كثيرة هي الأفلام التي عُرضت خلال عام 2009، لكن الذي يبقى في الذاكرة في
الأعم الأغلب عدد محدود. ولأن الذائقة الفنية تختلف من مُشاهد إلى آخر فقد
إرتأينا أن نستفتي عددًا من المعنيين بالشأن السينمائي على أن يشمل
الاستفتاء مخرجين ومنتجين وممثلين وتقنيين ونقادًا سينمائيين وبعض
الصحافيين الذين يكتبون في الصحافة السينمائية. وقد آثرنا في الحلقة الأولى
أن نركِّز على بعض النقاد السينمائيين المعروفين أمثال أمير العمري من لندن
وبشار إبراهيم من دبي. كما وجدنا من المناسب أن نمنح الفرصة لكتاب قسم
السينما في إيلاف لأنهم يرفدون هذا القسم على مدار السنة بالمقالات
والأخبار والتغطيات سواء للمهرجانات السينمائية أو لبعض عروض الأفلام أمثال
حميد عقبي من باريس، نبيلة رزايق من الجزائر، محمد جبار الربيعي من بغداد،
أحمد عدلي من القاهرة، محمد دحيات من عمّان.
وقد أعد الزميل أحمد عدلي من القاهرة إستفتاءً شمل العديد من الفنانين
والسينمائيين نذكر منهم نادية الجندي، آسر ياسين، خيرية الشبلاوي، صفاء
الليثي، طارق الشناوي، هناء عطية، كامل أبو علي وماجدة يعقوب.
كما أعدَّ الزميل عبد الجبار العتابي من بغداد استفتاءً شمل خمسة عشر
فنانًا ومخرجًا نذكر منهم مقداد عبد الرضا، عدي رشيد، يحيى ابراهيم، فائزة
جاسم، حيد منعثر وآخرين. وسيجد الاستفتاءان طريقهما الى النشر خلال اليومين
القادمين.
عدنان أحمد / المحرر السينمائي
* الراقصون (
HIPSTERS) أفضل فيلم روائي في 2009
أمير العمري من لندن:
يتميز هذا الفيلم الروسي بقالبه الموسيقي الاستعراضي الراقص، وبأسلوبه الذي
يمزج بين الرومانسية والاحتجاج السياسي، وينطلق من نقد الجمود السياسي
والبيروقراطية وقهر الروح الفردية ومحاولة اخضاعها لفكرة الروح الجماعية.
وهو يستوحي موضوعه من الفترة التي عرفت بأنها من أكثر الفترات إنغلاقًا في
الاتحاد السوفيتي، فترة أوائل الخمسينيات، أي قبل فتح ملفات الستالينية
وبدء توجيه النقد لها.
والفيلم لا يوجه النقد "بأثر رجعي" لكنه يسعى لاستعادة تلك الفترة لكي
يبين كيف كانت على الرغم من قتامتها الظاهرية، حافلة بالمواقف الكبيرة
الشجاعة.
ويأتي الفيلم في إطار ما يعرف بـ"الصحوة الجديدة" في السينما الروسية،
واتساقًا مع ما قدمه المخرج فاليري تودوروفسكي نفسه في فيلمه السابق "لا
أخلاقي"
Vice.
السيناريو يقوم على عدد محدد وواضح من الشخصيات الرئيسية في اطار قصة حب
بين الشاب اليافع "ميلز" المرتبط بالشبيبة الشيوعية من ناحية، و"بولي"
الفتاة المختلفة تمامًا عنه التي ترتبط بمجموعة من الأصدقاء والصديقات
الذين يرتدون ملابس زاهية الألوان وفساتين على الطراز الغربي، ويصففون
شعورهم على طريقة الشباب الأميركي في الخمسينيات "زمن جيمس دين والفيس
بريسلي"، ويعشقون موسيقى الجاز: رقصاتها وأغانيها.
فكرة الفيلم الرئيسية هي فكرة تمرد الشباب والاختيار الفردي في مواجهة
الأيديولوجية الجماعية، ورفض السائد، والبحث عن التواصل ليس عن طريق
الايديولوجيا، بل من خلال الرقص. ولعل تشكيل جماعة الراقصين هنا يعادل
أيضًا فكرة التنظيم الذي يرفض الامتثال للسياسة السائدة في المجتمع، من
خلال رفض أشكال العيش ونمط الحياة والأزياء السائدة والموسيقى الرسمية.
