نعرض اليوم لفيلمين مغاربيين مشاركين في مسابقة «المهر العربي»
للأفلام الروائية الطويلة في مهرجان دبي
السينمائي الدولي، هما«الرجل الذي باع
العالم» للمخرجين المغربيين سهيل وعماد نوري، و«زهر» للجزائرية
فاطمة الزهراء
زعموم، ولعل اجتماعهما في هذه القراءة ليس محض مصادفة، بل هو تعقب للتجريب
الذي
يطبعهما، ومن دون إخضاعهما لمقارنة، طالما أنهما خارج نزوعهما نحو التجريب
يفترقان
تقريباً في كل شيء.
يمكن وصف «الرجل الذي باع العالم» بأنه «فيلم العام»،
وله أيضاً أن يشكل مساحة لاختبار مساحات بصرية على تناغم تام مع الشخصيات
وغرائبيتها، لا بل إن عناصر الفيلم كتابياً -كما ستحضر هنا-
ستتلخص بأننا أمام
صديقين تكاد تقتلهما شدة تعلق بعضهما ببعض، وعلى مسار مواز، يحضر الحب
ليكون
ثالثهما، لكن، ماذا عن المقترح البصري الذي يقدمه الفيلم؟ بالإجابة عن هذا
السؤال،
تكمن أصالته ومسعاه للفرادة.
البناء الدرامي للفيلم كابوسي مستمد من كوابيس
فيدور ديستوفسكي، والاسم الذي يطلق على شخصية الفيلم الرئيسة «إكس»
جسده بأداء رائع
(سعيد
باي)، وليكون الفيلم أولاً وأخيراً عنه، عن لعنة أن يحقق الإنسان كل ما
يطمح
إليه، وتمسي حياته على مسار ثابت تكون في نهايته الأبواب مؤصدة.
في بداية
الفيلم، يعلمنا «اكس» عن حياة سعيدة تهبط عليه، وامرأة جميلة يقع في حبها،
وتبادله
إياه بشبق وتوق دائم، كما أن عمله على أحسن ما يرام، ناسخاً للكتب، لا شيء
يفعله
إلا الكتابة ونسخ تلك المجلدات الضخمة، لكن، سرعان ما تمسي هذه
الحياة السعيدة
وباءً، سعادة يبدأ بها الفيلم، ويسعى إلى تبديدها مع توافر أشياء كثيرة في
هذا
العالم لفعل ذلك، خصوصاً إن كانت الشخصية ذات «قلب ضعيف» عنوان رواية
دستوفسكي
المأخوذ عنها الفيلم، أو أن الحرب تحوم حول وحيال الشخصيات،
والرجل الذي سيبيع
العالم لن يفعل ذلك إلا عندما يشتريه هذا العالم بالحب والعمل، بمعنى أن
تحقيق
رغباته لن يمنعه من العودة إلى ماضيه، هو الذي تربى ونشأ في دار للأيتام،
لن تدفعه
هذه السعادة إلا إلى تدمير ذاتي ممنهج على يده، وانقياد أعمى وراء الكوابيس
والهواجس والهلوسات، «علي أن أسرع أكثر في الكتابة» يقول
«اكس»، وينسخ وينسخ وهو
مسكون بكل ما يتيح له الضياع والوصول مباشرة إلى مستشفى المجانين.
قد تبدو
الكتابة أعلاه مهلوسة، وربما غامضة، لكن، مع مشاهدة الفيلم ستتفتح المعاني،
سيكون
التنويع البصري وتقسيم الفيلم إلى 16 فصلاً رحلة بصرية، كل ما فيها جديد
ومتبدل،
وفق إملاءات التنويع المأخوذ بشخصية يتصارع كل شيء في داخلها،
تراودها الشكوك، تمسي
امرأة «إكس» الجميلة مساحة متقطعة من أحلام اليقظة، ومن إضاءة حياته التي
تزداد
عتمة وهو يهجر كل الأضواء. فيلم سهيل وعماد نوري مدعاة للاحتفاء، بما يأخذ
السينما
العربية إلى مساحات جديدة، كما لو أنهما يقدمان مقترحاً
جمالياً خاصاً، أو عملية
اقتحام لآفاق جديدة، لنا أن نستقبلها بذراعين مفتوحتين.
بالانتقال إلى فيلم
الجزائرية فاطمة الزهراء زعموم «زهر»، نمسي أمام فيلم تنوي المخرجة القيام
به بعد
عودتها إلى الجزائر، حيث تقودنا مباشرة إلى التعرف إلى أوضاعها ومساعديها،
وفي
مقدمتهم أخوها، ومن ثم أقاربها، ونحن نمضي معهم في رحلات نتفقد
من خلالها مواقع
التصوير.
