تحتوي العديد من الأفلام الروائية العربية المعاصرة وكذلك الأفلام
التسجيلية من ضمن الشخصيات التي تقدمها على شخصيات يهودية يجري تقديمها ضمن
نسيج الفيلم، وهذا الأمر بات ظاهرة لافتة لأنظار المتابعين لأحوال العديد
من الأفلام العربية المعاصرة، فقد شهد عام 2009 العديد من الأفلام الروائية
الحديثة التي جرى صنعها من قبل سينمائيين ينتمون إلى دول عربية مختلفة
إضافة إلى سينمائيين فلسطينيين، حيث تستكمل هذه الأفلام سلسلة من أفلام
عربية أنتجت في الأعوام الأخيرة، إضافة إلى أفلام قام بصنعها مخرجون من
أصول عربية يقيمون في أمريكا تحديداً .
اللافت أيضاً في بعض هذه الأفلام أنها أقحمت ضمن بنيتها شخصيات يهودية
وقدمتها من منظور إيجابي مقابل الكثير من النقد السلبي الموجه للشخصيات
الرئيسية العربية .
ينضم إلى هذه الظاهرة الفيلم المصري الحديث “هليوبوليس” للمخرج الشاب
أحمد عبدالله والذي يبدأ بمشهد طويل يحكي عن لقاء طالب جامعي مصري بامرأة
يهودية مولودة في مصر ومقيمة فيها، لكنها الآن تعيش في حي هليوبوليس منذ
زمن طويل حياة منعزلة وتخفي هويتها عن الآخرين ضماناً لسلامتها، وهي تتحدث
عن أزمتها بما يدعو للشفقة عليها أو التعاطف معها . هذا المشهد يجري تقديمه
بحجة أن الطالب المصري يقوم بعمل دراسة عن الأقليات التي ما زالت تعيش في
مصر، لكن مسار الفيلم يتجاهل هذه الدراسة حيث يتضح أنها لا علاقة لها
بموضوع الفيلم، وبالتالي يصبح المشهد مقحماً وغير مبرر ضمن سياق الفيلم .
تبرز من بين هذه الأفلام مجموعة من الأفلام التي حملت تواقيع مخرجين
من أصول فلسطينية، وعالجت مواضيع ذات علاقة بالقضية الفلسطينية، وآخرها
الفيلم المعنون “أمريكا”( 2009)، للمخرجة شيرين دعيبس المقيمة في أمريكا
وهو الفيلم الذي حاز جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما حين عرض في مهرجان
كان السينمائي . يحكي هذا الفيلم عن أزمة امرأة فلسطينية غادرت فلسطين مع
ابنها المراهق هرباً من إزعاجات الاحتلال وبحثاً عن مستقبل شخصي أفضل،
لكنها عانت في أمريكا من خيبات عدة وانتهت بأن تعمل في مطعم للوجبات
السريعة في حين كانت تأمل بوظيفة مهمة في بنك بالنظر إلى خبرتها الطويلة في
هذا المجال داخل فلسطين . الأمر الإيجابي الوحيد تقريباً الذي حصل معها في
أمريكا كان تعرّفها إلى مدير مدرسة كبير في السن، طيب وعقلاني ومتواضع،
وافق بسرعة وبرحابة صدر على قبول ابنها في المدرسة لمجرد أن لاحظ أنه ذكي .
سنعلم لاحقاً أن هذا الشخص يهودي، وهو سيتفهم معاناتها ووضعها مقابل تذمر
زوج أختها الطبيب الفلسطيني الذي أعرض عنه زبائنه من وجودها في منزله حيث
يعتبر أن وجودها يشكل عبئاً مادياً عليه . وهذا اليهودي الطيب المتفهم
سرعان ما سيصبح ليس فقط صديقاً مقرباً لهذه المرأة الفلسطينية بل ولأفراد
عائلتها .
أما فيلم “ملح هذا البحر”، للمخرجة الفلسطينية ذات الجنسية الأمريكية
آن ماري جاسر، صاحب الموضوع المهم والحكاية المتميزة، فهو مع كل نواياه
الطيبة، يقدم شخصية امرأة يهودية تستقبل وتستضيف لأيام في بيتها في يافا
بطلة الفيلم الفلسطينية التي حضرت مع صديقين لها لتزور بيت جدها الذي تقيم
فيه اليهودية التي بدورها لا تنزعج من إعلان البطلة الفلسطينية الصارم أن
هذا البيت بيتها ما إن تفتح لها اليهودية الباب، وفي حين تبدو الفلسطينية
عصبية انفعالية وغير عقلانية، فإن شخصية اليهودية تتسم بالهدوء والعقلانية
والصرامة في اللحظة المناسبة . ينتهي المشهد بخروج الفلسطينية وأحد صديقيها
من المنزل غاضبين في حين يبقى الصديق الآخر ليقيم مع اليهودية بعد أن ربطت
بينهما حبال الغرام .
ويمكن الإشارة أيضاً الى فيلم المخرج الفلسطيني إيليا سليمان “الزمن
الباقي” الذي يعود فيه للتاريخ الفلسطيني المعاصر بأسلوب ساخر تشمل السخرية
فيه العرب واليهود .
وشهد العام 2009 أيضاً عرض فيلمين مغربيين في الصالات المغربية يحكيان
عن اليهود المغاربة وخاصة الذين اضطروا للهجرة إلى “إسرائيل”، أحد هذين
الفيلمين للمخرج حسن بن جلون وهو بعنوان “فين ماشي يا موشي”، والثاني فيلم
“وداعاً أيتها الأمهات” للمخرج محمد إسماعيل، يتشارك الفيلمان في أنهما
يتناولان المرحلة ذاتها، أي الستينات من القرن الماضي التي شهدت هجرة
اليهود المغاربة إلى “إسرائيل” . وحسب الصحف المغربية فإن فيلم حسن بن جلون
يوجه الاتهام للحكام العرب في التسبب بهذه الهجرة، في حين أن الثاني يستغل
الموضوع للدعوة إلى الحوار بين الطوائف . وحسب الصحف المغربية أيضاً فإن
مخرج الفيلم الثاني صرح عند عرض الفيلم في مهرجان في المغرب بأنه سيلبي
دعوة من الحكومة “الإسرائيلية” لعرض فيلمه هناك .
التفسير الأقرب لهذه الظاهرة أن غالبية هذه الأفلام ممولة من أطراف
أجنبية وهي تطمح الى الحصول على فرص توزيع عالمية، فتستجيب نوعاً ما
لاشتراطات، معلنة أو غير معلنة، تضمن التمويل والتوزيع المرجوين، وأحد
التبريرات التي يمكن تقديمها عند الضرورة يتمثل في ادعاء الحاجة إلى الحوار
بين الثقافات .
الخليج الإماراتية في
26/12/2009 |