ويحاكي التصوير نمط التصوير بالألوان في أوائل الخمسينيات، أي تقنية
"إيستمان كولور" التي كانت سائدة بوجه خاص في الأفلام الاستعراضية
الموسيقية، بألوانها الزاهية التي تشبه ألوان الباستيل القوية الحراقة،
التي تتسق تماما مع الملابس الخاصة المميزة التي يرتديها الشباب الراقص،
والأغاني العبقرية التي كتبت بالروسية على تلك الإيقاعات الأميركية السريعة
التي أصبحت إيقاعات الدنيا بأسرها بفضل ذلك الانتشار الكبير لموسقى الجاز
في العالم.
ومن أكثر الجوانب جاذبية في هذا الفيلم الدقة، والجمال الخاص في تصميم
الرقصات، وإدارة الإخراج في مشاهد تجمع العديد من الراقصين والمغنين داخل
اللقطة الواحدة، مع المحافظة على إيقاع سريع متدفق بالحيوية والحركة، ينبع
أساسًا من تنويع زوايا اللقطات، والانتقال بين اللقطات بسرعة، والتكوينات
المختلفة للصورة، وحركة الراقصين والممثلين داخل اللقطات والمشاهد.
* كأنما ما كان لم يكن.. أبدًا!.
بشار إبراهيم من دبي:
مع ترددي، وقلقي، وحيرتي، وتلعثمي في إجابة سؤال: أين أتوقف؛ أمام أي
فيلم؟.. أروائي طويل، أم قصير، أم وثائقي تسجيلي؟.. وهل أختار فيلمًا
عربيًا أم غير عربي؟.. أأذهب إلى أفلام كبيرة، تحمل توقيعات صارمة،
بإنتاجات ضخمة، لمخرجين كبار، يتكئوون على تجارب وخبرات مديدة، وإنجازات لا
تُضاهى؟.. أم تراني أنحني على ما لامس قلبي وعقلي، ولو كان مغامرة شخصية،
وتجربة فردية، ومحاولة في القول السينمائي؟..
أتردد، وأحتار، وهاهو العام 2009، ينصرم بما فيه، وقد كان لي أن مررتُ، بما
سمح لي الوقت، ومنّت عليّ الفرص، على عدد وافر من المهرجانات، من وهران
إلى أبو ظبي، ومن الاسماعيلية إلى دمشق، ليحط بي الرحال مؤخراً في دبي..
يمرُّ العام 2009، وألتفُ خلفي، فأجد أفلامًا تتنازعني، كل منها يرفع
رايته، ليقول لي: ها أنذا هنا.. لا تنس كم قدمتُ لك من متعة المشاهدة، ولذة
الاكتشاف، وفسحة التأمل.. وكيف ذهبتُ بك إلى مساحات معرفة، وزوايا رؤية،
ووجهات نظر!.. انتبه إليّ، كم كنتُ حرّاً، على الرغم من ضيق الحرية في
بلادنا.. وكم كنتُ جريئًا، على الرغم من كثرة المحظورات في مجتمعاتنا.. وكم
كنتُ مبدعًا، على الرغم من آفة التجرؤ على الإبداع!..
أتردد، وأنتبه.. كانت القدس، عاصمة للثقافة العربية للعام 2009، (من تراه
ينتبه؟!)، فما رأيتُ سوى أفلام أميركية إسرائيلية، ذروتها فيلم "القدس:
العد التنازلي"، الذي تجرأ، وللمرة الأولى، على عرض لقطة تبين "قبة الصخرة"
وهي تتفجر، حتى دون أن يترك لـ "جان كلود فان دام" فرصة أن ينقذها!..
ومرّ عام القدس عاصمة الثقافة العربية، دون أن أقع على أي فيلم عربي، أو
فلسطيني، يليق بهذه المناسبة، (على الرغم من أننا شعب المناسبات)!..
أبحثُ، وألوبُ، وأكادُ أتوهُ في شوارع السينما العربية، فلا أجد هاديًا،
ولا ينقذني دليل، كأنما السينما العربية سادرة في غيّها؛ إما ممعنة في
تفاصيلها المكرورة، مخلصة لها، وغارقة في اجترارها.. أو ذاهبة إلى الاحتفاء
بحفلات جلد الذات، وممارسة الانتقام مما كان، أو نقده، وفق أرقّ التعابير،
خاصة وقد انكسرت الأحلام الكبرى، وتهاوت المشاريع الصغرى!..
