كتاب يمكن اعتباره صغير الحجم نسبيا، يركز على السينما في امريكا
اللاتينية، وقد جاء بنفس العنوان "السينما في أمريكا اللاتينية" ضمن سلسلة
الفن السابع المعروفة التي تصدرها المؤسسة العامة للسينما فى سوريا.
يحمل هذا الكتاب رقم 170 وهو الكتاب الثاني لمؤلفه محمد عبيدو والذي
سبق له أن أصدر كتابا حول السينما الإسبانية.
* سينما وتحوّلات
تقول مقدمة الكتاب: "جاءت التحوّلات المميزة لصناعة السينما في أمريكا
اللاتينية أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وعملت منذ ذلك التاريخ، على
إيجاد موطئ قدم لها اينما واتتها الفرصة، وبدأت ملامحها في التشكل حتى في
أكثر الأوقات صعوبة وفي أكثر المواقف صداما، بالدرجة التي يمكن القول فيها
إنها تشكلت وسط الصراعات والنزاعات، فقد كانت ومنذ انطلاقتها تقف مع
المنددين والناشطين ضد الفقر والعوز وإلى وصف المنادين بالنهوض ضد سياسات
القمعية. وعلى مدى ربع قرن تطوّرت الحركة السينمائية لا لتغطي القارة
بأكملها فقط، وإنما لتضع هذه السينما الناشئة في صلب الاهتمام العالي لأوّل
مرة".
يحتوي هذا الكتاب وفي خلال صفحات قدرها فعليا "70" صفحة، عدى المقدمة
وملف والصور، على فصول تشمل السينما البرازيلية والسينما المكسيكية
والسينما الكوبية والسينما الفنزويلية والسينما الأرجنتينية والسينما
التشيلية، بالإضافة إلى السينما الكولومبية والإكوادورية والبوليفية.
في الحقيقة، ورغم الاهتمام الذي أولته بعض المهرجانات العربية
لسينماأمريكا اللاتينية، ومن ذلك مهرجان دمشق السينمائي، تبقى الكتب
المعنية بهذه السينما قليلة، وربما نقول نادرة، فلا يوجد كتاب واحد يتعامل
مع السينما الأرجنتينية أو البرازيلية أو الكوبية أو المكسيكية، ونقصد
الكتب العربية السينمائية الموضوعة أو المترجمة.
* معلومات أولية
وحتى سلسلة الفن السابع، لم تركز كثيرا على هذه النوعية من الكتب،
خصوصا أن طبيعة السينما تتطلب الحديث الموسع المفرد على كل سينما على حدة،
ولا يمكن أن نجمع سينمات أمريكا اللاتينية في خانة واحد، إلا إذا تناولنا
الموضوع من الناحية التاريخية فقط، بمعنى التعامل مع البدايات الأولى
للسينما في المنطقة.
يقدم هذا الكتاب معلومات أولية لا بأس بها ولكنها بالطبع لا تفي
بالغرض المطلوب، ذلك أن السينما في معظم بلدان أمريكا اللاتينية قد تقدّمت
كثيرا وتحتاج كل دولة إلى كتاب موسّع، ولا نقصد بذلك السينما البرازيلية
أوالأرجنتينية فهي ذات تاريخ يرجع إلى بدايات السينما بصفة عامة، لكننا
نقصد أيضا سينمات أخرى مثل السينما الكوبية مثلا والسينما التشيلية وكذلك
المكسيكية والفنزويلية ولقد نجحت أفلام كثيرة جاءت من بوليفيا والبيرو
والإكوادور وغيرها.
* سينما وصناعة
في الفصل الخاص بالسينماالبرازيلية يقدّم المؤلف محمد عبيد ومعلومات
حول هذه السينما، من حيث البدايات، ولعله يذكر اسم مخرجين مهمين، وهما
"أمبيرتو ماورا وكذلك ماريو بيكسوتو، ويرجع الأمر إلى تواريخ قديمة، حيث
بدأت السينما الصامتة في البرازيل1879 ".
غير أن السينما فـي البرازيل قد صارت صناعة، وتحديدا منذ عام 1940،
وكان أول فيلم يحقق نجـاحا دوليا ويفوز بجـائزة عالميـة "قاطع الطريق"الذي
فاز بجائزة مهرجان" كان" عام 1954. وتكرّر الأمر في مهرجان كان أيضا عام
1962 عندما فاز فيلم آخر وهو "دافع التعهدات" ولكن بطريقة مختلفة، لأن
الفيلم المقصود قد عبّر عن اتجاه سينمائي انتشر في البرازيل والمقصود بذلك
سينما" نونو"، أو السينما الجديدة وكان المخرج الأشهر هو "سانتوس دي
بيريرا" والمنظر الأكثر شهرة هو" غلوبير روشا".
