور«
تكرر الكلام الذي كتبته وتشخط وتنطر متسائلة »أنا لُبلبُة«
بضم اللام، لم أنظر إليها ولم أرد عليها بكلمة واحدة
لدرجة أن الموظفين نظروا إلي بعضهم: »هي بتتخانق مع مين؟«..
المهم بعد أن أطلقت هذا الدش البارد فوق نافوخي خرجت من الصالة..
ونسيت الموضوع.
< < <
رأيتها في إحدي المناسبات الفنية..
وقابلتني
بالأحضان »إزيك ياحبيبتي«..
وتعجبت لهذه المقابلة
الحميمة.. وأصبحنا بعد ذلك أصدقاء..
عرفت أنني أحب صوتها..
وأنها كانت مخطئة حينما وجهت لي الكلام أمام الموظفين، وكانت تطلبني أحيانا
بالتليفون لتغني لي
أغنياتها التي أحبها مثل
»ست الحبايب«.
< < <
كنت أذهب إليها في بيتها بعمارة الشمس أمام النيل..
وأستمع إلي
تدريباتها مع بعض الملحنين ومنهم عبدالحليم نويرة..
لكنها لم تغن الأغنية التي تدربت عليها لأنها لم تجد نفسها فيها.
وحينما انتقلت إلي منزلها بالزمالك ذهبت إليها..
إنسانة طبيعية جدا..
لا يهمها أن تظهر أمام أصدقائها وهي متجملة..
وهذه هي الثقة بالنفس..
بل إني وجدتها مرة وهي تعالج
شعرها »بحمام
كريم« وأعجبت بها أكثر..
فإن صوتها هو الأهم من أي شيء آخر.
وحينما أنجبت توأمين من الذكور..
رأيت حماها وحماتها عندها..
وعرفت بعذ ذلك أنهما أخذا الولدين إلي الإسكندرية مقرهما ليتوليا تربيتهما
هناك وحرمت فايزة من الأمومة..
فلم تكن تري ولديها إلا فيما
ندر.. وكبر الولدان والتحقا بمدرسة سان مارك بالاسكندرية ليرسلهما أبوهما
بعد التخرج للتعليم في الخارج..
ولم نسمع عنهما شيئا بعد ذلك.
< < <
كانت فايزة ناجحة جدا في حياتها الفنية..
فاشلة جدا في حياتها
الشخصية، تزوجت ثلاث مرات الأولي من نعيم نعامي »السوري«.
ثم محمد سلطان..
وكانت هناك خلافات كثيرة بينهما فانفصلا..
ثم تزوجت من ضابط بوليس يصغرها لأنها لم تجد العاطفة التي فقدتها.. ثم
انفصلا أيضا..
وعرفت أنها مصابة بالسرطان هذا المرض اللعين..
وفي حالة متأخرة..
وكانت نزيلة في مستشفي القوات المسلحة بالمعادي..
ويبدو أن معظم الفنانين في ذلك الوقت كانوا
يعالجون في هذا المستشفي..
كان أيامها فريد شوقي
الذي أصيب بحالة هبوط
في القلب وتقيم معه زوجته سهير بصفة دائمة..
وأيضا عماد حمدي
الذي كان يعالج من مرض الاكتئاب..
وتحية كاريوكا..
وناهد شريف المريضة أيضا بالسرطان وفي حالة متأخرة..
وبينما أدخل من باب المستشفي حتي وجدت عربة تتوقف أمامي..
كانت فايزة أحمد وابنتها.. كانت عائدة إلي منزلها بعد أن يئس الأطباء من
علاجها.. وأذكر أنها كانت ترتدي فستانا أبيض
كعروس يوم زفافها.. أوقفتني فجأة قائلة: »إنت جاية تزوريني ياحبيبتي«
قلت: نعم »طيب تعالي لي في البيت بعد الظهر«.
ودخلت لألتقي بالمرضي من الفنانين وأسأل عنهم..
والتقيت بهم جميعا ماعدا ناهد شريف التي اعتذرت عن عدم مقابلتي قالت لي
تحية كاريوكا وقتها إنها تمر بظروف صعبة بعد أن أخذت الكيماوي والإشعاع
وسقط شعرها.. وقالت لها ناهد
إذا شفيت سأذهب للحج..
أما إذا مت فأطلب منك أن تحجي لي..
نهاية مؤثرة فعلا.
وذهبت لفايزة أحمد بعد الظهر في منزلها الجديد بالزمالك..
المنزل لايزال علي المحارة تحت التشطيب..
بل إن الخادمة تنشر الغسيل علي الحبال في الصالة..
أما غرفتها فكانت عبارة عن سرير متواضع ودولاب وتليفزيون..
كانت ترتدي باروكة.. قليلة الكلام يبدو عليها اليأس والإحباط..
وحيدة لا أحد
معها.. كل ماتفعله مشاهدة التليفزيون.
جلست معها أكثر من نصف ساعة..
واستأذنت لأنصرف..
وحينما انحنيت لأقبلها وأنا أعرف أنها القبلة الأخيرة صرخت فايزة من
الألم.. يبدو أنني لمست مكان الوجع..
وبعد أيام انتقلت فايزة إلي رحمة الله..
لكن صوتها الجميل
لايزال يسعدنا..
لقد
حزنت عليها كثيرا، فبالرغم من أنها كانت عصبية إلا أن قلبها
كان أبيض جدا.
آخر ساعة المصرية في
29/12/2009 |