أعترف أنني فقدتُ فرصة مشاهدة عدد من الأفلام، ولا شك أن فيها ما هو مهم،
فلن أظلمها، وإن كان علي تجاوزها، حتى أراها.. ولكن أليس فيما رأيتُ من
أفلام عربية، ما يكفي للإجابة؟!.. أسارع، وأقول: نعم.. وأتردد!..
هل الفيلم التسجيلي الوثائقي: "ألوان"، للمخرج العراقي الكبير قيس الزبيدي،
الذي شاركتُ بمنحه جائزة مهرجان الخليج السينمائي.. أم الفيلم الروائي
القصير: "قوليلي"، للمخرجة الجزائرية الشابة صابرينه دراوي، الذي شاركتُ
بمنحه الجائزة في المهرجان الدولي للفيلم العربي في وهران.. أم الفيلم
الروائي الطويل "مرة أخرى"، للمخرج السوري الشاب جود سعيد؟!..
وماذا لو كان الفيلم الصيني "مدينة الحياة والموت"؟.. وتلك الرقصة التي لا
تنتسى؟!..
وماذا لو كان الفيلم البيروفي "حليب الأسى"؟..
من تراه يلومني إذا قلتُ إنه فيلم "الرجل الذي باع العالم"، للأخوين عماد
وسوريل نوري؟!..
هل قلتُ ذلك؟
* فيلم نهر لندن يستحق أن نتوقف عنده
حميد عقبي من باريس:
فيلم "نهر لندن" للمخرج الجزائري الاصل رشيد بوشارب فيلم يستحق ان نتوقف
عنده و نحن نراجع قائمة الافلام لعام 2009. كان من حسن حظي ان اشاهد هذا
الفيلم في قاعة سينمائية فرنسية بحضور متفرجين فرنسيين. كانت القاعة مليئة
مما جعلني أحس اني سوف أشاهد فيلمًا متميزًا استطاع جذب هذا الجمهور، و
فعلا و منذ اللقطة الاولى نغوص في عالم يخيم عليه الصمت و تظهر بعض الرموز
الدينية و أماكن دينية لنسمع تراتيل و صلوات تدعو للتسامح و المحبة. و بعد
قليل نرى عثمان، هذا الافريقي الطويل يقوم بتادية الصلاة و كان المخرج يود
القول إننا امام اله و رب واحد و ان اختلفت طرق عبادتنا لله.
السيدة البريطانية سومرز لا تعرف سوى الصلاة في الكنيسة وحقلها ودجاجاتها
وهي لا تعرف الكثير عن هذا العالم، بل انها تجهل لندن ما سماعها بالحادث
الارهابي تقوم بالاتصال بابنتها جين، لكن تلفون الابنة لا يرد تصاب بحالة
من الفزع تظل تكرر المحالة عدة مرات وأخيرًا تقرر الذهاب الى لندن
للاطمئنان على ابنتها. عثمان هو الاخر ياتي من فرنسا لمدينة لا يعرفها
للبحث عن ابنه علي وتكون وجهته الاولى المسجد. ونعلم ان عثمان لا يعرف ابنه
حيث تركه صغيرًا في المقابل سومرز تعرف ابنها وتصاب بالذهول عندما تكتشف
بعض الاشياء بشقة ابنتها تدل على ارتباط الابنة بشاب افريقي او مسلم لا
داعي لسرد قصة الفيلم. و يمكننا ان نتوقف بسرعة امام اهم النقاط التي تميز
بها الفيلم لعل من اهمها الاستغلال الجيد للصمت فاغلب الاحداث تسير في جو
صامت مما يتيح لنا فرصة ان نعيش ما الصورة و قام المخرج بالتركيز على
الوجه الانساني وملامحه وتعابيره بكل ما تحمله من احاسيس الخوف والقلق
والاضطراب والشك والفزع ثم الحزن والفرح المشاعر الانسانية تختلط في لحظة
المحنة. نحن هنا لسنا امام محنة عثمان الافريقي وسومرز البريطانية. نحن
جميعًا احساسنا بالخوف والقلق مع سماعنا لهذا الحادث وغيرها من الحوادث
الارهابية وكان من اهم ما تميز به الفيلم عدم الاكثار من الشخصيات والاكثار
من الاحداث وكأنه حاول ان يجعلنا نعيش هذه اللحظات بكل قسوتها وفزعها.