من أشهر الأفلام فى هذا الاتجاه "البنك الثالث" و" الجفاف"و"الليل
الفارغ" وبالطبع يذكر المؤلف فيلما مهما مختلف وهو"مقاومة كوبا للشياطين"
باعتباره يجسّد حلقة من الصراع بين العبيد والسادة ويعود إلى الموروث
الإفريقي القديم الذي يجمع بين إفريقيات وأمريكا اللاتينية.
* تسلسل تاريخي
يستخدم المؤلف طريقة التدرّج التاريخي ويذكر بعض الأفلام لبعض
المخرجين، وبالطبع تأتي المعلومات سريعة وكأنها ترجمة من لغة أخرى، وصولا
إلى أفلام حديثة نسبيا أنتجت في إطار عالمي أو بالاشتراك مع شركات أمريكية
وهي أفلام لا تعتبر برازيلية، كما في فيلم "البستاني الدائم" وقبل ذلك فيلم
"قبلة العنكبوت".
يتخلى الكاتب عن السرد التاريخي السريع عندما يصادف فيلم مثل البستاني
الدائم ويتوسع في قراءته، رغم أن السياق لا يقتضي ذلك وهذا ما يحدث مع فيلم
آخر وهو "قوات الصفوة".
في فصل آخر يتحدث الكاتب عن السينما المكسيكية التي ترتبط بالثورة
المكسيكية عام 1950. ورغم أن المكسيك قد أنتجت أفلاما صامتة، إلا أنها
فقدت. وتعدّ المكسيك لذلك من الدول الحديثة نسبيا في عالم السينما، من حيث
الشهرة العالمية.
تقول المصادر بحسب رأي المؤلف بأن أول الأفلام المكسيكية كان عام1907
مع فيلم "صرخة الأفلام".. فعليا كان النجاح في بداية الثلاثينيات، عندما
صار هناك إنتاج يغطي أمريكا اللاتينية، وبالطبع كانت الفائدة كبيرة من
هوليوود، ولاسيما من حيث إنتاج أفلام الكاوبوي، وكانت أشهر الأفلام التي
تحصلت على جوائز الفيلم المعروف "هناك في رانتشوغراندي" لمخرجه" فرناندو
فونتيس" عام 1938.
لقد اشتهرت بعض الممثلات النجوم مثل "سارة جاركا" وكذلك الكوميدى"
ماري مورينو" وبذلك صارت السينما المكسيكية من الصناعات المهمة، ولاسيما
وأن الإنتاج قد وصل مع بداية الأربعينيات إلى 70 فيلما في السنة، ثم صارت
بعد ذلك مئة فيلم. لكن المشكلات المتفاقمة في المكسيك ولاسيما الاقتصادية
أربكت الإنتاج السينمائي فتراجع عدد الأفلام بعد ذلك، إلى أن جاءت موجة
الأفلام المكسيكية الطويلة مثل " لماء والشكولاته" وغيره من الأفلام ذات
الطبيعة السردية والدرامية. ومن الأفلام التى يذكرها المؤلف "متاهة بان"
و""عذراء الشهوة " و"محارب" و"بعيدا عن الشارع" و"من والي" و"الحب
والكلاب".
* سينما متميّزة
وفي فصل جديد يتعرّض المؤلف إلى السينما الكوبية، وهي لا تكاد تختلف
كثيرا عن باقي السينمات اللاتينية، فقد بدأت السينما مبكرا في هذه البلد،
ولاسيما على مستوى الأشرطة التسجيلية ومع حرب الاستقلال ضد اسبانيا.
ولقد كانت البدايات الفعلية مع أعوام 1906 – 1909 – 1911 ومع أفلام
مثل: "السيد ماجون يترك كوبا" و"احتفالات عذراء الإحسان" و "رحلة الطيار
إلى هافانا".
ولقد كان من أهمّ المخرجين فى تلك المرحلة"كويسادا اريزونا" الذي
اشتهر بفيلم" كابتن مامباي" وفيلم" ملك الريف" "1914 – 1916"..
وكما يوضح المؤلف فإن إنتاج أكثر من ثمانين، أكثرها مفقود لا يكاد
يعني الكثير، لأن السينما الوطنية الفعلية لم تتأكد إلا بقيام الثورة
الكوبية عام 1959، وعندما تمّ تأسيس المعهد الكوبى لفن وصناعة السينما، حيث
قدّمت عشرات الأفلام الجيدة ومنها:" أنا كوبا"و" مغامرات خوان كين" و"
ذكريات التخلف" و" لوسيما".
