القاهرة- يستكمل فيلم "بالألوان الطبيعية" من اخراج أسامة فوزي وتأليف
هاني فوزي ما كان بدأه الاثنان معا في فيلم "بحب السيما"، من انتقاد عقلية
التحريم التي تمارس على الفن ودورها في تدمير الشخصية والابداع الانساني
لدى الفرد والمجتمع.
فأحداث الفيلم تدور داخل كلية الفنون الجميلة التي مضى على تأسيسها
أكثر من قرن وشهدت صعود غالبية الفنانين التشكيليين المصريين والعرب الذين
تعلموا على مقاعدها ووصل بعضهم الى العالمية من خلال ابداعاته الفنية التي
استندت الى خصوصية تجربتهم وواقعهم الاجتماعي العربي.
الى جانب ذلك يوجه انتقادات لاذعة للوسط الفني الذي أغرق في التجارية
وابتعد عن الجمهور وتركه فريسة بأيدي المتطرفين من المتدينين الذين أثروا
بشدة على الواقع الاجتماعي ودفعوا به خطوات باتجاه المحافظة والتراجع عن
الخطوات المتقدمة التي كانت حققت في فترات سابقة.
ويسلط الفيلم الضوء على فساد العملية التعليمية ودورها التدميري على
الطلبة وما يتركه ذلك من أثر على النسيج الاجتماعي بأكمله.
وكان فيلم "بحب السيما" الذي عرض قبل خمس سنوات تقريبا تناول عقلية
التحريم التي تمارسها الكنيسة على السينما والفن المرتبط به حيث استخدم
تصرفات رجال الدين المسيحيين كمقياس لعقلية التحريم بشكل عام التي تعكس
نفسها على المجتمع وعلى الديانات الأخرى.
وهنا يقدم فيلم "بالألوان الطبيعية" عقلية التحريم لدى المسلمين
والمسيحيين اتجاه الفن التشكيلي وتصور الجسد العاري كأساس لهذا الفن.
وهو يعرض من خلاله عقلية التحريم التي ساندتها الدولة خصوصا في عهد
الرئيس المصري أنور السادات حين ألغت كلية الفنون الجميلة استخدام
الموديلات العارية التي كانت تشكل جزءا من العملية التعليمية في
الاكاديمية.
وحتى الآن لم تتراجع كلية الفنون الجميلة عن هذا الموقف بل عمد عدد من
الطلبة الى تدمير تماثيل كانت تضمها حديقة الكلية ووصل الأمر الى حد اصدار
مفتي الجمهورية فتوى تحرم النحت.
ولم يختلف موقف الكنيسة كثيرا عن ذلك عندما أشار البابا شنودة الى
تحريم الكنيسة أيضا التماثيل.
ويتم تصوير عملية التحريم من خلال شخصية بطل الفيلم كريم قاسم الذي
يهوى الرسم ويمتلك موهبة متميزة تفوق الكثير من اساتذته. فيلتحق بكلية
الفنون الجميلة بعكس رغبة والدته الأرملة التي أرادته أن يدرس الطب.
إلا أنه يهرب من الكلية للمرة الأولى عندما يجد نفسه مضطرا إلى رسم
الجسد العاري ويخاطب الله متسائلا عن الحلال والحرام.
ويتطور هذا الحوار معه بعودته إلى الكلية وفرض موهبته على من حوله
وصولا إلى تقديمه مشروع تخرجه حيث ارتكزت لوحاته على تصوير فكرته عن العقاب
والثواب والجنة والنار باعتبارها جزءا من العالم الداخلي للانسان أكثر منها
مكانا يقع فيه العقاب والثواب فعلا، كما يقول كريم قاسم في الحوار الأخير
في الفيلم مع لجنة تحكيم مشاريع التخرج للطلبة.
إلا أن هذا الاستنتاج الذي وصل اليه بطل الفيلم لم يشكل عالم بطلة
الفيلم يسرا اللوزي التي امتلكت موهبة وارتبطت بعلاقة عاطفية مع كريم وصلت
إلى العلاقة الجنسية.
إلا أن احساسها بالذنب اتجاه هذه العلاقة يدفعها إلى الحجاب وفيما بعد
إلى تغيير دراستها إلى هندسة ديكور بدل الفنون الجميلة وصولا إلى ارتدائها
النقاب. ووصلت أخيرا إلى قناعة بضرورة عودة المرأة للمنزل وقيامها بتربية
الأطفال.
وقدم الفيلم في المقابل شخصيات مناقضة، خصوصا شخصيتي رمزي لاينر الذي
يظهر على الشاشة للمرة الأولى حيث يمثل شخصية الفنان الجيد لكنه يفتقد
الروح ويعيش حياته مغرقا في الجنس مدركا لتفاصيل الحياة وفسادها ويتجه
لتحقيق مصالحه، وصديقته فرح يوسف صاحبة العقلية الغربية التي عاشت طفولتها
وشبابها في ألمانيا، وهما يمثلان النقيض الآخر الذي يغني الفيلم.
ويتضمن الفيلم كذلك شخصية الفتاة المومس التي تؤديها منى هلا والتي
تواجه نفسها من خلال الفن وفي الوقت نفسه تؤثر في نفسية الفنان الذي يكتشف
جماليتها فيبرز أجمل ما فيها.
ويظهر فساد العملية التعليمية من قيام الأساتذة باستغلال الطلبة بدءا
من عميد الكلية الذي يؤدي دوره الفنان حسن كامي.
ويقدم بقية الأساتذة على شكل شخصيات هزلية تأكيدا على ضعف دورهم في
العملية التعلمية وعدم تأثيرهم في بناء طلبتهم بشكل سليم باستثناء أستاذ
واحد خريج أحد معاهد الاتحاد السوفياتي سابقا الذي يبذل جهدا حقيقيا في
التدريس ويقف الى جانب طلبته.
ورغم أهمية الفيلم بالمقارنة لما يقدم على الشاشات المصرية مع معالجته
لقيم بحاجة فعلا لمعالجة بالمعنى الفكري انتقده بعض نقاد سينمائيين.
وقال طارق الشناوي "بالرغم من ايجابية الفيلم وقيمته الفكرية المهمة
التي تعلي من قيمة السينما المصرية الا أنه وقع في اخطاء منها بعض التكرار
في الحوارات والاطالة".
وتابع "معالجة الفيلم لعقلية التحريم جاءت بمستوى أقل من المستوى الذي
قدم في فيلم بحب السيما حيث أنه يمكن اعتبار هذا الفيلم كجزء ثان للفيلم
الأول. كذلك كان عليه أن يقلل من الجرعة الجنسية في الفيلم لأن الفكرة قدمت
في بعض المشاهد فليس من الضروري تكرارها أكثر من ذلك".
وأخذت الناقدة علا الشافعي على الفيلم "استخدام الشكل التقليدي
للمعارضة الاسلامية والمسيحية ".." وكثرة المواعظ التي كان يمكن لها أن
تأخذ منحى آخر في الحوار".
وأكد غالبية الذين حضروا العرض الخاص للفيلم أن "الفيلم سيكون مثيرا
للجدل في الواقع الاجتماعي المصري أسوة بالجدل الذي تبع عرض فيلم بحب
السيما".
وساهمت وزارة الثقافة المصرية في انتاج هذا الفيلم الى جانب فيلمي
"عصافير النيل" لمجدي أحمد علي الذي مثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان
القاهرة السينمائي وفيلم "رسائل البحر" لداود عبد السيد الذي لا يزال في
المراحل الأخيرة من الإعداد لعرضه جماهيريا.
العرب أنلاين في
22/12/2009 |