قضية الحوار الحضاري او حوار الاديان من القضايا المهمة والمعقدة، ومن
الصعب تناولها من دون اثارة بعض الاحتجاجات و الاعتراضات و كثيرًا ما تقام
الندوات و المؤتمرات حول هذا الموضوع و لكن اوراق و توصيات هذه الفعاليات
يظل تاثيرها بسيط و غير ملموس، لكن السينما قادرة ان تعكس هذه القضية بما
تمتلكة من لغة و تاثير ساحر، لكن للاسف قليلة جدا هي الافلام التي تتناول
هذا الامر رغم ان انتاج فيلم قد لا يكلف ميزانية مؤتمر أو ندوة، لكن اغلب
المؤسسات لا تميل او تفكر في دعم عمل فني. ونحس بعض الاحيان ان هذا الموضوع
يتم تناوله من اجل رفع الحرج، اي اننا لم نحس بضرورة تناول هذه القضايا
بشكل جاد و بوسائل اكثر تاثيرا و فاعلية و عندما تحدث كارثة نسارع للحديث
عن ضرورة الحوار الحضاري و الفكري بين الاديان.
لندن أو باريس أو برلين و مدن عديدة اصبحت لوحة من الصعب قرائتها بسبب وجود
جاليات عربية و مسلمة في كل حي حتى أن الزائر الذي لا يتكلم اللغة العربية
لا يجد اي صعوبة عند زيارة هذه المدن حيث نجد المجازر و محلات عربية و نجد
تقريبا كل شيء و اصبح هذا يسبب حالة من الفزع للاحزاب المتعصبة و
العنصرية، و لكن القضية ليست الكثرة أكبر مشكلة ربما هي وجود نوع من
الانفصام و سوى الفهم و عدم تطور موضوع الحوار و التفاهم لا اعتقد ان
الدين يمثل عقدة او مشكلة كوننا في الكثير من الاحيان نجد شاب عربي يحتضن
فرنسية و العكس لعل مثل هذا الفيلم يلفت انتباهنا لضرورة الحوار والتفاهم و
التقارب.
ربما أيضًا من اهم مميزات هذا الفيلم انه يقدم نموذج فني ذو تاثير و فعالية
و من المفروض ان تسارع المؤسسات العربية و الاسلامية و الغربية بدعم افلام
سينمائية أخرى تتناول هذه القضية بشكل موضوعي و عقلاني بعيدا عن التعصب و
الخطابة.
* فيلم إبن بابل لمحمد الدراجي
الواقعية المثقلة بالحزن الجميل وحركة الكاميرا الأجمل
نبيلة رزايق من الجزائر:
على الرغم من مرور الوقت ومشاهدتي للعديد من الأفلام بمختلف المهرجانات
السينمائية خلال سنة 2009 يبقى الفيلم العراقي "ابن بابل" لمخرجه محمد
الدراجي الفيلم الوحيد المتربع على عرش الإعجاب بذاكرتي السينمائية
المتواضعة لهذه السنة، فكلما حاولت عن قصد أو غير قصد إزاحته إلى قائمة
الأفلام المشاهدة وكفى.. أو إلى عالم النسيان كما حدث مع العديد من الأفلام
هذا العام...أجد مشاهده وصوره وحتى موسيقاه تأبى النسيان وتصر ككل الأشياء
الحزينة والمفرحة على البقاء بالذاكرة، وأي فيلم يصيبني بهذه الظواهر
النفسية السينمائية أكون له مخلصة في الإعجاب والمتابعة، وهذا الذي حدث
تحديدا مع الفيلم العراقي "ابن بابل".