نحن في صدد مسودة فيلم، أو فيلم داخل فيلم، ولينقسم «زهر» إلى
وثائقي وروائي، في الأول، نلاحق المخرجة وهي تعاين ما يمكن أن تكون عليه
قصة الفيلم
الذي يتحول إلى تجسيد بصري يبقى حاملاً ملامح وأدوات كثيرة تقول لنا: إنه
فيلم
افتراضي تجري أحداثه في رأس المخرجة التي تكون في القسم الثاني
تبحث وتلتقي بما
سنشاهد في الأول.
سيكون هذا النزوع نحو التجريب فضيلة الفيلم الرئيسة،
وللمشاهد أن يقبله أو يرفضه، وفي كلتا الحالتين، سيكون الأمر متطرفاً، فإما
الانحياز إلى فيلم «زهر» أو رفضه كاملاً، ولعلي مع الخيار
الأول، لا لشيء إلا ألأن
التجريب يمنعنا دائماً من الركون إلى الوصفات الجاهزة في الفن والحياة.
ثلاث شخصيات
سيحملها الشق الروائي من «زهر» الذي يعني (سوء الحظ)، لا بل إن طريقة
تقديمها
وحراكها ستكون مبنية وفق الافتراضية التي تهيمن على كل شيء،
بما في ذلك الطريقة
التي تمشي فيها الشخصيات. أأولى الشخصيات عليا المصورة الآتية من فرنسا
لزيارة
أهلها، ثانيها شريف الكاتب والمثقف الذي قرأ نبأ وفاته في إحدى الصحف،
فأصبح
مسكوناً بهاجس الموت، ثالثها هو سائق التاكسي الذي يقل عليا
وشريف.
تتولى
تلك الشخصيات عملية التعريف عن نفسها، وسرعان ما تمضي أمامنا وهي تنسج قصة
الفيلم،
التي تحوّل عليا إلى قاتلة، كونها تقدم على قتل سائق التاكسي دفاعاً عن
نفسها مع
مساعي السائق الكثيرة لاغتصابها، بعد مفارقة شريف السيارة
ومواصلته طريقه مشياً على
الأقدام، كما أن عليا سرعان ما تلتقي شريف مجدداً وتنشأ بينهما علاقة
حب.
يهمين الخوف على الفيلم، ثمة اتفاق ليس متفقاً عليه بين الشخصيات
للسعي
وراء الهروب والتفتيش عن حياة جديدة، من دون أن ننسى أحداث الجزائر الدامية
التي
تشكل خلفية الأحداث، كما لو أنها كابوس يظلل كل ما في الفيلم الافتراضي.
الإمارات اليوم في
15/12/2009
في مسابقة المُهر الآسيوي
الإفريقي
«نساء
بلا رجال» في طهران وأم وحيدة في جوهانسبورغ
زياد عبدالله – دبي
نمضي اليوم خلف فيلمين مميزين من الأفلام المشاركة في مسابقة المهر
الآسيوي الإفريقي، يجتمعا على أنهما يشكلان لمخرجة الأول ومخرج الثاني أولى
تجاربهما الإخراجية، كما أنهما يمضيان خلف النساء
وهذا العالم من حولهن، بمآسيه،
وبنزوع متأصل فيهن على مجابهته، والتحلي بكل اجراءات المواجهة مع مصائر
سرعان ما
تنحرف إلى الأسود.
الفيلم الأول هو «نساء بلا رجال» للمخرجة الايرانية شيرين
نشأت وبانتاج ألماني نمساوي فرنسي مشترك وقد توج بجائزة الأسد الفضي في
الدورة
الأخيرة من مهرجان البندقية السينمائي، وله أن يكون من الأفلام
التي تلتقي ولا
تلتقي مع أفلام السينما الإيرانية، وفي وفاء لعنوانه الذي يضعنا أمام أربع
نساء
أثناء الاضطرابات التي تشهدها طهران عام 1953 مع حكومة محمد مصدق والتأميم
واليسار
الناشط في مجابهة الشاه، وليكون الفيلم في منحاه السياسي
استعادة لدور اليسار في
تاريخ إيران الحديث، كما أن إهداءه إلى كل من ضحوا بحياتهم في سبيل الحرية
والديمقراطية من عام 1953 إلى 2009 يوصل رسالة عاجلة ومحكمة لما تشهده
إيران
الآن.
لكن لما تقدم أن يكون مترافقاً مع حكايا النساء الأربع، ونحن نتابع
مصائرهن بسرد مشغول بشغف، ومشهدية لها بلاغياتها الخاصة، مع امتزاج الواقع
بسحرية
تمليها أشياء كثيرة، أولها بناء الشخصيات الصالحة لأن تكون نموذجية وخاصة
في آن
معاً.