وكان أكثر المخرجين شهرة "سنتيا غوالفاريز" في أعماله المهمة:
"الإعصار" و"هانوى الثلاثاء" و"الآن".هناك أيضا أفلام كبيرة أخرى مثل "أنا
أسف يا كوبا"، و"موت البيروقراطي" و"تحيا كوبا" و"عطر البلوط".
ولا يستطرد الكاتب في ذكر أهم الأفلام الكوبية ولاسيما في العقود
الأخيرة، عندما خرجت السينما الكوبية من معطف الدعاوي الإيديولوجية
والسياسية، والمقال لا يعطي إلا إشارات فقط حول السينما الكوبية، مثلما حدث
مع سينمات أخرى، فيما لا يختلف كثيرا عن المقالات اللاحقة.
كما قلنا فالكتاب هدفه تعريفي، ولذلك يستخدم طريقة السرد ولا يضيف
فهرسا لأهم الأفلام المنتجة وهو أمر كان من الممكن أن يكون إيجابيا، وكذلك
لا يتناول الكتاب أهم المخرجين وهو أمر مهم أيضا، بالنسبة لأمريكا
اللاتينية بصفة عامة.
* مؤسسة بوليفارا
بالنسبة لفنزويلا، نراها لا تكاد تختلف كثيرا، إلا من حيث تأخرها في
الإنتاج، ولقد أنتج بها أول فيلم ناطق عام 1937 وكان بعنوان "تابوغا".
ولقد شهدت السينما في فنزويلا مراحل من التطور غير ثابتة، كما حدث في
الأربعينيات بإنشاء مؤسسة بوليفار السينمائية، تم إنشاء صندوق تنمية
السينما والذي أنتج عدد كبير من الأفلام في السبعينيات.
أما متوسط الأفلام فيصل أحيانا إلى عشرينا فيلما وينحدر الرقم في بعض
الأحيان إلى عشرة وفي السنوات الأخيرة يصل الإنتاج إلى خمسة أفلام في
السنة.
من أهم الأفلام التي يذكرها المؤلف لون الشهرة 2008 ولكن هناك أفلام
أخرى كثيرة لم تذكر وبعضها عرض في مهرجان دمشق السينمائي.
من جانب آخر يحتوي الكتاب على مقابلة مطوّلة، بعيدة نسبيا عن موضوع
السينما في فنزويلا إلا في حدود ضيقة.
* كتاب آخر
الواقع أن الكاتب يبذل جهدا طيبا في جمع المعلومات، وهي تظل متناثرة
هنا وهناك، حيث يشعر القارىء بأن الكتاب مجرّد مسوّدة لمشروع آخر ربما
يحتاج إلى عناية أكثر من قبل الكاتب، بحيث تتمّ إضافة النواقص، كلما سمحت
الظروف بذلك.
تبقى باقي الفصول وهي موضوعات حول السينما الأرجنتينية، وهي في الواقع
السينما الأمّ في أمريكا اللاتينية، هناك موضوع أيضا حول السينما التشيلية
حيث يدور الحديث بصفة خاصة حول المخرج "ميغيل ليتين".
من أهم الأفلام المذكورة.: ذئب نولتورو – اللجؤ الى المنهج – ثلاثة
نمور حزينة – ماتشوكا – أفضل أعدائي وتحت الأرض – السماء الأرض المطر.
الفصل الأخير جاء من أضعف فصول الكتاب، حيث يتم الحديث عن أفلام معينة
مختارة من كولومبيا والإكوادور وبوليفيا، وعنوان الكتاب يؤكد هذا الاختيار
من كولومبيا مثلا يتم الحديث عن فيلم "ظل الماشى" إنتاج 2003 وفيلم، الكلاب
تأكل بعضها وفيلم الجنة على الناحية الأخرى.
من الإكوادور يختار المؤلف فيلم خارج اللعبة ومن بوليفيا فيلم جبال
الانديز لا تؤمن بالله وكذلك فيلم الترابط الجنسي.
كما قلب سابقا، لقد بذل المؤلف جهدا موفقا فى جمع معلومات هذا الكتاب،
الذى يمكن اعتباره مقدمة جيدة لمن يرغب معرفة بعض المعلومات حول السينما فى
امريكا اللاتينية، لكنها بالطبع معلومات غير كافية ويحتاج الأمر الى أكثر
من كتاب حول الموضوع وكما قلت أيضا فإن كل دولة من دول امريكا اللاتينية
تحتاج الى كتاب منفصل.
العرب أنلاين في
03/12/2009 |