من هذا انطلق لأقول إن "ابن بابل" هو أحب الأفلام إلى عيني وقلبي لأنه مفعم
بالأحاسيس الحزينة الجميلة واللقطات السينمائية الجميلة الحزينة الموغلة في
الواقعية، ولن أخوص كثيرًا في تفاصيله حتى أحمس من لم يشاهده بعد على
مشاهدته، ليكتشف حركة الكاميرا التي كانت تترصد تلك العلاقة التي كانت بين
الحفيد البالغ من العمر 12 سنة والجدة الطاعنة في سن بطلي الفيلم اللذين
اختزلا بطريقة تمثيلهما الطبيعية والعفوية الصادقة قصه عراقية انسانية
مأساوية من بدايتها إلى نهايتها، عن حكاية فقدان الأحبة والبحث عنهم
بالعراق أو بأي مكان بالعالم. هي محاولة من المخرج العراقي محمد الدراجي
للشد على همم العراقيين للتفكير في غد جديد وقريب ونبذ العنف والدعوة
للتسامح والمصالحة برؤية سينمائية فنية راقية موغلة بالاحترافية والتدقيق
في تفاصيل الشخصيات بالفيلم على اختلاف أدوارهم ونفسياتهم المتضاربة احيانا
والمتداخلة أحيانًا أخرى.
العديد من الصور واللقطات بهذا الفيلم لا زالت تقفز بذاكرتي من بدايته الى
نهايته على الخصوص التي كانت مأساوية بعد وفاة الجدة التي فقدت الأمل في
العثور على ابنها المفقود، بعمر حفيدها، الذي ظنته أول الأمر بأحد السجون
ثم اكتشفت أن لا وجود له ويمكن أن يكون ضمن المقابر الجماعية التي أكتشفت
من بعد سقوط نظام صدام، من خلال رحلة شاقة من شمال العراق إلى جنوبه تعرفنا
من خلالها أن هذا الوطن، أي العراق، ليس كما تتناقله أحداثه وكالات الأنباء
والفضائيات، بل به الكثير من الاشياء الجميلة فوق وتحت أرضه الطاهرة بنهري
دجلة والفرات والمقدسة بعظمائه على مر التاريخ والجغرافيا.
"ابن بابل" من ابرز الأعمال السينمائية االعربية المشغولة سينمائيا و التي
ظلمت أيضًا ولم يحظَ بالاهتمام الإعلامي والسينمائي الذي كان يستحقه هذا
الفيلم ومخرجه المبدع محمد الدراجي الذي أخرج من قبل رائعته "أحلام" سنة
2003. وتزداد روعة هذا العمل السينمائي من قصتة و أحداثه الواقعية التي
تعززت بخيار المخرج محمد الدراجي عندما لم يستعن بممثلين محترفين، بل اعتمد
على ممثلين يقفان أمام الكامرا لأول مرة، هذا بالإضافة للتنويع في استعمال
التقنيات السينمائية المختلفة من لقطات مقربة وبعيدة والسريعة أحيانا
والبطيئة أحيانا أخرى والأمر الذي زاد من روعة الفيلم وعالميته في نظري ان
البطل والبطلة يتكلمان اللغة الكردية طوال مسار قصة الفيلم، أما اللغة
العربية فكانت تستعمل من حين لاخر ورغم هذا تأثر الحضور بمجريات الفيلم
والذين كانوا من مختلف الجنسيات بقاعة العرض خلال عرضه العالمي الاول
بمهرجان ابوظبي السينمائي بمجريات قصة "ابن بابل" حتى أن هناك من قال يومها
انه كان يستحق ان يكون فيلم افتتاح المهرجان عوض فيلم "المسافر" للمخرج
أحمد ماهر الذي كانت ادارة المهرجان قد اختارته.
للتذكير "ابن بابل" فيلم عراقي للمخرج محمد الدراجي المشارك الى جانب
جنيفير نورديج في كتابة السيناريو وهو إنتاج مشترك بين خمس بلدان عربية
وغربية ومن تمثيل ياسر طالب، شازادة حسين، وبشير الماجد وآخرون.