مونس امرأة مسحورة بالراديو، لا تفارقها ولا تأبه بأخيها المتزمت
دينياً الذي لا يؤرقه إلا كونها لم تتزوج بعد وقد تجاوزت الـ،30 فجأة
يستعاد المشهد
الأول في الفيلم حيث تنتحر برمي نفسها من سطح البيت، فيدفنها أخوها في
حديقته، وإلى
جانب مونس تحضر صديقتها فايزة التي تتوق لأن تتزوج أخاها، فتحضر «حجاباً»
عله يوقف
زواجه من امرأة أخرى، لكنها وأثناء حفرها في الحديقة لتضع
الحجاب أو الرقية تقع على
جثة صديقتها مونس فإذا بها حية تخرج من التربة ويمضيا سويا، وفي مسير مونس
في شوارع
طهران تقع على شاب وسيم يحرض الناس على التمرد ومناهضة الشاه، وتأخذها
أقدامها
باتجاه مقهى لا لشيء إلا لأنه يحتوي على راديو فتصادف الشاب
نفسه مجدداً، وتمضي معه
وتنخرط في العمل السياسي مع الحزب الشيوعي، بينما تتعرض فايزة إلى الاغتصاب
من قبل
شابين يلحقان بها بعد مفارقتها مونس ورفضها الدخول إلى المقهى، فايزة نفسها
التي
كانت قبل جريمة اغتصابها تهلوث طيلة الوقت بعذريتها وعفتها.
إلى جانب مونس
وفايزة، نقع على زارين الصغيرة التي تعمل في بيت دعارة، والرجال يمضون فيها
إياباً
وذهاباً وهي ساهمة في البعيد، تفرك نفسها بالصابون لدرجة تكشط فيها جلدها
بحيث تصير
مضمخة بالدماء، كما أن الرجال يمسون بالنسبة إليها من دون وجوه.
زارين
وفايزة ستجدان ملجأ لهما عند فخري التي تقرر الحياة بعيداً في بيت تحيطه
الغابات من
كل جانب، هي التي كانت مشروع شاعرة مهمة فإذا بنا نقع عليها بوصفها زوجة
تعيسة
لضابط مهم في الجيش الإيراني.
تلك هي الملامح الرئيسة للفيلم، وما عداها
فإنه متروك لواقعية لها ملامح السحرية، والاستمتاع بسرد خاص
يستثمر مفرداته البصرية
بشغف، كأن تكون ورود حديقة فخري التي تصفها بالكثيرة هذا العام من صنع
زارين التي
تصنعها من الورق والقماش وتغرسها في التربة، أو الجنود الذين يأتون حفلة
فخري
فيفتشون البيت ويجلسون إلى المائدة ويلتهموا كل شيء عليها،
الكثير يمكن استعادته في
هذا الفيلم، باعتبار يلتصق بالذاكرة بقوة.
بالانتقال إلى فيلم الجنوب إفريقي
«شيرلي
آدمز» للمخرج أوليفر هيرمانوس ننتقل من معاناة أربعة نساء إلى معاناة امرأة
بمفردها مستعدة للقيام بأي شيء لرعاية ابنها المعاق دونافان (كينان أريسون)
الذي
تكون معنوياته تحت الصفر بكثير، وفي مسعى دائم لأن يضع حداً
لحياته التي ما عادت
تشكل شيئاً بالنسبة إليه، ولنقع على شيرلي وهي تحاول انعاشه وانتشاله من
الموت،
ولتنجح في المرة الأولى ولتأتي المرة الثانية كما لو أنها موعد يحتمل
التأجيل فقط
من دون أن يكون في وارد الإلغاء.
عنوان الفيلم لن يكون إلا باسم شخصيته
الرئيسة أي شيرلي آدمز التي جسدتها دينيس نيومان بأداء له أن
يستوقف لجنة التحكيم
طويلاً، وبوجه محتشد بالتعابير والمشاعر وعلى أهبة دائمة للبكاء من دون أن
تفعل،
فنحن مع هذا الفيلم نقارب غريزة الأمومة بأعلى تجلياتها، بجاهزيتها الفطرية
للقيام
بأي شيء كرمى لعيني ابنها، بأنيابها ومخالبها التي لها ملمس الحرير. وإلى
جانب ذلك
تمضي مشاعر ابنها والحرمان الذي يعيشه من كل شيء، هو الذي تلقى رصاصات قضت
على
حياته وأبقته غير القادر على الاتيان بحركة من دون أمه التي
تتلقى مساعدته بكل ما
أوتيت من حنان، وتحثه دائماً على الأمل. لكن سرعان ما يهوي كل شيء في مشهد
مصنوع
باتقان، نجد شيرلي تضع ابنها في حوض الحمام لتحممه، ثم تتركه فيه ليستمتع
بالماء،
ولتخرج إلى نشر غسلها، وللحظة تتوقف وتعود إلى داخل البيت بكل
ما أوتيت من سرعة
فإذا به قد غطس في الماء وترك نفسه تحته إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة.
ينتهي
الفيلم وشيرلي أمام شاطئ البحر، كما لو أنها تستعيد رغبة ابنها بالذهاب
إليه، أو
وصيته طالما أنها صارت وحيدة من دونه وليس أمامها إلا البحر.
الإمارات اليوم في
14/12/2009 |