*المليونير المتشرد لامسَ الوجدان الانساني
محمد جبار الربيعي من بغداد: أعجبني الفيلم لأنه لامَس الوجدان الانساني بتناول جميل وبأسلوب
متجدد. ففي خضم كمِّ افلام الاثارة والمطاردات والرعب والقتل "بدم بارد"
التي صارت السلعة الرائجة في السينما يأتي فيلم يحكي قصة حب تقاوم الصعاب
لتنتصر في النهاية وخلال تلك القصة يطرح الفيلم مشكلات جوهرية في المجتمعات
الشرقية وفي الهند تحديدًا اولها الفقر والتشرد والعنف الطائفي
و"الجريمة" التي تكون نتيجة طبيعية وحتمية يبتلي بها المجتمع وتزيد من
الطين بلّة. ربما من اهم ما ميّز الفيلم اعتماد السيناريو على رواية "سؤال
وجواب" للروائي الهندي فيكاس سوارب والافلام التي تعتمد في سرديتها على عمل
روائي تكون مفعمة بالتفاصيل الانسانية وتحاكي الضمير الانساني خصوصا انه
ركز على عينة نادرًا ما يتم تناولها وطرح مشكلتها وهي عينة الاطفال
المشردين الذي يجدون انفسهم بين ليلة وضحاها بلا أهل ولا مأوى بسبب القتل
الجماعي لذويهم في موجة من موجات التطهير العرقي للمسلمين من قبل الهندوس
ولاتقف مأساتهم الى هذا الحد فتجار البشر يكونون لهم بالمرصاد ويحاولون
استغلال طفولتهم وتدنيس براءتهم. الفيلم ملحمة انسانية معاصرة جسدها مخرج
تعامل مع السيناريو بشاعرية عالية وبرع في تحريك المشاعر بوساطة الادوات
السينمائية التي استخدمها بحرفة عالية ورغم أن الفيلم لم يكن من افلام
المطاردات والاكشن "الذي يشد المُشاهد طوال وقت عرضه" فقد نجح المخرج
البريطاني داني بويل في حبس انفاس المُشاهد "بالتأثير عليه وجدانياً
وتعاطفه مع ابطال الفيلم وبالتلاعب بالزمن بانسيابية جميلة وبصور معبرة
تستفز المخيلة الى درجة كبيرة وبتقنية عالية ومونتاج عبقري" وعندما ينتهي
الفيلم يكون المشاهد في اعلى مراحل توقده الفكري وهذا بالتأكيد جُلَّ ما
أراده صُنّاع الفيلم فأستفزاز الفكر الانساني من أول وأهم غايات السينما
الهادفة.
* ميكانو ...عندما يكون المرض سببًا للنجاح
أحمد عدلي من القاهرة:
على الرغم من أنه أولى تجارب الممثل الشاب تيم الحسن سينمائيًّا والمخرج
محمود كامل إلا أن هذا الفيلم يعد أفضل فيلم تم تقديمه خلال 2009.
ميكانو الذي كتب شهادة ميلاد لبطله تيم الحسن ومخرجه محمود كامل ومؤلفة
وائل حمدي نجح في التعبير عن الأزمة الحقيقية التي يعيشها المريض النفسي
سواء داخل أسرته أو في التعامل مع البيئة المحيطة به.
أبدع تيم الحسن في تقديم شخصية الرجل الوسيم"المهندس خالد" الذي يبتعد عن
العالم بسبب المرض النادر الذي يعاني منه نتيجة خضوعه لعملية جراحية في
المخ وهو في سن الـ16 والذي تجعله يفقد كل ما يحدث في حياته بعد هذه الفترة
ما بين الحين والأخر.
يساعده في تخطي اثر تلك العملية شقيقه وليد والذي قام بدوره خالد الصاوي من
خلال تعايشه مع وحرمان نفسه من كل شيء لكي يتفرغ لشقيقه ويعيش معه ويحاول
أن يبعده من الحب حتى لا يظلم من يحب معه وينساها بعد فترة.
لا يتذكر المهندس خالد من حوله إلا من خلال بعض الأوراق التي يتركها له
شقيقه الأكبر ليعرف أسماء ومناصب كبار العاملين في الشركة التي يديروها
سويا إلي أن تضطره الظروف وينزل إلي الشارع ليتعرف علي أمينة والتي قامت
بدورها الفنانة اللبنانية نور وهي الفتاة الجميلة التي تظل متعلقة به إلي
أن تعرف حقيقة مرضه والمعتمد علي فقدان الذاكرة المتكرر.
تستمر أمينة في علاقاتها بالمهندس خالد علي الرغم من علمها انه سبق وان عاش
قصص حب مختلفة داخل الجامعة وخارجها إلا أنه سرعان ما كان ينساها وكأن شيئا
لم يكن إلي أن تفاجأ أميرة بأنها أصبحت واحدة من هؤلاء حين يستيقظ خالد
وينسي أمينة ولا يتعرف عليها.
تقرر نور أن تقف بجانب حبيبها وأن تبدأ قصة حب جديدة معه، قصة حب من
البداية وهي القصة التي وجدت قبولا من المهندس خالد علي الرغم من أنه لم
يتذكر القصة الأولى إلا أن مشاعر الحب التي امتلأ بها قلبه تجاه أمينة لم
يستطع المرض أن يمحوها.
ميكانو نجح من خلال الموسيقي التصويرية الهادئة للموسيقار المبدع تامر
كروان والتي استمرت طوال أحداث الفيلم في تفاعل الجمهور مع أحداث الفيلم
التي لم تخل على طولها من التشويق والإثارة التي نجحت في إزالة الملل عن
الفيلم كما يحدث في غالبية الأفلام الآن.
نجحت نور في أداء شخصية الحبيبة التي تقف إلي جوار من تحب على الرغم من
محنته كذلك في أداء دور الفتاة التي تحب من أول نظرة دون أن يشعر بها
محبوبها كذلك خالد الصاوي في دور الشقيق الأكبر المضحي من أجل شقيقه أيضًا
تيم الحسن في شخصية المهندس العبقري المريض فالفيلم بمثابة مباراة تمثيلية
بين 3 نجوم كانوا في أفضل حالاتهم الفنية.
* ذي باد لوتيننت
خروج عن التقليدي وصراع الخير والشر بأسلوب الكوميديا السوداء
محمد الدحيات من عمّان:
على الرغم من كثافة الإنتاج في العام 2009 إلا أن قلة من الأفلام التي
تمكنت من التعلق في الذاكرة، وقد كثر هذا العام إنتاج أفلام الرعب بأسلوب
لافت، ومن الأفلام التي علقت بالذاكرة فيلم الدراما والجريمة "The
Bad Lieutenant" للممثل نيكولاس كيدج والممثلة ايفا منديز إلى جانب فال كيلمر. ويعد
بعضهم الفيلم نسخة جديدة لفيلم أنتج في عام 1992 يحمل الاسم ذاته.
الفيلم الذي أخرجه فيرنر هيرتسوج يروي قصة شرطي في نيو أورليانز يصاب في
ظهره عند محاولته مساعدة سجين ضمن الظروف السيئة لإعصار كاترينا الذي ضرب
الولاية، الشرطي تيرينس الذي يلعب دوره كيدج يحصل على وسام تقديرا لشجاعته
إلا أنه يصاب بآلام في ظهره تجلب له استخدام المسكنات ومن ثم ادمان
المخدرات.
في الفيلم أسلوب كوميدي ساخر وهو من أفلام المباحث والشرطة ويركّز على قضية
تحقيق في مقتل عائلة سنغالية مكونة من خمسة أشخاص على يد موزع مخدرات يتورط
فيما بعد الشرطي تيرنس في علاقة معه ما يلبث أن يعاد تصحيح هذه العلاقة في
نهاية الفيلم .
ما يميز الفيلم أنه لا يأتي في إطار تقليدي وقديم في الصراع بين الخير
والشر، بل يمثل شرطي فاسد تقريبا يحارب الشر المتمثل بموزع المخدرات
وعصابته بأسلوب الكوميديا السوداء، هذا الشرطي يقوم بالابتزاز وتلقي الرشوة
الجنسية ويتعاطى المخدرات ويرتبط مع مومس اسمها فيكي "ايفا منديز" بعلاقة
عاطفية ويعاني من تكاثر الديون عليه بسبب مراهناته الخاسرة، كما تظهر
تماسيح وسحالي بالفيلم بأسلوب لا منطقي إلى أن يكتشف المشاهد أنها من خيال
الشرطي تيرينس مدمن المخدرات.
شخصية نيكولاس كيدج في الفيلم قريبة كثيرًا من ملامح شخصيته في الفيلم
الرائع الذي حصل به على جائزة أوسكار أفضل ممثل "الرحيل إلى لاس فيجاس"
وعدَّ النقاد دور كيدج الجديد في "The Bad
Lieutenant" الأفضل منذ سنوات.
يذكر أنه على الرغم من انتاج الفيلم بعام 2008 إلا أنه يعدّ من أفلام
الألفين وتسعة، حيث بدأ عرضه في عشرين من نوفمبر من هذا العام، وكان العرض
الأول له في مهرجان تورنتو السينمائي وفي مهرجان البندقية، وقد حصل على
جوائز وترشيحات من كلا المهرجانين.
إيلاف في
28/12/2009 |